الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأعطاني فيه ربحًا حسنًا، فأردت أن أضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت، فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تجوزه إلى رحلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تبتاع السلع حيث تبتاع حتى تجوزها التجار إلى رحالهم. كذا قاله علي القاري.
لما فرغ من بيان ما يتعلق بحكم حال الرجل يكون له العطايا أو الدين على الرجل، فيبيع قبل أن يقبضه، شرع في بيان ما يتعلق بحكم حال الرجل يكون عليه الدين، فيقضي أفضل مما أخذ، فقال: هذا
* * *
باب الرجل يكون عليه الدين فيقضي أفضل مما أخذه
في بيان ما يتعلق بحكم حال الرجل يكون عليه الدين فيقضي أفضل مما أخذ أي: أحسن منه أو أزيد.
826 -
أخبرنا مالك، أخبرنا حُميد بن قيس المكي، عن مجاهد، قال: استسلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم، ثم قضى خيرًا منها، فقال الرجل: هذه خيرٌ من دراهمي التي أسلَفْتُك، فقال ابن عمر: قد علمتُ، ولكن نفسي بذلك طيّبة.
• أخبرنا مالك، أخبرنا حُميد بالتصغير ابن قيس المكي، الأعرج، يكنى أبا صفوان القاري، ليس به بأس كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل مكة، مات سنة ثلاثين ومائة، وقيل بعدها عن مجاهد بن جبر بفتح الجيم وسكون الموحدة، يكنى أبا الحجاج المخزومي مولاهم المكي ثقة إمام في التفسير وفي العلم، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل مكة مات سنة إحدى أو اثنين أو ثلاث أو أربع ومائة، وهو ابن ثلاث وثمانين سنة كذا قاله في (تقريب التهذيب) (1) قال: استسلف عبد الله بن عمر من
(826) إسناده حسن.
(1)
التقريب (1/ 520).
رجل دراهم، أي: معيبة ثم قضى أي: أداه دراهم خيرًا منها، أي: في الكيفية فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن، وهو كنية ابن عمر هذا أي: ما أعطيته (ق 857) إلى، وفي نسخة صحيحة: هذه أي: الدراهم التي أعطيتها إلى خيرٌ من دراهمي التي أسلَفْتُك، أي: فهل علمت ذلك ويجوز أي: أخذ فقال ابن عمر: قد علمتُ، أي: خيرية دراهمي ولكن نفسي بذلك طيّبة أي: فيحل لك، وهذا أحسن قضاء والشرع لم يفرق بين الجيد والرديء في المال الربوي.
* * *
827 -
أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي رافع: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بَكْرًا، فقدِمَتْ عليه إبلٌ من الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَهُ، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا جَملًا رباعيًا خَيَارًا، قال: أعطه إياهُ؛ إن خيار الناس أحسنهم قضاء.
قال محمد: وبقول ابن عمر نأخذ، لا بأس بذلك إذا كان من غير شرط اشترطه عليه، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله.
• أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، العدوي مولى عمر، يكنى أبا عبد الله وأبا أمامة المدني، ثقة عالم وكان يرسل، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة تسع وثلاثين ومائة عن عطاء بن يسار، الهلالي، يكنى أبا محمد المدني مولى ميمونة أم المؤمنين، ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة، كان في الطبقة الثانية من طبقات صغار التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين عن أبي رافع: كان اسمه أسلم أو إبراهيم أو ثابت أو هرمز أو سنان أو صالح أو يسار أو عبد الرحمن أو يزيد أو قزمان، فيه أقوال عشرة.
قال ابن عبد البر: أشهر ما قيل فيه: اسمه أسلم القبطي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل:
(827) صحيح، أخرجه مسلم (3/ 1224)، رقم (1600).
بدري ولم يشهدها وشهد أحدًا وما بعدها، وقيل: كان مولى العباس فوهب للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه، وروى عنه أحاديث ومات في أول خلافة علي رضي الله عنه على الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل قال (الأبي): السين في استفعل للطلب، وقد تكون للتحقيق وهي هنا كذلك؛ لأنه إخبار عن ماض بَكْرًا، بفتح الباء الموحدة وسكون الكاف وهو الفتى من الإِبل كالغلام من الذكور والقلوص: الفتية من النوق، كالجارية من الإِناث، وفيه جواز أخذ الدين للضرورة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه، وإلا فقد خير فاختار التقلل من الدنيا والقناعة. كذا قاله في (الإِكمال) وفي (المفهم): فإن قيل: كيف عمر ذمنه بالدين، وقد كان يكرهه، وقال في الحديث:"إياكم والدين، فإنه شين"، وفي آخر:"فإنه هم بالليل ومذلة في النهار"، وكان كثيرًا ما يتعوذ منه حتى قيل: ما أكثر ما تستعيز من المغرم، فقال:"إن الرجل إذا غرم حدث فكذب".
أجيب بأنه إنما كداين لضرورة، ولا خلاف في جوازه لها فإن قيل: لا ضرورة له؛ لأن الله تعالى خيره أن تكون بطحاء مكة له ذهبًا رواه الترمذي، ومن هو كذلك، فأين الضرور؟
أجيب بأنه لما خيَّره اختار الإِقلال من الدنيا والقناعة، وما عدل عنه زهدًا فيه لا يرجع إليه، فالضرورة لازمة، وأيضًا فالدين إنما هو مذموم لتلك اللوازم المذكورة، وهو معصوم منها، وقد يجب وإن كان لغير ضرورة كره للأحاديث المذكورة، لما فيه من تعريض النفس للمذلة.
وأما السلف بالنسبة إلى معطيه فمستحب؛ لأنه من الإِعانة على الخير، وأخرج البزار (1) عن ابن مسعود رضي الله عنه:"قرض مرتين يعدل (ق 858) صدقة مرتين"، وفي حديث آخر:"درهم الصدقة بعشرة ودرهم القرض بسبعين" فقدِمَتْ أي: جاء عليه صلى الله عليه وسلم إبلٌ من الصدقة، أي: الزكاة فأمر صلى الله عليه وسلم مولاه أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَهُ، أي: مثل بكره ليسلف منه، ولم يسم ذلك الرجل، وفي مسند أحمد أنه أعرابي، وفي أوسط الطبراني عن العرباض ما يفهم أنه هو، لكن في النسائي والحاكم ما يقتضي أنه غيره، فكأن القصة وقعت لأعرابي ووقع نحوها للعرباض فرجع إليه أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم أبو رافع،
(1) البزار (5/ 44).
فقال: لم أجد فيها أي: فيما بين إبل الصدقة إلا جَملًا رباعيًا بضم الراء وتخفيف التحتية وهو الإِبل الذي استكمل ست سنين، فدخل في السابعة.
قال الهروي: إذا ألقي البعير رباعيته في السنة السابعة فهو رباعي، ورباعيات الأسنان الأربعة التي تلي الثنايا من جانبها خَيَارًا، صفة على المبالغة فقال: أي: النبي صلى الله عليه وسلم أعطه بهمزة قطع وكسر الطاء إياهُ؛ إن خيار الناس أحسنهم قضاء أي: الدين.
قال البوني: أظنه أراد أن الله يوفق لهذا خيار الناس. انتهى. كذا قاله الفاضل السيد محمد الزرقاني.
وقال النووي: مما يستشكل فيقال: كيف قضى من إبل الصدقة أجود من الذي يستحقه الغريم، مع أن الناظر لا يجوز تبرعها منها.
والجواب: أنه صلى الله عليه وسلم افترض لنفسه، فلما جاءت إبل الصدقة اشترى منها رباعيًا أجود ممن استحقه فملكه بثمنه، وأوفاه متبرعًا بالزيادة من ماله، ويدل عليه ما في رواية مسلم قال: اشتروا شيئًا فأعطوه إياه. انتهى. كذا قاله السيوطي وبهذا يزول إشكال الآخر وهو بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، وقد تقدم نهيه صلى الله عليه وسلم كما مر عليه الكلام.
قال محمد: وبقول ابن عمر نأخذ، لا بأس بذلك إذا كان من غير شرط اشترطه عليه، أي: في حال العقد لأنه لو شرط عليه الزيادة لصار ربًا وهو قول أبي حنيفة رحمه الله.
* * *
828 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع، عن ابن عمر، قال: مَنْ أسْلَفَ سَلَفًا فلا يشترط إلا قضاءه.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا ينبغي له أن يشترط أفضل منه، ولا يشترط عليه أحسن منه، فإن الشَّرْط في هذا لا ينبغي، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
(828) إسناده صحيح.