الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب السِّيَر
السير، وفي نسخة:
أبواب السير
وهو بكسر ففتح جمع السيرة بمعنى الطريق، وأصلها حالة السير إلا أنها غلبت في لسان أهل الشرع على المغازي وما يتعلق بها من لوازم الغزاة كآلة الجهاد وغيرها.
862 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أنه بلغه عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ما ظهر الغُلُول في قومٍ قطّ إلا ألقى في قلوبهم الرُّعب، ولا فشا الزنا في قومٍ قط إلا كثر فيهم الموت، ولا نَقَصَ قوم المكيال والميزان إلا قُطع عنهم الرزق، ولا حَكَم قومٌ بغير الحقّ إلا فشا فيهم الدّم، ولا ختر قومٌ العهد إلا سلَّط الله عليهم العدوّ.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني يكنى أبا سعيد القاضي، ثقة ثبت كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة أنه بلغه وقد رواه أبو عمر بن عبد البر متصل عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: موقوفًا، حكمه الرفع؛ لأنه لا يقال رأيًا، وقد رواه ابن ماجه وغيره بنحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون الجملة الأولى وهي ما ظهر الغُلُول بضم الغين المعجمة واللام أي: الخيانة في المغنم سمي بذلك؛ لأنه أخذه يغله أي: يخفيه في متاعه، وأجمعوا على أنه من الكبائر قال تعالى في سورة آل عمران:{وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [آل عمران: 161] في قومٍ قطّ بفتح القاف وتشديد الطاء المهملة المضمومة ظرف زمان لاستغراق ما مضى، ويختص بالنفي يقال ما فعلته (ق 891) قط أي: ما فعلته فيما انقطع عمري؛ لأن الماضي منقطع عن الحال، والاستقبال ويبنى على الضم لتضمنه معنى مذ وإلى وعلى الحركة لئلا يلتقي ساكنان، فالمعنى ما ظهر الخيانة في قوم في زمان الماضي أصلًا بمال الغنيمة إلا ألقى بصيغة المجهول أي: خلق الله في قلوبهم الرُّعب، بضم الراء وسكون العين المهملة وسكونها أي: الخوف معافاته النقيض قال: المال يقوي القلب فلما
(862) مرسل: أخرجه مالك (28).
أخذوه بغير حل خافوا، قال ابن عبد البر: من عدوهم فجبنوا عن لقائهم، فظهر العدو عليهم ثم يحتمل أن ذلك فيمن غل دون من لم يغل ولم يرضو به، وإلا ظهر أنه عام مع القدرة إلى التغيير ولم يفعلوا أو لم تنكره قلوبهم قال تعالى في سورة هود:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ} [هود: 116] وقال تعالى في سورة الأعراف: {الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} الآية [الأعراف: 165] ولا فشا أي: ظهر وكثر وانتشر الزنا في قومٍ قط أي: لم ينكر على فاعله إلا كثر فيهم الموت، أي: الوباء. خرج عبد الله بن حميد وأبو جعفر محمد بن الجرير الطبري وغيرهم بإسناد قوي، وأخرج الطبراني من طريق محمد بن إسحاق عن سالم أبي نصر: أن موسى صلوات الله على نبينا وعليه لما نزل في أرض بني كنعان أي: قوم طعم بن باعوراء، وهو رجل مجاب الدعوة وعنده الاسم الأعظم من أسمائه تعالى، فقالوا: بنوا إسرائيل عند بلعم هذا موسى جاء في بني إسرائيل ليخرجنا من بلادنا، فذكروا الفتنة نحوه أي: عند بلعم وأبسطوا الكلام منه وقالوا في الكلام كثيرًا، ثم قال بلعم: لم يبق إلا المكر والحيلة، فأمرهم بأن قال لهم: جملوا النساء وأعطوهن السلاح ثم أرسلوهن إلى العسكر، فإنهن إن زنى رجل منهم كفيتموهم ففعلوا ما أمرهم، فلما دخلت النساء العسكر مرت امرأة من الكنعانيين اسمها كستى بنت صور برجل من عظماء بني إسرائيل يقال له: زمري بن شلوم رأس سبط أي: جماعة، فأخذ بيدها حين أعجبه جمالها ثم أقبل حتى وقف على موسى صلوات الله على نبينا وعليه فقال: إني أظنك ستقول هذه المرأة حرام عليك، فقال موسى: أجل هي حرام عليك لا تقربوها وقال الرجل: فوالله لا نطيعك في هذه الباب وأدخلها في قبته فزنى بها فأرسل الله تعالى الطاعون في بني إسرائيل، وكان فنحاص بن العيزار بن هارون صاحب أمر موسى، ورجل قد أعطي بسطة في الخلق وقوة في البطش، وكان فنحاص غائبًا، فجاء وراء الطاعون يحرس ويحيط بني إسرائيل، فأخبر الخبر فأخذ حربته، ثم دخل القبة فانتظمها بحربته وهما متضاجعان، ثم خرج بهما وشرع يقول: اللهم هكذا نفعل بمن يعصيك ورفع الطاعون، فأحصى من هلك من الطاعون فيما بين أن أصاب أمر المرأة إلى أن قتله فنحاص سبعون ألفًا، والمقلل لهم يقول: عشرون ألفًا كما فصلناه في رسالتنا (بركات الأبرار) ولا نَقَصَ قوم المكيال والميزان (ق 892) وقال ما أشرفت من الأرض أعلاها تهامة واليمن وأسفلها العراق والشام وأولها جهة الحجاز ذات عرق كذا في (القاموس).
قال مالك: بلغني أن عمر بن عبد العزيز وهو سادس أو خامس الخلفاء الراشدين كتب إلى عامل من عماله أنه بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث سرية يقول لهم: "أغزوا بسم الله في سبيل الله" أي: ابدؤوا بذكر اسم الله تعالى حال كونكم مخلصًا نياتكم تقاتلون من كفر بالله ولا تختلفوا في المغنم، ولا تتركوا الوفاء بالعهد، ولا تقطعوا بأذن القتلى ولا أنفهم، ولا تقتلوا صبيانًا، وفيه فوائد مجمع عليها وهي: تحريم الغدر، والغلول، وقتل الصبيان إذا لم يقاتلوا، أو كراهة المثلة وهي قطع الأنف والأذن والشفة، وفيه أيضًا استحباب وصية الإِمام أمراء جيوشه بالتقوى، والرفق وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم وما يجب عليهم وما يحل لهم وما يحرم عليهم وما يكره، وما يستحب كذا قاله الزرقاني (1) عن النووي.
والمراد بأهل نجد أهل محارب بها أمره صلى الله عليه وسلم أن يشن عليهم الغارة فسار الليل وتستر في النهار فهجم على حاضر منهم عظم فأحاط بهم وقاتل منهم رجال، فقتل من أشرافهم فغنموا إبلًا كثيرة، وفي رواية لمسلم (2): أصبنا إبلًا وغنمًا، وذكر أهل السير أنها مائتا بعير وألفا شاة، فكان سهامهم بضم السين المهملة وسكون الهاء جمع سهم أي: نصيب كل واحد اثنا عشر بعيرًا ونفلوا بضم النون وتشديد الفاء المكسورة أي: أعطى للسرية أميرهم بعيرًا بعيرًا، وأعطى كل واحد منهم زيادة علي السهم المستحق له، واختلف الرواة في القسم والتنفيل هل كانا معًا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وسلم وأحدهما من أحدهما؛ فلأبي داود وابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر فخرجت فيها فأصبنا نعمًا كثيرًا وأعطانا أميرنا بعيرًا لكل إنسان، ثم قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فقسم بيننا غنمتين فأصاب كل رجل اثنى عشر بعيرًا، الخمس، وأخرجه أبو داود من طريق شعيب عن أبي جمرة عن نافع عن ابن عمر قال: بعثنا صلى الله عليه وسلم في جيش قبل نجد وانبعثت سرية من الجيش، فكان سهمان الجيش اثنى عشر بعيرًا، ونفل أهل السرية بعيرًا فكانت سهمانهم ثلاثة عشر بعيرًا، وأخرجه ابن عبد البر من هذه الوجه، وقال في روايته: إن ذلك الجيش كان أربعة آلاف أي: الذين خرجت منهم السرية الخمس عشر كما عند ابن سعد وغيره، فظاهر رواية الليث عن مسلم
(1) انظر: "شرح الزرقاني"(3/ 18).
(2)
أخرجه البخاري (3075)، ومسلم (1749).
أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك وأجازه؛ لأنه قال فيه: ولم يغيره النبي صلى الله عليه وسلم، وفي راوية عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن نافع عنده أيضًا: ونفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرًا بعيرًا وهذا يحمل على التقدير فتجتمع الروايتان (ق 893) أي: نفسهما أو ما فيهما إلا قُطع عنهم الرزق، أي: البركة فيه أو ضيق عليهم القوة كما في نسخة، عليهم لا أصل الرزق، فلأننا في بين هذا ونحوه كحديث:"إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" وبين أحاديث: "إن الرزق لا تزيده الطاعة ولا تنقصه المعصية" كذا قاله الفاضل السيد محمد الزرقاني، يقول الفقير: والمراد بالرزق طيبه وحسنه فإنه مطلقًا، وهو يصرف إلى كماله وهو الطيب والحسن، روى لم يجئ جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا أمره أن يقول:"اللهم ارزقني طيبًا واستعملني صالحًا" كذا أخرجه الترمذي في (النوادر) الرزق الحسن ما يصل إلى صاحبه بلا كد في طلبه وقيل: هو ما وجد غير مترقب ولا محسب ولا مكتسب كذا عرفه السيد الشريف محمد الجرجاني ولا حَكَم قومٌ أي: أئمة قوم بغير الحق أي: بغير ما أنزل الله عز وجل إلا فشا أي: كثر فيهم الدّم، أي: القتال والفتن التي تقتضي الجراحات بالمحاربة بينهم ولا ختر بفتح الخاء المعجمة والتاء الفوقية المفتوحة ثم راء مهملة مفتوحة أي: لا خدع ولا غدر ولم ينقض قومٌ في زمن الماضي وفي نسخة: قط العهد أي: بعهد الله ورسوله يعني لم يحكموا بكتابه تعالى وبسنة رسوله.
قال ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمرو بن محمد بن علي البيضاوي الشيرازي: قيل عهد الله ثلاثة:
الأول: عهد أخذه الله تعالى على جميع ذرية آدم بأن يقروا بربوبيته حين أخرجهم من آدم على صورة الذرة بعضها أبيض وبعضها أسود، وانتشروا على يمين آدم ويساره فجعلهم عقلاء فخاطبهم حين أشهدهم على أنفسهم بقوله:{أَلَسْتُ بِربِّكُمْ} [الأعراف: 172] وأمرهم بالإِيمان ونهاهم عن الكفر، فأقروا له تعالى بالربوبية ولأنفسهم بالعبودية حيث قالوا:{بَلَى} [الأعراف: 172] فكان ذلك منهم إيمانًا حقيقيًا أو حكميًا فهم يولدون على تلك الفطرة.
والثاني: عهد أخذه الله على النبيين بأن يقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه.
والثالث: عهد أخذه الله على العلماء بأن بينوا الحق ولا يكتمونه ولا يحكمون بغيره، والمراد هنا الأول كذا فصلناه في حاشية تفسير قوله تعالى: {إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ
يَسْتَوْفُونَ} [المطففين: 2] إلا سلَّط بصيغة المجهول الله عليهم العدوّ جزاء بما اجترحوه من نقص العهد المأمور بالوفاء به.
* * *
863 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْد، فغنموا إبلًا كثيرة، فكانت سُهْمَانُهم اثنى عشر بعيرًا، ونُفِّلوا بعيرًا بعيرًا.
قال محمد: كان النَّفَل لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يُنَفِّل من الخُمُس أهلَ الحاجة، وقد قال الله عز وجل:{الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] فأما اليومَ فلا نفل بعد إحراز الغنيمة إلا من الخُمُس لمحتاج.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا نافع، عن ابن عمر: رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سَرِيَّةً أي: في شعبان سنة ثمان قبل فتح مكة، وكان أبو قتادة أميرها، السرية بفتح السين وكسر الراء المهملة وتشديد التحتية المفتوحة والفوقية أي: قطعة من الجيش، قيل: هي الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها، وسميت بها لأنها تسير بالليل ويخفى ذهابها كذا قاله السيوطي (1): ولأنها خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء النفيس قِبَلَ بكسر القاف وفتح الموحدة أي: جهة نَجْد، بفتح النون وسكون الجيم والدال المهملة جمع أنجاد بفتح الهمز وسكون النون وبعد الجيم ألف (ق 893) ودال.
قال النووي: معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وسلم فجازت نسبته لكل منهما، كذا قاله الفاضل السيد محمد الزرقاني (2).
قال محمد: كان النَّفَل بفتحتين وهو الغنيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: خاصة يُنَفِّل من الخُمُس أهلَ الحاجة، وقد قال الله عز وجل:{الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] قال
(863) صحيح: أخرجه البخاري (3134) ومسلم (1749) وأبو داود (2744) وأحمد (5266) والدارمي (12481) ومالك (987).
(1)
انظر: "تنوير الحوالك"(1/ 298).
(2)
انظر: "شرح الزرقاني"(3/ 21).