المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

"رأيتُ على علمت بالكشف والإِلهام أو رأيت في المنام ابن - المهيأ في كشف أسرار الموطأ - جـ ٤

[عثمان الكماخي]

فهرس الكتاب

- ‌أبواب البيوع والتجارات والسلم

- ‌باب بيع العرايا

- ‌باب ما يكره من بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها

- ‌باب الرجل يبيع بعض الثمر ويستثني بعضه

- ‌باب ما يكره من بيع التمر بالرطب

- ‌باب بيع ما لم يُقبض من الطعام وغيره

- ‌باب الرجل يبتاع المتاع أو غيره بنسيئة ثم يقول أنفدني وأضع عنك

- ‌باب الرجل يشتري الشعير بالحنطة

- ‌باب الرجل يبيع الطعام نسيئة ثم يشتري بذلك الثمن شيئًا آخر

- ‌باب ما يُكره من النجش وتلقي السلع

- ‌باب الرجل يُسْلم فيما يُكال

- ‌باب بيع البراءة

- ‌باب بيع الغرَر

- ‌باب بيع المزابنة

- ‌باب شراء الحيوان باللحم

- ‌باب الرجل يساوم الرجل بالشيء فيزيد عليه آخر

- ‌باب ما يوجب البيع بين البائع والمشتري

- ‌ باب الاختلاف في البيع ما بين البائع والمشتري

- ‌باب الرجل يبيع المتاع بنسيئة فيفلس المبتاع

- ‌باب الرجل يشتري الشيء أو يبيعه فيغبن فيه أو يسعر على المسلمين

- ‌باب الاشتراط في البيع وما يفسده

- ‌باب من باع نخلًا مؤبرًا أو عبدًا وله مال

- ‌باب الرجل يشتري الجارية ولها زوج أو تهدى إليه

- ‌باب عهدة الثلاث والسنة

- ‌باب بيع الولاء

- ‌باب بيع أمهات الأولاد

- ‌باب بيع الحيوان بالحيوان نقدًا ونسيئة

- ‌باب الشركة في البيع

- ‌باب القضاء

- ‌باب الهبة والصدقة

- ‌ باب النحلى

- ‌باب العمرى والسكنى

- ‌كتاب الصرف وأبواب الربا

- ‌باب الربا فيما يُكال أو يوزن

- ‌باب الرجل يكون له العطاء أو الدين على الرجل فيبيعه قبل أن يقبضه

- ‌باب الرجل يكون عليه الدين فيقضي أفضل مما أخذه

- ‌باب ما يكره من قطع الدراهم والدنانير

- ‌باب المعاملة والمزارعة في الأرض والنخل

- ‌باب إحياء الأرض بإذن الإمام أو بغير إذنه

- ‌باب الصلح في الشرب وقسمة الماء

- ‌كتاب العِتَاق

- ‌باب الرجل يعتق نصيبًا له من مملوك أو يسيب سائبة أو يوصي بعتق

- ‌باب بيع المدبر

- ‌باب الدعوى والشهادات وادعاء النسب

- ‌باب حكم اليمين مع الشاهد

- ‌باب استحلاف الخصوم

- ‌باب الرهن

- ‌باب الرجل تكون عنده الشهادة

- ‌باب اللقطَة

- ‌باب الشفعَة

- ‌باب المكَاتب

- ‌ أبواب السير

- ‌باب الرجل يعطي الشيء في سبيل الله

- ‌باب إثم الخوارج وما في لزوم الجماعة من الفضل

- ‌باب قتل النساء

- ‌باب المرتد

- ‌باب ما يُكره من لبس الحرير والديباج

- ‌باب ما يكره من التختم بالذهب

- ‌باب الرجل يمر على ماشية الرجل فيحتلبها بغير إذنه وما يُكره من ذلك

- ‌باب نزول أهل الذمة مكة والمدينة وما يُكره من ذلك

- ‌باب الرجل يقيم الرجل من مجلسه ليجلس فيه وما يُكره من ذلك

- ‌باب الرقى

- ‌باب ما يُستحب من الفأل والاسم الحسن

- ‌باب الشرب قائمًا

- ‌باب الشرب في آنية الفضة

- ‌باب الشرب والأكل باليمين

- ‌باب الرجل يشرب ثم يناول من عن يمينه

- ‌باب فضل إجابة الدعوى

- ‌باب فضل المدينة

- ‌باب اقتناء الكلب

- ‌باب ما يكره من الكذب وسوء الظن والتجسس والنميمة

- ‌باب الاستعفاف عن المسألة والصدقة

- ‌باب الرجل يكتب إلى رجل يبدأ به

- ‌باب الاستئذان

- ‌باب التصاوير والجرس وما يُكره منها

- ‌باب اللعب بالنرد

- ‌باب النظر إلى اللعب

- ‌باب المرأة تصل شعرها بشعر زوجها

- ‌باب الشفاعة

- ‌باب الطيب للرجل

- ‌باب الدعاء

- ‌باب رد السلام

- ‌باب الإشارة في الدعاء

- ‌باب الرجل يهجر أخاه المسلم

- ‌باب الخصومة في الدين والرجل يشهد على الرجل بالكفر

- ‌باب ما يُكره من أكل الثوم

- ‌باب الرؤيا

- ‌باب جامع الحديث

- ‌باب الزهد والتواضع

- ‌باب الحب في الله

- ‌باب فضل المعروف والصدقة

- ‌باب حق الجار

- ‌باب اكتتاب العلم

- ‌باب الخضاب

- ‌باب الوصي يستقرض من مال اليتيم

- ‌باب الرجل ينظر إلى عورة الرجل

- ‌باب النفخ في الشراب

- ‌باب ما يُكره من مصافحة النساء

- ‌باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وما يُستحب من ذلك

- ‌باب فضل الحياء

- ‌باب حق الزوج على المرأة

- ‌باب حق الضيافة

- ‌باب تشميت العاطس

- ‌باب الفرار من الطاعون

- ‌باب الغيبة والبُهتان

- ‌باب النوادر

- ‌باب الفأرة تقع في السمن

- ‌باب دباغ الميتة

- ‌باب كسب الحجام

- ‌باب التفسير

الفصل: "رأيتُ على علمت بالكشف والإِلهام أو رأيت في المنام ابن

"رأيتُ على علمت بالكشف والإِلهام أو رأيت في المنام ابن أبي قُحَافة وهو أبو بكر الصديق نزع ذَنُوبًا بفتح الذال المعجمة وضم النون وسكون الواو ثم الموحدة هو دلو كبير إلى أن يملأ أي: أخرج أبو بكر الصديق من البئر دلوًا كبيرًا وجد فيه ماء كثير أو ذنوبين شك من الراوي وكلمة "أو" بمعنى بل وهو الظاهر وفي نَزْعه ضعف، أي: كمية أو كيفية، والمعنى أنه صدر عنه بتعب شديد والله يغفر له"، أي: يتجاوز عنه إذ لم يصدر تقصير منه فهو نظير قوله تعالى في سورة التوبة (ق 995): {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة: 43] أو يغفر له أن صدر عنه تقصير فرضًا وتقديرًا ويغفر له سبب هذه الخدمة ما سبق عنه من تقصيره في الطاعة ثم قام عمر بن الخطاب، فاستحالَتْ غَرْبًا، بفتح العين المعجمة وسكون الراء والموحدة أي: دلوًا عظيمًا كذا في (صحاح الجوهري) أي: انقلبت الذنوب إلى دلو كبير يسع ماء كثيرًا فلم أرَ عَبْقَرِيّا أي: رجلًا قويًا وهو بفتح العين المهملة والقاف بينهما موحدة ساكنة وبعد القاف راء مهملة وتحتية مشددة موضع الجن والعرب إذا رأوا رجلًا قويًا ويتعجبون من صنعته وقوته ينسبونه إليه فإن عمر بن الخطاب كان رجلًا قويًا فتعجب صلى الله عليه وسلم من شدة قوته وشبهه إليه فقال: "فلم أر عبقريًا" أي: شديدًا قويًا من الناس ينزع أي: حال كونهم ينزعون نَزْعَهُ، أي: كنزعه حتى ضرب الناس بِعَطَن" بفتحتين أي: كف نزعه لجميع الناس من جهة شربهم وكناية عن قلة مدة خلافة أبي بكر الصديق وضعف حال المسلمين وتزلزل حال المرتدين وكثرة مدة خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقوته وصلابته ووصول أثره شرقًا وغربًا، ومدة خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتان، ومدة خلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين، ومدة خلافة عثمان رضي الله عنه اثنا عشرة سنة، ومدة خلافة علي رضي الله عنه ست سنين كما أشبعناهم في شرح (بركات الأبرار).

لما ذكر ما يتعلق بأحكام الكسب في الحجامة، ذكر ما يتعلق بتفسير القرآن، فقال: هذا

* * *

‌باب التفسير

التفسير أي: في بيان تفسير بعض الآيات القرآنية، والتفسير في الأصل هو الكشف والإِظهار، وفي الشرع: توضيح الآية وشأنها وقصتها والسبب الذي نزلت فيه بلفظ يدل

ص: 364

عليه دلالة ظاهرة كذا قاله السيد الشريف محمد الجرجاني، وإذا علمت التفسير ما في الأصل والشرع لزم عليك معرفة التأويل، وهو في الأصل: الترجيع، وفي الشرع: صرفه الآية في معناه الظاهر إلى معنى يحتمل، وإذا كان المحتمل الذي يراه موافقًا بالكتاب والسنة مثالهما ما يقال في قوله تعالى:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الأنعام: 95] إن أراد منه إخراج الطير من البيضة كان تفسير، وإن أراد إخراج المؤمن من الكافر أو العالم من الجاهل كان تأويلًا، والأول يحتاج إلى السماع من الثقات لتعلقه بالرواية لئلا يقع في ورطة الهلاك.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من فسر القرآن برأيه فقد كفر"، وفي رواية:"من فسر القرآن برأيه وأصاب فقد أخطأ" فيحمل الأول على من فسر ولم يصب، وفي رواية أخرى:"من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه الإِمام أحمد في مسنده، ولقول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سئل عن معنى الأَبّ في قوله تعالى:{وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31]: لا أدري ما الأب فقيل له: قل من ذات نفسك، فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في القرآن بما لا أعلم، فالسماع شرط على من يفسره (ق 996) ولو كان واقفًا على أحوال التنزيل ووجوه اللغة والإِعراب كذا في (عيون التفاسير).

وقال الليث رحمه الله في تفسيره: إذا لم يعلم الرجل وجوه اللغة وأحوال التنزيل فتعلم التفسير وتكلف حفظه فلا بأس بأن يفسره كما سمع، ويكون ذلك على سبيل الحكاية ففيه إشارة إلى جواز نقل المسموع من التفسير إلى الغير من غير تبديل المعنى.

998 -

أخبرنا مالك، أخبرنا داود بن الحُصين، عن ابن يُربوع المخزوميّ، أنه سمع زيد بن ثابت يقول: الصلاة الوُسطى صلاة الظهر.

• أخبرنا مالك، أخبرنا داود بن الحُصين، الأموي مولاهم يكنى أبا سليمان المدني، ثقة إلا في عكرمة ورمي برأي الخوارج لكن لم يكن داعية، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة عن ابن يُربوع المخزوميّ، كان اسمه سعد بن يربوع بن منكثة بن عامر بن مخزوم، قال النسائي وغيره:

(998) إسناده صحيح.

ص: 365

له صحبة، وقال الزبير وغيره: أسلم يوم الفتح، وقيل قبله، يكنى أبا هود وشهد حنينًا، وأعطى من غنائمها.

وروى البخاري في تاريخه من طريق يحيى بن سعد الأنصاري قال: أصيب سعد بن يربوع ببصره فعاده عمر بن الخطاب كذا في (الإِصابة) أنه سمع زيد بن ثابت رضي الله عنه يقول: الصلاة الوُسطى صلاة الظهر أي: لأنها صلاتي النهار، وهو مختار زيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وفي (تفسير البغوي) بإسناده عن زيد بن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: يصلي الظهر بالهاجرة أي: في نصف النهار عند اشتداد الحر، ولم يصل صلاة أشد على أصحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم منها فنزل في سورة البقرة قوله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].

* * *

999 -

أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن عمرو بن رافع أنه قال: كنتُ أكتبُ مصحفًا لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إذا بلغتَ هذه الآية فآذني، فلما بلغتها آذنتها فقالت: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى، وصلاة العصر، وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ.

• أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، العدوي مولى عمر بن الخطاب يكنى أبا عبد الله وأبا أسامة المدني ثقة عالم، كان في الطبقة الثانية من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة ست وثلاثين عن عمرو بن رافع العدوي مولاهم مقبول كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين، مات سنة بعد المائة أنه قال: كنتُ أكتبُ مصحفًا لحفصة أي: بنت عمر بن الخطاب زوج النبي صلى الله عليه وسلم أي: من جمع الشيخين قالت: إذا بلغت هذه الآية أي: الآية فيها الصلاة الوسطى فآذني، بمد الهمزة وكسر الذال المعجمة وتخفيف النون أو بسكون الهمزة وفتح الذال أي: أعلمني فلما بلغتها أي: الآية آذنتها أي: حفصة فقالت: أفقرأت أو فقالت: اكتب هكذا {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، وصلاة العصر، {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} أي: خاشعين.

* * *

(999) إسناده صحيح: فيه عمرو بن رافع مقبول.

ص: 366

1000 -

أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن القَعْقَاع بن حكيم، عن أبي موسى مولى عائشة، قال: أمرتني أمي عائشة رضي الله عنها، أن أكتب لها مصحفًا، قالت: إذا بلغت الآية فآذني: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين، فإني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

• أخبرنا مالك، أخبرنا زيد بن أسلم، عن القَعْقَاع بن الحكيم، وفي نسخة: ابن حكيم بغير الألف واللام أي: الحكيم الكتابي المدني ثقة، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات بعد المائة عن أبي موسى مولى عائشة، رضي الله عنها ثقة، كان في الطبقة الثالثة مات بعد المائة قال: أمرتني أي: عائشة أن أكتب لها مصحفًا، قالت: إذا بلغت (ق 997) هذه الآية فآذني: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، فلما بلغت آذنتها وأملت علي قرأت ولقنت لي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، وصلاة العصر، {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وفي نسخة: فإني سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: هكذا وكانت الواو في صلاة العصر عطف على قوليهما وسيأتي ما يدل عليه من حديث، فهذا وما قبله يوافق قول الجمهور منهم على وعبد الله بن مسعود وأبي أيوب وأبو هريرة وعائشة وحفصة رضي الله عنهم، وبه قال إبراهيم النخعي وقتادة وحسن البصري وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى أن المراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر.

وأخرج أبو نعيم عن سفيان عن عاصم بن أبي النجود عن زيد بن حبيش قال: قلنا لعبيدة: سل عليّا عن الصلاة الوسطى فقال: كذا نوى أنها صلاة الفجر حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الخندق: "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارًا"، وذهب قوم إلى أنها صلاة الفجر، وهو قول عمر وابن عمر وابن عباس ومعاذ وجابر وبه قال عطاء وعكرمة ومجاهد، وإليه ذهب مالك والشافعي؛ لأن الله تعالى قال:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} والقنوت طول القيام، وصلاة الصبح مخصوصة بطول القيام وبالقنوت؛ ولأن الله تعالى خصها في آية أخرى من بين الصلوات فقال:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] يعني: تشهدها ملائكة الليل والنهار، فهي مكتوبة في ديوان الليل وديوان النهار، وقيل: هي صلاة المغرب؛ لأنها وسط ليس

(1000) إسناده صحيح.

ص: 367

بأقلها ولا أكثرها وقيل: صلاة العشاء، وقيل: هي إحدى الصلوات الخمس لا يعنيها أبهمهما الله تعالى تحريضًا للعباد على محافظة أداء جميعها كما أخفى ليلة القدر وساعة إجابة في يوم الجمعة، واسمه الأعظم والله أعلم، وهذا قول سعيد بن المسيب وشريح القاضي ونافع مولى ابن عمر وغيرهم، واختاره إمام الحرمين في (النهاية) وقيل: صلاة الجماعة، وقيل: صلاة الجمعة، وقيل: صلاة العيد، وقيل: الضحى، وقيل: الوتر.

* * *

1001 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عمارة بن صياد، أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول في الباقيات الصالحات، قول العبد: الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

• أخبرنا مالك، أخبرنا عمارة بن صياد، فنسب لجده لشهرته به واسم أبيه أكيمة بضم الهمزة وفتح الكاف وسكون التحتية، وفتح الميم ثم الهاء مصغرًا أكيمة، وهو الذي ولد من أمة عمر، يكنى أبا الوليد الليثي المدني ثقة، كان في الطبقة الثالثة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة إحدى ومائة وله تسع وسبعون سنة أنه سمع سعيد بن المسيَّب يقول في الباقيات الصالحات، أي: في تفسير قوله تعالى في سورة الكهف: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} [الكهف: 46] أي: رجاء وما يقول العبد أي: هو قول العبد: المؤمن الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة ومجاهد، وقد أورد البغوي بسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"استكثروا من الباقيات الصالحات"(ق 998)، قيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: "المسألة". وما هي يا رسول الله، قال:"التكبير والتهليل والتسبيح والحمد ولا حول ولا قوة إلا بالله". عن سعيد بن جبير ومسروق وإبراهيم النخعي: الباقيات الصالحات: هي الصلوات الخمس، ويروى هذا أيضًا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعنه في رواية أخرى: أنها الأعمال الصالحة، وهي قول قتادة وهذا أجمع وأتم والله أعلم.

* * *

(1001) إسناده صحيح.

ص: 368

1002 -

أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، وسُئل عن المحصنات من النساء، فقال: سمعتُ سعيد بن المسيَّب يقول: هن ذوات الأزواج، ويرجع ذلك إلى أن الله حرَّم الزنا.

• أخبرنا مالك، أخبرنا ابن شهاب، أي: الزهري وسُئل أي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الفقيه ثقة، كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، عن المحصنات من النساء، أي: عن تفسيرها فقال: أي: ابن شهاب إلى أن حرم الله الزنى أي: لأن المحصنات عطف على المحرمات في قوله تعالى في سورة النساء {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] والمعنى لا يحل للغير نكاحهن قبل مفارقة الأزواج.

قال أبو سعيد الخدري: نزلت في نساء كن يهاجرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم أزواج فيتزوجهن بعض المسلمين ثم يقدم أزواجهن مهاجرين، فنهى الله تعالى المسلمين عن نكاحهن ثم استثنى إلا ما ملكت أيمانكم، يعنى: السبايا اللواتي سبين ولهم أزواج في دار الحرب فيحل لمالكهن وطئهن بعد الاستبراء؛ لأن بالسبي وتباين الدارين يرتفع النكاح بينهما.

* * *

1003 -

أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حَزم، أن أباه أخبره، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: ما رأيتُ مثل ما رَغِبَتْ هذه الأمة عنه، من هذه الآية:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} .

• أخبرنا مالك، أخبرنا محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حَزم، الأنصاري المدني، يكنى أبا عبد الله الملك القاضي ثقة كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين والمحدثين من

(1002) إسناده صحيح.

(1003)

إسناده صحيح.

ص: 369

أهل المدينة، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة أن أباه أي: أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني ثقة، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة عشرين ومائة أخبره، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: ما رأيتُ أي: شيئًا مكروهًا مثل ما رَغِبَتْ هذه الأمة عنه، من هذه الآية: والمعنى أنهم تركوا القيام بها والعمل بمقتضاها وتهاونوا في أمرها، وهذه الآية في سورة الحجرات {وَإِنْ طَائِفَتَانِ} نزلت حين ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارًا وأتى إلى الأنصار ليكلمهم في أمر من أمور الدنيا، فكلمهم فبال الحمار، فقال عبد الله بن أبي المنافق: إليك عني فقد آذاني نتن حمارك فقال بعض الأنصار وهو ابن رواحة: والله لبول حمار النبي صلى الله عليه وسلم أطيب ريحًا منك، فاقتتل قوم ابن رواحة، وهم الأوس وقوم عبد الله بن أبي وهم الخزرج بالأيدي والنعال وأغصان النخل فقال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ} أي: اقتتل طائفتان {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} حذف الفعل من أن الشرطية بدلالة {اقْتَتَلُوا} عليه وجمع نظر إلى المعنى؛ لأن كل طائفة جماعة وثنى في قوله: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} نظرًا إلى اللفظ، فكره بعضهم الصلح فنزلت {فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} أي: ظلمت إحدى الطائفتين واستطالت {عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا} أي: الطائفة {الَّتِي تَبْغِي} أي: تظلم {حَتَّى تَفِيءَ} أي: ترجع (ق 999){إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} أي: إلى الصلح {فَإِنْ فَاءَتْ} أي: رجعت عن البغي {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} بالعدل أي: بالإِنصاف في الحكم بين الفريقين ولا تميلوا عن الحق، فإنما قرن العدل بالإِصلاح الثاني دون الأول؛ لأن العدل في ضمن الجنايات والمتلفات لا في سلب الضغائن، فالمراد بالأول إصلاح ذات البين من الاقتتال وتسكين الحقد والغضب ونفي الشبهة فقط، إلا إذا أصرتا فحينئذ تجب المقاتلة، ولا يتجه الضمان، والمراد بالثاني هو الإِصلاح من البغي والتعدي، فالضمان يتجه فيه بطريق العدل كذا في (عيون التفاسير).

وروى أن عليًا رضي الله عنه سئل، وهو القدوة في قتال أهل البغي عن أهل الجمل وصفين أمشركون هم فقال: لا من الشرك فروا، فقيل: أمنافقون هم؟ فقال: لا؛ لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا، قيل: مما حالهم قال: إخواننا بغوا علينا، والباغي هو الخارج على إمام العدل.

* * *

ص: 370

1004 -

أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيَّب، في قول الله عز وجل:{الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} ، قال: سمعته يقول: إنها قد نُسِخت بالآية التي بعدها، ثم قرأ:{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} .

قال محمد: وبهذا نأخذ، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، لا بأس بتزويج المرأة وإن كانت قد فجرت، وإن تزوجها من لم يفجر.

• أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، أي: ابن قيس الأنصاري المدني يكنى أبا سعيد القاضي ثقة ثبت، كان في الطبقة الخامسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة عن سعيد بن المسيَّب، في قول الله عز أي: غلب في حكمه وجل: أي: ظهر على خلقه في سورة النور: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً} أي: غالبًا، نزلت حين استأذن أصحاب الصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينكحوا الزواني في المدينة، وكانت لهن علامات يعرفن بها وكن أكثرهم أهل المدينة خيرًا، والمدينة غالية السعر، وقد أصابهم الجهد والفاقة، وقالوا: إذا جاء الله بالخير نطلقهن وننكح المسلمات، فمنعهم الله عن ذلك بهذه الآية، ومعناها: أن الزاني لا يرغب في نكاح الصالحات من النساء، وإنما يرغب فاسقة زانية من شكله، {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} ، أي: وكذا لا يرغب في نكاحها الصالح من الرجال وينفر عنها، وإنما يرغب فيها من هو شكلها من الفسقة أو المشركين؛ لأن الخبيثات للخبيثين وظاهره أنه إخبار عما يقع كثيرًا.

وقيل: مبناه خبر ومعناه نهي ويدل عليه قوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ} [النور: 3] أي: نكاح الزانية ورغبته فيها على المؤمنين أي: الممدوحين عند الله لما فيه التشبه بالفساق، وحضور موضع التهمة والغيبة قيل: كان التحريم في أول الإِسلام ثم نسخ كما قال: أي: يحيى بن سعيد سمعته أي: سعيد بن المسيب حال كونه يقول: إنها أي: القصة قد نُسِخت بالآية التي بعدها، ثم قرأ: أي: مبينًا لها {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} أي: زوجوا من لا زوج له من الرجال والنساء بكرًا كان أو ثيبًا، وهو جمع أيم وأصلها أيايم فقلبت قلبًا مكانيًا فصار

(1004) إسناده صحيح.

ص: 371

أيامن، وهو أمر ندب لقوله صلى الله عليه وسلم:"من أحب فطرتي فليستن بسنتي وهي النكاح"{وَالصَّالِحِينَ} أي: وأنكحوا الصالحين {مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} أي: ومن كان فيه صلاح من غلمانكم وجواريكم وهو قيام بحقوق النكاح وإنما خص الصالحين بالإِنكاح ليحصن دينهم به ويحفظ عليهم صلاحهم.

قال محمد: وبهذا نأخذ، أي: إنما نعمل هنا بقول سعيد بن المسيب وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا، لا بأس بتزويج المرأة وإن كانت قد فجرت، أي: زنت وإن تزوجها من لم يفجر بها كذا في نسخة أي: لم يزن بها أو بغيرها، وكذا من فجر بها أو بغيرها.

* * *

1005 -

أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، أنه كان يقول: في قول الله عز وجل: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} ، قال: أن تقول للمرأة وهي في عدّتها من وفاة زوجها: إنك عليَّ كريمة وإني فيك لراغب، وإن الله سائقٌ إليك رزقًا، ونحو هذا من القول.

• أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، يكنى أبا محمد المدني ثقة جليل، قال ابن عيينة: كان أفضل أهل زمانه، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة ست وعشرين ومائة عن أبيه، أي: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني، ثقة أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه في زمانه، كان في الطبقة الثالثة من طبقات كبار التابعين من أهل المدينة، مات سنة ست ومائة على الصحيح كذا قاله ابن حجر (1) أنه كان يقول: في قول الله عز أي: غلب في حكمه وجل: أي: كثر في أمره في سورة البقرة: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ} أي: لا حرج ولا بأس عليكم في الكلام الذي تعرضوا

(1005) إسناده صحيح.

(1)

في التقريب (1/ 451).

ص: 372

به للمرأة المتوفى عنها زوجها أي: تلوحونه وتشيرونه إليها {مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} أي: من طلب نكاحها بالتخاطب في العدة بأن تقولوا من غير تصريح إرادة النكاح: إنك لجميلة، أو إنك لتعجبيني، أو إنك موافقة لي ونحو ذلك من الكلام الموهم لإِرادة نكاحها حتى تحبس نفسها على القائل به فهذا هو التعريض والجار والمجرور في محل النصب على الحال العامل عرضتم {أَوْ أَكْنَنْتُمْ} أي: فيما أضمرتموه {فِي أَنْفُسِكُمْ} ، أي: في قلوبكم فلم تقولوا بألسنتكم لا بالتصريح ولا بالتعريض قال: أي: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق في بيان التعريض أن تقول أي: أيها المخاطب في الكلام التعريض للمرأة وهي في عدّتها من وفاة زوجها: أي: أو طلاقها إنك بكسر الكاف عليَّ كريمة أي: مكرمة وإني فيك لراغب، أي: مائل وإن الله سائقٌ إليك رزقًا، أي: واسعًا طيبًا ونحو هذا من القول أي: التعريض دون التصريح من يجد مثلك وإنك لصالحة وأن من غرض أن أتزوج من غير أن يقول لها: أنكحيني أو تزوجيني وأمثال ذلك.

* * *

1006 -

أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر، قال: دُلُوك الشمس: مَيْلها.

• أخبرنا مالك، حدثنا نافع، عن ابن عمر، رضي الله عنه قال: معنى الدلوك في قوله تعالى في سورة بني إسرائيل: دُلُوك الشمس: مَيْلها أي: زوالها بعد كمالها أو زوالها في وسط السماء إلى جانب المغرب.

* * *

1007 -

أخبرنا مالك، حدثنا داود بن الحُصين، عن ابن عباس، قال: كان يقول: دُلُوك الشمس: مَيْلها، وغَسق الليل: اجتماع الليل وظلمته.

قال محمد: هذا قول ابن عمر وابن عباس، وقال عبد الله بن مسعود: دلوكها غروبها، وكلٌّ حَسَن.

(1006) إسناده صحيح.

(1007)

إسناده صحيح.

ص: 373

• أخبرنا مالك، حدثنا داود بن الحُصين، الأموي مولاهم، يكنى أبا سليمان المدني، ثقة إلا في عكرمة ورمى برأي الخوارج ولم يكن داعية ووثقه ابن معين والنسائي والعجلي وكفى رواية مالك عنه توثيقًا، كان في الطبقة السادسة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة خمس وثلاثين ومائة عن ابن عباس، (ق 1001) رضي الله عنهما قال: أي: داود بن الحصين كان أي: ابن عباس يقول: دُلُوك الشمس: مَيْلها، وغَسق الليل: اجتماع الليل وظلمته.

قال محمد: هذا أي: المعنى قول ابن عمر وابن عباس، وكذا قال جابر وعطاء وقتادة ومجاهد والحسن البصري وأكثر التابعين، وقال عبد الله بن مسعود: رضي الله عنهما دلوكها غروبها، وكلٌّ حَسَن.

* * *

1008 -

أخبرنا مالك، حدثنا عبد الله بن دينار، أن عبد الله بن عمر أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إنما أجَلُكم فيما خلا من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، وإنما مَثَلكم ومَثَل اليهود والنصارى: كرجل استعمل عاملًا، فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراطٍ قيراط؟ قال: فعملت اليهود، ثم قال: من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟ فعملت النصارى على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين، ألا فأنتم الذين يُعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين"، قال: فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: نحن أكثر عملًا وأقل عطاءً، قال:"هل ظلمتُكم من حقكم شيئًا؟ "، قالوا: لا، قال:"فإنه فضلي أوتيه من أشاء".

قال محمد: هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر أفضل من تعجيلها،

(1008) إسناده صحيح: أخرجه البخاري (4/ 207)(6/ 235) وأبو داود في السنة ب (30) والترمذي (2871) والنسائي في المحاربة (ب 26) والطبراني في الكبير (12/ 338).

ص: 374

ألا ترى أنه جعل ما بين الظهر والعصر أكثر ما بين العصر والمغرب في هذا الحديث، ومن عجّل العصر كان ما بين الظهر إلى العصر أقل مما بين العصر إلى المغرب، فهذا الحديث يدل على تأخير العصر، وتأخير العصر أفضل من تعجيلها، ما دامت الشمس بيضاءَ نقية لم تُخالطها صُفرة، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا رحمهم الله تعالى.

• أخبرنا مالك، حدثنا عبد الله بن دينار، العدوي مولاهم، يكنى أبا عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر، ثقة كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين من أهل المدينة، مات سنة سبع وعشرين ومائة {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] جامعة لمواقيت الصلوات الخمس، كأنها في دلوك الشمس تناول صلاة الظهر والعصر إلى غسق الليل، تناول المغرب والعشاء، وقرآن الفجر هو صلاة الصبح أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما أجَلُكم أي: مدة عمركم فيما خلا أي: في جنب ما مضى من الأمم، أي: السابقة كلهم أو اليهود والنصارى الأول أظهر فتدبركما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس، أي: في القلة بالنسبة إلى ما مضى من صدر النهار أو من أول الزوال وهو المناسب لما نحن فيه من المقال وإنما مَثَلكم ومَثَل اليهود والنصارى: أي: في القرابة كرجل أي: مثلًا استعمل عاملًا، أي: طلب منهم العمل والعمال جمع عامل فقال: من يعمل لي إلى نصف النهار وهو وقت الزوال على قيراطٍ قيراط؟ أي: ليكون لكل عامل قيراط لا لمجموع العمال وهو نصف دانق، وهو سدس الدرهم، وأصله قراط بتشديد الراء؛ لأن جمعه قراريط فأبدل من إحدى حرفي تضعيفه ياء كما في دينار دنانير كذا قاله الجمهور.

وقال الجوهري: وأما القيراط الذي في الحديث فقد جاء فيه أنه قيل: جبل أحد انتهى كما لا يخفى قال: أي: الرجل مثل حال الفريقين فعملت اليهود، أي: على أن يكون لكل منهم قيراط إلى نصف النهار ثم قال: أي: الرجل الممثل بها من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط؟.

قال الطيبي: القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد فعملت النصارى على قيراط قيراط، ثم قال: من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب

ص: 375

الشمس على قيراطين قيراطين، وزاد البخاري كما في المشكاة: ألا لكم الأجر مرتين أي: مثل ما لليهود والنصارى قال: أي: النبي صلى الله عليه وسلم بعد الجملة المعترضة بين الكلامين فغضبت اليهود والنصارى، وقالوا: أي: كل من الطائفتين نحن أكثر عملًا وأقل عطاءً"، قال: أي: الله تعالى: "هل ظلمتُكم أي: نقصتكم من حقكم شيئًا؟ "، قالوا: لا، قال: أي: الله تعالى كما في نسخة: "فإنه أي: العطاء الكثير أو الأجر مرتين فضلي أوتيه أي: أعطيه كما في نسخة من شئت" وفي نسخة نؤتيه من نشاء، وفيه تلميع إلى قول الله تعالى في سورة الحديد:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد: 28، 29](ق 1002) هذا وأن يكون للنصارى أكثر عملًا إلا إذا كان وقت العصر من ضرورة ظل كل شيء مثليه كما قال به أبو حنيفة، فإن قيل: من الزوال إلى صيرورة كل ظل شيء مثله أكثر من وقت صيرورة ظل كل شيء مثله إلى آخر النهار فيتحقق كون النصارى أكثر عملًا على هذا التقدير، أجيب بأن التفاوت بين هذين الوقتين لا يوفه إلا الحساب.

والمراد بالحديث تفاوت يظهر لكل أحد من الأمة، وهذا كله إذا أريد بنصب النهار العرفي، أما إن أريد النهار الشرعي فالاستدلال والسؤال ساقطان.

وأما قول الكرماني في شرح البخاري: لا يلزم من كونهم أكثر عملًا أكثر أجلًا لاحتمال كون العمل أكثر في الزمان الأول، فمرفوع؛ لأنه احتمال بعيد مناقض باحتمال ضده فلا يحمل عليه مع كون الزمان معيار العمل في عرف البيان.

قال محمد: هذا الحديث يدل على أن تأخير العصر أفضل من تعجيلها، وهذا تأويل من محمد حيث جاء الحديث على خلاف قوله، ثم قوله: ألا ترى أي: ألم تعلم أنه جعل ما بين الظهر والعصر أكثر مما بين العصر والغرب في هذا الحديث، ومن عجّل العصر كان ما بين الظهر إلى العصر أقل مما بين العصر إلى المغرب، فهذا الحديث يدل على تأخير العصر، انتهى.

ولا يخفى أن الحديث بظاهره يدل على تأخير دخول وقت العصر، كما قال به

ص: 376

أبو حنيفة لا على تأخيره بطريق الأفضلية، كما قاله محمد أن لا خلاف عندنا في قوله: وتأخير العصر أفضل من تعجيلها، ما دامت الشمس بيضاءَ أي: نورًا نقية أي: كاملة لم تُخالطها صُفرة، وهو قولُ أبي حنيفة، والعامة من فقهائنا أي: خلاف أي: خلافًا للشافعي ومن تبعه من أن تعجيل صلاة العصر في أول وقتها أفضل، وإنما عملًا بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم:"أول الوقت رضوان الله، وآخر الوقت غفرانه"، وعندنا المراد بأول الوقت: الوقت المختار بدليل ما ورد في فضيلة الإِسفار اسفرار بالفجر فإنه أعظم للأجر، وفي تأخير العشاء حيث ورد:"لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى نصف الليل وثلثه".

* * *

ثم اعلم أن المصنف رحمه الله قد أودع في كتابه المسمى بالموطأ اثنين وسبعين وتسعمائة حديث فصاعدًا بل يقرب إلى ألف برواية عن ثلاث وأربعين شيخًا، كأبي حنيفة، والإِمام مالك الأصبحي، ويعقوب بن إبراهيم يكنى أبا يوسف القاضي صاحب أبي نعمان بن ثابت، وسعيد بن أبي عروبة، وسلام بن سليم، وأبي معاوية المكفوف وهو محمد بن حازم، وعبد الرحمن بن عبد الله المسعودي الكوفي، وابن أبي ذؤيب، ويزيد بن عبد الله بن الهاد، وابن العوام البصري، وإبراهيم بن محمد المدني، وأيوب بن عتبة التيمي قاضي اليمامة، وطلحة بن عمرو المكي، ومحل الضبي، ومسعر بن كدام، وأبي كدينة يحيى بن المهلب، وربيع بن صبيح، ومحمد بن أبان بن صالح، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وعباد بن العوام، وعبد الجبار بن العلاء بن الجيار العطار البصري، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وعبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الثقفي، ويونس بن أبي إسحاق، وشعبة بن (ق 1003) الحجاج، وأبي بكر بن عبد الله النهشلي، وبكير بن عامر، وإسرائيل بن يونس، والشيخ أبي علي قيس بن عاصم، وداود بن سعد بن قيس، وداود بن قيس الفراء المدني، وعبيد الله بن عمر بن عاصم بن عمر بن الخطاب، وأسامة بن زيد المدني، وعمر بن ذر الهمداني، وإسماعيل بن عياش، وخالد بن عبد الله، وفضل بن غزوان، وإسماعيل بن إبراهيم، والمبارك، وحسن بن عمارة، وإبراهيم بن يزيد المكي، وعيسى بن أبي عيسى الخياط المدني، وقد كان الابتداء بتسويد هذا الشرح المسمى "بالمهيأ في كشف أسرار الموطأ" لمحمد بن الحسن بن عبد الله بن طاوس بن هرمز بن مالك بن فرقد بن الشيباني الكوفي في وقت الضحى، من يوم الجمعة من أول شهر ذي

ص: 377

الحجة من سنة إحدى وستين بعد المائة والألف، وكان انتهاؤه في وقت الضحى من يوم الأحد، من شهر المحرم من سنة ست وستين.

اللهم كما صنت وجهي سجودًا لغيرك فصن قلبي أن يحب لغيرك، اللهم إن عثمان يريد رضاء حبيبك، فاجعله راضيًا عنه، اللهم إني أسألك باسمك الأعظم ورضوانك الأكبر أن تغفر لي، ولوالدي ولأستاذي، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، اللهم إن حبيبك المصطفى قال: إن الله ليستحي أن يعذب الشيخ الكبير، اللهم أنا شيخ كبير أستحي أن أجيء إلى حضورك مع ذنوبي، وارحم بياض لحيتي، فإني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، بحرمة لا إله إلا الله محمد رسول الله "آمين".

وكمل ثم كتابة كشف الأسرار للموطأ لمحمد بن الحسن من يد أضعف العباد مصطفى بن عثمان سنة ثلاث وسبعين ومائة وألف غفر الله له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه.

* * *

ص: 378