الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الصرف وأبواب الربا
في بيان حكم الصرف، وهي في اللغة: الرفع، والرد، وفي الشريعة: بيع الأثمان بعضها بعض، فإضافة الكتاب إلى الصرف بمعنى في من قبيل إضافة العام إلى الخاص؛ لأن الكتاب لغة: مصدر بمعنى الكتب، وهو الجمع سمي به المفعول للمبالغة (ق 846) واصطلاحًا: طائفة من المسائل، وجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق الدفع والرد في كل منهما، وأبواب الربا، أي: وبيان أنواعه وحرمته، وهو في اللغة: الزيادة، وفي الشرع: هو فضل حال عن عوض شرط لأحد المتعاقدين في المعاوضة، وإنما اختار المصنف لفظ أبواب بلفظ الجمع إشعارًا إلى أنواع الربا؛ فإن الباب في اللغة بمعنى النوع، واستنبط هذه الترجمة من قوله تعالى في سورة البقرة:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] وما أخرجه أبو داود (1) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعن آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه".
813 -
أخبرنا مالك، أخبرنا نافع عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تبيعوا الورق بالذهب، أحدهما غائب والآخر ناجز، فإن استنظرك إلى أن يلجَ بيته فلا تُنظره، إني أخافُ عليكم الرَّمَاءَ، والرَّماءُ هو الربا.
• أخبرنا مالك، أخبرنا نافع بن عبد الله المدني ابن عمر، ثقة فقيه ثبت مشهور، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة عن عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تبيعوا الورق بكسر الراء ويسكن. أي: الفضة تبرًا أو غيره بالذهب أي: مطلقًا وكذا العكس أحدهما غائب أي: عن المجلس أو نسيئة والآخر ناجز، أي: نقد حاضر والجملة حالية احترازية، فإذا بيع الورق بالذهب يدًا بيد جاز ولو كان بالتفاضل فإن استنظرك أي: إن طلبه البائع أو المشتري
(1) أبو داود (3/ 244)، رقم (3333).
(813)
إسناده صحيح.
تأخرك أو استنظارك إلى أن يلجَ بيته أي: يدخله لضرورة له أو لأجل أن يأتي بقيته ما عنده فلا تُنظره، من الإِنظار إن لا تمهله أو من النظر بمعنى الانتظار أي: لا تنتظره فإنه لا يخالف المجلس، فيكون ربا النسيئة، وهذا معنى قوله: إني أخافُ عليكم أي: أيها المكلفين الرَّمَاءَ، بفتح الراء ومد الميم والرَّماءُ هو الربا أي: الزيادة، وفي نسخة الشارح: هو الرباء بالهمزة ولعله للمشاكلة إذا لم يذكر في المشارق وغيره سوي القصر.
* * *
814 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر، قال: قال عمر بن الخطاب: لا تبيعوا الذَّهب بالذهب: إلا مِثْلًا بمثْل، ولا تبيعوا الوَرِق بالورِق، إلا مثلًا بمثل، ولا تبيعوا الذهب بالورق؛ أحدهما غائب والآخر ناجز، وإن استنظركَ حتى يَلِجَ بيتَه فلا تُنظره، إني أخافُ عليكم الرّبا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا أخبرنا عبد الله بن دينار، العدوي مولاهم يكنى أبا عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر، ثقة تابعي كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين ومائة عن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال عمر بن الخطاب: رضي الله عنه لا تبيعوا الذَّهب بالذهب: والباء للمقابلة إلا مِثْلًا بمثْل، إلا حال كونهما متماثلين أي متساويين في الوزن والحلول والتقايض في المجلس ولا تبيعوا الوَرِق بالورِق، إلا مثلًا بمثل، فالمعتبر في الذهب والفضة هو الكمية لا الكيفية ولا تبيعوا الذهب بالورق؛ أحدهما غائب أي: عن المجلس والآخر ناجز، أي: حاضر وإن استنظركَ أي: إن طلب البائع أو المشتري عن الآخر الانتظار والتأخر حتى يَلِجَ أي: إلى أن يدخل بيتَه فلا تُنظره، أي: فلا تمهله إني أخافُ عليكم الرّبا.
* * *
815 -
أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن أبي سعيد الخُدري: أن رسول الله
(814) إسناده صحيح.
(815)
صحيح، أخرجه الشافعي في مسنده (2/ 157)، وفي الرسالة فقرة (758)، والبخاري في البيوع (2177)، ومسلم (1584)، والنسائي (7/ 278)، والطيالسي في مسنده (2181).
- صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذَّهب بالذهب إلا مثلًا بمثْلٍ، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الورِق بالورِق إلا مثلًا بمثْل، ولا تُشِفُّوا بعضَها على بعض، ولا تبيعوا منها شيئًا غائبًا بناجز".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا حدثنا نافع بن عبد الله المدني مولى ابن عمر عن أبي سعيد الخُدري: أي: سعد بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تبيعوا الذَّهب بالذهب إلا مثلًا بمثْلٍ، أي: إلا حال كونهما متماثلين أي: متساويين مع الحلول والتقابض في المجلس ولا تُشِفوا بضم (ق 847) التاء الفوقية وكسر الشين المعجمة وبضم الفاء المشددة من الشف بالكسر الزيادة أي: لا تفضلوا بعضها على بعض، أي: في الوزن ولا تبيعوا الورِق بالورِق بكسر الراء فيهما أي: الفضة إلا مثلًا بمثْل، بكسر الميم أي: إلا حال كونهما متماثلين ومتساويين في الوزن ولا تُشِفُّوا أي: لا تفضلوا بعضَها على بعض، ولا تبيعوا منها أي: من أنواع الفضة أو الذهب شيئًا غائبًا أي: أجلًا بناجز" بنون وجيم بينهما ألف ثم زاي أي: بحاضر فلا بد التقايض في المجلس، وفيه أن الزيادة وإن قلَّت فهي حرام؛ لأن المشفوف الزيادة القليلة، ومنه الشفافة الإِناء وهي البقية القليلة من الماء، ولا خلاف في منع الصرف المؤخر في دينار في ذمة أحد صرفه الآن أو في ذمة، وصرف في ذمة أخرى فيتقاضان معًا.
فذهب مالك وأصحابه إلى جواز الصورتين بشرط حلول ما في الذمة وأن يتأخر في المجلس، وأجاز أبو حنيفة وأصحابه الصورتين وإن لم يحل ما في الذمة فيهما مراعاة لبراءة الذمم.
وأجاز الشافعي وابن كنانة وابن وهب: الصورة الأولى دون الثانية.
قال عياض: ورواه البخاري عن عبد الله بن يوسف ومسلم عن يحيى: كلاهما عن مالك به ورواه الترمذي والنسائي أيضًا من طريق مالك. كذا قاله الزرقاني (1).
* * *
(1) في شرحه (3/ 356).
816 -
أخبرنا مالك، حدثنا موسى بن أبي تميم، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما".
• أخبرنا مالك، حدثنا موسى بن أبي تميم، المدني ثقة تابعي، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع عشرة ومائة. كذا قاله ابن حجر عن أبي هريرة: رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، أي: يباع أحدهما بالآخر يدًا بيد لا فضل بينهما" أي: لا زيادة في أحدهما فيحرم الربا في الذهب والفضة لعلة الثمنية الغالبة فالربويان المتحد جنسهما كذهب بذهب، وفضة بفضة، يحرم فيها التفاضل، وكذا النسيئة والتفرق قبل التقايض، وقد زاد في حديث علي عند ابن ماجه وصححه الحاكم عقب قوله:"لا فضل بينهما، فمن كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب، ومن كانت له حاجة بذهب فليصرفه بالورق، والصرف هاء وهاء" وهذا الحديث رواه مسلم من طريق ابن وهب عن مالك وتابعه سليمان بن بلال عن موسى به عند مسلم أيضًا ورواه النسائي من طريق مالك وغيره.
* * *
817 -
أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، عن مالك بن أوْسٍ بن الحَدَثَان: أنه أخبره: أنه التمس صَرفًا بمائة دينار، قال: فدعاني طلحة بن عُبيد الله، قال: فَتَراوَضْنَا حتى اصْطَرَفَ مني، فأخذ طلحة الذهب يقلِّبها في يده، ثم قال: حتى يأتي خازني من الغابة، وعمرُ بن الخطاب يسمع كلامه، فقال: لا
(816) صحيح، أخرجه الشافعي في المسند (2/ 157)، وفي الرسالة (759)، وأحمد في المسند (2/ 379، 485)، ومسلم في المساقاة (85، 1588)، والنسائي في البيوع (7/ 278)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (4/ 69)، والبيهقي في الكبرى (5/ 278).
(817)
صحيح، أخرجه الشافعي في المسند (2/ 155، 156)، وأحمد في المسند (1/ 45)، وعبد الرزاق في المصنف (14541)، والبخاري في البيوع (2174)، ومسلم (1586)، والترمذي (1243)، والنسائي في البيوع (7/ 273)، وابن ماجه (2259)، (2260)، والحميدي في مسنده (12)، وابن أبي شيبة في المصنف (7/ 99، 100)، والدارمي (2/ 258).
والله، لا تفارقه حتى تأخذ منه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاءَ، والبرّ بالبرّ ربا إلا هاءَ وهاءَ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء".
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك، وفي أخرى: ثنا بدل بنا أخبرنا ابن شهاب، أي: محمد بن مسلم الزهري المدني، ثقة كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة عن مالك بن أوْسٍ بن الحَدَثَان: بفتح المهملتين والمثلثة ابن عوف النصري بفتح النون وإسكان المهملة من بني نصر بن معاوية يكنى أبا سعيد المدني، كان في الطبقة الأولى من طبقات التابعين من أهل المدينة، (ق 848) مات سنة اثنين وتسعين في قول الجمهور، وهو ابن أربعة وتسعين كذا قاله الزرقاني أنه أي: مالك بن أوس أخبره: أي: ابن شهاب أنه أي: مالك بن أوس التمس بصيغة المجهول أي: طلب رجل عندي مني صَرفًا أي: بيعًا للفضة بمائة دينار، أي: ذهب كانت معه قال: أي: مالك بن أوس فدعاني طلحة بن عُبيد الله، بصيغة التصغير وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة قال: فَتَراوَضْنَا بإسكان الضاد المعجمة أي: تجاذبنا حديث البيع والشراء، وهو ما بين المتبايعين من الزيادة والنقصان؛ لأن كل واحد يرضي صاحبه، وقيل: هي المواصفة بالسلعة بأن يصف كل منهما سلعة للآخر حتى اصْطَرَفَ أي: اشترى، وفي (القاموس): اصطرف تصرف في طلب الكسب مني، أي: ما كان معي فأخذ طلحة الذهب يقلِّبها في يده، والذهب يذكر ويؤنث فلا حاجة إلى أنه ضمن الذهب معنى العدد، وهو المائة فأنثه لذلك ثم قال: أي: طلحة حتى أي: أصبر إلى أن يأتى خازني أي: وكيلي من الغابة، يعني حينئذ أعطيك الصرف من الصفة فالغابة بغين معجمة فألف فموحدة موضع قرب المدينة به أموال لأهلها، وكان لطلحة بها مال نحل وغيره، وإنما قال ذلك طلحة لظنه جوازه كسائر البيوع وما كان بلغه حكم المسألة.
قال المازري: وإنه كان يرى جواز المواعدة في الصرف، كما هو قول عندنا وأنه لم يقبضها، وإنما أخذها يقلبها وعمرُ بن الخطاب يسمع أي: كلامه، فقال: أي: عمر لمالك بن أوس لا والله، لا تفارقه أي: عن طلحة حتى تأخذ أي: إلى غاية أخذك أيها المالك بن أوس منه، أي: من طلحة عوض الذهب الذي أعطيته إليه ولفظه: "لا" النافية الدالة على فعل القسم لتأكيد القسم شائع في كلامهم، كما قال امرؤ القيس:
لا وأبيك ابنة العامري
…
لا يدعى القوم أني أفر
قوله: ابنة العامري: منادى حذف حرف النداء، أي: يا ابنة العامري أنا لا أفر من الحرب، وأنا مميز بذلك ومشتهر به حتى لا يدعي أحد في حقي، وكذلك كلمة "لا" هنا أي: قال عمر: اقسم بالله عليك يا مالك بن أوس أن لا اتفاق عن مجلس الصرف إلى غاية أخذك من طلحة عوض الذهب، وجواب القسم محذوف تقديره: لتمكثن في مجلس العقد إلى نهاية أخذ عوض الذهب عنه، ويجوز أن يكون لفظة هنا لنفي القسم، كما كانت كذلك في قوله تعالى:{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة: 1] كأنه قال عمر: لا أقسم عليك يا مالك بن أوس ولكن أسألك غير مقسم أن لا تفارق عن طلحة إلى غاية أخذك منه بدل ما أعطيته من الذهب.
وفي رواية: والله لتعطينه ورقه، وهذا خطاب لطلحة وفيه تفقد عمر أحوال رعيته في دينهم والاهتمام بهم، وتأكيد الأمر باليمين وأن الخليفة والسلطان إذا سمع أو رأى ما لا يجوز وجب عليه أن ينهى عنه، والإِرشاد إلى الحق ثم قال: أي: عمر مستدلًا على المنع بالسنة؛ لأنها الحجة عند التنازع قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ق 849) "الذهب بالورق بفتح الواو وكسر الراء أي: الفضة، هكذا رواه أكثر أصحاب الزهري ومعمر وابن عيينة لم يقولوا: الذهب بالذهب في كل حديث عمر، وهم الحجة على من خالفهم وهو المناسب لسياق القصة ربا أي: في جميع الأحوال إلا هاء وهاءَ، بالمد وفتح الهمزة فيها على الأصح الأشهر أنهما اسم فعل بمعنى قوله تعالى:{هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة: 19]، يقال: هاء درهما أي: خذ درهمًا فنصب درهما باسم الفعل، كما ينصب بالفعل وبالقصر يقوله المحدثون وأنكره الخطابي وقال: الصواب المد، وتجوز كسر الهمزة نحو هات وسكونها نحو خف، وأصلها هاك بالكاف فقلبت همزة، وليس المراد أنها من نفس الكلمة وإنما المراد أصلها في الاستعمال، وهي حرف خطاب.
قال ابن مالك: وحقها أن لا تقع بعد إلا كما لا يقع بعدها خذ، فإذا وقع قدر قول قبله يكون به محكيًا أي: لا مقولًا عنده من المتعاقدين هاء وهاء.
قال الطيبي: فإذن محله النصب على الحال، والمستثنى منه مقدر يعني بيع الذهب بالورق ربا في جميع الحالات إلا حال الحضور والتقايض، فكنى عنه بقوله: هاء وهاء؛ لأنه لازمه.
وقال الأبي: محله النصب على الظرفية والبرّ بالبرّ بضم الموحدة القمح، وهو الحنطة أي: بيع أحدهما بالآخر ربا إلا أي: مقولًا عنده من المتعاقدين هاءَ أي: من أحدهما وهاءَ، أي: من الآخر والثمر بالتمر أي: بيع أحدهما بالآخر ربًا بالتنوين من غير همزة إلا هاء وهاء، أي: من المتعاقدين والشعير بالشعير بفتح الشين المعجمة على المشهور وقد يكسر.
قال ابن مكي: كل فعيل وسطه حرف مكسور يجوز كسر ما قبله في لغة بني تميم. قال: وزعم الليث أن قومًا من العرب يقولون ذلك وإن لم تكن عينه حرف حلق. نحو كبير وجليلة وكريم أي: يبيع الشعير بالشعير ربًا إلا أي: مقولًا عنده من المتعاقدين هاء وهاء" أي: يقول كل واحد منهما للآخر خذ، وظاهره أن البر والشعير صنفان.
وبه قال أبو حنيفة والشافعي وفقهاء المحدثين وغيرهم.
وقال مالك والليث: ومعظم علماء المدينة والشام من المتقدمين أنهما صنف واحد. زاد مسلم من حديث أبي سعيد: والملح بالملح وأوله: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة ومثله عنده من حديث عبادة بن الصامت، وفي حديث الباب أن النساء يمتنع في ذهب بذهب بورق وهي جنسان مختلفان يجوز التفاضل بينهما إجماعًا ونصًا فأجرى أن لا يجوز في ذهب ولا ورق بورق لحرمة التفاضل فيهما إجماعًا ونصًا أي: فليس حديث عمر مقاصرًا عن حديث غيره، فتجب المناجزة في الصرف ولا يجوز التأخير ولو كان بالمجلس لم يتفرقا عند مالك ومحمد قول عمر عنده: لا تفارقه حتى تأخذ منه أن ذلك على الفور لا على التراخي، وهو المعقول من لفظه صلى الله عليه وسلم:"هاء وهاء".
وقال أبو حنيفة والشافعي: يجوز التفاضل بالصرف ما لم يتفرقا وطالت المدة وانتقالًا إلى مكان آخر واحتجوا بقول عمر، وجعلوه تفسيرًا لما رواه وبقوله، وإن استنظرك إلى أن يلج بيته فلا تنظره. كذا قال الفاضل (ق 850) الزرقاني (1).
* * *
818 -
أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار أو عن
(1) في شرحه (3/ 358).
(818)
إسناده صحيح.
سليمان بن يسار أنه أخبره: أن معاوية بن أبي سفيان باع سِقَايَة من ورِق أو ذهب بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا؛ إلا مثلًا بمثل، قال له معاوية: ما أرى بها بأسًا، قال له أبو الدرداء: من يعذِرني من معاوية، أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُخبرني عن رأيه، لا أساكنك بأرضٍ أنت بها، قال: فقدم أبو الدَّرداءِ على عمر بن الخطاب، فأخبره، فكتب إلى معاوية أن لا يبيعَ إلا مثلًا بمثل، وَزْنًا بوزن.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: قال: بنا مالك أخبرنا زيد بن أسلم، العدوي مولى عمر يكنى أبا عبد الله المدني وأبا أسامة ثقة عالم كان يرسل، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات أهل المدينة، وكانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة من وجه الأرض، مات سنة ست وثلاثين ومائة عن عطاء بن يسار بتحتية أي: الهلالي يكنى أبا محمد المدني مولى ميمونة ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة، كان في الطبقة الثانية من طبقات صغار التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين أو عن سليمان بن يسار شك من الراوي، وهو الهلالي المدني مولى ميمونة، وقيل: أم سلمة ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة، كان أخًا لعطاء بن يسار وكان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة مات بعد المائة أنه أخبره: أن معاوية بن أبي سفيان اسمه صخر بن الحارث باع سِقَايَة بالكسر وهي إناء يستقى منه من ورِق أو ذهب بأكثر من وزنها، أي: من مثله من ورق أو ذهب.
قال ابن حبيب: زعم أصحاب مالك أن السقاية قلادة من ذهب فيها جواهر، وليس كما قالوا فالقلادة لا تسمى سقاية، بل هي كأس كبير يشرب بها ويكال بها، وأما القلادة وهي العقد التي تعلقها المرأة على غيرها، فغيرها ابتاعها معاوية بستمائة دينار، وفيها تبر وجوهر من لؤلؤ وياقوت وزبرجد، فنهاه عبادة بن الصامت وأخبره أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن ذلك فقال له أبو الدرداء: قيل: اسمه عمير وقيل: عامر بن قيس الأنصاري صحابي جليل عابدًا أول مشاهده أحُدٌ مات في خلافة عثمان وقيل: عاش بعد ذلك سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا؛ أي: البيع في المال الربوي إلا مثلًا بمثل، أي: إلا حال كونهما متساويين وزنًا بوزن قال له أي: لأبي الدرداء معاوية:
ما أرى أي: لا أظن بها أي: وفي نسخة: ما نرى لكن الأولى أولى، كما في (الموطأ) لمالك وهذا الرأي صدر عنه إما من تكبر وعناد أو من اجتهاد، وقد أخطأ فيه لكن كان يجب عليه حينئذ أن يرجع بعد سماع الحديث لا سيما من أبي الدرداء، وهو موثوق بلا خلاف قال له أبو الدرداء: من يعذِرني بكسر الذال المعجمة من معاوية، أي: من يلزمه على فعله ولا يلومني عليه أو من يقوم بعذري إذا جاريته بصنعه ولا يلومني على ما أفعل به، أو من ينصرني يقال: غدرته إذا نصرته أخبره أي: أنا أخبره، كما في (الموطأ) لمالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويُخبرني أي: معاوية عن رأيه، أي: المجرد مع أن التعليل لا يصح في معارضة النص.
قال ابن عبد البر أبو عمر: كان ذلك منه أنفة من أن يرد سنة علمها من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيه وصدور العلماء تضيق عند مشاهدة مثل ذلك وهو عندهم عظيم، قال: جائز للمرء أن (ق 851) يهجر من لم يستمع منه ولم يطعه، وليس هذا من الهجرة المكروهة، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن لا يكلموا كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك، وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع وهجرته وقطع الكلام عنه، وقد رأى ابن مسعود رجلًا يضحك في جنازة فقال: والله لا أكلمك أبدًا قاله أبو عمر: - يعني ابن عبد البر - فتكون هذه من باب التكبر على المتكبر صدقة من قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113] لا أساكنك أي: لا أمكث معك بأرضٍ أنت بها، أي: الراوي قال: فقدم والفاء بمعنى ثم، كما قال مالك: في (الموطأ) ثم قدم أبو الدَّرداءِ أي: من الشام على عمر بن الخطاب، أي: في المدينة فأخبره، بذلك أي: بما جرى في هذا الباب فكتب أي: عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا يبيع ذلك أي: ما ذكر من المتماثلين ذهبًا أو فضة إلا مثلًا بمثل، وَرْنًا بوزن.
قال أبو عمر: لا أعلم أن هذه عرضت لمعاوية مع أبي الدرداء إلا من هذا الوجه، وإنما هي محفوظة لمعاوية مع عبادة بن الصامت والطرق متواترة بذلك عنهما انتهى. والإِسناد صحيح وإن لم يرو من وجه آخر من الأفراد الصحيحة، والجمع ممكن؛ لأنه عرض له ذلك مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء كذا قاله الزرقاني.
* * *
819 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط الليثي: أنه رأى سعيد بن المسيَّب يُراطل الذهب بالذهب، قال: فيفرِّغُ الذهب في كِفَّة الميزان، ويفرّغ الآخر الذهبَ في كِفته الأخرى، قال: ثم يرفع الميزان، فإن اعتدل لسان الميزان أخذ وأعطى صاحبه.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، على ما جاء من الآثار، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: قال: بنا مالك أخبرنا يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط بالتصغير أي: ابن أسامة الليثي: يكنى أبا عبد الله المدني الأعرج، ثقة كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة اثنين وعشرين ومائة وله تسعون سنة أنه رأى سعيد بن المسيَّب يُراطل بضم التحتية وفتح الراء المهملة المكسورة بينهما ألف فلام أي: يوزن الذهب بالذهب، من رطلت الشيء كنصر وزنته بيدك لتصرف وزنه تقريبًا قال: أي: الراوي فيفرِّغُ بالتشديد والتخفيف أي: فيصب سعيد بن المسيب الذهب أي: ذهبه كما في (الموطأ) لمالك في كِفَّة الميزان، بكسر الكاف والضم لغة وتشديد الفاء ويفرّغ الآخر الذهبَ الذي يراطله على يديه في كِفته أي: الميزان الأخرى، قال: أي: الراوي ثم يرفع الميزان، فإن اعتدل لسان الميزان أخذ أي: ما يريده وأعطى صاحبه أي: ما أراده فتجوز المراطلة بالكفتين، وفي حديث القلادة في مسلم انزع ذهبها واجعله في كفة، وفي جوازها بالصنجة قولان: والجواز أصوب. كذا قاله المازري قوله: بالصنجة بفتح الصاد المهملة وسكون النون وفتح الجيم، يقال لها بلغة التركية: تراز وطائي. كذا في (الأختري).
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، أي: إنما نعمل أنا وأصحاب أبي حنيفة بجميع ما ذكر في هذا الباب على ما جاء من الآثار، أي: وفسق ما وردت الأخبار وصحت عن الأخبار وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا والله أعلم.
لما فرغ من بيان الربا مطلقًا، شرع في بيانه مقيدًا، فقال: هذا
* * *
(819) إسناده صحيح.