الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي: المتاع حين المبيع فهو أي: البائع أحقّ به أي: يستحق بأخذ المبيع من بقية الغرماءِ حتى يستوفي حقه، أي: أحق البائع في أخذ حقه تمامًا من سائر الغرماء، فإن زاد على حقه فهو للغرماء أو لورثته إن لم يكن غريم وكذلك إن أفلس المشتري ولم يقبض ما اشترى، بضم التحتية وسكون الشين المعجمة وفتح المثناة الفوقية ثم راء مهملة وألف، وهو المبيع بعينة، ولذا إذا لم يقبض البائع من ثمن المبيع شيئًا فالبائع أحقُّ بما باع حتى يستوفي حقَّه والله أعلم.
لما فرغ من بيان حكم حال الرجل يبيع المتاع فيفتقر المشتري، شرع في بيان حكم حال الرجل يشتري الشيء، أو يبيعه فيخدع في شرائه وبيعه، فقال: هذا
* * *
باب الرجل يشتري الشيء أو يبيعه فيغبن فيه أو يسعر على المسلمين
في بيان حكم حال الرجل يشتري الشيء أو يبيعه فيغبن أي: فينخدع فيه أي: فيما يشتريه أو فيما يبيعه يقال: غبن الشيء، وفيه كفرح غبنًا وغبنا أغفله أو غلط فيه، وغبنه في البيع خدعه وقد غبن كعني فهو مغبون، والتغابن أن يغبن بعضهم بعضًا أو يسعر على المسلمين بضم التحتية وفتح السين المهملة وتشديد (ق 821) العين المهملة المكسورة فراء عطف على يشتري لا على فيغبن، وأو للتنويع، كذا قاله علي القاري.
788 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر: أن رجلًا ذَكَرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أن يُخْدَع في البيع، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ بايَعتَهُ فقل: لا خِلَابَة"، فكان الرجل إذا باع قال: لا خِلابَة.
قال محمد: نري أن هذا كان لذلك الرجل خاصة.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار، العدوي
(788) صحيح، أخرجه مسلم في البيوع (48)، وأحمد في المسند (2/ 72)، والبيهقي في الكبرى (5/ 273).
مولاهم، يكنى أبا عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر، ثقة تابعي، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين ومائة عن عبد الله بن عمر: رضي الله تعالى عنهما أن رجلًا هو حبان بن منقذ بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة، ومنقذ بضم الميم وسكون النون وكسر القاف والذال المعجمة، وهو الأنصاري كما قاله ابن ماجه في (سننه) والبخاري في (تاريخه)، كذا قاله ابن عبد البر، وقال: وهو أصح ذَكَرَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه يُخْدَع بضم التحتية وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة فعين مهملة، أي: يراد به المكروه ويغبن غبنًا فاحشًا في البيع، أي: من حيث لا يعلم ويبدي له غير ما يكتم.
قال عياض: وفي الحديث أنه الذي ذكر ذلك لم يفقد التميز والنظر لنفسه بالكلية، فعل ذلك كان يعتريه أحيانًا ويتبين ذلك إذا انتبه انتهى. وعند الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني أن حبان بن منقذ كان ضريرًا، وكان قد شج في رأسه مأمومة وقد ثقل لسانه عند الدارقطني وابن عبد البر من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان أن جده منقذ بن عمر وكان قد أتى عليه سبعون ومائة سنة، فكان إذا بايع غبن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال الحديث، وأخرج ابن عبد البر من طريق ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن منقذًا شبح في رأسه مأمومة في الجاهلية فخبلت لسانه، فكان يخدع في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ بايَعتَهُ أي: من الناس فقل: لا خِلَابَة"، بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام وفتح الموحدة أي: لا خيانة في الدين؛ لأن الدين النصيحة، فلا لنفي الجنس وخبر: لا خلابة محذوف.
وقال (التوربشتي): لقنه صلى الله عليه وسلم هذا القول ليلفظ به عند البيع ليطاع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة البيع ومقادير القيمة فيها، ليرى له كما يرى لنفسه، وكان الناس في ذلك الزمان إخوانًا لا يغبنون أخاهم السلم، وينظرون له أكثر ما ينظرون لأنفسهم انتهى. فكان الرجل إذا باع قال: لا خِلابَة ففي مسلم من طريق إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار يقول: لا خيانة.
قال عياض: بالتحتية؛ لأنه كان ألثغ يخرج اللام من غير مخرجها، ولبعضهم لا خنابة بالنون، وهو تصحيف، وفي بعض روايات مسلم:"لا خذابة" بالذال المعجمة انتهى. وفي رواية أبي عمر من طريق نافع، قال ابن عمر: فسمعته يقول: إذا باع لا خذابة، وعند الدارقطني والبيهقي بإسناد حسن: ثم أنت بالخيار في كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال
فإن رضيت فاسكت فإن سخطت فاردد بقي حتى أدرك (ق 822) زمن عثمان، وهو ابن مائة وثمانين سنة فكثر الناس في زمن عثمان فكانا إذا اشترى شيئًا فقيل له: إنك غبت فيه رجع، فيشهد له رجل من الصحابة بأن النبي صلى الله عليه وسلم جعله بالخيار ثلاثًا فيرد له دراهمه، وروى الترمذي عن أنس أن رجلًا كان في عقله ضعف، وكان يبايع وكان أهله أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: احجر عليه فدعاه فنهاه فقال: يا رسول الله لا أصبر على البيع فقال: "إذا بايعت فقل: لا خلابة وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال"، كذا قاله الفاضل السيد محمد الزرقاني (1).
قيل: أفاد الحديث لا خلابة لفظ وضع شرعًا لاشتراط ثلاثة أيام، فإذا قال أحدهما فأقره الآخر وعلما معناه الشرعي خُيِّرا ثلاثة أيام، قال: وزعم أنه خاص لمن خاطبه صلى الله عليه وسلم ليس ذلك، إذ لا بد للخصوصية من الدليل هنالك.
قال محمد: نري أي: نختار أن هذا كان لذلك الرجل خاصة.
قال النووي: واختلف العلماء في هذا الحديث، فجعله بعضهم خاصًا في حقه، فإنه لا خيار بغبن لغيره، وعليه أبو حنيفة والشافعي، وقيل: للمغبون الخيار هذا الحديث بشرط أن يبلغ الغبن بثلث القيمة، كذا قاله علي القاري.
وقد استدل أحمد والبغداديون في ذلك المالكية على القيام بالغبن غير المعتاد وحدده بالثلث لا أقل؛ لأنه غبن يسير انتصب له التجار، فهو كالمدخول عليه وأبى ذلك الجمهور والأئمة الثلاثة، وقالوا: لا رد بالغبن ولو خالف العادة وتجازب الفريقان قوله تعالى في سورة النساء: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29] فقال: الأقل الغبن المخالف للعادة من ذلك، وقال الجمهور: قد استثنى من التجارة عن تراض، وهذا عن تراض، وكذا تجاذبون فهم الحديث فقال البغداديون وأحمد: فيه الخيار للمغبون، وقال الجمهور: هي واقعة عين وحكاية حال لا يصح دعوى العموم فيها على أنه لا يجعل الخيار إلا بشرط، فالحديث حجة لعدم القيام بالغبن، إذ لو كان ثابتًا لم يأمره بالشرط بأن يقول لا خلابة، كذا قاله الزرقاني.
* * *
(1) في شرحه (3/ 433).
789 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يونس بن يوسف، عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب مرّ على حاطب بن أبي بَلْتعة وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، فقال له عمر: إما أن تزيد في السّعر، وإما أن ترفع من سوقنا.
قال محمد: وبهذا نأخذ، لا ينبغي أن يسعّر على المسلمين، فيقال لهم: بيعوا كذا وكذا بكذا وكذا، ويجبرون على ذلك، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا، وفي أخرى: محمد قال: ثنا مالك أخبرنا يونس بن يوسف، بن حماس بكسر الحاء المهملة وخفة الميم فألف وسين مهملة ثقة عابد من عباد أهل المدينة، لمح مرة امرأة فدعا الله فأذهب عينيه ثم دعاه فردها عليه، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة عن سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عامر بن عمران بن مخزوم القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات كان في الطبقة الأولى من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد التسعين بيسير وهو ابن أربعة وثمانين سنة كما قاله ابن الجوزي وابن حجر (1) أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرّ على حاطب بن أبي بَلْتعة بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح الفوقية وفتح العين المهملة اسمه عمرو بن عمير اللخمي حليف بني أسد صحابي شهد بدرًا اتفاقًا، ومات سنة ثلاثين عن خمس وستين سنة وهو يبيع زبيبًا له بالسوق، أي: يبيعه في سوق المدينة بأرخص ما يبيع الناس فقال له (ق 823) عمر: إما أن تزيد في السّعر، إما أن تبيع بمثل ما يبيع أهل السوق وإما أن ترفع من سوقنا أي: لئلا تضر بأهل السوق، وإلى هذا ذهب جماعة أن الواحد والاثنين ليس له البيع بأرخص ما يبيع أهل السوق دفعًا للضرر.
وقال بذلك القاضي عبد الوهاب: قال ابن رشد في (البيان): وهو غلط ظاهر إذ لا
(789) إسناده صحيح.
(1)
في التقريب (1/ 241).