الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي ههُنَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَقُومُ فَيُصَلِّي". [ن 2918]
(54) بَابُ أَمْرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
1901 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ. (ح): وَحَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامِ (1)، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: "قُلْتُ لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قول اللهِ عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ، فَمَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَلَّا يَطَّوَّفَ بِهِمَا؟
===
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ههنا؟ فيقول) أي عبد الله بن السائب: (نعم) أي نعم يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ههنا (فيقوم) أي ابن عباس (فيصلي) أي عند الملتزم.
(54)
(بَابُ أَمْرِ الصَّفَا والْمَرْوَةِ)(2)
أي كيف شرع الطواف بينهما؟
1901 -
حدثنا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، ح: وحدثنا ابن السرح، نا ابن وهب، عن مالك، عن هشام، عن أبيه) أي عروة بن الزبير (أنه قال) أي عروة:(قلت لعائشةَ زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ حديث السنن)، أي صغير:(أرأيتِ) أي أخبريني (قول الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (3) فما أرى على أحد شيئًا) لازمًا من الإثم والجناية (ألا يطوف بهما؟ ) أي بسبب ترك الطواف بهما.
قال الحافظ (4): إن عروة احتج للإباحة باقتصار الآية على رفع الجناح،
(1) في نسخة: "هشام بن عروة".
(2)
قال شارح "الإقناع"(1/ 231): المروة أفضل؛ لأنه مقصود، والصفا وسيلة؛ لأنه يمر عليه الحاج أربع مرات، وفي "تحفة المحتاج" (ص 458): إن الصفا أفضل من المروة. (ش)
(3)
سورة البقرة: الآية 158.
(4)
"فتح الباري"(3/ 499).
قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كلَّا لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، كَانَتْ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِى الأَنْصَارِ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطَّوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّه عز وجل:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} ". [خ 1643، م 1277، ن 2968، حم 6/ 144]
===
فلو كان واجبًا لما اكتفى بذلك؛ لأن رفع الإثم علامة المباح، ويزداد المستحب بإثبات الأجر، ويزداد الوجوب عليهما بعقاب التارك.
(قالت عائشة رضي الله عنها: كلا) حرف ردع، ولفظ البخاري:"قالت: بئسما قلت يا ابن أختي"(لو كان كما تقول) أي لو كان الحكم بالسعي بين الصفا والمروة كما تقول (كانت) أي الآية (فلا جناح عليه) أي على الحاج أو المعتمر (أن لا يطوف بهما).
ومحصل جواب عائشة أن الآية ساكتة عن الوجوب وعدمه، مصرحة برفع الإثم عن الفاعل، وأما المباح فيحتاج إلى رفع الإثم عن التارك، والحكمة في التعبير بذلك مطابقة جواب السائلين بأنهم توهموا من كونهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية أنه لا يستمر في الإِسلام، فخرج الجواب مطابقًا لسؤالهم.
ووجه نزول الآية هكذا (إنما أنزلت هذه الآية) أي: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية (في الأنصار كانوا يهلون) أي يحجون (لمناة) بفتح الميم والنون الخفيفة: صنم كان في الجاهلية، وقال ابن الكلبي: كان صخرة نصبها عمرو بن يحيى لهذيل، وكانوا يعبدونها (وكانت مناة حذو) أي مقابل (قديد) بقاف مصغرًا: قرية جامعة بين مكة والمدينة كثيرة المياه (وكانوا) أي الأنصار (يتحرجون) أي يعدونه حرجًا وإثمًا في الجاهلية (أن يطوفوا بين الصفا والمروة).
(فلما جاء الإِسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك) أي عن الطواف بين الصفا والمروة (فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ})
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ويخالف ذلك حديثُ مسلم أخرجه من طريق أبي معاوية، عن هشام ولفظه:"إنما كان ذلك لأن الأنصار كانوا يهلُّون في الجاهلية لصنمين على شَطِّ البحر، يقال لهما: إساف ونائلة، فيطوفون بين الصفا والمروة، ثم يحلقون (1)، فلما جاء الإِسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية".
ووجه الجمع بينهما على ما أشار إليه البيهقي: أن الأنصار في الجاهلية كانوا فريقين: منهم من كان يطوف بينهما، وهم الذين كانوا يُهلِّون لإساف ونائلة، وكانت إحداهما على الصفا، والأخرى على المروة، وما وقع أنهما كانا على شط البحر فإنه وهم، فإنهما ما كانا قط على شط البحر، وإنما كانا على الصفا والمروة، والتي كانت على شط البحر هي مناة، نبه على ذلك عياض (2).
ومنهم من كان لا يقربهما على ما اقتضته رواية الزهري: وهم الذين كانوا يهلون (3) لمناة، واشترك الفريقان في الإِسلام على التوقف عن الطواف بينهما لكونه كان عندهم جميعًا من أفعال الجاهلية، فنزلت الآية في الفريقين.
وذكر الواحدي: أن أهل الكتاب يزعمون أن إساف ونائلة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين، فوضعا على الصفا والمروة ليعتبر بهما، فلما طالت المدة عُبدا.
واختلف أهل العلم في الطواف بين الصفا والمروة على ثلاثة أقوال: أحدهما: أنه ركن لا يصح الحج إلَّا به، وهو قول ابن عمر وعائشة وجابر، وبه قال الشافعي ومالك في المشهور، وأحمد (4) في أصح الروايتين عنه، وإسحاق
(1) في الأصل: "يحلون"، وهو تحريف.
(2)
انظر: "الإكمال"(4/ 353).
(3)
قال القسطلاني (4/ 186): إن من يهل لمناة كان يتحرج لهذين الصنمين لحبهم صنمهم وبغضهم إياهما. (ش).
(4)
لكن رجح الموفق (5/ 339) أنه واجب كقولنا، نعم؛ عد صاحب "الروض"(1/ 171) السعي من الأركان. (ش).
1902 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِى خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وَمَعَهُ مَنْ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَقِيلَ لِعَبْدِ اللَّهِ: أَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: لَا". [خ 1791، م 1332]
1903 -
حَدَّثَنَا تَمِيمُ بْنُ الْمُنْتَصِرِ، أنَا إِلسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ،
===
وأبو ثور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اسعوا فإن الله كتب عليكم"، رواه أحمد والدارقطني والبيهقي من رواية صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تجراة بإسناد حسن.
والقول الثاني: أنه واجب يجبر بدم، وبه قال الثوري وأبو حنيفة ومالك في "العتبية"، كما حكاه ابن العربي.
والقول الثالث: أنه ليس بركن ولا واجب بل هو سنَّة ومستحب، وهو قول ابن عباس وابن سيرين وعطاء ومجاهد وأحمد في رواية، حكاه العيني (1) عن شيخه زين الدين.
1902 -
(حدثنا مسدد، نا خالد بن عبد الله، نا إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر) أي عمرة القضاء (فطاف بالبيت) أي سبعًا (وصلَّى خلف المقام) أي مقام إبراهيم (ركعتين، ومعه) أي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة (من يستره من الناس) أي كفار مكة؛ لئلا يرميه أحد بشيء يؤذيه.
(فقيل لعبد الله: أَدَخَلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبةَ) حين قدم لعمرة القضاء؟ (قال) أي عبد الله: (لا) أي لم يدخل البيت؛ لأن في ذلك الوقت كانت الأصنام فيها.
1903 -
(حدثنا تميم بن المنتصر، أنا إسحاق بن يوسف،
(1) انظر: "عمدة القاري"(7/ 232).
أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِى خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِى أَوْفَى (1) بِهَذَا الْحَدِيثِ زَادَ: "ثُمَّ أَتَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فَسَعَى بَيْنَهُمَا سَبْعًا، ثُمَّ حَلَقَ رَأْسَهُ". [جه 2990، حم 4/ 353، خزيمة 2775]
1904 -
حَدَّثَنَا النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ: "أَنَّ رَجُلًا
===
أنا شريك، عن إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى بهذا الحديث) أي المتقدم (زاد) أي شريك: (ثم أتى الصفا والمروة فسعى بينهما سبعًا، ثم) أي بعد الفراغ من السعي (حلق رأسه).
1904 -
(حدثنا النفيلي، نا زهير، نا عطاء بن السائب، عن كثير بن جمهان) بمضمومة وسكون ميم وبنون، السلمي، ويقال: الأسلمي، أبو جعفر الكوفي، قال أبو حاتم: شيخ يُكتب حديثُه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، له عندهم حديث واحد في السعي في الحج.
(أن رجلًا) لم أقف على تسميته، وقد أخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه هذا الحديث، فاختصره ابن ماجه، ولكن الترمذي والنسائي قال: عن كثير بن جمهان قال: رأيت ابن عمر يمشي بين الصفا والمروة، ولم يذكر السائل.
وأما الترمذي فقال: عن كثير بن جمهان قال: رأيت ابن عمر يمشي (2) في المسعى، فقلت له: أتمشي في المسعى؟ ففي الترمذي السائل هو كثير بن جمهان، ولم يذكر أحد منهم أن السائل كان رجلًا آخر غير كثير بن جمهان.
(1) زاد في نسخة: "يقول: اعتمرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت سبعًا، وصلى ركعتين عند المقام".
(2)
تقدَّم الكلام على السعي راكبًا في "باب الطواف الواجب". (ش).
قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّى أَرَاكَ تَمْشِى وَالنَّاسُ يَسْعَوْنَ؟ قَالَ: إِنْ أَمْشِ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِى، وَإِنْ أَسْعَ فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْعَى، وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ" (1). [ت 864، ن 2976، جه 2988، حم 2/ 52]
===
(قال لعبد الله بن عمر بين الصفا والمروة: يا أبا عبد الرحمن! إني أراك تمشي والناس يسعون) فكيف تخالف الناس؟ (قال) أي ابن عمر: (إن أمشي) وفي نسخة: إن أمش، وهو الأوفق بالقواعد العربية، وقال السندي (2): عومل معاملة الصحيح، أو الياء للإشباع (فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي) أي في بعض المسافة بين الصفا والمروة (وإن أسعي فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى) أي في بعض المسافة بينهما، وهو مسافة بطن الوادي.
وحاصل هذا الجواب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمشي بين الصفا والمروة، ويسعى فيها، فكلا الأمرين جائزان (وأنا شيخ كبير) وهذا جواب ثان على سبيل التنزل، حاصله: لو سُلِّم أن السعي سنَّة، فهذا للأقوياء القادرين على السعي، وأنا شيخ كبير ضعيف لا أقدر على السعي.
قلت: السعي بين الميلين الأخضرين سنَّة، فلو تركه القادر عليه يكون مسيئًا لتركه السنَّة، ولو تركه ضعيف فلا بأس به.
(1) ذكر المزي في "تحفة الأشراف"(12/ 435) رقم (19137) بعدَ هذا الحديث زيادة من رواية ابن داسة: حديث: سمعت علي بن المديني يقول: عندي عن ابن عيينة في حديث واحد سبعة عشر لفظًا وأربعة عشر لفظًا. أبو داود: في آخر "باب أمر الصفا والمروة"، من الحج، عن الحسن بن علي، قال: سمعت
…
فذكره. في رواية أبي بكر بن داسة.
(2)
انظر: "سنن النسائي مع حاشية السندي"(5/ 241).
(55)
بَابُ صِفَةِ حَجَّةِ (1) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
1905 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيَّانِ، وَرُبَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ الْكَلِمَةَ وَالشَّىْءَ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهِ سَأَلَ عَنِ الْقَوْمِ حَتَّى انْتَهَى إِلَىَّ، فَقُلْتُ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ، فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى رَأْسِى، فَنَزَعَ زِرِّى الأَعْلَى ثُمَّ نَزَعَ زِرِّى الأَسْفَلَ، ثُمَّ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ ثَدْيَىَّ،
===
(55)
(بَابُ صِفَةِ حَجَّةِ (2) النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم)، أي: حجة الوداع
1905 -
(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي وعثمان بن أبي شيبة وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقيان، وربما زاد بعضهم على بعضٍ الكلمةَ والشيءَ) أي الحرف، وحاصل الكلام: أن أحاديث جميع الشيوخ متفقة المعنى، ولكن اختلفت في اللفظ، فزاد بعضهم الكلمةَ والحرفَ على بعض.
(قالوا: نا حاتم بن إسماعيل، نا جعفر بن محمد، عن أبيه) محمد بن علي الباقر (قال) أي محمد: (دخلنا على جابر (3) بن عبد الله، فلما انتهينا إليه سأل عن القوم) أي عن الداخلين عليه، وكان قد عمي (حتى انتهى) أي السؤال (إليَّ، فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين) بن علي بن أبي طالب، (فأهوى) أي أمال (بيده إلى رأسي، فنزع زِرِّي الأعلى) أي من أزرار القميص، (ثم نزع زري الأسفلَ، ثم وضع كله بين ثدييَّ).
(1) في نسخة: "حج".
(2)
وتقدم الاختلاف في نوعية إحرامه صلى الله عليه وسلم. (ش).
(3)
وهو في بني سلمة، كما في "مسند أحمد"(3/ 320). (ش).
وَأَنا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ شَابٌّ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ وَأَهْلًا يَا ابْنَ أَخِي، سَلْ عَمَّا (1) شِئْتَ، فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى، وَجَاءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَقَامَ في نِسَاجَةٍ
===
قال النووي (2): ففيه تنبيه على أن سببَ فعل جابرٍ ذلك التأنيسُ لكونه صغيرًا وأما الرجل الكبير فلا يحسن إدخال اليد في جيبه، ولا المسح بين ثدييه. قلت: ولعل فعله هذا حبًا لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وإكرامًا له.
(وأنا يومئذ غلام شاب، فقال) أي جابر: (مرحبًا بك وأهلًا) قال في "القاموس": ومرحبًا وسهلًا، أي صادفت سعة (يا ابن أخي)، والمراد بالأخوَّة الأخوَّة في الدين.
(سل عما شئت، فسألته وهو أعمى) أي مكفوف البصر (وجاء وقت الصلاة فقام) أي جابر (في نِساجة) قال النووي: بكسر النون وتخفيف السين وبالجيم، هذا هو المشهور في نسخ بلادنا، ورواياتنا "لصحيح مسلم" و"سنن أبي داود".
ووقع في بعض النسخ: "في ساجة" بحذف النون، ونقله القاضي عياض عن رواية الجمهور، قال: وهو الصوابُ، قال: والساجة والساج جميعًا ثوب كالطيلسان وشبهه، قال: ورواية النون وقعت في رواية الفارسي، قال: ومعناه ثوب ملفق، قال: قال بعضهم: النون خطأ وتصحيف.
قلت: ليس كذلك، بل كلاهما صحيح، ويكون ثوبًا ملفقًا على هيئة الطيلسان، قال القاضي في "المشارق": الساج والساجة: الطيلسان، وجمعه السيجان، قال: وقيل: هي الخضر منها خاصة، وقال الأزهري: هو طيلسان مُقَوَّر (3) ينسج كذلك، قال: وقيل: هي الطيلسان الحسن، قال: ويقال: الطيلسان بفتح اللام وكسرها وضمها وهي أقل، انتهى.
(1) في نسخة: "عم".
(2)
"شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 434).
(3)
في الأصل: "وضوء"، وهو تحريف، والصواب ما أثبتُّه. انظر:"النهاية" لابن الأثير (ص 458)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 435).
مُلْتَحِفًا (1) بِهَا- يَعْنِي ثَوْبًا مُلَفَّقًا - كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبِهِ (2) رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا، فَصَلَّى بِنَا وَرِدَاؤهُ إِلَى جَنْبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ.
فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي عن حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ، ثُمَّ أَذَّنَ في النَّاسِ في الْعَاشِرَةِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجٌّ،
===
(ملتحفًا بها - يعني ثوبًا ملفقًا -) وهذا تفسير للنساجة، وقال في "المجمع" (3): هي ضرب من الملاحف منسوجة، سميت بمصدر نسجت نساجة (كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغرها) أي تسقط عن المنكب.
(فصلى بنا) أي إمامًا (ورداؤه) أي الكبير، والواو للحال (إلي جنبه على المشجب) هو بميم مكسورة ثم شين معجمة ساكنة ثم جيم: عيدان تُضَم رؤوسها، ويُفْرَجُ بين قوائمها، وتوضَع عليه ثياب، وقد تُعَلَّق عليه الأسقية لتبريد الماء، حاصله: أنه صلَّى في نساجة من غير عذر.
(فقلت: أخبرني عن حجة رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي عن صفتها (فقال) أي أشار جابر (بيده فعقد) أنامله (تسعًا) بأن ضم من أنامله الخنصر والبنصر والوسطى إشارةً إلى تسع سنين.
(ثم قال) أي جابر: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث) أي لبث بعد الهجرة في المدينة (تسع سنين لم يحج)؛ لأن مكة كانت إذ ذاك في أيدي الكفار (ثم) لما فتح الله على رسوله مكةَ في السنة الثامنة من الهجرة (أَذَّنَ في الناس) أي المسلمين (في) السنة (العاشرة) من الهجرة (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاج،
(1) في نسخة: "ملحفًا".
(2)
في نسخة: "منكبيه".
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 712).
فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ (1) عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ (2): "اغْتَسِلِي وَاسْتَذْفِرِي بِثَوْبٍ
===
فقدم المدينة بشر كثير) لم يُحْصَروا، ولم يُعَيَّن عددُهم، ولكن قال القاري (3): قيل: وقد بلغ جملة من معه من أصحابه في تلك الحجة تسعين ألفًا، وقيل: مائة وثلاثين ألفًا.
(كلهم يلتمس) أي يطلب ويقصد (أن يأتم) أي يقتديَ (برسول الله صلى الله عليه وسلم) أي في الحج، (وبعمل بمثل عمله، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من المدينة يريد مكة لخمس بقين من ذي القعدة بين الظهر والعصر (وخرجنا معه حتى أتينا ذا الحليفة) فنزل بها، فصلَّى العصر ركعتين، ثم بات بها، وصلى بها المغرب والعشاء والصبح والظهر، وكان نساؤه كلهن معه، فطاف عليهن تلك الليلة، ثم اغتسل غسلًا ثانيًا لإحرامه غير غسل الجماع، ثم دعا بناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن، وقلَّدها نعلين.
(فولدت أسماء بنت عميس محمدَ بن أبي بكر، فأرسلت)(4) أي أسماء (إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أصنع) أي بالإحرام؟ (فقال: اغتسلي) وهذا الغسل للنظافة لا للطهارة، ولهذا لا ينوبه عنه التيمم، وكذا الحائض (واستذفري بثوب).
قال في "المجمع"(5): روي بذال معجمة من الذفر، بمعنى ما مرَّ،
(1) في نسخة: "ابنة".
(2)
في نسخة: "قال".
(3)
"مرقاة المفاتيح"(5/ 423).
(4)
ولفظ "الموطأ": فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم. (ش).
(5)
"مجمع بحار الأنوار"(2/ 236).
وَأَحْرِمِي"، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الْمَسْجِدِ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْواءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ، قَالَ جَابِرٌ: نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ منْ رَاكِب وَمَاشٍ، وَعن يَمِينِهِ مِثْلَ ذلِكَ، وَعن يَسَارِهِ مِثْلَ ذلِكَ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذلِك، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بيْنَ أَظْهُرِنَا، وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرآنُ، وَهُوَ يَعْلَمُ تَأوِيلَهُ، فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيءٍ عَمِلْنَا بِهِ، فَأَهَلَّ (1) بِالتَّوْحِيدِ: "لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبيْكَ، لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَ الْحَمْدَ وَالنّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ،
===
أي لتستعمل طيبًا تزيل به هذا الشيء عنها، وإن روي بمهملة فبمعنى لتدفع عن نفسها الدفر، أي الرائحة الكريهة، والمشهور "استثفري" بمثلثة.
(وأحرمي، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) ركعتين سنَّة الإحرام، وقيل: صلاة الظهر، وقد قال ابن القيم (2): لم يُنقَل أنه صلى الله عليه وسلم للإحرام ركعتين غير فرض الظهر (في المسجد) أي مسجد ذي الحليفة (ثم ركب القصواء) اسم لناقته صلى الله عليه وسلم (حتى إذا استوت به) أي برسول الله صلى الله عليه وسلم (ناقته على البيداء) وهي المفازة التي لا شيء بها، وهنا اسم موضع بين مكة والمدينة.
(قال جابر: نظرت إلى مد) أي: منتهى (بصري من بين يديه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (من راكب وماشٍ) أي: بعضهم راكب، وبعضهم ماش (وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا)، لفظ:"أظهر" مقحم، أي: بيننا، يدخل لتحسين الكلام (وعليه ينزل القرآن، وهو يَعْلَمُ تأويلَه، فما عمل به من شيء عملنا به، فأهلَّ بالتوحيد) أي بالتلبية التي اشتملت على التوحيد ونفي الشرك.
(لبيك) على لفظ التثنية، والمراد بها التكرير والتكثير (اللهُمَّ لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن) بكسر الهمزة لا بفتحها (الحمد والنعمة لك والملك)
(1) في نسخة: "رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(2)
"زاد المعاد"(2/ 107).
لَا شَرِيكَ لَكَ". وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَلْبِيَتَهُ.
قَالَ جَابِر: لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ، لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ، حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ،
===
أي لك (لا شريك لك، وأهلَّ الناس) أي رفعوا أصواتهم (بهذا الذي) أي بالكلام الذي (يهلون به) والمراد به زيادة الناس في التلبية من الذكر والثناء، كما روي عن ابن عمر أنه قال:"لبيك وسعديك، والرغباءُ إليك والعملُ"(1)(فلم يَرُدَّ) أي لم ينكر (عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا منه) أي من الكلام الذي زادوه في التلبية، فثبت جوازه فيها. (ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم تلبيته)، وثبت من هذا أن تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي لزمها أولى.
(قال جابر: لسنا ننوي إلا الحج، لسنا نعرف العمرة) تأكيد لما قبله استصحابًا لما كان عليه في الجاهلية من كونِ العمرة محظورة في أشهر الحج وكونِها فيها من أفجر الفجور، وقمِل: ما قصدناها ولم تكن في ذكرنا، بل معنى لسنا نعرف العمرة مقرونة بالحجة، أو بالعمرة المفردة في أشهر الحج.
وقد روى البخاري (2) عن عائشة رضي الله عنه: أن الصحابة خرجوا معه لا يعرفون إلَّا الحج، فبيَّن صلى الله عليه وسلم لهم وجوه الإحرام، وجوَّز لهم الاعتمار في أشهر الحج، فقال: من أحمب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحجة فليهل.
(حتى إذا أتينا البيت معه) أي صبيحة الأحد رابع ذي الحجة (استلم الركن) أي الحجر الأسود، ولم يصل تحية المسجد؛ لأن تحية الكعبة هو الطواف (3)
(1) أخرجه مسلم في "صحيحه"(1184).
(2)
انظر: "صحيح البخاري"(1783).
(3)
وهو طواف القدوم، سنة عند الحنفية والحنابلة، وحكى الموفق (5/ 316) عن مالك والشافعي الدم على تركه، لكن النووي عدَّه في "مناسكه"(ص 225) سنة، نعم صرح الدردير (2/ 248) بوجوب طواف القدوم، كذا في "الأوجز"(7/ 268)، وحكى العيني اختلاف الشافعية في ندبه ووجويه. (ش).
فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (1) فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ، قَالَ: فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: - قَالَ ابْنُ نُفَيْل وَعُثْمَان: وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم. قَالَ سُلَيْمَانُ: وَلَا أَعْلمُهُ إِلَّا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الرَّكْعَتَيْنِ بـ {قُل هُوَ أحد اَللهُ} وبـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} (2)
===
(فرمل) أي: أسرع، بهز منكبيه (ثلاثًا) أي في ثلاثة أشواط من الأشواط السبعة (ومشى) على الهيئة والسكون (أربعًا) أي في أربعة أشواط وكان مضطبعًا في جميعها.
(ثم تقدم إلى مقام إبراهيم فقرأ: {وَاتَّخِذُوا} بكسر الخاء على الأمر، وبفتحها على الخبر {مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ} أي بعض حواليه ({مُصَلًّى}) أي موضع صلاة الطواف (فجعل المقام بينه وبين البيت) أي صلَّى خلف المقام بيانًا للأفضل فصلَّى ركعتين.
(قال) أي جعفر بن محمد: (فكان أبي) أي محمد بن علي بن الحسين (يقول، قال ابن نفيل) وهو عبد الله بن محمد النفيلي (وعثمان) أي ابن أبي شيبة في حديثهما: (ولا أعلمه) مقولة لقوله: "يقول"، أي: كان أبي يقول: ولا أعلم جابرًا (ذكره) أي الذي يقرأ في الركعتين (إلَّا عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال سليمان) أي ابن عبد الرحمن: (ولا أعلمه) أي جابرًا (إلَّا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرأ في الركعتبن بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وبـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}).
وغرض المصنف من هذا الكلام بيان الفرق بين ألفاظ شيوخه؛ فابن نفيل وعثمان قالا في حديثهما: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويوافقهما لفظ مسلم في "صحيحه" من حديث أبي بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، وهو أوضح في المراد، ولفظ سليمان بن عبد الرحمن: ولا أعلمه إلَّا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) سورة البقرة: الآية 129.
(2)
في نسخة: "قل".
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ البابِ إِلَى الصَّفَا، فَلمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} . "نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّه بِهِ"، فَبَدَأَ بِالصَّفَا، فَرَقِيَ عَلَيْهِ،
===
وحاصل الكلام أن جعفر بن محمد يقول: كان أبي محمد بن علي يقول: إن جابرًا رضي الله عنه يذكر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الطواف بـ {قُلْ هُوَ أَللهُ أحد} وبـ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} .
قال النووي (1): معنى هذا الكلام: أن جعفر بن محمد روى هذا الحديث عن أبيه عن جابر قال: كان أبي - يعني محمدًا - يقول: إنه قرأ هاتين السورتين، قال جعفر: ولا أعلم أبي ذكر تلك القراءة عن قراءة جابر في صلاة جابر، بل عن جابر عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته (2) هاتين الركعتين.
فقوله: لا أعلم، ليس هو شكًا في ذلك؛ فإن لفظة العلم تنافي الشك، بل جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم وقد ذكر البيهقي بإسناد صحيح على [شرط] مسلم عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت فرمل من الحجر الأسود ثلاثًا، ثم صلَّى ركعتين قرأ فيهما:{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} .
(ثم رجع إلى البيت فاستلم الركن) أي الحجر الأسود، وهذا استلام ثامن؛ فإنه قد أستلم في الأشواط السبعة سبع مرات، وهذا ثامن (ثم خرج من الباب) أي باب الصفا (إلى الصفا) أي إلى جانبه (فلما دنا) أي قرب (من الصفا قرأ:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (3) جمع شعيرة، وهي العلامة التي جُعِلَتْ للطاعات المأمور بها في الحج عندها كالوقوف، والرمي، والطواف، والسعي (نبدأ بما بدأ الله به) أي في الآية (فبدأ بالصفا) أي بدأ بالسعي بالصفا (فرقي) أي صعد (عليه)
(1)"شرح صحيح مسلم"(4/ 438).
(2)
كذا في الأصل، وفي "شرح النووي":"صلاة هاتين الركعتين"، وهو الصواب.
(3)
سورة البقرة: الآية 158.
حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ اللَّه وَوَحَّدَهُ، وَقَالَ:"لَا إِله إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِيِ وُيمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِير، لَا إِلهَ إِلَّا اللَّه وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزابَ وَحْدَهُ". ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذلِكَ، وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ
===
أي على الصفا (حتى رأى البيت) وذلك في ذاك الزمان، وأما الآن فلا يمكن رؤية البيت لحيلولة الجدران.
(فكبر الله) أي قال: الله أكبر (ووحَّده وقال: لاإله إلَّا الله وحده) حال مؤكدة (لا شريك له) في الألوهية فيكون تأكيدًا؛ أو في الصفات فيكون تأسيسًا (له الملك) أي ملك السماوات والأرض (وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء) تعلقت به إرادتُه (قدير) كامل القدرة لا يعجزه شيء (لا إله إلَّا الله وحده، أنجز وعدَه) أي وفي بما وعد لإعلاء كلمته (ونصر عبدَه) أي الخاصَ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، نصره نصرًا عزيزًا وفتحًا مبينًا (وهزم الأحزابَ وحدَه). معناه: هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا بسبب من جهتهم. والمراد بالأحزاب: الذين تحزَّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، قاله النووي (1).
وقال القاري (2): ويمكن أن يراد بهم أنواع الكفار الذين غُلِبوا بالهزيمة والفرار.
(ثم دعا بين ذلك)"ثم" لمجرد الترتيب دون التراخي، أي دعا في أثناء الذكر والتوحيد (وقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (مثل هذا) أي من الذكر والدعاء (ثلاث مرات، ثم نزل) أي من الصفا ومشى (إلي المروة) أي إلى جهتها.
(1) انظر: "شرح صحيح مسلم"(4/ 439).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(5/ 429).
حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ في بَطْنِ الْوَادِي، حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى (1) الْمَرْوَةَ، فَصَنَعَ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرَ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ: "إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً،
===
(حتى إذا انصَبَّت) أي انحدرت (قدماه رمل) أي سعى سعيًا شديدًا، وعدا هرولة (2)(في بطن الوادي) أي المسعى.
(حتى إذا صعد) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية: حتى إذا صعدتا، أي قدماه عن بطن الوادي (مشى حتى أتى المروة، فصنع على المروة مثل ما صنع على الصفا) من الرقي والاستقبال والذكر والدعاء.
(حتى إذا كان) تامة (آخر الطواف) أي السعي (على المروة قال: ) جواب "إذا"(إني لو استقبلت من أمري) أي لو علمت في قبل أمري وابتدائه (ما استدبرت) أي ما علمته في دبر منه وانتهائه، والمعنى: لو ظهر لي هذا الرأي الذي رأيته الآن (لم أَسُقِ الهدي) بضم السين، قيل: إنما قاله تطييبًا لقلوبهم، وليعلموا أن الأفضل لهم ما دعاهم إليه، إذ كان يشق عليهم ترك الاقتداء بفعله (ولجعلتها) أي الحجةَ (عمرة) أي جعلت إحرامي بالحج مصروفًا إلى العمرة، أو معناه: جعلت الحجة الآن عمرة بأن حللت منها بعد الفراغ من أفعال العمرة، كما يدل عليه حديث عروة عن عائشة عند البخاري (3):"أن أول شيء بدأ به حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم أنه توضأ، ثم طاف، ثم لم تكن عمرة".
قال الحافظ (4): معنى قوله: "ثم لم تكن عمرة"، أي لم تكن الفعلة
(1) في نسخة: "إذا أتى".
(2)
وهو سنة عند الأربعة، لا شيء بتركه إلَّا في رواية مرجوحة عند مالك، كما في "الأوجز"(7/ 350). (ش).
(3)
"صحيح البخاري"(1614، 1641).
(4)
"فتح الباري"(3/ 479).
فَمَنْ (1) كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً"، فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا، إِلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ؟
===
عمرة، هذا إن كان بالنصب على أنه خبر كان، ويحتمل أن تكون كان تامة، والمعنى ثم لم تحصل عمرة، وهي على هذا بالرفع، ووقع في آخر الحديث:"ثم لا يحلون، وقد رأيت أمي وخالتي حين تقدمان لا تبتدئان بشيء أول من البيت تطوفان به، ثم إنهما لا تحلان" بجعلها عمرة كناية عن الحل.
(فمن كان منكم ليس معه هدي) الهدي بإسكان الدال، وقيل: بكسر الدال وتشديد الياء (فليحلل) بعد الفراغ من أفعال العمرة (وليجعلها) أي تلك الأفعال من الطواف بالبيت والسعي بين الصفاء والمروة أو الحجة (عمرة) فالمراد من جعلها عمرة أن يفسخ نية الحج، ويقطع أفعاله، ويجعل إحرامَه وأفعاله للعمرة.
(فحل الناس) الذين ليس معهم هدي (كلهم وقصَّروا إلَّا النبي صلى الله عليه وسلم)؛ لأنه كان معه صلى الله عليه وسلم هدي (ومن كمان معه هدي) من الصحابة فلم يقدروا أن يجعلوها عمرة ويحلوا؛ فإن الهدي كانت مانعة لهم من الحل، وذكر ابن القيم (2) أسماء الذين لم يحلوا معه صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وزاد الطحاوي في رواية عائشة في الذين لم يحلوا: عثمان رضي الله عنه.
(فقام سراقة)(3) بضم السين ابن مالك (بن جعشم) بضم الجيم والشين (فقال: يا رسول الله! ألعامنا هذا)، أي الإتيان بالعمرة في أشهر الحج مختص بهذه السنَّة (أم للأبد؟ ) أي حكم عام إلى يوم القيامة يشرع إتيانها لمن بعدنا
(1) في نسخة: "ومن".
(2)
"زاد المعاد"(2/ 232).
(3)
ظاهره أن السؤال وقع عنهما، وفي حديث البخاري أن السؤال عند رمي الجمرة، وجمع الحافظ بتعدد السؤال. [انظر:"فتح الباري"(3/ 608)]. (ش).
فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ في الأُخْرَى ثُمَّ قَالَ: "دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ في الْحَجِّ هَكَذَا مَرَّتَيْنِ، لَا بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ".
===
(فشبَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه) أي أصابع يد واحدة (في الأخرى) أي في أصابع اليد الأخرى (ثم قال: دخلت العمرة في الحج) أي في أشهره (هكذا) كما دخلت أصابع يدي في أصابع يدي الأخرى (مرتين) أي قالها مرتين، أي (لا) يختص هذا الحكم بهذه السنَّة (بل لأبد أبد)(1) كرره للتأكيد.
قيل: معناه أنه تجوز العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة، والمقصود إبطال ما زعمه أهل الجاهلية من أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج، قال النووي (2): وعليه الجمهور.
وقيل معنى دخولها في الحج: أن فرضها ساقط بوجوب الحج، وفيه أنه متى فرضت حتى يقال سقطت، وقيل: معناه جواز القرآن، وتقدير الكلام: دخلت أفعال العمرة في الحج إلى يوم القيامة، ويدل عليه تشبيك الأصابع، وفيه أنه حينئذ لا مناسبة بين السؤال والجواب، وقيل: جواز فسخ الحج إلى العمرة، قال النووي: وهو ضعيف.
ثم قال: واختلف العلماء في هذا الفسخ، هل هو خاص بالصحابة لتلك السنَّة، أم باق لهم ولغيرهم إلى يوم القيامة؟
فقال أحمد وطائفة من أهل الظاهر: ليس خاصًا، بل هو باق إلى يوم القيامة، فيجوز لكل من أحرم بحج وليس معه هدي أن يقلب إحرامه عمرة، ويتحلل بأعمالها.
وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء من السلف والخلف - رحمهم الله تعالى -: هو مختص بهم في تلك السنَّة؛ ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج.
(1) قال ابن رسلان: فيه روايتان حكاهما القاضي وغيره، إحداهما تنكير الاثنين مع الإضافة، والرواية الثانية تنكير الأول وتعريف الثاني مع الإضافة.
(2)
"شرح صحيح مسلم" للنووي (4/ 426 - 427).
قَالَ: وَقَدِمَ عَلِيٌّ رضي الله عنه مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَوَجَدَ فَاطِمَةَ عليها السلام مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ، فَأَنْكَرَ عَلِيٌّ رضي الله عنه ذلِكَ عَلَيْهَا وَقَالَ (1): مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَبِي صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَكَانَ (2) عَلِيٌّ رضي الله عنه يقُولُ بالْعِرَاقِ: ذَهَبْتُ إلَي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ رضي الله عنها في الأَمْرِ الَّذِي صَنَعَتْهُ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في الَّذِي ذَكَرَتْ عَنْهُ، فَأَخْبَرتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذلِكَ عَلَيْهَا،
===
والحجة للجمهور حديث أبي ذر عند مسلم: "كانت المتعة - أي الفسخ - في الحج لأصحاب محمد خاصة"، وحديث النسائي:"يا رسول الله! فسخ الحج للعمرة لنا خاصة أم للناس عامة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: لنا خاصة".
(قال) أي جابر: (وقدم عليٌّ رضي الله عنه من اليمن ببُدن النبي صلى الله عليه وسلم) هو بضم الباء وسكون الدال، جمع بدنة، والمراد ههنا ما يُتَقَرَّب بذبحه من الإبل (فوجد) أي عَلِيٌّ (فاطمة عليها السلام ممن حل، ولبست ثيابًا صبيغًا، واكتحلت)؛ لأنها لم تكن أهدت (فأنكر علي رضي الله عنه ذلك) أي الإحلالَ (عليها) أي على فاطمة (وقال) أي علي لها: (من أمرك بهذا) أي بالإحلال؟ (قالت: أبي صلى الله عليه وسلم) أي أمرني أبي بهذاء.
(قال) أي جابر: (فكان علي رضي الله عنه يقول بالعراق) حين كان خليفة فيها في حديث ذلك: (ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) حين سمع جواب فاطمة في إحلالها (مُحَرِّشًا) أي مغريًا (على فاطمة رضي الله عنها في الأمر الذي صَنَعَتْه) وهو إحلالها (مستفتيًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم) أي سائلًا (في الذي ذكرت عنه) بأنها قالت: أمرني أبي بهذا (فأخبرته) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (أني أنكرت ذلك) أي الإحلال (عليها)
(1) في نسخة: "فقال".
(2)
في نسخة: "وكان".
فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا، فَقَالَ:"صَدَقَتْ صَدَقَتْ، مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: اللهُمَّ إِنّي أُهِلُّ بَمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"فَإِنَ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحْلِلْ".
قَالَ: فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْي الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَن وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً. فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ
===
أي على فاطمة (فقالت: إن أبي أمرني بهذا، فقال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صَدَقَتْ صَدَقَتْ) أي فاطمة، إني أمرتها بهذا، والكلمة الثانية للتأكيد.
(ماذا قلت حين فرضت الحج؟ ) أي ماذا سميت من الحج والعمرة حين ألزمته على نفسك بالنية والتلبية؟ (قال) أي علي: (قلت: اللَّهُمَّ إني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال ابن الملك (1): هذا يدل على جواز تعليق إحرام الرجل على إحرام غيره.
(قال)(2) أي النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن معي) بسكون الياء وفتحها، أي: إذا علقتَ إحرامك بإحرامي فمعي (الهدي)، ولا أقدر أن أخرج من العمرة بالتحلل (فلا تحلل) أي أنت بالخروج من الإحرام كما لا أحل حتى نفرغ من العمرة والحج جميعًا.
(قال) أي جابر: (فكان جماعة الهدي) أي الإبل (الذي قدم به علي من اليمن والذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة مائة، فحلَّ الناس كلهم وقصَّروا، إلَّا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي) هذه الجملة مكررة وقد مرت.
فإن قلت: قد أحرم أبو موسى الأشعري بما أحرم به رسول الله صلى الله عليه وسلم معلقًا على إحرامه فأمره بالإحلال، ولم يأمر عليًا به، فما وجه الفرق بينهما؟
(1) انظر: "مرقاة المفاتيح"(5/ 434).
(2)
هكذا لفظ مسلم، وفي "البداية والنهاية" (5/ 171): قال علي: فإن معي الهدي، فلا تحلل، وهذا أوضح. (ش).
قَالَ: فَلمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى أَهَلُّوا بِالْحَجِّ، فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ، ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ (1)،
===
قلت: وجه الفرق بينهما أن عليًا رضي الله عنه جاء من اليمن بالهدي، فالظاهر لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم هديًا أخذ لنفسه أيضًا ليتم اتباعه واتفاقه في الإهلال، ويمكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أشركه في هديه فلهذا لم يأمره بالإحلال، وأمر به أبا موسى لأنه لم يكن معه هدي، والله أعلم.
(قال: فلما كان يوم التروية) وهو ثامن ذي الحجة (ووجهوا) بمعنى توجهوا، أو وجهوا ركابهم ورواحلهم، أي أرادوا التوجه أو التوجيه (إلى مني أهلوا) أي أحرموا (بالحج، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلَّى بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح، ثم مكث) أي وقف بمنى (قليلًا حتى طلعت الشمس، وأمر بقبة) أي بضرب خيمةٍ (له من شعر) بفتح العين وسكونها (فضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ) بفتح النون وكسر الميم، وهو غير منصرف: موضع عن يمين الخارج من مأزِمَيْ عرفةَ إذا أراد الموقف، قال الطيبي (2): جبل قريب من عرفات، وليس منها (3).
(1) في نسخة: "في نمرة".
(2)
انظر: "شرح الطيبي"(5/ 250، 251).
(3)
وبذلك جزم النووي في "شرح مسلم"(4/ 441)، والزرقاني في "شرح المواهب" (11/ 397) إذ قالا: إنها ليست منها، وهو ظاهر كلام الأبي في "الإكمال"، إذ قال: يخرج إلى عرفة بعد الزوال، وفي "تهذيب اللغات" للنووي (4/ 173): موضع معروف عند عرفات، وهكذا في "تحفة المحتاج"، إذ قال: السنَّة أن لا يدخلونها (أي عرفة) بل يقيمون بنمرة: محل معروف بقرب عرفات، وقال الحافظ (3/ 511): موضع بقرب عرفات خارج الحرم بين طرف الحرم وطرف عرفات، وهكذا في "عمدة القاري" (7/ 249) وهو ظاهر "المغني" (5/ 263) إذ قال: إن شاء يقيم بنمرة، وإن شاء بعرفة، وكذا قال النووي في "مناسكه"(ص 320)، لكن ظاهر الباجي أنها بعرفة، وظاهر فروع =
فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَام بِالْمُزْدَلِفَةِ كمَا كَانَتْ قُرَيْش تَصْنَعُ في الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ (1) فَنزَلَ بِهَا، حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاء فَرُحِلَتْ لَهُ،
===
(فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي من مني إليها (ولا تشك قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف عند المشعر الحرام) أي كانوا على يقين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -يقف (بالمزدلفة) ولا يجاوزها إلى عرفات (كما كانت قريش تصنع في الجاهلية) بأنهم لا يجاوزون عن المزدلفة، ولا يخرجون من الحرم إلى الحل، ويقولون: نحن قطَّان الله، والناس كلهم يخرجون إلى عرفات.
(فأجاز)(2) أي تجاوز (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المزدلفة إلى عرفات (حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها) أي بالقبة، وهذا يدل على جواز استظلال المحرم بالخيمة ونحوها مثل هودج ونحو ذلك، خلافًا لمالك وأحمد.
(حتى إذا زاغت الشمس) أي نزل بها واستمر فيها، حتى إذا مالت وزالت عن كبد السماء إلى جانب الغرب (أمر بالقصواء) وهي ناقته (فَرُحِلَتْ له) أي شد
= الحنفية والدردير أنها من عرفات، بل نص الزيلعي على "الكنز" على ذلك إذ قال: قال الشافعي: النزول بنمرة أفضل لنزوله عليه السلام، قلنا: هي من عرفات، وهي كلها موقف، انتهى.
وكذا في "الشامي"(3/ 518) خلافًا لما تقدم عن العيني، وفي "المجمع" (4/ 810): هي جبل عليه أنصاب الحرم بعرفات، وفي "القاموس" (4/ 442): موضع بعرفات أو الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك خارجًا من المأزِمَيْنِ
…
إلخ، وهو نص حديث ابن عمر الآتي خلافًا لما شرحه الشيخ، قال ابن القيم (2/ 233): موضع بشرقي عرفات. (ش).
(1)
في نسخة: "في نمرة".
(2)
وكان يوم جمعة بلا خلاف، فهل له مزية على غيره من الأيام؟ وراجع:"جزء حجة الوداع"(ص 128). (ش).
فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ، فَقَالَ: "إِنَّ دِمَاءَكُم وَأَمْوَالَكُم عَلَيْكُم حَرَام كَحُرْمَةِ يَوْمِكُم هَذَا في شَهْرِكُم هَذَا، في بَلَدِكُم هَذَا، أَلَا إِنَّ كُلَّ شَيءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِليَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ،
===
الرحل عليها له (فركب حتى أتى بطن الوادي) موضع بعرفات يسمى عرنة (1) وليست من عرفات خلافًا لمالك.
(فخطب الناس) أي وَعَظَهم، وخطب خطبتين (2): الأولى لتعريفهم المناسكَ والحثِّ على كثرة الذكر والدعاء بعرفة، والثانية قصيرة جدًا لمجرد الدعاء.
(فقال) أي في خطبته: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام) أي ليس لبعضكم أن يتعرض لبعض فيريق دمه أو يسلب ماله (كحرمة يومكم هذا) يعني تعرُّض بعضِكم دماءَ بعضٍ وأموالَه في غير هذه الأيام كحرمة التعرض لهما في يوم عرفة (في شهركم هذا) أي ذي الحجة (في بلدكم هذا) أي مكة.
قال الطيبي (3): شبه في التحريم بيوم عرفة، وذي الحجة، والبلدِ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنها محرمة أشد التحريم لا يستباح فيها شيء.
(ألا) للتنبيه (إن كل شيء) أي كل فعل (من أمر الجاهلية تحت قَدَمَيَّ) بالتثنية (موضوع) أي كالشيء الموضوع تحت القدم، وهو مجاز عن إبطاله،
(1) بذلك جزم الزرقاني في "شرح المواهب"(11/ 397)، وابن القيم (2/ 234)، وابن رشد (1/ 349)، والمغني (5/ 267)، وجزم الدردير (2/ 38) بالإجزاء في مسجد عرنة لا بطنها. (ش).
(2)
عند الحنفية والمالكية والشافعية كما حكي في "الأوجز"(8/ 189 - 192) من النصوص عن فروعهم، نعم لم أجد النص بذلك عن الحنابلة، بل صرَّح ابن القيم (2/ 234) بأنها فردة، والعجب من الزرقاني المالكي حكى عن المالكية أنها فردة، والنصوص تأبى ذلك؟ ! . (ش).
(3)
"شرح الطيبي"(5/ 251).
وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ، وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دِمَاؤُنَا: دَمُ".
قَالَ عُثْمَانُ: دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ. وَقَالَ سلَيْمَانُ: دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، كَانَ مُسْتَرضَعًا في بَني سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ (1) هُذَيْلٌ.
===
والمعنى: عفوت عن كل شيء فعله رجل قبل الإِسلام من أفعال الجاهلية حتى صار كالشيء الموضوع تحت القدم.
(ودماء الجاهلية موضوعة) أي متروكة، لا قصاص، ولا دية، ولا كفارة، أعادها للاهتمام بها (وأول دم أضعه) أي أتركه (دماؤنا) هكذا في نسخ أبي داود، ولفظ رواية مسلم:"وإن أول دم أضع من دمائنا" بزيادة لفظ "من" أي: دماء أهل الإِسلام (دم) هذا اللفظ مشترك في روايات الشيوخ، ثم اختلفوا.
(قال عثمان) أي ابن أبي شيبة: (دم ابن ربيعة، وقال سليمان) أي ابن عبد الرحمن: (دم ربيعة) فزاد عثمان لفظ "ابن"، ولم يزده سليمان، ولم يذكر المصنف لفظ النفيلي ولا لفظ هشام بن عمار (ابن الحارث بن عبد المطلب) وكلاهما صحيح كما سيأتي.
(كان) أي ابن ربيعة واسمه إياس (مسترضَعًا في بني سعد فقتلته) أي ابن ربيعة (هذيل) وكان طفلًا صغيرًا يحبو بين البيوت، فأصابه حجر في حرب بني سعد مع قبيلة هذيل فقتله هذيل، ورواية البخاري (2):"دم ربيعة بن الحارث"، وقد خطأها جمع من أهل العلم بأن الصواب: دم ابن ربيعة، ويمكن بأن يقال: إضافته إلى ربيعة لأنه ولي ذلك، أو هو على حذف مضاف، أي دم قتيل ربيعة.
(1) في نسخة: "فقتله"، وفي نسخة:"قتلته".
(2)
هكذا في "المرقاة"(5/ 438)، وعزاه القاضي عياض (4/ 276)، والنووي (4/ 443)، والزرقاني إلى بعض روايات مسلم وأبي داود، ولم ينسبوه إلى البخاري، ولم نجده في البخاري فليتحرر. (ش) [انظر:"شرح المواهب"(11/ 398)].
"وَرِبَا الْجَاهِليَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ (1) رِبَانَا: رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِب فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ. فَاتَّقُوا (2) اللَّه في النِّسَاءِ فَإِنَّكُم أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلَمَةِ اللَّهِ، وَإِنَّ لَكُم عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تكرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْربُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُم رِزْقُهُنَّ
===
(وربا الجاهلية موضوع) يريد أموالهم المغصوبة والموهوبة، وإنما خص الربا تأكيدًا؛ لأنه في الجملة معقول في صورة مشروع (وأول ربا أضع ربانا: ربا عباس بن عبد المطلب) بدل من ربانا (فإنه) أي ربا عباس (موضوع كله) والمراد الزائد على أصل المال، قال تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (3).
(فاتقوا الله في النساء) أي في حقهن، ومعطوف على ما سبق من حيث المعنى، أي اتقوا الله في استباحة الدماء ونهب الأموال، وفي النساء (فإنكم أخذتموهن بامانة الله) أي بعهده من الرفق وحسن العشرة (واستحللتم فروجهن بكلمة الله) أي بشرعه، أو بأمره وحكمه، وهو قوله:"فانكحوا"، وقيل: بالإيجاب والقبول، أي بالكلمة التي أمر الله بها.
(وإن لكم عليهن) من الحقوق (أن لا يوطئن) بهمزة أو بإبدالها من باب الإفعال (فرشكم أحدًا تكرهونه) أي لا يأذن لأحد أن يدخل منازل الأزواج من غير أن يأذن لها (فإن فعلن) ذلكَ أي الإيطاء (فاضربوهن) قيل: المعنى: لا يأذن لأحد من الرجال الأجانب أن يدخل عليهن فيتحدث إليهن، وكان من عادة العرب لا يرون به بأسًا، فلما نزلت آية الحجاب انتهوا عنه، وليس هذا كناية عن الزنا، وإلَّا كان عقوبتهن الرجم دون الضرب (ضربًا غير مبرح) بتشديد الراء المكسورة وبالحاء المهملة، أي مجرح، أو شديد سياق.
(ولهن عليكم رزقهن) من المأكول والمشروب، وفي معناه سكناهن
(1) في نسخة: "أضعه".
(2)
في نسخة: "اتقوا الله".
(3)
سورة البقرة: الآية 279 ..
وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُم مَا لَنْ تَضِلُّوا (1) بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كتَابَ اللَّهِ، وَأَنْتُمْ مَسْؤولُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ "، قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ، ثُمَّ قَالَ بِإِصْبُعِهِ السَبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكِتُهَا (2) إِلَى النَّاسِ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ".
===
(وكسوتهن بالمعروف) باعتبار حالكم فقرًا وغنى، أو بالوجه المعروف من التوسط الممدوح.
(وإني قد تركت فيكم) أي فيما بينكم (ما) موصولة، أو موصوفة (لن تضلوا بعده) تركي إياه فيكم، أو بعد التمسكِ به والعمل بما فيه (إن اعتصمتم به) في الاعتقاد والعمل (كتاب الله) بالنصب بدل، أو بيان لما في التفسير بعد الإبهام تفخيم لشأن القرآن، ويجوز الرفع بأنه خبر مبتدأ محذوف، أي هو كتاب الله.
وإنما اقتصر على الكتاب؛ لأنه مشتمل على العمل بالسنَّة لقوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ، وقوله:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (3)، وفيه إيماء إلى أن الأصل الأصيل في التمسك هو الكتاب.
(وأنتم مسؤولون عني) يوم القيامة، أي عن تبليغي الأحكام الإلهية إليكم (فما أنتم قائلون؟ ) أي في حقي (قالوا: نشهد أنك قد بلغت) أي الرسالة، (وأديت) أي الأمانة (ونصحت) أي الأمة.
(ثم قال) أي أشار (بإصبعه السبابة يرفعها) حال من "قال"، أي: رافعًا إياها، أو من السبابة، أي: مرفوعة (إلى السماء وينكتها) بضم الكاف والمثناة الفوقانية، أي يخفضها مشيرًا بها (إلى الناس) أي يميلها إليهم؛ يريد بذلك أن يشهد الله عليهم (اللهُمَّ اشهد) أي على عبادك بأنهم قد أقرُّوا بأني قد بلغت (اللَّهُمَّ اشهد، اللَّهُمَّ اشهد) كرَّرها ثلاث مرات.
(1) في نسخة: "لم تضلوا".
(2)
في نسخة: "ينكبها".
(3)
سورة الحشر: الآية 7.
ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ، ثُمَّ أَقَامَ (1) فَصَلَّى الظُّهْرَ، ثُمَّ أَقَامَ (2) فَصَلَّى الْعَصْرَ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا. ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ، وَجَعَلَ حَبْلَ (3) الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ
===
(ثم أذن (4) بلال، ثم أقام فصلَّى الظهر، ثم أقام فصلَّى العصر) أي جمع بينهما في وقت الظهر، وهذا الجمع كجمع المزدلفة جمع نسك عندنا، وجمع سفر عند الشافعي خلافًا لبعض أصحابه (5)(ولم يصلِّ بينهما شيئًا) من السنن والنوافل كيلا يبطل الجمع، فإن الموالاة بين الصلاتين واجبة.
(ثم ركب القصواء) وسار (حتى أتى الموقف) أي أرض عرفات (فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات) بفتحتين: الأحجار الكبار، قال النووي (6) رحمه الله: هن صخرات مفترشات في أسفل جبل الرحمة، وهو الجبل الذي بوسط أرض عرفات، وهذا هو الموقف المستحب، فإن عجز عنه فليقرب منه بحسب الإمكان، وأما ما اشتهر بين العوام من الاعتناء بصعودِ الجبل وتوهُّمِهم أنه لا يصح الوقوف إلا فيه؛ فغلط، والصواب جواز الوقوف في كل جزء من أرض عرفات.
وأما وقت الوقوف فهو ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر الثاني من يوم النحر، وقال أحمد: يدخل وقت الوقوف من فجر عرفة.
(وجعل حبل المشاة بين يديه) قال النووي: روي بالحاء المهملة وسكونِ
(1) زاد في نسخة: "الصلاة".
(2)
وزاد في نسخة: "الصلاة".
(3)
في نسخة: "جبل".
(4)
ظاهر الحديث أن الأذان بعد الخطبة، وحكى ابن رشد في "البداية"(1/ 347) فيه الخلاف، وفيه خلاف عند الحنفية أيضًا، كما في "الهداية"(1/ 141)، وما سيأتي من أن الخطبة بعد الصلاة عند المالكية، لم أجده في فروعهم. (ش).
(5)
انظر: "شرح الزرقاني على المواهب"(11/ 402)، و "عمدة القاري"(7/ 253).
(6)
انظر: "شرح النووي"(4/ 445).
فَاسْتَقبَلَ الْقِبْلَةَ، فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حِينَ (1) غَابَ الْقُرْصُ، وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ، فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ،
===
الباء، وروي بالجيم، وفتح الباء، قال القاضي رحمه الله: الأول أشبه بالحديث، وحبل المشاة: مجتمعهم، وحبل الرمل: ما طال منه، وأما بالجيم فمعناه: طريقهم، وحيث تسلك الرجالة.
وقال الطيبي (2): رحمه الله: بالحاء، أي: طريقهم الذي يسلكونه في الرمل. وقال التوربشتي (3) رحمه الله: حبل المشاة موضع، وقيل: اسم موضع من رمل مرتفع كالكثبان، وقيل: الحبل الرمل المستطيل، وإنما أضافها إلى المشاة؛ لأنها لا يقدر أن يصعد إليها إلا الماشي، أو لاجتماعهم عليها توقيًا منه مواقف الركاب، ودون حبل المشاة، ودون الصخرات اللاصقة بسفح الجبل موقف الإِمام، وبه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى الوقوف.
(فاستقبل القبلة فلم يزل واقفًا) أي قائمًا بركن الوقوف، راكبًا على الناقة (حتى غربت الشمس) أي أكثرها، أو كادت أن تغرب (وذهبت الصفرة قليلًا) أي ذهابًا قليلًا (حين) وفي نسخة: حتى (غاب القرص، وأردف أسامةَ) أي أركب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أسامةَ بن زيد (خلفه) على ناقته.
(فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ارتحل وانطلق، أو دفع ناقته وحملها على السير (وقد شنق) بتخفيف النون (للقصواءِ الزمامَ) أي ضيق وجر إليه زمامها (حتى إن رأسها) أي رأس الناقة (لَيُصِيْبُ مَوْرِكَ رحلِه) بفتح الراء وبالحاء المهملة، وفي رواية بالجيم مع كسر الراء، والمورك بفتح الميم وكسر الراء: هو الموضع الذي يثني الراكب رجله عليه قدام واسطة الرحل إذا ملَّ من الركوب،
(1) في نسخة: "حتى".
(2)
"شرح الطيبي"(5/ 255).
(3)
نقله الشارح من "مرقاة المفاتيح"(5/ 440).
وَهُوَ يَقُولُ بِيَدهِ الْيُمْنَى: "السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ، السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ"، كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ (1) أَرْخَى لَهَا قَليلًا حَتَّى تَصْعَدَ، حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وإِقَامَتَيْنِ
===
وقال القاضي (2): هو قطعة أدم، يتورك عليها الراكب، تُجعَل في مُقَدَّم الرحل شبه المخدة الصغيرة.
(وهو يقول) أي يشير (بيده اليمنى: السكينةَ) أي الزموها (أيها الناس، السكينةَ أيها الناس، كلما أتى حبلًا من الحبال) بالحاء المهملة، أي التل اللطيف من الرمل (أرخى لها) أي زمامها (قليلًا حتى تصعد) أي سهل صعودها على الحبل (حتى أتى المزدلفة) قيل: سميت بها لمجيء الناس إليها في زلف من الليل، أي ساعات قريبة من أوله، وأما ازدحام الناس بين العلمين فبدعة قبيحة يترتب عليها مفاسد صريحة (فجمع بين المغرب والعشاء) أي في وقت العشاء (بأذان واحد وإقامتين) وبه قالت الأئمة الثلاثة وزفر رحمه الله.
قال العيني في "شرح البخاري"(3): وفي الحديث أن الإقامة لكل واحدة من المغرب والعشاء، وفيه للعلماء ستة أقوال، أحدها: أنه يقيم لكل منهما، ولا يؤذن لواحدة منهما، وهو قول القاسم ومحمد وسالم، وهو إحدى الروايات عن ابن عمر رضي الله عنهما، وبه قال إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل في أحد القولين عنه، وهو قول الشافعي وأصحابه فيما حكاه الخطابي والبغوي وغير واحد.
وقال النووي في "شرح مسلم": الصحيح عند أصحابنا أنه يصليهما بأذان للأولى وإقامتين، لكل واحدة إقامة، وقال في "الإيضاح": إنه الأصح.
الثاني: أنه يصليهما بإقامة واحدة للأولى، وهو إحدى الروايات عن
(1) في نسخة: "جبلاً من الجبال".
(2)
"الإكمال"(4/ 281).
(3)
"عمدة القاري"(7/ 269)، رقم (1673).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ابن عمر، وهو قول سفيان الثوري فيما حكاه الترمذي والخطابي وابن عبد البر وغيرهم.
الثالث: أنه يؤذن للأولى، ويقيم لكل واحدة منهما، وهو قول أحمد بن حنبل في أصح قوليه، وبه قال أبو ثور وعبد الملك بن (1) الماجشون من المالكية والطحاوي، وقال الخطابي: هو قول أهل الرأي، وذكر ابن عبد البر أن الجوزجاني حكاه عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف عن أبي حنيفة.
الرابع: أنه يؤذن للأولى ويقيم لها، ولا يؤذن للثانية ولا يقيم لها، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف، حكاه النووي وغيره.
قلت: هذا مذهب أصحابنا، وعند زفر: بأذان وإقامتين.
الخامس: أنه يؤذن لكل منهما ويقيم، وبه قال عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنهما -، وهو قول مالك وأصحابه إلا ابن الماجشون، وليس لهم في ذلك حديث مرفوع، قاله ابن عبد البر.
السادس: أنه لا يؤذن لواحدة منهما ولا يقيم، حكاه المحب الطبري عن بعض السلف، انتهى.
وقد احتج صاحب "الهداية"(2) برواية جابر. قال في "فتح القدير"(3): قوله: (ولنا رواية جابر) روى ابن أبي شيبة: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلَّى المغرب والعشاء بجمع، بأذان واحد وإقامة، ولم يسبِّح بينهما"، وهو متن غريب.
(1) سقط لفظ: "ابن" في الأصل.
(2)
"الهداية"(1/ 143).
(3)
"فتح القدير"(2/ 490، 491).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والذي في حديث جابر الطويل الثابت في "صحيح مسلم" وغيره: "أنه صلاهما بأذان وإقامتين"، وعند البخاري (1) عن ابن عمر رضي الله عنهما أيضًا قال:"جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع، كل واحدة منهما بإقامة، ولم يسبح بينهما، ولا على إثر واحدة منهما".
وفي "صحيح مسلم"(2) عن سعيد بن جبير: "أفضنا مع ابن عمر رضي الله عنهما، فلما بلغنا جمعًا صلَّى بنا المغربَ ثلاثًا، والعشاءَ ركعتين، بإقامة واحدة، فلما انصرف قال ابن عمر: هكذا صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان".
وأخرج أبو الشيخ (3): حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما:"أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى المغرب والعشاء بجمع بإقامة واحدة".
وأخرج أبو داود (4) عن أشعث بن سليم عن أبيه قال: "أقبلت مع ابن عمر من عرفات إلى المزدلفة، فلم يكن يفتر عن التكبير والتهليل حتى أتينا مزدلفة، فأذن وأقام، أو أمر إنسانًا فأذن وأقام، وصلى المغرب ثلاث ركعات، ثم التفت إلينا فقال: الصلاة، فصلَّى العشاء ركعتين، ثم دعا بعشائه"، قال: وأخبرني علاج (5) بن عمرو بمثل حديث أبي عن ابن عمر رضي الله عنهما، فقيل لابن عمر في ذلك، فقال:"صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا".
(1) انظر: "صحيح البخاري"(1673).
(2)
"صحيح مسلم"(1288).
(3)
كذا في الأصل، وفي "فتح القدير": "وأخرج أبو الشيخ عن الحسين بن حفص: حدثنا
…
إلخ".
(4)
سيأتي عند المصنف برقم (1934).
(5)
في الأصل: "صلاح بن عمرو"، وهو تحريف.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فقد علمت ما في هذا من التعارض، فإن لم يرجح ما اتفق عليه الصحيحان على ما انفرد به "صحيح مسلم" وأبو داود حتى تساقطا، كان الرجوع إلى الأصل يوجب تعدد الإقامة لتعدد الصلاة كما في قضاء الفوائت، بل أولى، لأن الصلاة الثانية هنا وقتية، فإذا أقيم للأولى المتأخرة عن وقتها المعهود كانت الحاضرة أولى أن يقام لها بعدها، انتهى.
قلت: اختلفت الروايات في الوقوفِ بالمزدلفة والجمعِ فيها بين المغرب والعشاء، هل هما بإقامة واحدة أو بإقامتين لكل واحدة منهما؟ وهل صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاءَ بعد صلاة المغرب متصلًا بها من غير تخلل شيء بينهما، أو صلَّى العشاء بعد التعشي منفصلاً من صلاة المغرب؟ كما ثبت في "البخاري" (1) من حديث عبد الرحمن بن يزيد يقول:"حج عبد الله فأتينا المزدلفة حين الأذان بالعتمة أو قريبًا من ذلك، فأمر رجلًا فأذن وأقام، ثم صلَّى المغرب، وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر- أرى - فأذن وأقام - قال عمرو: لا أعلم الشك إلَّا من زهير-، ثم صلَّى العشاء ركعتين" الحديث.
وكذا أخرجه ابن أبي شيبة (2) عنه، ولفظه قال:"فلما أتى جمعًا أذن وأقام، فصلَّى المغرب ثلاثًا، ثم تعشى، ثم أذن وأقام، فصلى العشاء ركعتين".
وقال الزيلعي في "نصب الراية"(3): أخرج البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال: "دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة، حتى إذا كان بالشعب نزل فبال، فتوضأ، ولم يسبغ الوضوء، قلت: الصلاة؟ قال: الصلاة أمامك، فركب،
(1)"صحيح البخاري"(1675).
(2)
انظر: "نصب الراية"(3/ 70).
(3)
المصدر السابق (3/ 71).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فلما جاء مزدلفة، نزل فتوضأ، وأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة فصلَّى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء فصلاها ولى يصل بينهما شيئًا"، انتهى.
قال (1): وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا ابن مسهر، عن ابن أبي ليلى، عن عدي بن ثابت، عن عبد الله بن يزيد، عن أبي أيوب قال:"صلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة المغربَ والعشاءَ بإقامة"، انتهى. ورواه إسحاق بن راهويه في "مسنده": أخبرنا يحيى بن آدم، ثنا قيس، عن غيلان بن جامع. صوابه: حازم، عن عدي به. ورواه من طريق آخر الطبراني في "معجمه"(2) من طريق أبي نعيم، ثنا سفيان، عن جابر عن (3) عدي به، ورواه من طريق آخر فقال: حدثنا علي بن سعيد الرازي (4)، ثنا جعفر بن محمد بن فضيل الراسبي (5)، ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود، حدثنا أبي، عن عبد الكريم، عن سعيد بن المسيب، عن أبي أيوب الأنصاري:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين صلاة المغرب وصلاة العشاء بالمزدلفة بأذان وإقامة واحدة"، انتهى.
وحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه هذا رواه البخاري ومسلم، ليس فيه ذكر الإقامة، انتهى.
قلت: وجه الجمع بين الأحاديث المختلفة في هذا الباب عندنا: أن الأحاديث الواردة في إفراد الإقامة للمغرب والعشاء محمولة على أن
(1) المصدر السابق (3/ 69).
(2)
"المعجم الكبير" للطبراني (4/ 123 رقم 3870).
(3)
وقع في الأصل، وفي "نصب الراية":"جابر بن عدي"، والصواب ما أثبتُّه.
(4)
في الأصل: "البرازي"، وهو تحريف، والصواب:"الرازي"، كذا في "نصب الراية"، و "المعجم الكبير" للطبراني (4/ 3891).
(5)
وقع في الأصل، وفي "نصب الراية" أيضًا:"ثنا جعفر بن محمد عن فضيل الرواسي"، والصواب ما أثبتُّه من "المعجم الكبير".
قَالَ عُثْمَانُ: وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا،
===
رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء من غير تخلل شيء بينهما، فأفرد الإقامة لهما.
وأما أحاديث الإقامتين فمحمولة على أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا المغرب ثم فعلوا بعض الأفاعيل وتخللوها بينهما، بأن أناخوا الإبل كما يدل عليه رواية أسامة بن زيد عند البخاري، وتعشَّوا كما يدل عليه رواية ابن أبي شيبة:"فلما أتى جمعًا أذن وأقام، فصلَّى المغرب ثلاثًا، ثم تعشى، ثم أذن وأقام، فصلَّى العشاء ركعتين"، معناه تعشى بعضهم بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبإذنه.
وحاصل وجه الجمع أنه إذا صلاهما متصلًا لم يتخلل بين الصلاتين شيء صلاهما بإقامة واحدة لهما، وإذا صلاهما من غير اتصال بينهما صلاهما بإقامتين لكل واحدة منهما إقامة، وهذا الوجه سائغ في الأحاديث، كثير الوقوع فيها.
فالعجب من الشيخ ابن الهمام فإنه يقول: كيف يسوغ للمصنف أن يعتبر هذا حديثًا حجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه جمع بين المتضادين لأنه يستلزم اعتقاد أنه تعشى ولا تعشى، وأفرد الإقامة ولا أفردها، والله الموفق وإلا فكيف يمكن.
(قال عثمان) أي ابن أبي شيبة شيخ المصنف: (ولم يسبح بينهما) أي بين المغرب والعشاء (شيئًا) ولم يقله باقي شيوخه، والمراد بالشيء النوافل والسنن، والمعتمد أنه يصلي بعدهما سنَّة المغرب والعشاء والوتر، وهذا مذهب الأحناف، وكذا عن الشوافع، فإنه قال النووي في "شرح مسلم": ومذهبنا استحباب السنن الراتبة، لكن يفعلها بعدهما لا بينهما.
وقال الحافظ في "الفتح"(1) في شرح حديث ابن عمر: "ولم يسبح
(1)"فتح الباري"(3/ 523، 524).
ثُمَّ اتَّفَقُوا:
ثمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
===
بينهما، ولا على إثر كل واحدة منهما": أي عقبها، ويستفاد منه أنه ترك التنفل عقب المغرب وعقب العشاء، ولما لم يكن بين المغرب والعشاء مهلة صرح بأنه لم يتنفل بينهما، بخلاف العشاء؛ فإنه يحتمل أن يكون المراد أنه لم يتنفل عقبها، لكنه تنفل بعد ذلك في أثناء الليل، ومن ثمة قال الفقهاء: تؤخر سنَّة العشائين عنهما.
ونقل ابن المنذر الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة؛ لأنهم اتفقوا على أن السنَّة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة، ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع بينهما، ويعكر على نقل الاتفاق فعل ابن مسعود الآتي في الباب الذي بعده.
(ثم اتفقوا) أي جميع شيوخه: (ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي للنوم بعد راتبة المغرب والعشاء والوتر كما في رواية.
فإن قيل: كيف ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم التهجد وهو كان عليه صلى الله عليه وسلم فرضًا على قول طائفة من العلماء؟ !
قلت: ترك التهجد مبني على قول طائفة أن التهجد لم يكن عليه صلى الله عليه وسلم فرضًا، وصرح بذلك مولانا الشاه ولي الله في "حجة الله البالغة"، والشيخ بحر العلوم في "رسائل الأركان"، قال الشاه ولي الله (1): أقول: إنما لم يتهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مزدلفة، لأنه كان لا يفعل كثيرًا من الأشياء المستحبة في المجامع، لئلا يتخذها الناس سنَّة، انتهى.
وقال مولانا بحر العلوم: وقوله: "ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر": يدل دلالة واضحة على أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الليل في تلك الليلة،
(1)"حجة الله البالغة"(2/ 64).
حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ
===
وقد نص القسطلاني في "المواهب اللدنية"(1) على أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الليل في تلك الليلة، فما في "الإحياء" (2): ينبغي أن لا يترك نوافل الليل في هذه الليلة، بل جعل أداءَها في هذه الليلة من المهمات، فليس على ما ينبغي، انتهى.
قلت: ما في "الإحياء" فالظاهر أنه مبني على قول من قال: إن صلاة التهجد كان واجبًا عليه صلى الله عليه وسلم، فالظاهر أنه صلى الله عليه وسلم لم يترك واجبه، وما في الحديث: أنه اضطجع حتى طلع الفجر، مبني على علم الراوي.
وأيضًا يمكن أن يقال على كلا التقديرين يعني على قول الوجوب عليه والسنيَّة: قول الراوي: "اضطجع حتى طلع الفجر"، إما أن يكون محمولًا على علم الراوي بأنه لم يره صلَّى، أو يقال: اضطجع بعد أداء راتبة المغرب والعشاء والوتر؛ فإن صلاة الوتر واجبة عند الحنفية، فعلى قولهما يلزم أنه صلى الله عليه وسلم ترك الوتر أيضًا كما ترك صلاة التهجد أيضًا، وإلا فالوتر كما يطلق على الوتر يطلق على صلاة الليل مطلقًا، فالظاهر أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى التهجد مع الوتر، فلا ينبغي أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم ترك صلاة الليل، والله أعلم.
(حتى طلع الفجر) تقوية للبدن ورحمة للأمة، ثم المبيت عندنا سنَّة وعليه بعض المحققين من الشافعية، وقيل: واجب، وهو مذهب الشافعي، وقيل: ركن لا يصح إلا به كالوقوف وعليه جماعة من الأجلة، وقال مالك: النزول واجب، وكذا الوقوف بعده، ثم المبيت بمعظم الليل، والصحيح أنه بحضور لحظة بالمزدلفة.
وقال في "البدائع"(3): اختلف أصحابنا في الوقوف بمزدلفة، قال بعضهم: إنه واجب، وقال الليث: إنه فرض، وهو قول الشافعي.
وأما زمانه: فما بين طلوع الفجر من يوم النحر وطلوع الشمس،
(1) انظر: "شرح الزرقاني على المواهب"(11/ 415).
(2)
انظر: "إحياء علوم الدين"(1/ 232).
(3)
"بدائع الصنائع"(2/ 320، 322).
فَصلَّى الفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ. قَالَ سُلَيْمَانُ: بِنِدَاءٍ وَإِقَامَةٍ، ثُمَّ اتَّفَقُوا: ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرامَ فَرَقِيَ عَلَيْهِ. قَالَ عُثْمَانُ وَسُلَيْمَانُ: فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَحَمِدَ الله وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ. زَادَ عُثْمَانُ: وَوَحَّدَهُ. فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا. ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ (1) الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسِ، وَكَانَ رَجُلًا
===
فمن حصل بمزدلفة في هذا الوقت فقد أدرك الوقوف سواء بات بها أو لا، ومن لم يحصل بها فيه فقد فاته الوقوف، وهذا عندنا.
وقال الشافعي: يجوز في النصف الأخير من ليلة النحر، والسنَّة أن يبيت ليلة النحر بمزدلفة، والبيتوتة ليست بواجبة إنما الواجب الوقوف، والأفضل أن يكون وقوفه بعد الصلاة، فيصلي صلاة الفجر بغلس، ثم يقف عند المشعر الحرام، فيدعو الله تعالى ويسأله حوائجه إلى أن يسفِرَ، ثم يفيض منها قبل طلوع الشمس إلى مني، ولو أفاض بعد طلوع الفجر قبل صلاة الفجر فقد أساء، ولا شيء عليه لتركه السنَّة، انتهى.
(فصلَّى الفجر حين تبين له الصبح) أي: طلع الفجر (قال سليمان: بنداء وإقامة) ولم يذكر هذا اللفظ غيره من شيوخ المصنف (ثم اتفقوا) كلهم: (ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام) وهو موضع خاص من المزدلفة ببناء معلوم، سمي به لأنه معلم للعباد، والمشاعر المعالم التي ندب الله إليها، وأمره بالقيام فيها، وهو بفتح الميم، وقد يُكْسَرُ (فرقي عليه) أي على المشعر الحرام.
(قال عثمان وسليمان: فاستقبل القبلة، فحمد الله وكبَّره وهلَّله، زاد عثمان: وَوَحَّده، فلم يزل واقفًا حتى أسفر جدًا) أي: أضاء الفجر إضاءَةً تامةً.
(ثم دفع) أي سار وانطلق (رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المزدلفة إلى مني (قبل أن تطلع الشمس، وأردت الفضل بن عباس) أي بدل أسامة بن زيد (وكان رجلًا
(1) في نسخة: "فأردف".
حَسَنَ الشَّعْرِ أَبَيْضَ وَسِيمًا، فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ الظُعُنُ يَجْرِينَ، فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ (1) صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الفَضْلِ، وَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، وَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ، وَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ،
===
حسن الشعر أبيض وسيمًا) أي حسينًا جميلًا (فلما دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم) من المزدلفة (مَرَّ الظُّعُن) بضمتين جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج، (يجرين، فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل) ليكف بصره عن النظر إليهن، ولا ينظرن إليه.
(وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر، وحوَّل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يدَه إلى الشق الآخر) أي ووضعه على وجه الفضل (وصرف الفضلُ وجهَه إلى الشق الآخر ينظر)، ففي الأول في قوله:"ينظر إليهن" تصريح بأن النظر كان إليهن، وكذلك في القول الذي بعده:"وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر، وحوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الشق الآخر"، فالظاهر أن النظر في المرة الثانية إليهن لم يكن قصدًا منه، فالغرض بوضع يده صلى الله عليه وسلم أن لا تنظر إليه الظعن.
وأما قوله في الثالثة: "وصرف الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر"، ليس المراد فيه بالنظر النظر إلى الظعن، بل المراد من النظر النظر إلى ذلك الجانب لا إلى الظعن؛ لأنه لا يمكن من ابن عباس أن ينظر إليهن بعد منعه صلى الله عليه وسلم إياه من النظر إليهن في الجانبين، ولهذا لم يذكر فيه وضع يده صلى الله عليه وسلم على وجهه.
قال النووي (2): فيه الحث على غضِّ البصر عن الأجنبيات، وغضِّهن عن الرجال الأجانب، وفي رواية الترمذي وغيره في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لوى عنقَ الفضل، فقال له العباس: لويت عنق ابن عمك، قال "رأيت شابًا
(1) في نسخة: "النبي".
(2)
"شرح صحيح مسلم"(4/ 449).
حَتَّى (1) أَتَى مُحَسِّرًا فَحَرَّكَ (2) قَلِيلًا، ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّذِي يُخْرِجُكَ إِلَى (3) الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ
===
وشابة فلم آمن الشيطان عليهما"، فهذا يدل على أن وضعه صلى الله عليه وسلم يده على وجه الفضل كان لدفع الفتنة عنه وعنها.
(حتى أتى محسِّرًا) بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة المهملتين، سمِّي بذلك لأن قيل أصحاب الفيل حسر فيه، أي: أعيا وكلَّ، ومنه قوله تعالى:{يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} (4)، هذا ما قاله النووي وجماعة.
قال القاري (5): لكن المرجح عند غيرهم أنهم لم يدخلوا الحرم، وإنما أصابهم العذاب قبيل الحرم قرب عرفة، فلم ينج منهم إلا واحد أخبر من وراءهم، فقيل: حكمة الإسراع فيه نزول نار فيه على من اصطاد فيه، ولذا يسمي أهل مكة هذا الوادي: وادي النار.
(فحرك) أي ناقته بالإسراع (قليلًا) أي: تحريكًا قليلًا، أو زمانًا قليلًا، أو مكانًا قليلًا أي يسيرًا، قال النووي: قدر رمية حجر (ثم سلك) أي سار (الطريقَ الوسطى) وهذا غير الطريق الذي ذهب فيه إلى عرفات، وهي طريق ضب، وأما طريق الرجوع فهي طريق المأزِمَيْنِ (الذي يخرجك إلى الجمرة الكبرى) أي جمرة العقبة (حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة) أي حتى وصل إلى جمرة العقبة، ولعل الشجرة إذ ذاك كانت موجودة هناك.
(1) زاد في نسخة: "إذا".
(2)
في نسخة: "حرك".
(3)
في نسخة: "على".
(4)
سورة الملك: الآية 4.
(5)
"مرقاة المفاتيح"(5/ 442).
فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْل (1) حَصَى الْخَذْفِ، فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَنْحَرِ، فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتينَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا رضي الله عنه فَنَحَرَ مَا غَبَرَ - يقُولُ: مَا بَقِيَ - وَأَشْرَكَهُ في هَدْيِهِ. ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ في قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا.
===
(فرماها بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة (2) منها مثل حصى الخذف) بالخاء والذال المعجمتين، وهو بقدر حبة الباقلاء، والرمي برؤوس الأصابع (فرمى من بطن الوادي) أي لا من فوقها (ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي رجع من جمرة العقبة (إلى المنحر) بفتح الميم أي موضع النحر، والآن يقال له: المذبح لعدم النحر، أو تغليبًا للأكثر، والأصح أن منحره عليه الصلاة والسلام في منزله الذي بقرب مسجد الخيف متقدمًا على قبلة مسجد الخيف.
(فنحر بيده ثلاثًا وستين) بدنة بعدد سني عمره (وأمر عليًا رضي الله عنه فنحر ما غبر) أي ما بقي من المائة، وهي سبع وثلاثون (يقول) أي في تفسيره:(ما بقي، وأشركه) أي النبي صلى الله عليه وسلم عليًا (في هديه) أي أشركه في نحر هديه، ويحتمل أن يكون معناه أنه صلى الله عليه وسلم أذن لعلي أن ينحر بعض البدن عن نفسه.
(ثم أمر من كل بدنة ببَضعة) بفتح الباء الثانية، وهي قطعة من اللحم (فَجُعِلَتْ) أي القطع (في قِدر) بكسر القاف (فطبخت) أي القطع (فأكلا من لحمها) الهدايا (وشربا من مرقها) أي مرق لحوم الهدايا، قال ابن الملك (3):
(1) في نسخة: "بمثل".
(2)
هكذا في حديث جابر، وكذا في حديث الأزدية الآتي، وحديثِ عائشة الآتي في "باب رمي الجمار"، وقد ورد في "البخاري" (1673) بطرق من حديث سالم عن ابن عمر:"على إثر كل حصاة"، ويظهر الجمع بينهما من كلام ابن حجر في "شرح المناسك" (ص 360): أن الأول محمول على رمي العقبة، والثاني على أيام التشريق، لكن لا فرق بينهما في المذاهب، والمعتمد عند الكل المعية. (ش).
(3)
انظر: "مرقاة المفاتيح"(5/ 445).
قَالَ سُلَيْمَانُ: ثُمَّ ركِبَ ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ،
===
هذا يدل على جواز الأكل من هدي (1) التطوع، انتهى. والصحيح أنه مستحب، وقيل: واجب لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} .
(قال سليمان (2): ثم ركب) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثم أفاض)، [أي] أسرع (رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت) أي الكعبة لطواف الفرض، ويسمى: طواف الإفاضة، والركن، والزيارة (فصلَّى بمكة الظهر)، قال القاري (3): قال النووي: فيه محذوف، تقديره: فأفاض فطاف بالبيت طواف الإفاضة، ثم صلَّى الظهر، فحُذِفَ ذكرُ الطواف لدلالة الكلام عليه، وأما قوله:"فصلَّى بمكة الظهر"، فقد ذكر مسلم بعد هذا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما:"أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف للإفاضة قبل الزوال، ثم صلَّى الظهر بمنى"، ووجه الجمع بينهما أنه صلى الله عليه وسلم طاف للإفاضة قبل الزوال، ثم صلَّى الظهر بمكة في أول وقتها، ثم رجع إلى مني فصلَّى بها الظهر مرة أخرى بأصحابه حين سألوه ذلك، فكان متنفلًا بالظهر الثانية بمنى.
أقول: إنه لا يحمل فعله صلى الله عليه وسلم على القول المختلف في جوازه، فيؤوَّل بأنه صلَّى بمكة ركعتي الطواف وقت الظهر، ورجع إلى مني فصلَّى الظهر بأصحابه،
(1) واستدل به الموفق (5/ 444) وصاحب "الهداية"(1/ 181) على استحباب الأكل من هدي التمتع أيضًا، والمسألة خلافية مشهورة، فيها خلاف للشافعي إذ قال: لا يجوز الأكل بشيء من الدماء الواجبة حتى التمتع والقران، ويجوز من التطوع، وقال الحنفية وأحمد: يجوز من الثلاثة المذكورة، ولا يجوز من غيرها من الدماء الواجبة، وقال مالك في المشهور: لا يجوز من ثلاثة: وهي جزاء الصيد، وفدية الأذى، ونذر المساكين، ويجوز من غيرها، كما في "الأوجز"(7/ 560). (ش).
(2)
وهذا نص من جابر على الطواف الثاني لما تقدَّم في أول الحديث طواف آخر، فلا يمكن حمل ما روي عنه من توحيد الطواف كما تقدَّم على ظاهره أصلًا. (ش).
(3)
"مرقاة المفاتيح"(5/ 445، 446).
ثُمَّ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ
===
أو يقال: الروايتان حيث تعارضتا فقد تساقطتا، فترجح صلاته بمكة لكونها فيها أفضل، ويؤيده ضيق الوقت؛ لأنه عليه الصلاة والسلام رجع قبيل طلوع الشمس من المشعر، ورمى بمنى، ونحر مئة من الإبل، وطبخ لحمها، وأكل منها، ثم ذهب إلى مكة وطاف وسعى، فلا شك أنه أدركته الوقت بمكة، وما كان يؤخرها عن الوقت المختار لغير ضرورة.
ثم قال النووي: وأما الحديث الوارد عن عائشة رضي الله عنها وغيرها: أنه صلى الله عليه وسلم أخر الزيارة يوم النخر إلى الليل؛ فمحمول على أنه عاد للزيارة مع نسائه لا لطواف الإفاضة، ولا بد من هذا التأويل للجمع بين الأحاديث.
قلت: لا بد من التأويل، لكن لا من هذا التأويل؛ لأنه لا دلالة عليه، لا لفظًا ولا معنى، ولا حقيقة ولا مجازًا، فالأحسن أن يقال: معناه جوَّز تأخير الزيارة مطلقًا إلى الليل، أو أمر بتأخير زيارة نسائه إلى الليل، وقول ابن حجر: فذهب معهن؛ غير صحيح، إذ لم يثبت عوده عليه الصلاة والسلام معهن في الليل، قاله القاري.
(ثم أتى بني عبد المطلب) وهم أولاد العباس وجماعته؛ لأن سقاية الحج كانت وظيفته (وهم يسقون على زمزم)(1) الواو للحال، أي: والحال أنهم ينزعون الماء من زمزم ويسقون الناس، قال النووي (2): معناه يغرفون بالدلاء، ويصبونه في الحياض ونحوها.
(1) والشرب منه مستحب لما فيه مع البركات الكثيرة التي لا ينكرها مجرب خصيصة عاجلة وهي: يدفع التعب، ويغني عن العطش والجوع، ويقال: إن التبريك بالماء أيضًا من العادات الرسمية العامة كأهل الهنود بكَنكَا، والنصارى بنهر الأردن، والفراسية بعين لورده، وراجع "كتاب الحج والزيارة" لمولوي كريم بخش، انتهى. وفي "إعانة الطالبين" من فروع الشافعية جعله أفضل المياه حتى من الكوثر، وحكى عن التاج السبكي نظمًا:
أفضلُ المياهِ ماءٌ قَدْ نَبَع
…
مِنْ بَيْنِ أصَابع النبي المتبع
يليه ماءُ زمزمَ، فالكوثرُ
…
فنيلُ مصرَ، ثم يَأتي الأنهرُ. (ش)
(2)
"شرح صحيح مسلم"(4/ 452).
فَقَالَ: "انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِب، فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُم النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُم لَنَزَعْتُ مَعَكُم"؛ فَنَاوَلُوَهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم". [م 1218، جه 3074، ق 5/ 8]
===
(فقال: انزعوا) أي الماء، أو الدلاء (بني عبد المطلب) بحذف حرف النداء، يريد أن هذا العمل عمل صالح مرغوب فيه لكثرة ثوابه، والظاهر أنه أمر استحباب لهم (فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم) أي لولا مخافة كثرة الازدحام عليكم بحيث تؤدي إلى إخراجكم عنه رغبةً في النزع اتباعًا لفعلي (لنزعت معكم).
وقال النووي: لولا خوفي أن يعتقد الناس ذلك من مناسك الحج فيزدحمون عليه بحيث يغلبونكم ويدفعونكم عن الاستقاء لاستقيت معكم؛ لكثرة فضيلة هذا الاستقاء.
قلت: ويعارضه ما ذكره صاحب "الهداية"(1): روي أن النبي صلى الله عليه وسلم استقى دلوًا بنفسه فشرب منه، ثم أفرغ باقي الدلو في البئر. قال ابن الهمام (2): رواه في كتاب الطبقات مرسلًا، قال: ويجمع بأن ما في هذا كان بعقب طواف الوداع، وحديث جابر رضي الله عنه وما معه كان عقب طواف الإفاضة، ولفظه ظاهر فيه حيث قال:"فأفاض إلى البيت فصلَّى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: انزعوا" الحديث، وطواف الوداع كان ليلًا، والله أعلم.
(فناولوه) أي أعطوه (دلوًا فشرب منه صلى الله عليه وسلم أي من الدلو، أو من الماء، قيل: ويستحب أن يشرب قائمًا، وفيه بحث؛ لأنه عليه الصلاة والسلام شربه قائمًا لبيان الجواز، أو لعذر به في ذلك المقام من الطين، أو الازدحام؛ فإنه صح نهيه عن الشرب قائمًا بل أمر من شرب قائمًا أن يتقيأ ما شربه، قلت: لم يذكر في هذا الحديث: الحلق.
(1)"الهداية"(1/ 148).
(2)
"فتح القدير"(2/ 581).
1906 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ - يَعْنِى ابْنَ بِلَالٍ -. (ح): وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِىُّ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ:"أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ (1) يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، وَإِقَامَتَيْنِ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ، وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: هَذَا الْحَدِيثُ أَسْنَدَهُ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِى الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ، وَوَافَقَ حَاتِمَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَلَى إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِىٍّ الْجُعْفِىُّ،
===
1906 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة، نا سليمان - يعني ابن بلال -، ح: وحدثنا أحمد بن حنبل، نا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي، المعنى واحد) أي معنى حديث سليمان بن بلال، وحديث عبد الوهاب الثقفي واحد وإن اختلفا في اللفظ، كلاهما أي سليمان وعبد الوهاب (عن جعفر بن محمد، عن أبيه) أي محمد بن علي بن الحسين الباقر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى الظهر والعصر بأذان واحد بعرفة) أي في مسجد نمرة (ولم يسبِّح) أي لم يتنفل (بينهما، وإقامتين) أي لكل واحدة منهما إقامة (وصلَّى المغرب والعشاء بجمع) أي بالمزدلفة (بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبِّح) أي لم يتنفل (بينهما)، وهذا حديث مرسل.
(قال أبو داود: هذا الحديث أسنده حاتم بن إسماعيل في الحديث الطويل) وقد تقدم تقريبًا (ووافق حاتمَ بنَ إسماعيل على إسناده) أي على كونه مسندًا (محمد بن علي الجعفي) لم أجد ترجمته فيما تتبعت من الكتب (2)
(1) في نسخة: "وإقامتين، ولم يسبح بينهما".
(2)
قلت: هو محمد بن علي الجعفي، من أهل الكوفة، أخو حسين بن علي الجعفي، انظر ترجمته في:"التاريخ الكبير"(1/ 184)، و"الثقات" لابن حبان (5/ 410)، رقم (3032)، و"كتاب الجرح والتعديل"(8/ 27)، وكلهم سكتوا عن جرحه وتوثيقه.
عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ إلَّا أَنَّهُ قَالَ:"فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ". [انظر سابقه]
1907 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: ثُمَّ قَالَ النَّبِىُّ (1) صلى الله عليه وسلم: «قَدْ نَحَرْتُ هَا هُنَا
===
(عن جعفر، عن أبيه، عن جابر) أي مسندًا (إلَّا أنه) أي محمد بن علي الجعفي (قال: فصلَّى المغرب والعتمة) أي العشاء (بأذان وإقامة)(2) أي واحدة، وهذا. قول: أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله تعالى -.
وههنا نسخة كُتِبَتْ على حاشية النسخة المكتوبة، ونُقِلَتْ منها في النسخ المطبوعة وهي هذه: قال أبو داود: قال لي أحمد: أخطأ حاتم في هذا الحديث الطويل.
قلت: ولم يتحقق لي محل الخطأ، فيحتمل أن يكون الخطأ: أن حاتم بن إسماعيل أدخل كلام محمد بن علي في قصة فاطمة وهو قوله: "قال علي بالكوفة: فذهبت محرشًا" إلى آخره في حديث جابر بن عبد الله، وهو ليس بداخل فيه، بل هو مدرج من كلام محمد بن علي.
ويحتمل أن يكون المراد من الخطأ: أن حاتم بن إسماعيل ذكر في حديثه في الجمع بين الصلاتين المغرب والعشاء بالمزدلفة بأذان وإقامتين، ولم يذكره يحيى القطان في حديثه، عن جعفر، عن أبيه، والله تعالى أعلم.
1907 -
(حدثنا أحمد بن حنبل، نا يحيى بن سعيد، نا جعفر) بن محمد بن علي بن الحسين، (نا أبي) أي محمد بن علي بن الحسين، (عن جابر قال) أي جابر:(ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: قد نحرت ههنا) أي في منحره،
(1) في نسخهَ: "رسول الله".
(2)
وهذه الرواية وصلها ابن حبان في "الثقات"(5/ 410).
وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» ، وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَالَ:«قَدْ وَقَفْتُ هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» ، وَوَقَفَ بالْمُزْدَلِفَةِ (1) وقَالَ:«قَدْ وَقَفْتُ هَا هُنَا وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» . [م 1218، ن 3015، 3045، حم 3/ 321]
1908 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرٍ بِإِسْنَادِهِ (2) زَادَ:«فَانْحَرُوا فِى رِحَالِكُمْ» . [انظر تخريج الحديث السابق]
1909 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنْ جَابِرٍ، فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَأَدْرَجَ فِى الْحَدِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ:{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (3) قَالَ:
===
(ومنى كلها منحر)، فمن شاء أن ينحر فلينحر في أيها شاء (ووقف بعرفة فقال: قد وقفت ههنا) أي في موقفه صلى الله عليه وسلم (وعرفة كلها موقف)، فمن وقف فليقف في أيِّ موضع شاء منها، (ووقف بالمزدلفة وقال: قد وقفت ههنا) أي في موقفه (ومزدلفة كلها موقف)، فمن وقف فليقف في أيها شاء.
1908 -
(حدثنا مسدد، نا حفص بن غياث، عن جعفر) أي ابن محمد (بإسناده) أي المتقدم (زاد) أي حفص بن غياث: (فانحروا في رحالكم) أي لِيَنْحَر كل واحد منكم في رحله، فإن رحالهم كان في مني، حاصله أنه لا يلزم أن ينحر كل واحد منهم في منحر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يؤدي إلى الضيق والحرج والازدحام.
1909 -
(حدثنا يعقوب بن إبراهيم، نا يحيى بن سعيد القطان، عن جعفر) بن محمد المذكور، (حدثني أبي) أي محمد بن علي، (عن جابر، فذكر) أي يحيى بن سعيد القطان (هذا الحديث، وأدرج) أي يحيى القطان (في الحديث عند قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} قال) أي: جعفر بن
(1) في نسخة: "بمزدلفة".
(2)
زاد في نسخة: "نحوه".
(3)
سورة البقرة: الآية 129.
فَقَرَأَ فِيهِمَا بِالتَّوْحِيدِ وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} . وَقَالَ فِيهِ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِالْكُوفَةِ، قَالَ أَبِي: هَذَا الْحَرْفُ لَمْ يَذْكُرْهُ جَابِرٌ: فَذَهَبْتُ مُحَرِّشًا، وَذَكَرَ قِصَّةَ فَاطِمَةَ رضي الله عنها". [م 1218، ت 862، ن 2963، جه 3074، خزيمة 2754]
===
محمد: (فقرأ فيهما) أي في ركعتي الطواف (بالتوحيد) أي بسورة التوحيد وهي: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ، وقد صرَح بذلك الإِمام أحمد في "مسنده"؛ فإنه أخرج حديث يحيى القطان، عن جعفر، عن أبيه، قال أبو عبد الله - يعني جعفرًا -: فقرأ فيها بالتوحيد، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} .
(وقال) أي جعفر بن محمد: (فيه) أي في الحديث: (قال علي رضي الله عنه بالكوفة، قال أبي) أي محمد بن علي: (هذا الحرف) أي الذي يذكره وهو قوله: "فذهبت محرشًا"(لم يذكره جابر: فذهبت محرشًا، وذكر) أي جابر (قصة فاطمة رضي الله عنها) وهي التي تقدم ذكرها في الحديث الطويل.
قلت: ولكن ظاهر حديث حاتم بن إسماعيل الذي أخرجه مسلم وأبو داود مطولًا أن هذا القول من حديث جابر أيضًا، والله تعالى أعلم.
وقد فصل الإِمام أحمد وبيَّن في "مسنده"(1) في حديث يحيى القطان كلام جابر في قصة فاطمة رضي الله عنها، وكلام محمد بن علي الذي زاد فيه ولم يذكره جابر، فقال:"فإذا فاطمة رضي الله عنها قد حلَّت، ولبست ثيابًا صبيغًا، [واكتحلت]، فأنكر ذلك علي رضي الله عنه عليها، فقالت: أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم". وهذا كلام جابر في قصة فاطمة رضي الله عنها، ثم ذكر قال: قال علي بالكوفة - قال جعفر: قال أبي: هذا الحرف أي من قوله: قال علي بالكوفة، إلى آخره، لم يذكره جابر- فذهبت محرشًا أستفتي به النبي صلى الله عليه وسلم في الذي ذكرته فاطمةُ، قلت: إن فاطمة لبست ثيابها صبيغًا، واكتحلت، وقالت: أمرني به أبي، قال: صدقت، صدقت، صدقت، أنا أمرتها به"، انتهى كلام محمد بن علي.
(1)(3/ 320).