الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(5) أَوَّلُ كتَابِ الْمَنَاسِكِ
(1) باب فرض الحجِّ
===
بسم الله الرحمن الرحيم
(5)
(أوَّلُ كِتابِ المناسكِ)
جمع المنسك بفتح السين وكسرها، وقرئ بهما في السبعة في قوله تعالى:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا} (1)، وهو مصدر ميمي من: نسك ينسك: إذا تعبد، ثم سميت أفعال الحج كلها مناسك، وقال الطيبي (2): النسك العبادة، االناسك العابد، اختص بأعمال الحج، والمناسك مواقف النسك وأعمالها، والنسيكة مخصوصة بالذبيحة.
(1)
(بابُ فَرْضِ الْحَجِّ)(3)
اختلفوا في فرضية الحج. قيل: وجب قبل الهجرة، وقيل: بعدها، حتى يحصل أحد عشر قولًا، قال ابن الأثير: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحج كل سنة قبل
(1) سورة الحج: الآية 34.
(2)
"شرح الطيبي"(5/ 216).
(3)
وفيه أبحاث في "الأوجز"، الأول: في لغته والثاني: في تعريفه شرعًا، والثالث: في سبب وجوبه، والرابع: في الفور والتراخي، والخامس: في عام فرضه، والسادس: في سبب تأخيره عليه السلام، والسابع: هل وجوبه مخصوص لنا أو من الشرائع السابقة؟ ولا شك أن الأنبياء قبلنا حجوا، والثامن: في حكمه، والتاسع: في فضل البيت، والعاشر: في تكفير الخطايا بالحج. (6/ 317 - 334). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أن يهاجر. وقال ابن الجوزي: حج حججًا لا يعلم عددها، وأخرج الحاكم بسند صحيح عن الثوري: أنه عليه الصلاة والسلام حج قبل أن يهاجر حججًا، وأما ما روى الترمذي عن جابر:"أن النبي صلى الله عليه وسلم حج قبل أن يهاجر حجتين". وفي رواية لابن ماجه والحاكم: "ثلاثًا"، فمبني على علمه، ولا ينافي إثبات زيادة غيره، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة سنة عشر، وهي حجة الوداع، وقد حج بالناس سنة ثمان - وهي عام الفتح - عتّاب بن أسيد، وحج بهم أبو بكر في سنة تسع من الهجرة.
وقال ابن الهمام: فرضية الحج كانت سنة تسع، أو سنة خمس، أو سنة ست، وتأخيره عليه الصلاة والسلام ليس يتحقق فيه تعريض الفوات؛ لأنه كان يعلم أنه يعيش حتى يحج ويُعَلِّم الناس مناسكهم تكميلًا للتبليغ، والأظهر أنه عليه السلام أخّره عن سنة خمس أو ست لعدم فتح مكة، وأما تأخيره عن سنة ثمان فلأجل النسيء، وأما تأخيره عن سنة تسع فلما ذكرنا في رسالة مسماة بـ "التحقيق في موقف الصديق"، هذا ملخص ما في شرح علي القاري (1) مع التقديم والتأخير.
وأصل الحج في اللغة: القصد، قال في "لسان العرب": الحج: القصد، حج إلينا فلان أي قَدِمَ، وحجه يحجه حجًّا: قصده، وحججت فلانًا واعتمدته أي: قصدته، ورجل محجوج أي: مقصود، وقد حج بنو فلان فلانًا: إذا أطالوا الاختلافَ إليه، قال المخبل السعدي:
وأشهد من عوف حلولًا كثيرة
…
يحجون بيت الزبرقان المزعفرا
أي: يقصدونه ويزورونه، قال ابن السكيت: يقول: يكثرون الاختلاف إليه، هذا الأصل، ثم تعورف استعماله في القصد إلى مكة للنسك والحج إلى البيت خاصة، انتهى.
(1) انظر: "مرقاة المفاتيح"(5/ 379).
1721 -
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ أَبِى سِنَانٍ،
===
وهو بفتح المهملة وبكسرها لغتان، نقل الطبري أن الكسر لغة أهل نجد، والفتح لغيرهم، ونقل عن حسين الجعفي أن الفتح الاسم، والكسر المصدر، وعن غيره عكسه، ووجوب الحج معلوم من الدين بالضرورة، وأجمعوا على أنه لا يتكرر إلَّا لعارض كالنذر، واختلف هل هو على الفور أو التراخي، انتهى ما قاله الحافظ في "الفتح"(1).
قال القاري (2): ثم اختلف في أن الحج كان واجبًا على الأمم قبلنا أم وجوبه مختص بنا لكمالنا؟ والأظهر الثاني، واختار ابن حجر الأولَ، واستدل بقوله:"ما من نبي إلَّا وحج البيت"، فهو من الشرائع القديمة.
وجاء أن آدم عليه الصلاة والسلام حج أربعين سنة من الهند ماشيًا، وأن جبرئيل قال له: إن الملائكة كانوا يطوفون قبلك بالكعبة سبعة آلاف سنة، وهذا كما ترى لا دلالة فيه على إثباته ولا على نفيه، وإنما يدل على أنه مشروع فيما بين الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ولا يلزم من كونه مشروعًا أن يكون واجبا، مع أن الكلام إنما هو في الأمم قبلنا، ولا يبعد أن يكون واجبًا على الأنبياء دون أممهم، فيكون هذا من خصوصيات الأنبياء وأتباع سيد الأصفياء، كما حقق في "باب الوضوء"، انتهى.
1721 -
(حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة، المعنى) أي معنى حديثهما واحد، (قالا: نا يزيد بن هارون، عن سفيان بن حسين) ثقة في غير الزهري باتفاقهم، (عن الزهري، عن أبي سنان) بكسر سين مهملة، وخفة نون: يزيد بن أمية الدؤلي، المدني، والد سنان، ويقال: اسمه ربيعة، قال أبو زرعة:
(1)"فتح الباري"(3/ 378).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(5/ 378).
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ سَأَلَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْحَجُّ فِى كُلِّ سَنَةٍ (1) أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً؟ قَالَ:«بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَمَنْ (2) زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» (3). [ن 2620، جه 2886، حم 1/ 255، دي 1788]
===
ثقة، وقال أبو حاتم: وُلدَ زمنَ أحدٍ، له في السنن حديثه عن ابن عباس في الحج.
(عن ابن عباس: أن الأقرع بن حابس) التميمي، المجاشعي، الدارمي، وقد على النبي صلى الله عليه وسلم، وشهد فتحَ مكة، وحنينًا، والطائف، وهو من المؤلَّفة قلوبهم، وكان حكمًا في الجاهلية، وإنما قيل له: الأقرع لقرع كان برأسه، وكان اسمه فراس، واستعمله عبد الله بن عامر على جيش سَيَّره على خراسان، فأصيب بالجوزجان هو والجيش، وقيل: قتل باليرموك في عشرة من بنيه.
(سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! الحج في كل سنة) بتقدير همزة الاستفهام، أي: أيجب الحج في كل سنة (أو مرة واحدة؟ ) أي: أَو يجب مرة واحدة في العمر؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بل مرة (4) واحدة) في العمر (5)، (فمن زاد فهو) أي الزائد (6)(تطوع).
(1) في نسخة: "عام".
(2)
في نسخة: (ومن).
(3)
في نسخة: "فتطوع".
(4)
استدل به الشافعية أن المرتد إذا حج في الإِسلام ثم ارتد - والعياذ بالله - لا يعيده، خلافًا لمالك وأبي حنيفة إذ قالا: بطل حجه، وعليه الإعادة، كذا في "المنهل"(10/ 257 ، 258). (ش).
(5)
وورد: "لو قلت: نعم، لوجبت"، كذا في "المرقاة"(5/ 380)، و"شرح مسلم" للنووي (5/ 111، 112)، ووجَّهه الشيخ ولي الله في "حجة الله البالغة"(2/ 57) بتوجيه لطيف، ولأهل الأصول في اجتهاده عليه الصلاة والسلام أريعة أقوال تقدمت في الجزء الأول من "البذل"(ش).
(6)
وعليه يحمل حديث البيهقي الأمرُ بالحج في كل خمسة أعوام، كما في "شرح الإقناع"(1/ 216)، وذكره السيوطي في "الدر المنثور"(2/ 259). (ش).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هُوَ أَبُو سِنَانٍ الدُّؤَلِىُّ، كَذَا قَالَ عَبْدُ الْجَلِيلِ بْنُ حُمَيْدٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِىِّ، وَقَالَ عُقَيْلٌ: سِنَانٍ.
1722 -
حَدَّثَنَا النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنِ ابْنٍ لأَبِى (1) وَاقِدٍ اللَّيْثِىِّ،
===
(قال أبو داود: هو أبو سنان الدؤلي، كذا قال عبد الجليل بن حميد)(2) اليحصبي، أبو مالك المصري، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أحمد بن رشدين عن أحمد بن صالح: ثقة. (وسليمانُ بن كثير (3) جميعًا عن الزهري) كما قال سفيان بن حسين عنه بلفظ: أبي سنان. (وقال عقيل: سنان) أي خالفهم، وقال بترك لفظ: أبي.
1722 -
(حدثنا النفيلي، نا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن ابنٍ لأبي واقد الليثي) هكذا في جميع النسخ الموجودة عندي مبهمًا. وفي حاشية النسخة المجتبائية: ابن أبي واقد الليثي، بإضافة "ابن" إلى "أبي واقد" معينًا لأنه كنيته، [وهو] واقد بن أبي واقد، كما ذكره الحافظ في "التقريب"، و"تهذيب التهذيب"، ويوافقه ما في "مسند الإِمام أحمد" (4) من طريق سعيد بن منصور: ثنا عبد العزيز بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن واقد بن أبي واقد الليثي، عن أبيه، وفي أخرى له من طريق محمد بن النوشجان، وهو أبو جعفر السويدي، ثنا الدراوردي، حدثني زيد بن أسلم، عن ابن أبي واقد الليثي، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مع قال لأزواجه، الحديث.
قال الحافظ في "تهذيب التهذيب": واقد بن أبي واقد الليثي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجته: "هذه ثم ظهور الحصر"، وعنه زيد بن أَسلم.
(1) في نسخة: "ابن أبي واقد".
(2)
أخرج روايته النسائي (5/ 111)، والدارقطني (2/ 279).
(3)
أخرج روايته أحمد (1/ 255 - 290)، والدارمي (1788)، والحاكم (2/ 293)، والدارقطني (2/ 279)، والبيهقي (3/ 326).
(4)
"مسند أحمد"(5/ 218، 219).
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لأَزْوَاجِهِ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «هَذِهِ، ثُمَّ ظُهُورُ الْحُصْرِ» . [حم 5/ 218، ق 4/ 327]
===
قلت: لم يسم في رواية أبي داود، وسمي في رواية سعيد بن منصور للحديث الذي أخرجه أبو داود بعينه، وكذا سماه البخاري في "تاريخه"، وقال ابن القطان: لا يُعْرَفُ حاله، كذا قال، وذكره ابن منده في "الصحابة"، وكناه أبا مراوح، وقال: قال أبو داود: له صحبة.
(عن أبيه) هو أبو واقد الليثي مختلف في اسمه، قيل: الحارث بن مالك، وقيل: ابن عوف، وقيل: عوف بن الحارث، كان حليف بني أسيد، قال البخاري، وابن حبان، والباوردي، وأبو أحمد الحاكم: شهد بدرًا، وقال أبو عمر: قيل: شهد بدرًا ولا يثبت.
(قال: سمعت (2) رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه في حجة الوداع: هذه) أي الحجة التي حججتن معي (ثم ظهور) جمع ظهر (الحصر) جمع حصير، أي: تقعدن على ظهور الحصر، وهذا يحتمل معنيين: أولهما: أنه لا يجب عليكن الحج بعد ذلك؛ لأن ما وجب عليكن فقد أديتن، وثانيهما: أنه يجب عليكن أن لا تخرجن من بيوتكن للحج بعد هذه الحجة.
وقد اختلفت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فكن يحججن إلَّا سودة وزينب فقالتا: لا تحركنا دابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حملت الحديث عائشة ومعها أحباتها على المعنى الأول بأن المراد بذلك أنه لا يجب عليهن غير تلك الحجة، وتأيد ذلك عندها بقوله صلى الله عليه وسلم:"لكن أفضل الجهاد الحج والعمرة"، وقد أخرج البخاري (3) من حديث حبيب بن أبي عمرة، قال: حدثتنا عائشة بنت أبي طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت:
(1) في نسخة: "النبي".
(2)
أنكر المهلب هذا الحديث وقال: إنه كذب، وتعقبه العيني (7/ 21). (ش).
(3)
"صحيح البخاري"(1861).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
يا رسول الله! ألا نغزو أو نجاهد معكم؟ فقال: "لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور"، قالت عائشة رضي الله عنها: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففهمت عائشة رضي الله عنها ومن وافقها من هذا الترغيب في الحج إباحة تكريره لهن، كما أبيح للرجال تكرير الجهاد، وَخَصَّ به عموم قوله صلى الله عليه وسلم:"هذه ثم ظهور الحصر".
قال ابن بطال (1): زعم بعض من ينقص عائشة رضي الله عنها في قصة الجمل: أن قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (2) يقتضي تحريم السفر عليهن، قال: وهذا الحديث أي قوله صلى الله عليه وسلم: "لكن أفضل الجهاد الحج" يردّ عليهم؛ لأنه يدل على أن لهن جهادًا غير الحج، والحج أفضل منه.
وكأن عمر رضي الله عنه متوقفًا في ذلك، ثم ظهر له قوة دليلها، فأذن لهن في آخر خلافته، وتبعه على ذلك من ذكر من الصحابة ومن في عصره من غير نكير، ثم كان عثمان بعده يحج بهن في خلافته أيضًا.
وقد أخرج البخاري في "صحيحه"(3) عن إبراهيم، عن أبيه، عن جده:"أَذِنَ عمر رضي الله عنه لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حجةٍ حجَّها، فبعث معهن عثمان بن عفان رضي الله عنه". قال الحافظ (4): وكان عثمان ينادي: ألَّا يدنو أحد منهن، ولا ينظر إليهن وهن في الهوادج، فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب فلم يصعد إليهن أحد، ونزل عبد الرحمن وعثمان بذنب الشعب.
وقال البيهقي (5) بعد تخريج حديث إذن عمر في حجِّهن، وحديث أبي واقد هذا: قال الشيخ: في حج عائشة رضي الله عنها وغيرها من أمهات المؤمنين
(1)"فتح الباري"(4/ 75).
(2)
سورة الأحزاب: الآية 33.
(3)
"صحيح البخاري"(1860).
(4)
"فتح الباري"(4/ 73).
(5)
"السنن الكبرى"(4/ 327).