الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكَاحِ
2046 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عن الأَعْمَشِ،
===
فيؤتى بالفعل لا محالة، وهو تفسير وجوب العمل، ويعتقد على الإبهام على أن ما أراد الله تعالى بالصيغة من الوجوب القطعي أو الندب فهو حق؛ لأنه إن كان واجبًا عند الله فخرج عن العهدة بالفعل، فيأمن الضرر، وإن كان مندوبًا يحصل له الثواب، فكان القول بالوجوب على هذا الوجه أخذًا بالثقة والاحتياط واحترازًا عن الضرر بالقدر الممكن.
وما ذكره من دلائل الإباحة والحل فنحن نقول بموجبها: إن النكاح مباح وحلال في نفسه، لكنه واجب لغيره أو مندوب ومستحب لغيره من حيث إنه صيانة للنفس من الزنا ونحو ذلك على ما بيَّنَّا، ويجوز أن يكون الفعل الواحد حلالًا بجهة، واجبًا أو مندوبًا إليه بجهة، إذ لا تنافي عند اختلاف الجهتين، وأما قوله عز وجل:{وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} الآية، فاحتمل أن التخلي للنوافل كان أفضل من النكاح في شريعته، ثم نُسخ ذلك في شريعتنا بما ذكرنا من الدلائل، ملخص ما في "البدائع".
وقال في "الدر المختار"(1): ويكون واجبًا عند التوقان، فإن تيقن الزنا إلَّا به فرض، وهذا إن ملك المهر والنفقة وإلَّا فلا إثم بتركه، ويكون سنَّة مؤكدة في الأصح فيأثم بتركه، ويثاب إن نوى تحصينًا وولدًا حال الاعتدال، أي: القدرة على وطء ومهر ونفقة، ومكروهًا تحريمًا لخوف الجور، فإن تيقنه حرم ذلك.
(1)
(بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكَاحِ)
أي: الترغيب فيه والحث عليه
2046 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا جرير، عن الأعمش،
(1)(4/ 63 - 66).
عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ: إِنِّى لأَمْشِى مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ بِمِنًى إِذْ لَقِيَهُ عُثْمَانُ فَاسْتَخْلَاهُ، فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ لَيْسَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَالَ لِى: تَعَالَ يَا عَلْقَمَةُ، فَجِئْتُ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَلَا نُزَوِّجُكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَارِيَةً بِكْرًا، لَعَلَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ مَا كُنْتَ تَعْهَدُ؟
===
عن إبراهيم، عن علقمة قال: إني لأمشي مع عبد الله بن مسعود بمنى إذ لقيه) أي عبد الله (عثمان فاستخلاه) أي: طلب منه الخلوة.
وفي رواية البخاري (1): عن علقمة قال: كنت مع عبد الله فلقيه عثمان بمنى فقال: يا أبا عبد الرحمن إن لي إليك حاجة، فخليا، فقال عثمان: هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نُزَوِّجك بكرًا تُذَكِّرُك ما كنت تعهد؟ فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلى، فقال: يا علقمة، فانتهيتُ إليه وهو يقول: أَمَا لئن قلتَ ذلك! لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة"، الحديث.
(فلما رأى عبد الله أن ليست له) أي لعبد الله (حاجة) في النكاح (قال لي) أي عبد الله: (تعال يا علقمة).
قال الحافظ (2): هكذا عند الأكثر أن مراجعة عثمان لابن مسعود في أمر التزويج كانت قبل استدعائه لعلقمة، ووقع في رواية جرير عند مسلم وزيد ابن أبي أنيسة عند ابن حبان بالعكس، ولفظ جرير بعد قوله: فاستخلاه، فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة، قال لي: تعال يا علقمة.
قال: (فجئت، فقال له عثمان: ألا نزوجك يا أبا عبد الرحمن جارية بكرًا، لعله يرجع إليك من نفسك ما كنت تعهد؟ )، يعني من نشاطك وقوة شبابك، وقيل: لعل عثمان رأى به قَشَفًا ورثاثةَ هيئة، فحمل ذلك على فقده الزوجة التي ترفهه.
(1)"صحيح البخاري"(5065).
(2)
"فتح الباري"(9/ 107).
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ: "مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ". [خ 5065، م 1400، ت 1081، ن 3206، جه 1845، حم 1/ 424]
===
(فقال عبد الله (1): لئن قلت ذاك) إشارة إلى قوله: نزوِّجك (لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من استطاع منكم الباءة)، قال النووي (2): فيها أربع لغات: المشهور بالمد والهاء، والثانية بلا مد، والثالثة بالمد بلا هاء، والرابعة بلا مد، وأصلها لغةً الجماع، ثم قيل لعقد النكاح، وقال الجوهري: الباءة مثل الباعة لغة في الباه، ومنه سمي النكاح باءً وباهًا، لأن الرجل يتبوأ من أهله، أي: يستمكن منها كما يتبوأ من داره "عيني"(3).
(فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع منكم) أي الباءة (فعليه بالصوم فإنه) أي الصوم (له وجاء) بكسر الواو وبالمد، وهو رضُّ الخصيتين، قيل في قوله: عليه بالصوم إغراء الغائب، وهو من النوادر، ولا تكاد العرب تغري إلَّا الحاضر، يقول: عليك زيدًا، ولا يقول: عليه زيدًا.
قال النووي: اختلف العلماء في المراد بالباءة ها هنا على قولين يرجعان إلى (4) معنى واحد، أصحهما: أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع، فتقديره: من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنه، وهي مؤن النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنه فعليه بالصوم، ليقطع (5) شهوته ويقطع شر منيه كما يقطعه الوجاء، وعلى هذا القول وقع الخطاب مع الشباب الذين هم مظنة شهوة النساء ولا ينفكون عنها [غالبًا].
(1) والحديث في جميع رواياته من مسند ابن مسعود إلَّا عند النسائي فمن مسند عثمان. كذا في "تلخيص البذل". (ش).
(2)
"شرح صحيح مسلم"(5/ 188).
(3)
"عمدة القاري"(14/ 8).
(4)
في الأصل: "على" وهو تحريف.
(5)
كذا في الأصل، وفي "شرح صحيح مسلم": ليدفع.