الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما فرغ من بيان جامع الحديث، شرع في بيان ما يتعلق بالزهد والتواضع، فقال: هذا
* * *
باب الزهد والتواضع
في بيان ما يتعلق إلى الزهد والتواضع، الزهد في الدنيا ترك الحرص فيها والقناعة بما رزق والتواضع ضد التكبر والتجبر، وحاصلهما ترك محبة المال والجاه، وجه المناسبة بين هذا الباب وبين الباب السابق التضاد.
925 -
أخبرنا مالك، أخبرنا عبد الله بن دينار، أن ابن عمر أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قُبَاءَ راكبًا وماشيًا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرنا عبد الله بن دينار، أن ابن عمر أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قُبَاءَ أي: لزيارة مسجد قباء راكبًا أي: تارة وماشيًا أي: وكلاهما يدل على كمال زهده وتواضعه، فإنه كان قادرًا على أن يركب الفرس والبغل والناقة وفق على شأنه وعزة جاهه وسلطانه، وروى أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي عن الأسود أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في شكاء أي: في مرض ومحنة شكاها، فإذا هو على عباء أي: كساء خشن قطوانية وخرقة من صوف (1) أو خز فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، كسرى وقيصر على الديباج وأنت على هذا فقال:"يا عمر أما ترضى أن يكون لهم الدنيا ولنا الآخرة"، ثم إن عمر مسه فإذا هو في شدة الحمى فقال: تحم أي: يصيبك الحمى هكذا وأنت رسول الله، فقال:"إن أشد هذه الأمة بلائها ثم الخير ثم الخير، وكذلك كانت الأنبياء عليهم السلام قبلكم" كما في مسند أبي حنيفة رحمه الله تعالى.
* * *
(925) صحيح: أخرجه: البخاري (1194) ومسلم (1399) والنسائي (698) وأحمد (4471) ومالك (402).
(1)
في الأصل: شوها.
926 -
أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن أنس بن مالك حدَّثه هذه الأحاديث الأربعة: قال أنس: رأيتُ عمر بن الخطاب وهو يومئذٍ أمير المؤمنين، وقد رَقَّع بين كتفيه برقاع ثلاث، لَبَّدَ بعضها فوق بعض، وقال أنس: وقد رأيتُ عمر يُطرح له صاع تمرٍ فيأكله حتى يأكل حَشَفه، وقال أنس: وسمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا وخرجتُ معه حتى دخل حائطًا، فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: عمرُ بن الخطاب أميرُ المؤمنين، بخ بخ، والله يا ابْنَ الخطاب، لتتقينَّ الله عز وجل أو ليعذبَنَّكَ، قال أنس: وسمعتُ عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل، فردّ عليه السلام، ثم سأل عمر الرجلَ: كيف أنت؟ قال الرجل: أحْمَدُ الله إليك، فقال عمر: هذه أردتُ منك.
• أخبرنا مالك، أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: الأنصاري المدني، يكنى أبا يحيى ثقة حجة كان في الطبقة الرابعة من طبقات التابعين (ق 949) والمحدثين من أهل المدينة، مات سنة اثنين وثلاثين ومائة أن أنس بن مالك رضي الله عنه حدَّثه هذه الأحاديث الأربعة: أي: الآية قال أنسْ رأيتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يومئذٍ أمير المؤمنين، وقد رَقَّع أي: من الترقيع بين كتفيه أي: ثوبًا له واقعًا بينهما برقاع ثلاث، لَبَّدَ بعضها فوق بعض، أي: في محل واحد أو المعنى أن ترقيعه لم يكن على هيئة الرفق، وهذا يدل على كمال زهده رضي الله عنه في جهة اللبس وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: وقد رأيتُ عمر رضي الله عنه يُطرح له وفي (الموطأ) لمالك برواية يحيى: وهو يومئذ أمير المؤمنين صاع تمرٍ فيأكله حتى يأكل حَشَفه، بفتحتين أي: ردية وهي في غاية زهده من جهة الأكل وقال أنس: وسمعتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومًا وخرجتُ معه حتى دخل حائطًا، أي: بستانًا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط: أي: يخاطب نفسه ويعاتبها عمرُ بن الخطاب أميرُ المؤمنين، بخ بخ، وهي بفتح الموحدة كلمة واحدة يتكلم المتكلم بها عند الرضا عن شيء ومدحه وقد يكررها عند المبالغة في الرضا
(926) صحيح، أخرجه: مالك (1706).
والتحسين ويجوز في إعراب الخاء ثلاثة أوجه: أن تكون ساكنة، والثاني: أن تكون مكسورة مشددة ومنونة، والثالث: أن تكون مكسورة مخففة ومنونة ويعبر بها باللسان التركي "أيو أيو" والله يا ابْنَ الخطاب، لتتقينَّ الله بنون مؤكدة أو ليعذبَنَّكَ، الله والمعنى أنه لا يغرنك إمارتك ولا زهدك وعبادتك فإنه لا خلاف في العقبى إلا بكمال التقوى في الدنيا، وفي هذا نهاية تواضعه مع ربه وعدم غروره وعجبه بفضائله ومنصبه قال أنس: وسمعتُ عمر بن الخطاب وسلم عليه رجل، فردّ عليه السلام، ثم سأل عمر الرجلَ: كيف أنت؟ أي: في الأحوال قال الرجل: أحْمَدُ الله إليك، أي: أحمده منهيًا إليك أو أنهي حمده لك، والمعنى شكرك الله على كل حال أو حالي محمود بعون الملك المتعال فقال عمر: هذه أي: الكلمة الطيبة أردتُ منك أي: قصدت بسؤالي منك.
* * *
927 -
أخبرنا مالك، أخبرنا هشام بن عُروة، عن أبيه، قال: قالت عائشة: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبعث إلينا بأحِظَّائنا من الأكارع والرؤُوس.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: أخبرنا هشام بن عُروة بن الزبير بن العوام الأسدي المدني، ثقة فقيه ربما دلس كان في الطبقة الخامسة من طبقات المحدثين والتابعين من أهل المدينة، مات سنة ست أو خمس وأربعين ومائة وله سبع وثمانون عن أبيه، أي: عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي المدني يكنى أبا عبد الله المدني ثقة فقيه مشهور كان في الطبقة الثالثة من طبقات المحدثين والتابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وتسعين على الصحيح ومولده في أوائل خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قالت عائشة: رضي الله عنها كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبعث إلينا أي: إلى أمهات المؤمنين بأحِظَّائنا أي: بحظوظنا وأنصبائنا وفي نسخة: بعطايانا من الأكارع والرؤُوس أي: من أكارع الغنم ورأسها عند ذبحها، والمعنى نأكل منها ولا نرغب عنها الزهد ما في الدنيا ورغبتنا في العقبى.
* * *
(927) إسناده صحيح.
928 -
أخبرنا مالك، أخبرني يحيى بن سعيد، أنه سمع القاسم بن محمد يقول: سمعتُ أسْلم مولى عمر بن الخطاب يقول: خرجتُ مع عمر بن الخطاب وهم يريد الشام، حتى إذا دنا من الشام أناخ عمر، وذهب لحاجته، قال أسْلَمُ: فطرحْتُ فَرْوَتي بين شِقّي رَحْلي، فلما فرغ عمر عمد إلى بعيري فركبه على الفَرْوَة، وركب أسلم بعيره، فخرجا يسيران حتى لقيهما أهل الأرض، يتلقون عمر، قال أسلم: فلما دَنَوْا منا أشَرْتُ لهم إلى عمر، فجعلوا يتحدثون بينهم، فقال عمر: تطمح أبصارهم إلى مراكب من لا خلاق لم: يريد مراكب العجم.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: بنا مالك أخبرني يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري يكنى أبا سعيد القاضي، ثقة ثبت كان في الطبقة الخامسة من طبقات المحدثين والتابعين من أهل المدينة، مات سنة أربع وأربعين ومائة أنه سمع القاسم أي: ابن محمد بن أبي بكر الصديق يقول: سمعتُ أسلم (ق 950) مولى عمر بن الخطاب يقول: خرجتُ مع عمر بن الخطاب وهو يريد الشام، أي: أيام خلافته حتى إذا دنا من الشام أي: قرب إليها أناخ عمر، أي: راحلته وذهب لحاجته، أي: من نقض وضوئه قال أسْلَمُ: فطرحْتُ فَرْوَتي بين شِقّي رَحلي، أي: رجل بعيري فلما فرغ عمر أي: عن حاجته ورجع عمر إلى بعيري أي: قصده فركبه أي: بعيري على الفَرْوَة، أي: فروى من كمال تواضه وزهده وركب أسلم بعيره، أي: وركبت بعير عمر بإشارة منه فخرجا أي: عمر وأسلم يسيران حتى لقيهما أهل الأرض، أي: أرض الشام يتلقون عمر، أي: يريدون تلقيه قال أسلم: فلما دَنَوْا أي: قرب أهل الشام منا أشَرْتُ لهم إلى عمر، أي: ليعرفوه لعدم التفرقة بينه وبين عبده في زيه لكمال زهده وعدم تقيده فجعلوا أي: فشرعوا حال كونهم يتحدثون بينهم، أي: تعجبًا من صنيع عمر وتواضعه فقال عمر: رضي الله عنه تطمح أي: ترفع أبصارهم أي: بأنها تنظر إلى مراكب من لا خلاق لهم: أي: لا نصيب لهم في العقبى يريد مراكب العجم أي: من ملوك قيصر وكسرى ونحوهما وكلفهم في ثيابهم ومراكبهم
(928) إسناده صحيح.
وفيه إشارة إلى قوله تعالى في آل عمران: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران: 196، 197].
* * *
929 -
أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، قال: كان عمر بن الخطاب يأكل خبزًا مفتوتًا بسمن، فدعا رجلًا من أهل البادية، فجعل يأكل ويتَّبعُ باللقمة وَضَرَ الصحفة، فقال له عمر: كأنك مُقْفِرٌ، قال: والله ما رأيتُ سمنًا ولا رأيتُ آكِلًا به منذ كذا وكذا، فقال عمر: لا آكلُ السمنَ حتى يُحْيي الناسُ، من أول ما أُحْيَوا.
• أخبرنا مالك، وفي نسخة: محمد قال: أخبرنا مالك، أخبرنا يحيى بن سعيد، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأكل خبزًا مفتوتًا أي: مكسورًا بسمن، فدعا رجلًا من أهل البادية، أي: ليأكل معه فجعل أي: شرع الرجل يأكل أي: أكلًا سريعًا ويتَّبعُ أي: من باب التفعل باللقمة وَضَرَ الصحفة، بفتح الواو والضاد المعجمة، والصحفة بفتح الصاد المهملة ثم الفاء أي: يمسح بالخبز المكسور دسم القصعة وأثر الطعام فيها فقال له عمر: رضي الله عنه كأنك مقْفِرٌ، بضم الميم وسكون الفاء وكسر القاف أي: من إدام له ومنه حديث: "ما افتقر بيت فيه خل" قال: والله ما رأيتُ سمنًا وفي (الموطأ) لمالك برواية يحيى بن يحيى الليثي: والله ما أكلت سمنًا بدل ما رأيت سمنًا ولا رأيتُ آكِلًا به أي: بالسمن منذ كذا وكذا، أي: من الأيام فإنه كان في سنة القحط والقلا والبلا فقال عمر: رضي الله عنه لا آكلُ السمنَ أي: بعد هذا حتى يُحْيي بصيغة المجهول الناسُ، أي: إلى غاية أن يعيشوا عيشة طيبة من أول ما أُحْيَوْا أي: كما كانوا الأغنياء: أولًا في (الموطأ) لمالك: حتى يحيى الناس من أول ما يحيون والمعنى: حتى يمطرون ويخصبوا فإن المطر سبب الخصب فيكون من الحيا مقصورًا وهو المطر، وهذا الحديث يدل على كمال زهد عمر
(929) صحيح: أخرجه: البخاري (8/ 48) ومسلم في البر والصلة (163) وأبو داود في الأدب (123) وأحمد في المسند (3/ 165، 167، 226، 227) وعبد الرزاق (20317) وابن خزيمة (1796).