الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الربا فيما يُكال أو يوزن
في بيان الربا فيما يكال أو يوزن، قال علماؤنا: البر والشعير والتمر والملح (ق 852) كيلي وإن ترك الناس الكيل فيه، والذهب والفضة وزني وإن ترك الناس الوزن فيه وغيرهما على العرف، وهو الصحيح وبه يفتى.
820 -
أخبرنا مالك، أخبرنا أبو الزِّناد، أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول: لا ربا إلا في ذهب أو فضة، أو ما يُكال أو يُوزن، مما يؤكل أو يُشرب.
قال محمد: إذا كان ما يُكال من صنف واحد، أو كان ما يوزن من صنف واحد، فهو مكروه أيضًا: إلا مثلًا بمثل، يدًا بيد، بمنزلة الذي يؤكل ويشرب، وهو قول إبراهيم النَّخَعي، وأبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك بن أنس بن مالك بن عمير بن أبي عامر الإِمام الأصبحي، كان في الطبقة السابعة من طبقات أتباع التابعين من أهل المدينة، قال: الذهبي في (الكاشف): ولد صاحب المذهب الإِمام مالك بن أنس سنة تسعين وثلاث، ومات سنة تسع وسبعين ومائة انتهى.
قال بعض المؤرخين: وهو ابن تسعين سنة أخبرنا أبو الزِّناد، وهو عبد الله بن ذكوان القراشي المدني ثقة فقيه، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، كانت في الإِقليم الثاني من الأقاليم السبعة، مات سنة ثلاثين ومائة وقيل: بعدها أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول: لا ربا إلا في ذهب أو فضة، أي: إذا لم يراع فيه شرائط صحتها أو ما يُكال أو يُوزن، مما يؤكل أو يُشرب اعلم أن الأعيان المنصوص على تحريم الربا فيها بالإِجماع ستة الذهب والفضة والبر والشعير والتمر والملح، فالذهب والفضة تحريم الربا فيها عند الشافعي بعلة واحدة لازم وهي أنهما من جنس الأثمان.
وقال أبو حنيفة: العلة فيها موزون جنس فيحرم الربا في سائر الموزونات، وأما الأربعة الباقية ففي علتها للشافعي قولان: الجديد إنها معطوفة فيحرم الربا في الماء والأدهان على الأصح، والقديم إنها مقطوعة أو مكيلة أو موزونة.
(820) إسناده صحيح.
وقال أبو حنيفة: العلة أنها مكيلة في جنس.
وقال مالك: العلة القوت ما يصلح للقوت في الجنس، وعن أحمد روايتان أحدهما كقول أبي حنيفة، وثانيهما كقول الشافعي.
وقال أهل الظاهر: الربا غير معلل وهو مختص بالمنصوص عليه وعن جماعة من الصحابة أنهم قالوا: الربا في النسيئة فلا يحرم التفاضل وفي الكفاية اختلاف الجنس يعرف الاسم والمقصودة بالحنطة والشعير جنسان عندنا وعند الشافعي لكونهما مختلفين اسمًا ومعنى وعند مالك جنس واحد.
قال محمد: إذا كان ما يُكال من صنف أي: من نوع واحد، أي: ولو لم يكن مأكولًا ولا مشروبًا أو كان ما يوزن من صنف واحد، فهو مكروه أيضًا: أي: إذا بيع أحدهما متفاضلان أو مؤجلًا إلا مثلًا بمثل، أي: في الكيل يدًا بيد، تشترط التقابض في المجلس بمنزلة الذي يؤكل ويشرب، وهو قول إبراهيم النَّخَعي، وأبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
* * *
821 -
أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمر بالتمر مثلًا بمثل"، فقيل: يا رسول الله، إن عاملك على خَيبر وهو رجل من بني عديّ من الأنصار أخذ الصاع بالصاعين، قال:"ادعوه لي"، فدُعي له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتأخذ الصاع بالصاعين"، قال: يا رسول الله، لا يعطوني الجنيب بالجمْع إلا صاعًا بصاعين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بِع الجمْع بالدراهم، واشترِ بالدراهم جنيبًا".
• أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، العدوي مولى عمر بن الخطاب، يكنى أبا عبد الله وأبا أسامة المدني، ثقة عالم كان يرسل، وكان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين ومائة عن عطاء بن يسار، الهلالي، يكنى أبا محمد المدني مولى ميمونة، ثقة فاضل صاحب مواعظ وعبادة كان في الطبقة الثانية في طبقات صغار
(821) أخرجه البيهقي في معرفة السنن والآثار (8/ 11106)، وهو في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (2515).
التابعين من أهل المدينة والمحدثين، مات سنة أربع وتسعين. كذا في (تقريب التهذيب) وهو مرسل، والحديث المرسل:(ق 853) ما رفعه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سواء كان من كبار التابعين، كعبد الله بن الخيار وسعيد بن المسيب وأمثالهما أو من صغار التابعين كالزهري وعطاء بن يسار وغيرهما، واختلفوا في الاحتجاج بالمرسل فذهب مالك بن أنس صاحب المذهب وأبو حنيفة نعمان بن ثابت وأتباعهما، لكن الشافعي لا يحتج بالمرسل إلا إذا أرسله ثقة من كبار التابعين من طريق آخر ورفعه من وجه آخر كذا قاله الحافظ العراقي.
قال ابن عبد البر: وصل هذا الحديث داود بن قيس عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التمر بالتمر مثلًا بمثل"، مصدر في موضع الحال أي: موزونًا وفي رواية بالرفع فقيل: يا رسول الله، إن عاملك على خَيبر وهو رجل من بني عديّ من الأنصار يأخذ أي: يشتري وفي نسخة: باع بدل يشتري الصالح أي: من التمر الجيد بالصاعين، أي: من التمر الرديء من جنسه قال: "ادعوه لي"، فدُعي له، أي: لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تأخذ الصاع بالصاعين"، وفي نسخة: أتأخذ الصاع بالصاعين قال: يا رسول الله، لا يعطوني وفي (الموطأ) لمالك: لا يبيعونني الجنيب بفتح الجيم وسكون النون تمر رديء مجموع من أنواع مختلفة بالجمْع إلا صاعًا بصاعين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بِع الجمْع بالدراهم، واشترِ بالدراهم أي: تمر جنيبًا" أي: جيد، وذلك حيلة شرعية في دفع الربا؛ لأنه فعله باجتهاد قبل نزوله آية الربا، وقبل أن يتقدم إليه صلى الله عليه وسلم بالنهي عن التفاضل.
* * *
822 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد المجيد بن سُهيل، والزهريّ، عن ابن المسيَّب، عن أبي سعيد الخدري وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا على خيبر، فجاء بتمر جَنيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكلَّ تمر خيبر هكذا جنيبًا؟ " قال: لا والله يا رسول الله، ولكني آخذ الصاع من هذا بصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"فلا تفعل، بع تمرك بالدراهم، ثم اشتر بالدراهم جنيبًا"، وقال في الميزان مثل ذلك.
(822) إسناده صحيح.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا عبد المجيد بفتح الميم وكسر الجيم وسكون التحتية ثم الدال المهملة ابن سُهيل، بالتصغير: زوج الثريا بنت عبد الله المدني يقول فيه عمر أبي بن ربيعة:
أيها المنكح الثريا سهيل
…
عمرك الله، كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقثت
…
وسهيل إذا استقل يمان
أي: سهيل بن عبد الرحمن بن عوف، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين والزهريّ، أي: قال مالك: وأخبرنا الزهري محمد بن مسلم بن شهاب بن زهرة بن كلاب، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة عطفه على عبد المجيد، إشارة إلى تحويل السند تقوية بالحكم عن ابن المسيَّب، كان في الطبقة الأولى من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد التسعين بيسير وهو ابن أربع وثمانين سنة. كذا قاله بن الجوزي عن أبي سعيد الخدري صحابي ابن الصحابي وعن أبي هريرة: عبد الرحمن بن صخر أو عمرو بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلًا يقال له: سوار بن غزية بفتح الغين وكسر الزاي وفتح التحتية المشددة ثم هاء بوزن عطية، كما سماه الداروردي عن عبد المجيد عن أبي عوانة والدارقطني أي: جعله أمير على خيبر، فجاء أي: إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي نسخة: فجاءهم أي: فقدم على أهالي خيبر بتمر جَنيب، أي: جيد فقال له (ق 854) رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكلَّ تمر خيبر هكذا أي: طيب جنيبًا؟ " جيد قال: لا والله يا رسول الله، ولكني بكسر النون المشددة والياء للمتكلم آخذ الصاع من هذا أي: الطيب بصاعين أي: الرديء والصاعين أي: من الجنيب بالثلاثة، أي: من الرديء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تفعل، هذا الخطاب خاص وعام لغيره بيع تمرك بالدراهم، أي: مثلًا ثم اشتر بالدراهم جنيبًا"، أي: تمرًا جيدًا، وهذه الحيلة الشرعية في الكيل، وفي رواية: واشتر ثمنه من هذا وقال في الميزان مثل ذلك ومثل بالرفع مبتدأ مؤخر، وبالنصب مفعول قال أي: فيما يوزن من الربويات: إذا احتج إلى بيع بعضهما ببعض قولًا مثل ذلك القول الذي قاله في الكيل، والمعنى أن غير الجيد منه يباع ثم يشترى بثمنه الجيد.
قال محمد: وبهذا كله نأخذ، أي: لا نعمل إلا بما رواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهما هنا وهو أي: ما رواهما قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
* * *
823 -
أخبرنا مالك، عن رجل: أنه سأل سعيد بن المسيَّب، عن الرجل يشتري طعامًا من الجار بدينار ونصف درهم، أيعطيه دينارًا أو نصف درهم طعامًا؟ قال: لا، ولكن يعطيه دينارًا أو درهمًا، ويَرُد عليه البائع نصفَ درهم طعامًا.
قال محمد: هذا الوجه أحبّ إلينا، والوجه الآخر يجوز أيضًا إذا لم يعطه المشتري من الطعام الذي اشترى أقلَّ مما يصيب النصف درهم منه في البيع الأوّل، فإن أعطاه منه أقلَّ مما يصيب نصف الدرهم من البيع الأول لم يجز، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك عن رجل: سبق الكلام عليه، وهو عبد المجيد بن سهيل أنه سأل سعيد بن المسيَّب، عن الرجل وفي نسخة: عن الذي يشتري طعامًا أي: حنطة من الجار أي: من الشريك في التجارة ذكره في (القاموس) بدينار ونصف درهم، أي: نسيئة أيعطيه دينارًا أو نصف درهم أي: هل يعطي المشتري إلى البائع أي بقيمتها طعامًا؟ أي: ببدل الدينار ونصف الدرهم اللذين اشترى بهما طعامًا قال: لا، أي: فإنه يصير ربا نسيئة ولكن يعطيه دينارًا أو درهمًا، ويَرُد عليه البائع نصفَ درهم طعامًا أي: ليكون بيعًا ثانيًا وإسقاطًا بما كان في ذمته من الدين، ونظيره ما في (الشمني) لو كان باع درهمين ودينارا بدرهم ودينارين جازبان يصرف كل جنس، بخلاف جنسه تصحيحًا للعقد كما لو باع كرَّ بُرٍ وكرُّ شعير بكري برٍ وكري شعير.
قال محمد: هذا الوجه أحبّ إلينا، أي: في المخلص والوجه الآخر يجوز أي: كما جاز للمشتري أن يعطي إلى البائع إلى المشتري ببدل نصف الدرهم الذي أعطاه المشتري إلى البائع زائدًا على ما لزم عليه من دينار ونصف درهم؛ لأنه أعطاه درهمًا تامًا أيضًا إذا لم يعطه المشتري من الطعام الذي اشترى أقلَّ قوله: أقل ظرف لقوله إذا لم يعطه مما يصيب النصف درهم منه في البيع الأول، فإن أعطاه منه أقلَّ مما يصيب نصف الدرهم من البيع الأول لم يجز، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا. والله أعلم.
(823) إسناده ضعيف لإِبهام شيخ مالك.