الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَا يُصْلِحُونَ} [النمل: 48] أن إفسادهم كان قطع الذهب والفضة، وعن زيد بن أسلم في قوله تعالى في سورة هود:{أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ} [هود: 87] قال: قطع الدنانير والدراهم.
وقال غيره: هو الجس الذي كانوا يفعلونه، وروى ابن أبي شيبة أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس.
قال أبو عمر بن عبد البر: إسناده لين. كذا قاله الزرقاني.
قال محمد: لا ينبغي أي: لا يجوز قَطْع الدراهم والدنانير لغير منفعة أي: للعباد، والظاهر أن مراد ابن المسيب من قطعهما نقص شيء منها ومراد محمد من قطعها كسرها وإبطال صورهما وجعلها مصوغًا وطروفًا ونحوهما والله أعلم. كذا قال علي القاري.
لما فرغ من بيان ما يكره من قطع الدراهم والدنانير، شرع في بيان حكم المعاملة والمزارعة في النخل والأرض، فقال: هذا
* * *
باب المعاملة والمزارعة في الأرض والنخل
في بيان حكم أحكام المعاملة: وهي أن يعطي صاحب النخل والبستان نخله وبستانه لآخر ليعمل فيها، على شرط يكون نصفه لمحصول أو ثلثه أو ربعه لصاحب البستان ونصفه الآخر أو ثلثه أو ربعه للعامل فيها، والمزارعة: وهي أن يعطي صاحب الأرض الخالية من الأشجار أرضه إلى آخر ليزرعها على شرط أن يكون نصف المحصول أو ثلثه أو ربعه لصاحبه الأرض ونصفه الآخر أو ثلثه أو ربعه للحارث قوله: في النخل قيد المعاملة، وقوله: والأرض قيد المزارعة.
830 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، أن حنظلة الأنصاري أخبره، أنه سأل رافع بن خديج عن كراء المزارع، فقال: قد نُهي عنه، قال حنظلة: فقلتُ لرافع: بالذهب والورق؟ فقال رافع: لا بأس بكرائها بالذهب والورِق.
(830) إسناده صحيح.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأس بكرائها بالذهب، والورِق، وبالحنطة كيلًا معلومًا، وضَرْبًا معلومًا، ما لم يُشترط ذلك مما يخرج منها، فإن اشترط مما يخرج منها كيلًا معلومًا فلا خير فيه، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
وقد سُئل عن كرائها سعيد بن جبير بالحنطة كيلًا معلومًا، فرَخَّصَ في ذلك، وقال: هل ذلك إلا مثل البيت يُكرى.
• أخبرنا مالك، أخبرنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن، التيمي مولاهم يكنى أبا عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي، واسم أبيه فروخ ثقة فقيه مشهور، قال ابن سعد: كانوا يثقونه لموضع الرأي، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين ومائة أن حنظلة بن قيس بن عمرو بن حصن بن خلدة الزرقي المدني الأنصاري ثقة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة. كذا قاله في (تقريب التهذيب) أخبره، أنه سأل رافع بن خديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة وإسكان التحتية وجيم هو ابن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي هو أول من شهد أحدًا ثم الخندق، مات سنة ثلاث أو أربع وسبعين وقيل: قبل ذلك عن كراء المزارع، بفتح الميم جمع المزرعة، هي مكان الزرع فقال: أي: رافع بن خديج قد نُهي عنه، على بناء المجهول أي: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء المزارع وظاهره منع كرائها مطلقًا وإليه ذهب الحسن وطاووس وأبو بكر الأصم، قال: لأنها إذا استؤجرت وخربت لعلها يحترق ذرعها فيردها، وقد زادت وانتفع ربها ولم ينتفع المستأجر، ومن حجتهم حديث الصحيحين (ق 860) وغيرهما مرفوعًا:"من كانت له أرض فليزرعها، فإن لم يفعل فليمسك أرضه" قال حنظلة: فقلتُ أي: سألت لرافع: ابن خديج بالذهب والورق؟ أي: أنهى عن كرائها بهما؟ فقال رافع: لا بأس أي: لا حرمة بكرائها بالذهب والورِق أي: الفضة ونحوهما، وفي رواية للشيخين من لا إنما نهى عنه ببعض ما يخرج منها.
قال مالك في (موطئه): أما بالذهب والورق فلا بأس به، وهو يتحمل أنه قال ذلك اجتهادًا أو علم ذلك بالنص على جوازه، وقد روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال: إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، ورجل منح أرضًا، ورجل أكرى أرضًا بذهب أو فضة،
وهو يرجح أنه ما قاله رافع مرفوع، لكن بين النسائي من وجه آخر المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة، وأن بقيته مدرج من كلام ابن المسيب، وقد مر تفصيل الحديث المدرج. كذا قاله الزرقاني (1).
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه حنظلة عن رافع بن خديج لا بأس بكرائها بالذهب، والورِق، أي: بالنقد وما في معناها وبالحنطة ونحوهما من الشعير والأرز والذرة كيلًا معلومًا، أي: عند المتعاقدين وضَرْبًا أي: صنفًا معلومًا، أي: عندهما ما لم يُشترط ذلك أي: ما ذكر من القدر والصنف المعلومين من الحنطة مثلًا مما يخرج منها، أي: من تلك الأرض فإن اشترط مما يخرج منها كيلًا معلومًا أي: فضلًا أن يكون مجهولًا فلا خير فيه، أي: لأنه حرام وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
وقد سُئل عن كرائها سعيد بن جبير بالحنطة كيلًا معلومًا، فرَخَّصَ في ذلك، وقال: هل ذلك أي: في القياس إلا مثل البيت يُكرى أي: بالحنطة أو الذهب أو الفضة ونحوهما.
* * *
831 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيَّب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر قال لليهود:"أقرّكم ما أقركم الله، على أن الثَّمَرَ بيننا وبينكم"، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة فيخرصُ عليهم، ثم يقول: إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي، قال: فكانوا يأخذونه.
• أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سعيد بن المسيَّب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: يوم فتح خيبر بوزن جعفر: مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع ونخل كثير، على حين ثمانية برد من المدينة إلى جهة الشام هذا حديث مرسل.
قال ابن عبد البر: وصله جميع رواة الموطأ وأكثر أصحاب ابن شهاب، ووصله
(1) في شرحه (3/ 472).
(831)
هو في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (2397)، وقال ابن عبد البر: أرسله جميع رواة الموطأ وأكثر أصحاب ابن شهاب، وأخرجه الشافعي في مسنده (2/ 135)، والبيهقي في معرفة السنن والآثار (8/ 12078).
منهم طائفة منهم صالح بن أبي الأخضر أي: وهو ضعيف، فزاد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لليهود أي: ليهود خيبر أقرّكم أي: على أراضي خيبر وذراعتها ما أقركم الله، أي: مدة التي قدرها لمسافتكم فيها لا دلالة فيه لمن قال: يجوز المسافات مدة مجهولة؛ لأنه محمول على مدة العهد؛ لأنه كان عازمًا على إخراج الكفار من جزيرة العرب لمحبتة، استقبال الكعبة؛ لأنه كان لا يتقدم في شيء إلا بوحي قد ذكر ذلك لليهود منتظرًا للقضاء فيهم إلى أن حضرتهم الوفاة فأتاه الوحي فقال:"لا يبقين دينان بأرض العرب" فلما بلغ عمر ذلك كان خاصًا به صلى الله عليه وسلم ينتظر قضاء الله، وقيل: لأنهم كانوا عبيدًا له، كما قال ابن شهاب، ويجوز بين السيد وعبده ما لا يجوز بين الأجنبيين؛ إذ للسيد أخذ ما بيده عند الجميع. كذا قاله ابن عبد البر على أن الثَّمَرَ بالمثلثة أي: الحاصل منها من الثمر والزرع بيننا وبينكم، أي: نصفين، كما (ق 861) في الصحيحين (1) عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
قال عياض: هو مفسِّر للإِبهام في حديث (الموطأ) فإن المسافات لا تجوز مبهمة، والجزء فيها ما يتفقان عليه قل أو كثر قال: أي: سعيد بن المسيب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة بفتح الراء المهملة ابن ثعلبة بن امرئ القيس الأنصاري الخزرجي الشاعر، أحد السابقين شهد بدرًا واستشهد بمؤتة، وكان ثالث الأمراء بها في جمادى الأولى سنة ثمان فيخرصُ بضم الراء المهملة ثم صاد مهملة أي: يجوز ويخمن قدر الثمر أو الزرع الحاصل بينه وبينهم أي: بمعرفتهم ثم يقول: إن شئتم فلكم أي: هذا المقدار وتضمنونه نصيب المسلمين وإن شئتم فلي، أي: فأنتم مخيرون وأضمن نصيبكم قال: أي: عبد الله بن رواحة فكانوا يأخذونه أي: يختارونه، وعن جابر:"خرص ابن رواحة أربعين ألف وسق، ولمَّا خيرهم أخذوا الثمرة وأدوا عشرين ألف وسق".
قال ابن مزين: سألت عيسى عن فعل ابن رواحة: أيجوز للمساقين أو المشتركين، فقال: لا ولا يصح إلا كيلًا إلا أن تختلف حاجتهما إليه، فيقسمانه بالخرص فتأول خرص ابن رواحة للقسمة خاصة. كذا قاله الفاضل محمد الزرقاني (2).
* * *
(1) البخاري (4002)، ومسلم (3/ 1186).
(2)
في شرحه (3/ 459).
832 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة، فيخرص بينه وبين اليهود، قال: فجمعوا له حليّا من حليّ نسائهم، فقالوا: هذا لك وخفف عنَّا وتجاوز في القسم، فقال: يا معشر اليهود، والله إنكم لمِن أبغض خلق الله إليَّ، وما ذلك بحاملي أن أحيف عليكم، أمّا الذي عَرَضتم من الرِّشوة فإنها سُحْت، وإنا لا نأكلها، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا بأس بمعاملة النخل على الشَّطر، والثلث، والربع، وبمزارعة الأرض البيضاء على الشطر والثلث والربع، وكان أبو حنيفة يكره ذلك، ويذكر أن ذلك هو المخابرة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم الزهري التابعي، ثقة كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة عن سليمان بن يسار، الهلالي المدني مولى ميمونة، وقيل: أم سلمة ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة. كذا قاله ابن الجوزي في (طبقاته) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة، أي: إلى خيبر فيخرص أي: فيخمن بينه وبين اليهود، أي: حاصل نموهم قال: أي: عبد الله بن رواحة فجمعوا له حليّا بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد التحتية من حليّ نسائهم، وفي (المغرب): الحلي على مفعول جمع حلي كثدي جمع ثدي، وهو ما تتحلى به المرأة من ذهب أو فضة وقيل: أو جواهر فقالوا: أي: أهالي خيبر هذا أي: الحلي لك أي: خاصة وخفف أي: ارفع عنَّا أي: في الخرص وتجاوز أي: في القسم، أي: بالمسامحة معنى فقال: يا معشر بفتح الميم وسكون العين المهملة والشين المعجمة المفتوحة أي: قبائل اليهود، والله إنكم لمِن بفتح اللام وكسر الميم وسكون النون تأكيد القسم أبغض خلق الله إليَّ، أي: إلى قلبي أو عندي أو في معتقدي وما ذلك أي: بغضكم مع هذا بحاملي بباعث لي أن أحيف أي: أغدر عليكم، أي: من أجور عليكم أمّا الذي
(832) هو في الموطأ برواية أبي مصعب (2398)، ووصله أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس وجابر.
عَرَضتم من الرِّشوة بالكسر وسكون الشين المعجمة أي: الجعلة للجاه فإنها أي: الرشوة سُحْت، بضم وسكون وبضمتين، أي: حرام أخذها سحت البركة ويستأصلها بالكلية وإنا أي: (ق 862) معشر المسلمين لا نأكلها، أي: الرشوة مطلقًا فقالوا: أي: معاشر اليهود بهذا أي: بالعدل قامت السموات والأرض أي: ما عندنا أو قام أهلها واستقام حالهما وحسن مآلهما.
قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه سليمان بن يسار هنا لا بأس بمعاملة النخل على الشَّطر، أي: النصف والثلث، والربع، أو نحوهما من الخمس والثمن وبمزارعة الأرض البيضاء أي: الخالية من الأشجار على الشطر والثلث والربع، أي: وأمثالها وكان أبو حنيفة يكره ذلك، أي: عمل المزارعة ويذكر أن ذلك هو المخابرة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمخابرة بالخاء المعجمة والموحدة والمزارعة على نصف معين من النصف ونحوه، وإنما لا يصح عند أبي حنيفة، لما أخرجه مسلم عن ثابت بن الضحاك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزارعة، وأمر بالمؤاجرة، وقال:"لا بأس بها"، وما رواه ابن أبي شيبة عن ثابت بن الحجاج عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة قلت: وما المخابرة؟ قال: "أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع"، وأما ما أخذه النبي صلى الله عليه وسلم فإنما كان خراج مقاسمة بطريق المن والصلح، وذلك جائز بدليل أنه صلى الله عليه وسلم لم يبين لهم المدة، وإن كانت مزارعة بينهما لا يجوز عن من يجيزها إلا ببيان المدة.
وقال أبو بكر الرازي: ومما يدل على أن ما شرط عليهم من نصف الثمر والزرع كان على وجه الجزية، إذ لم يرد في شيء من الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منهم الجزية إلى أن مات، ولا أبو بكر إلى أن مات، ولا عمر إلى أن أجلاهم عن جزيرة العرب، ولو لم يكن جزية لأخذ منهم الجزية حين نزلت آية الجزية ثم الحلية، لجوازها عند أبي حنيفة أن يستأجر رب البذرة العامل بأجر معلوم إلى مدة معلومة، وإذا قضيت المدة يعطيه بعض الخراج عما وجب له من الأجر في ذمته فيجوز ذلك برضاهما كالدين إذا أعطى عنه خلاف جنسه، وأما عندهم فصح المزارعة بشروطها المعتبرة المذكورة في الكتب المبسوطة، وبه يفتي لحاجة الناس إليها وتعامل الأمة بها، ولما أخرجه الجماعة إلا النسائي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من تمر أو زرع، وفي لفظ: "لما افتتحت خيبر سأل اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرهم فيها على أن يعملوا على نصف ما