المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(37) باب المحرم يتزوج - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٧

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(5) أَوَّلُ كتَابِ الْمَنَاسِكِ

- ‌(1) باب فرض الحجِّ

- ‌(2) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ

- ‌(3) بَابٌ: "لَا صَرُورَةَ

- ‌(4) (بَابُ التِّجَارَةِ في الْحَجِّ)

- ‌(5) بَابٌ

- ‌(6) بَابُ الْكَرِيِّ

- ‌(7) بَابٌ: في الصَّبِيِّ يَحُجّ

- ‌(8) بابٌ: في الْمَوَاقِيتِ

- ‌(9) بَابُ الْحَائِضِ تُهِلُّ بِالْحَجِّ

- ‌(10) بَابُ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ

- ‌(11) بَابُ التَّلْبِيدِ

- ‌(12) بَابٌ: في الْهَدْي

- ‌(13) بابٌ: في هَدْيِ الْبَقَرِ

- ‌(14) بَابٌ: في الإِشْعَارِ

- ‌(15) بَابُ تَبْدِيلِ الْهَدْيِ

- ‌(17) بَابٌ: في رُكُوبِ الْبُدْنِ

- ‌(19) بابٌ: كيْفَ تُنْحَرُ الْبُدْنُ

- ‌(20) بَابٌ: في وَقْتِ الإِحْرَامِ

- ‌(21) بَابُ الاشْتِرَاطِ في الْحَجِّ

- ‌(22) بَابٌ: في إِفْرَادِ الْحَجّ

- ‌(23) بَابٌ: في الإِقْرَانِ

- ‌(24) بَابُ الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ

- ‌(25) بَابٌ: كَيْفَ التَّلْبِيَةُ

- ‌(26) بابٌ: مَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ

- ‌(27) بَابٌ: مَتَى يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَة

- ‌(28) بَابُ الْمُحْرِمِ يُؤَدِّبُ غُلَامَه

- ‌(29) بَابُ الرَّجُلِ يُحْرِمُ في ثِيَابِهِ

- ‌(30) بَابُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ

- ‌(31) بَابُ الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاح

- ‌(32) بابٌ: في الْمُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا

- ‌(33) بَابٌ: في الْمُحْرِمِ يُظَلَّلُ

- ‌(34) بَابُ الْمُحْرِمِ يَحْتَجِمُ

- ‌(36) بَابُ الْمُحْرِمِ يَغْتَسِلُ

- ‌(37) بَابُ الْمُحْرِمِ يَتَزَوَّج

- ‌(38) بَابُ مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ

- ‌(39) بَابُ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِم

- ‌(40) بَابُ الْجَرَادِ للْمُحْرِم

- ‌(41) بَابٌ: في الْفِدْيَةِ

- ‌(42) بَابُ الإِحْصَارِ

- ‌(43) بَابُ دُخُول مَكَّة

- ‌(44) (بابٌ: في رَفْعِ الْيَدِ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ)

- ‌(45) بابٌ: في تَقْبِيلِ الْحَجَرِ

- ‌(46) بَابُ اسْتِلَامِ الأَرْكَانِ

- ‌(47) بَابُ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ

- ‌(48) بَابُ الاضْطِبِاع في الطَّوَاف

- ‌(49) بَابٌ: في الرَّمَلِ

- ‌(50) بَابُ الدُّعَاء في الطَّوَافِ

- ‌(51) بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ

- ‌(52) بَابُ طَوَافِ الْقَارِن

- ‌(53) بَاب الْمُلْتَزَمِ

- ‌(54) بَابُ أَمْرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

- ‌(56) بَابُ الْوقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌(57) بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى

- ‌(58) بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَة

- ‌(59) بَابُ الرَّوَاحِ إِلَى عَرَفَة

- ‌(60) (بابُ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ)

- ‌(61) بَابُ مَوْضِعِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌(63) بَابُ الصَّلَاة بِجَمْعٍ

- ‌(64) بَابُ التَّعْجِيلِ مِنْ جَمْعٍ

- ‌(65) بَابُ يَوْمِ الْحَجِّ الأَكْبَرِ

- ‌(66) بَابُ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ

- ‌(67) بَابُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَة

- ‌(68) بَابُ النُّزُولِ بِمِنًى

- ‌(69) بَابٌ: أَيُّ يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنًى

- ‌(70) بَابُ مَنْ قَالَ: خَطَبَ يَومَ النَّحْرِ

- ‌(71) بَابٌ: أَيُّ وَقْتٍ يُخْطَبُ يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌(72) بَابُ مَا يَذْكُرُ الإِمَامُ في خُطْبَتِهِ بِمِنًى

- ‌(73) بَابٌ: يَبِيتُ بِمَكَّة لَيَالِي مِنًى

- ‌(74) بَابُ الصَّلَاةِ بِمِنًى

- ‌(75) بَابُ الْقَصْرِ لأَهْلِ مَكَّة

- ‌(76) بَابٌ في رمْيِ الجِمَارِ

- ‌(77) بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِير

- ‌(78) بَابُ الْعُمْرَةِ

- ‌(79) (بَابُ الْمُهِلَّةِ بِالْعُمْرَةِ تَحِيضُ فَيُدْرِكُهَا الْحَجُّ فتنْقُضُ عُمْرَتَهَا وَتُهِلُّ بِالْحَجِّ، هَلْ تَقْضِي عُمْرَتَهَا

- ‌(80) بَابُ الْمَقَامِ في العُمْرَةِ

- ‌(81) بَابُ الإفَاضَةِ في الْحَجّ

- ‌(82) بَابُ الْوَدَاعِ

- ‌(83) بَابُ الْحَائِضِ تَخْرُجُ بَعْدَ الإِفَاضَةِ

- ‌(84) بَابُ طَوَافِ الْوَدَاع

- ‌(85) بَابُ التَّحْصِيبِ

- ‌(87) بابٌ: فِى مَكَّةَ

- ‌(88) (بَابُ تَحْرِيمِ مَكَّةَ)

- ‌(89) بابٌ فِى نَبِيذِ السِّقَايَةِ

- ‌(90) بَابُ الإِقَامَةِ بِمَكَّةَ

- ‌(91) بَابُ الصَّلَاةِ في الْكَعْبَةِ

- ‌(92) بابٌ: فِى مَالِ الْكَعْبَةِ

- ‌(93) بابٌ: فِى إِتْيَانِ الْمَدِينَةِ

- ‌(94) بَابٌ: في تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ

- ‌(95) بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ

- ‌(6) أَوَّلُ كِتَابِ النِّكَاحِ

- ‌(1) بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكَاحِ

- ‌(2) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ تَزْوِيجِ ذَاتِ الدِّينِ

- ‌(3) (بابٌ: في تَزْوِيجِ الأَبْكَارِ)

- ‌(4) (بابٌ: فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِى لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً})

- ‌(5) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا

- ‌(6) بَابٌ يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ

- ‌(7) بَابٌ: في لَبَنِ الْفَحْلِ

- ‌(8) بابٌ: فِى رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ

- ‌(9) بَابُ مَنْ حَرَّمَ بِهِ

- ‌(10) بَابٌ: هَلْ يُحَرِّمُ مَا دُون خَمْسِ رَضَعَاتٍ

- ‌(11) بَابٌ: في الرَّضْخِ عِنْدَ الْفِصَالِ

- ‌(12) بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ

- ‌(13) بَابٌ: في نِكَاحِ الْمُتعَةِ

- ‌(14) بابٌ: فِى الشِّغَارِ

- ‌(15) بَابٌ: في التَّحْلِيلِ

- ‌(16) بَابٌ: في نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ

- ‌(17) بابٌ: فِى كَرَاهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ

- ‌(18) بَابُ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا

- ‌(19) بَابٌ: في الْوَلِيِّ

- ‌(20) بَابٌ في الْعَضْلِ

- ‌(21) بَابٌ: إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ

- ‌(22) بابٌ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}

- ‌(23) بابٌ: فِى الاِسْتِئْمَارِ

- ‌(24) بَابٌ: في الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَلَا يَسْتَأمِرُهَا

- ‌(25) بابٌ: فِى الثَّيِّبِ

الفصل: ‌(37) باب المحرم يتزوج

بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ (1) ". [خ 1840، م 1205، ن 2665، ط 1/ 323، ق 5/ 63]

(37) بَابُ الْمُحْرِمِ يَتَزَوَّج

؟

1841 -

حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ أَخِى بَنِى عَبْدِ الدَّارِ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ

===

رأسه (بيديه، فأقبل بهما وأدبر) وفيه جواز تحريك شعر المحرم بيده إذا أمن تناثره (ثم قال) أبو أيوب: (هكذا رأيته) صلى الله عليه وسلم (يفعل) وزاد ابن عيينة: فرجعت إليهما فأخبرتهما، فقال المسور لابن عباس: لا أماريك أبدًا.

قال العيني (2): وقد اختلف العلماء في غسل المحرم رأسه، فذهب أبو حنيفة، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق إلى أنه لا بأس بذلك. وردت الرخصة بذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس وجابر وعليه الجمهور، وحجتهم حديث الباب، وكان مالك يكره ذلك للمحرم، وذكر أن عبد الله بن عمر كان لا يغسل رأسه إلا من احتلام.

ومطابقة الحديث بالباب بأنه لما جاز غسل الرأس وهو موضع الإشكال في هذه المسألة؛ لأنها محل الشعر الذي يخشى انتتافه، فغسل بقية البدن أولى بالجواز.

(37)

(بَابُ الْمُحْرِمِ) هل (يَتَزَوَّجُ؟ )

1841 -

(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن نبيه بن وهب أخي بني عبد الدار: أن عمر بن عبيد الله أرسل) إنسانًا (3) (إلى أبان بن

(1) زاد في نسخة: "صلى الله عليه وسلم".

(2)

"عمدة القاري"(7/ 532).

(3)

وهو نبيه الراوي، كما في رواية مسلم. (ش).

ص: 210

عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ يَسْأَلُهُ وَأَبَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْحَاجِّ وَهُمَا مُحْرِمَانِ: إِنِّى أَرَدْتُ أَنْ أُنْكِحَ طَلْحَةَ بْنَ عُمَرَ ابْنَةَ شَيْبَةَ بْنِ جُبَيْرٍ، فَأَرَدْتُ (1) أَنْ تَحْضُرَ ذَلِكَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبَانُ، وَقَالَ: إِنِّى سَمِعْتُ أَبِى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ» . [م 1409،

ت 840، جه 1966، حم 1/ 57، خزيمة 2649، قط 3/ 260، ق 5/ 65]

===

عثمان بن عفان يسأله) عن تزويج المحرم، (وأبان يومئذ أمير الحاج وهما) أي: عمر بن عبيد الله وأبان بن عثمان (محرمان: إني أردت أن أُنْكِحَ طلحةَ بن عمر ابنةَ شيبة بن جبير (2)، فأردت أن تحضر ذلك) فهل يجوز لنا ذلك؟ (فأنكر ذلك) أي التزويجَ في حالة الإحرام (عليه) أي على عمر بن عبيد الله (أبان، وقال) أبان: (إني سمعت أبي عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَنْكِح المحرم) بفتح الياء وكسرِ الكاف وتحريكِ الحاء بالكسر على الأصح من النسخ، من: نَكَحَ، أي لا يَتزوج لنفسه امرأة (ولا ينكح) بضم الياء وكسر الكاف مجزومًا، أي لا يزوِّج الرجلُ امرأةً إما بالولاية أو بالوكالة، من: أنكح.

(ولا يخطب) بضم الطاء من الخطبة بكسر الخاء، أي لا يطلب امرأة لنكاح، وروى الكلمات الثلاث بالنفي والنهي، وذكر الخطابي (3) أنها على صيغة النهي أصح على أن النفي بمعنى النهي أيضًا، بل أبلغ، والأولان للتحريم، والثالث للتنزيه عند الشافعي، فلا يصح نكاح المحرم ولا إنكاحه عنده، والكل للتنزيه عند أبي حنيفة رحمه الله، قاله القاري (4).

(1) في نسخة: "وأردت".

(2)

حكى النووي عن أبي داود أنه قال: وهم فيه مالك، والصواب ابنة شيبة بن عثمان كما في رواية مسلم وغيره، ثم حكى عن العياض: أنهما صحيحان؛ فإنها بنت شيبة بن جبير بن عثمان، نسبه بعضهم إلى جده. [انظر:"شرح النووي على صحيح مسلم"(5/ 211)]. (ش).

(3)

انظر: "معالم السنن"(2/ 182).

(4)

"مرقاة المفاتيح"(5/ 569).

ص: 211

1842 -

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ مَطَرٍ وَيَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ مِثْلَهُ. زَادَ:«وَلَا يَخْطُبُ» . [م 1409، ن 3275]

===

1842 -

(حدثنا قتيبة بن سعيد، أن محمد بن جعفر حدثهم، نا سعيد) بن أبي عروبة، (عن مطر ويعلي بن حكيم) الثقفي مولاهم، المكي، سكن البصرة، وكان صديقًا لأيوب، قال أحمد، وابن معين، وأبو زرعة، والنسائي: ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به، وقال يعقوب بن سفيان: مستقيم الحديث. وقال ابن خراش: كان صدوقًا، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن نافع، عن نبيه بن وهب، عن أبان بن عثمان، عن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر) قتيبة أو كل واحد من مطر ويعلى (مثله) أي مثل الحديث المتقدم.

(زاد) قتيبة أو كل واحد من مطر ويعلى: (ولا يخطب)(1)، وقد أخرج البيهقي (2) هذا الحديث من طريق القعنبي فيما قرأ على مالك، عن نافع بهذا السند، ولفظه:"لا يَنْكِح المحرم، ولا يُنْكِح، ولا يخطب".

وكذلك أخرج مسلم هذا الحديث في "صحيحه" من طريق يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع بهذه الزيادة، وفيه أيضًا:"ولا يخطب".

فسياق كلام أبي داود المؤلف يدل على أن رواية القعنبي، عن مالك، عن نافع ليس فيه لفظ:"ولا يخطب"، وسياق البيهقي يدل على أن في رواية القعنبي، عن مالك، عن نافع:"ولا يخطب"، ويؤيد البيهقي رواية مسلم؛ فإن في رواية يحيى بن يحيى عن مالك "ولا يخطب"، فليتأمل.

(1) لم يقل أحد ببطلان النكاح بالخطبة في حال الإحرام، كما في "الأوجز"(7/ 45). (ش).

(2)

"السنن الكبرى"(5/ 65).

ص: 212

1843 -

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الأَصَمِّ ابْنِ أَخِى مَيْمُونَةَ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ:"تَزَوَّجَنِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ". [م 1411، ت 845، دي 1824، جه 1964، حم 6/ 332]

===

1843 -

(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن حبيب بن الشهيد) الجزري، أبو أيوب الرقي، الفقيه، نشأ بالكوفة، ثم نزل الرقة، كان على خراج الجزيرة وقضائها لعمر بن عبد العزيز، ثقة فقيه وكان يرسل، (عن ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم ابنِ أخي ميمونة) كذا في جميع النسخ الموجودة عندنا، والصواب: ابن أخت ميمونة (عن ميمونة قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف).

واختلف العلماء في نكاح المُحْرِم، هل يجوز أو لا يجوز؟ فقال سعيد بن المسيب وسالم والقاسم وسليمان بن يسار والليث والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق: لا يجوز للمحرم أن يَنْكِحَ ولا يُنْكِحَ غيره، فإن فعل ذلك فالنكاح باطل، وهو قول عمر وعلي رضي الله عنهما.

وقال إبراهيم النخعي والثوري وعطاء بن أبي رباح والحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وعكرمة ومسروق وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد قالوا: لا بأس بالمحرم أن ينكح ولكنه لا يدخل بها حتى يحل، وهو قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما، وتحقيق هذه المسألة موقوف على نكاح ميمونة رضي الله عنها نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حلال أو نكحها وهو محرم؟ فرجح الفريقان ما يوافقهما.

واستدل الأولون بحديث أبي رافع (1): "تزوجها حلالًا، وكنت الرسولَ بينهما"، وقالوا: قول أبي رافع أرجح على قول ابن عباس: "تزوجها محرمًا" لعدة أوجه:

(1) أخرجه البيهقي في "الكبرى"(5/ 66).

ص: 213

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أحدها: أن أبا رافع إذ ذاك كان رجلًا بالغًا، وابن عباس لم يكن حينئذ ممن بلغ الحلم، بل كان له نحو العشرة سنين، فأبو رافع إذ ذاك كان أحفظ منه.

الثاني: أنه كان الرسولَ بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها، وعلى يده دار الحديث، فهو أعلم منه بلا شك.

الثالث: أن ابن عباس لم يكن معه في تلك العمرة، فإنها كانت عمرة القضية، وكان ابن عباس إذ ذاك من المستضعفين الذين أعذرهم الله من الولدان، وإنما سمع القصة من غير حضور لها.

الرابع: أنه صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة بدأ بالطواف بالبيت، ثم سعى بين الصفا والمروة وحلق ثم حل، ومن المعلوم أنه لم يتزوج بها، ولا بدأ بالتزوج قبل الطواف بالبيت، ولا تزوج في حال طوافه، هذا من المعلوم أنه لم يقع، فصحَّ قول أبي رافع.

الخامس: أن الصحابة رضي الله عنهم غلَّطوا ابنَ عباس، ولم يغلِّطوا أبا رافع.

السادس: أن قول أبي رافع موافق لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن نكاح المحرم، وقول ابن عباس يخالفه، وهو مستلزم لأحد أمرين إما نسخه، وإما تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بجواز النكاح محرمًا، وكلا الأمرين مخالف للأصل، ليس عليه دليل فلا يُقبَل.

السابع: أن ابن أختها يزيد بن الأصم شهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالًا، قال: وكانت خالتي وخالة ابن عباس، ذكرها ابن القيم في "الهدي"(1).

قلت: وكل واحد من وجوه الترجيح مردود.

(1)"زاد المعاد"(5/ 112، 113).

ص: 214

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

أما الأول: فلأن هذا القول في ترجيح حفظ أبي رافع على حفظ ابن عباس لم يقل به أحد من أهل العلم من الصحابة والتابعين، ولا يساعده رواية ولا دارية؛ فإن الحفظ أمر فطري لا دخل فيه لكبر العمر ولا لصغره، ألا ترى أن مرتبة البخاري في حفظه في الصغر، هل يدانيه أحد غيره في كبره؟ فما لابن عباس من العلم والفقه والحفظ والإتقان مع صغره لا يُدانيه أبو رافع، وإن كان في الصحة سواء.

ألا ترى أن عبد الرحمن بن عوف لما اعترض على عمر بن الخطاب بأنه كان يدنيه في مجلسه مع الأشياخ، وقال: وكيف تدنيه ولنا أبناء مثله؟ فأجاب: إنكم تعلمون ما مرتبته في العلم والفقه، ثم سألهم عن معنى قوله:{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فسكتوا، وأجاب ابن عباس بأن المراد أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حدث بهذا الحديث في حال كبره، ولم يعتريه شك وشبهة. فروى عنه أصحابه المتقنون إلى أن أخرجه الستة (1) في كتبهم، فكيف يرجح قول أبي رافع على قول ابن عباس؟ !

وأما الثاني: سلَّمنا أن أبا رافع كان الرسولَ بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها، وعلى يده دار حديث الخطبة والرسالة، ولكن لا نسلِّم أنه أعلم من ابن عباس؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع إلى مكة ليخطبها له، ففوَّضتْ أمرَها إلى أختها أم الفضل زوجةِ عباس بن عبد المطلب، وفَوَّضَتْ أمُّ الفضل أمرَها إلى زوجها عباس بن عبد المطلب، فلم يكن أبا رافع إلا أنه بلَّغ رسالة الخطبة، ولم يكن له دخل في النكاح، ولا نعلم في رواية أنه باشر النكاح، أو كان حاضرًا في مجلس النكاح، بل باشر النكاحَ عباسُ بن عبد المطلب رضي الله عنه، ولهذا نستدل بأن ابن عباس أعلم بحال النكاح؛ فإنه ابنه.

(1) أخرجه البخاري (4258)، ومسلم (1410)، وأبو داود (1844)، والترمذي (844)، والنسائي (2837)، وابن ماجه (1965)، وأحمد (1/ 221)، والدارمي (1829).

ص: 215

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وأما الثالث: فلا نسلم أن ابن عباس رضي الله عنه لم يكن معه صلى الله عليه وسلم في تلك العمرة، ولا رأيناه في رواية أنه لم يكن معه صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، ولو سُلِّم فإنه إنما سمع القصة مع غير حضور منه لها من العارفين بالقصة حتى تيقين به، وبلَّغها أصحابه المتقنين.

وأما الرابع: فإنه حقيق بأن يضحك عليه الصبيان، وقد ثبت في الروايات: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها في طريق مكة، حتى إنه وقع في حديث يزيد بن الأصم: أنه تزوجها بسرف. وقد أخرج النسائي في "مجتباه"(1) بسنده عن ابن عباس قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث وهو محرم، وفي حديث يعلى: بسرف.

قلت: ويعلى ثقة، فاتفق الفريقان على أن التزوج وقع في سرف فكيف يقال: صح قول أبي رافع يقينًا؟

وأما الخامس: فجوابه أنه غلط محض، لم يغلِّط أحد من الصحابة فيما بلغنا من روايات، ابنَ عباس إلَّا ما روي عن سعيد بن المسيب عند أبي داود وغيره، قال: وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو (2) محرم. ولو سلِّم فتغليط أحد من الصحابة حديثَ ابن عباس لا يساوي شيئًا، فكيف بتغليط سعيد بن المسيب؟ !

وأما السادس: فحديث النهي عن نكاح المحرم يحتمل أحد الأمرين: إما أن يكون النهي على التحريم، أو على التنزيه، فعلى الأولى نسلم أنه يوافقه، ولكن لا دليل عليه، وعلى الثاني فلا يوافقه، والدليل عليه قوله:"ولا يخطب" فإن الخطبة غير منهي عنه نهي التحريم على الاتفاق، وعلى الاحتمال لا يجوز الاحتجاج به.

وأما السابع: فسلَّمنا أن يزيد بن الأصم ابن أخت ميمونة روى: أن

(1)"سنن النسائي"(3271).

(2)

سيأتي عند المصنف برقم (1845).

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالًا، وكانت ميمونة خالته، ولكن قوله لا يساوي قولَ ابن عباس رضي الله عنه، وقد ردَّه عمرو بن دينار على ابن شهاب الزهري وجرَّحه، أخرج البيهقي في "سننه"(1) من طريق الحميدي، ثنا سفيان، ثنا عمرو بن دينار قال: قلت: لابن شهاب: أخبرني أبو الشعثاء، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح وهو محرم، فقال ابن شهاب: أخبرني يزيد بن الأصم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو حلال، وهي خالته، قال: فقلت لابن شهاب: أتجعل أعرابيًا بوالًا على عقبيه إلى ابن عباس رضي الله عنه وهي خالة (2) ابن عباس أيضًا.

قال الزيلعي: ورجَّح بعضهم بدليل غير الذي قدمنا، وقال: وهو أقواها، هو أنه قد روت ميمونة وهي صاحبة القصة أنها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حلال، وفي رواية: تزوجني ونحن حلالان بسرف.

فالجواب عنه أولًا: أن ميمونة رضي الله عنها لم تقل لنا بنفسها الشريفة، بل رواها عنها يزيد بن الأصم، وقد تقدم الجواب عنه.

وثانيًا: أن ميمونة رضي الله عنها لم تعقد نكاحها بنفسها، بل فوَّضت أمرَها إلى العباس بن عبد المطلب فأنكحها، ولم تحضرها ميمونة، فكيف يقال بأنها صاحبة القصة، وهي أعلم من الجميع بها؟ فلا تكون روايتها مرجحة، بل معنى قولها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف، أي: بنى بي.

وأما وجوه ترجيح حديث ابن عباس على حديث أبي رافع ويزيد بن الأصم فكثيرة، منها: أن ابن عباس في مرتبة من العلم والفقه والإتقان والحفظ

(1)"السنن الكبرى"(5/ 66).

(2)

كما بسط في "تلخيص البذل"، بل ابن عباس أقرب في ذلك؛ لأنه كما هو ابن أختها كذلك ابن عمه صلى الله عليه وسلم، وصاحب قرابة الزوجين أعرف بالقصة، كذا في "حاشية مسند الإِمام أبي حنيفة". [انظر:"تنسيق النظام"(ص 115 - 117)]. (ش).

ص: 217

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

لا يدانيه فيها أحد، وقد حكى الزيلعي في "نصب الراية"(1) عن ابن حبان، فقال: قال ابن حبان: وليس في [هذه] الأخبار تعارض، ولا أن ابن عباس وهم؛ لأنه أحفظ وأعلم من غيره، انتهى.

والثاني: أن حديث ابن عباس اتفق عليه الستة بل أجمع المحدثون على تخريجه وتصحيحه، وحديث يزيد لم يخرجه البخاري ولا النسائي، وكذا حديث أبي رافع لم يخرج في واحد من الصحيحين، ولم يبلغ درجة الصحة، ولذا قال الترمذي فيه: ولا نعلم أحدًا أسنده غير حماد عن مطر.

والثالث: أن حديث أبي رافع مختلف في إسناده وانقطاعه، وقد أشار إليه الترمذي في "صحيحه" فقال: ولا نعلم أحدًا أسنده غير حماد بن زيد، عن مطر الوراق، عن ربيعة. وروى مالك بن أنس، عن ربيعة، عن سليمان بن يسار: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال، رواه مالك مرسلًا. ورواه أيضًا سليمان بن بلال، عن ربيعة مرسلًا.

وكذلك اختُلِفَ في حديث يزيد بن الأصم، فروى بعضهم عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة قالت:"تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حلال"، وروى بعضهم عن يزيد بن الأصم:"أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال" مرسلًا، ولم يذكر عن ميمونة، انتهى.

ثم قال الترمذي (2) في آخر الباب بعد أن أخرج حديث يزيد بن الأصم بسنده عن ميمونة: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو حلال، وبنى بها حلالًا، وماتت بسرف، ودفنَّاها في الظُّلَّة التي بني بها فيها": قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وروى غير واحد هذا الحديث عن يزيد بن الأصم مرسلًا:"أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال".

(1)"نصب الراية"(3/ 173).

(2)

"سنن الترمذي"(3/ 203).

ص: 218

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

الرابع: أنه يؤيده حديث عائشة وأبي هريرة، فأما حديث عائشة فأخرجه الطحاوي (1): حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يعلي بن أسد، قال: ثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت:"تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض نسائه وهو محرم".

وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه الطحاوي أيضًا: حدثنا سليمان بن شعيب قال: ثنا خالد بن عبد الرحمن قال: ثنا كامل أبو العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال:"تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم".

وفي الحديثين وإن لم تسم ميمونة رضي الله عنها ولكنها متعينة، فإنها لم يثبت أنه عليه السلام نكح غيرها محرمًا.

ثم أقول: إن الدارقطني أخرج من طريق ضعيف عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم فسماها فيها، قاله الزيلعي (2).

ثم قال: قال السهيلي (3) في "الروض الأنف" بعد ذكر حديث عائشة: إنما أرادت نكاح ميمونة ولكنها لم تسمها.

وقال الشوكاني (4): قوله: "تزوج ميمونة وهو محرم"؛ أجيب عن هذا بأنه مخالف لرواية أكثر الصحابة ولم يروه كذلك إلَّا ابن عباس كما قال عياض، ولكنه متعقَّب بأنه قد صح من رواية عائشة وأبي هريرة نحوه، كما صرح بذلك في "الفتح".

والخامس: أن حديث ابن عباس مؤيِّد بالقياس، فإنه لو اشترى جارية للوطء، أو باشر عقدًا من العقود الدنيوية يجوز بالاتفاق، فالنكاح أيضًا عقد من العقود الدنيوية والدينية فيجوز مباشرتها أيضًا.

(1)"شرح معاني الآثار"(2/ 269، 270).

(2)

انظر: "نصب الراية"(3/ 171).

(3)

في الأصل: "سهيل"، وهو خطأ.

(4)

"نيل الأوطار"(3/ 358).

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والسادس: أن حديث ابن عباس محكم في معناه لا يحتمل تأويلًا قريبًا، وأما حديث أبي رافع ويزيد بن الاْصم فمحتملان؛ لأن فيه تأويلات قريبة، فأما ما أولوا في حديث ابن عباس بأن معنى قوله:"وهو محرم" داخل في الحرم، فيبطله لفظ البخاري:"أنه عليه السلام تزوجها وهو محرم، وبنى بها وهو حلال"، فالتقابل الذي وقع بين قوله:"تزوجها وهو محرم، وبنى بها وهو حلال" يدفع هذا التأويل.

وأما الإشهاد بقول الشاعر:

قتلوا ابن عفان الخليفة محرمًا

ردَّه الأصمعي. قال الأصمعي (1) في جواب الرشيد: كل من لم يأت شيئًا يوجب عليه عقوبة فهو محرم، لا يحل منه شيء، وتأويلهم في لفظ التزوج بمعنى ظهر أمر تزويجه وهو محرم، فهو أيضًا غير صحيح، أما أولًا فإنه لم يظهر أمر تزوجه إياها في حالة الإحرام، بل تقولون أنتم لم يروه إلَّا ابن عباس، وحمله سعيد بن المسيب على وهم ابن عباس، فكيف يقال: إنه ظهر أمر التزوج في حالة الإحرام.

وثانيًا: أنه لم يثبت تزوجه إياها قبل الإحرام، فإن إحرامه صلى الله عليه وسلم كان بذي

الحليفة، فهذه التأويلات كلها باطلة.

وأما التأويلات التي قالوا في حديث أبي رافع ويزيد بن الأصم كلها تأويلات قريبة، فإنه يؤول أولًا بأنه ظهر أمر تزوجها وهو حلال، وثانيًا: يقال: معنى التزوج البناء، أي بني بها وهو حلال، وثالثًا: أن تزوجها بمعنى خطبها، كما يدل عليه ما أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (2): أخبرنا يزيد بن هارون، عن عمرو بن ميمون بن مهران: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي: أن سل يزيدَ بنَ الأصم أحَرامًا

(1) انظر: "نصب الراية"(3/ 172).

(2)

"الطبقات الكبرى"(8/ 133).

ص: 220

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تزوج ميمونة أم حلالًا؟ فدعاه أبي فأقرأه الكتاب فقال: خطبها وهو حلال، وبنى بها وهو حلال، وأنا أسمع يزيدَ يقول ذلك.

والسابع: أن حديث ابن عباس مثبت لأمر زائد على أصل الحال، وحديث أبي رافع ويزيد بن الأصم نافٍ لها؛ فإن ابن عباس يثبت النكاح في حالة الإحرام (1)، وهو أمر زائد على الحالة الأصلية، وأما أبو رافع ويزيد بن الأصم فمثبتان النكاح في الحالة الأصلية، وينفيان هذه الحالة، وهذا مختص بمن قال: إن النكاح وقع قبل الإحرام.

قلت: وتنقيح البحث في المسألة موقوف على أن نكاح ميمونة رضي الله عنها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أين وقع؟ واختلفت الروايات فيه، فأخرج ابن سعد (2): أخبرنا محمد بن عمر، حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه قال:"تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال وهو حلال عام القضية، وأعرس بها بِسَرِف، وتوفيت بسرف".

قال الحافظ في "الإصابة"(3): وذكر ابن سعد بسند له: أنه تزوجها في شوال سنة سبع، فإن ثبت صح أنه تزوجها وهو حلال؛ لأنه إنما أحرم في ذي القعدة منها.

قلت: فصحَّته غير متيقن عند الحافظ، وإن سُلِّم فيمكن أن يحمل على معنى أنه أراد تزوجها في شوال، وأرسل أبا رافع والأنصاري لخطبتها وهو الأقرب، فروى مالك (4) عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن سليمان بن

(1) كما قاله ابن الهمام (3/ 225) وعلى هذا لا يرد أن أهل الأصول من الحنفية كصاحب "نور الأنوار"(ص 73) في بحث تعارض الحديثين، و"النامي على الحسامي" وغيرهما أقرّوا بأن حديث ابن عباس نافٍ. (ش).

(2)

"الطبقات الكبرى"(8/ 133).

(3)

"الإصابة"(4/ 398).

(4)

"الموطأ" برقم (1/ 348).

ص: 221

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

يسار: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلًا من الأنصار فزوَّجاه ميمونةَ بنت الحارث، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل أن يخرج"، وهذا مرسل، ومع ذلك يرده ما ثبت أنه فوَّض أمرها إلى العباس وأنكحها.

فقد قال في "المعتصر (1) من المختصر لمشكل الآثار للطحاوي": فإن قيل: أفيخفى عن ميمونة وقت تزويجها؟ قيل له: نعم، لما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل أمرها إلى العباس، فزوجها إياه، فيحتمل أنه ذهب عنها (2) الوقت الذي عقد عليها عندما فوضتْ إلى العباس أمرَها، فلم تشعر إلَّا في الوقت الذي بني بها فيه، وعلمه ابن عباس لحضوره وغيبتها عنه.

ويرده أيضًا ما رواه أبو داود بسنده عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة قالت:"تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف"، فعلى هذا معنى قوله:"فزوَّجاه ميمونة"، أي: فبلغاه رضا ميمونة بتزوجها به بالمدينة.

وقال الزرقاني (3) في شرح هذا الحديث: فظاهر قوله: "فزوجاه" أنه وكَّلَهما في قَبول النكاح له، لكن روى أحمد والنسائي عن ابن عباس:"لما خطبها النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أمرها إلى العباس، فأنكحها النبي صلى الله عليه وسلم"، فظاهره أنه قبل النكاح بنفسه، ويقوِّيه رواية ابن سعد عن سعيد بن المسيب:"أنه صلى الله عليه وسلم قدم وهو محرم، فلما حل تزوجها"، فيحمل قوله:"فزوَّجاه" على معنى "خطبا له" فقط مجازًا.

ومنها: أنه تزوجها بسرف، وهو موضع على عشرة أميال من مكة قرب وادي فاطمة، وهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أنه تزوجها جائيًا إلى مكة، أو تزوجها راجعًا من مكة إلى المدينة، فإن كان الأول فعلى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان محرمًا قطعًا، وإن كان الثاني فكان حلالًا قطعًا.

(1)"المعتصر"(1/ 287).

(2)

في الأصل: "عنه"، وهو تحريف.

(3)

"شرح الزرقاني"(2/ 272).

ص: 222

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

ويؤيد الأول ما روى الطحاوي (1) من طريق ابن إسحاق قال: ثنا أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد وعطاء، عن ابن عباس:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث وهو حرام، فأقام بمكة ثلاثًا، فأتاه حويطب بن عبد العزى في نفر من قريش في اليوم الثالث، فقالوا: إنه قد انقضى أجلك، فأخرج عنا، فقال: وما عليكم لو تركتموني فعرَّست بين أظهركم، فصنعنا لكم طعامًا فحضرتموه، فقالوا: لا حاجة لنا إلى طعامك، فأخرج عنا، فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلم وخرج بميمونة، حتى عرَّس بها بسرف".

فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان تزوجها قبل ذلك في طريق مكة حتى أراد أن يصنع الوليمة بمكة، ويضيف أهل مكة فيها، ويؤيده ما في "سيرة ابن هشام" (2): قال ابن إسحاق: وحدثني أبان بن صالح وعبد الله بن أبي نجيح، عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد أبي الحجاج، عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام، وكان الذي زوَّجه إياها العباسُ بنُ عبد المطلب.

ومنها: أنه تزوجها في مكة وهو حلال، وهو قول ابن حبان حكاه الزيلعي (3)، قال: قال ابن حبان: ولكن عندي أن معنى قوله: "تزوج وهو محرم" أي داخل في الحرم، كما يقال: أنجد، وأتهم: إذا دخل نجدًا وتهامة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم على الخروج إلى مكة في عمرة القضاء، فبعث من المدينة أبا رافع ورجلًا من الأنصار إلى مكة لمخطبا ميمونةَ له، ثم خرج، وأحرم، فلما دخل مكة طاف وسعى، وحل من عمرته، وتزوج بها، وأقام بمكة ثلاثًا، ثم سأله أهل مكة الخروجَ، فخرج حتى بلغ سرف، فبنى بها وهما حلالان.

(1)"شرح معاني الآثار"(2/ 269).

(2)

"سيرة ابن هشام"(4/ 19، ط بيروت).

(3)

انظر: "نصب الراية"(3/ 173).

ص: 223

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقد أخرج ابن سعد في "طبقاته"(1): أخبرنا محمد بن عمر والفضل بن دكين قالا: حدثنا هشام بن سعد، عن عطاء الخراساني قال: قلت لابن المسيب: "إن عكرمة يزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم، فقال: كذب مخبثًا (2)، اذهب إليه فسبَّه، سأحدثك، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم، فلما حل تزوجها".

قلت: ظاهره يدل على أنه بعد الإحلال تزوجها بمكة، وقول سعيد هذا وكذا قول ابن حبان لا يُحَتج به.

ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوَّجها بسرف بعد أن رجع من مكة، أخرجه الطحاوي (3): حدثنا ربيع المؤذن وربيع الجيزي قالا: ثنا أسد. ح: وحدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون بن مهران، عن يزيد بن الأصم، عن ميمونة بنت الحارث قالت:"تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرف، ونحن حلالان، بعد أن رجع من مكة"، ولم يقل ابن خزيمة: بعد أن رجع من مكة.

وقد أخرج هذا الحديث أبو داود من طريق موسى بن إسماعيل، نا حماد، بهذا السند، عن ميمونة قالت:"تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن حلالان بسرف". ولم يذكر لفظ: بعد أن رجع من مكة.

وهذا القول اختُلِف فيه، فذكره بعضهم، ولم يذكره بعضهم، ومع هذا لو سلِّم فمعنى قولها:"تزوجني" أي: بني بي؛ فإن ميمونة رضي الله عنها لم تحضر عقد النكاح، لأنَّها لم تباشره، بل باشره وكيلُها عباسُ بنُ عبد المطلب، فلم تعلم بذلك.

(1)"الطبقات الكبرى"(8/ 135).

(2)

كذا في الأصل وهو خطأ، والصواب: مخبَثانُ. انظر: "الطبقات الكبرى"(8/ 135)، والمخبثان: الخبيث. انظر: "النهاية" لابن الأثير (ص 252).

(3)

"شرح معاني الآثار"(2/ 270).

ص: 224

1844 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:"أَنَّ النَّبِىَّ (1) صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ". [خ 4258، م 1410]

===

فثبت بما قدمنا أن الثابت بالروايات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها بسرف عند مجيئه من المدينة لعمرة القضاء، وكان عباس عند ذلك بمكة، فلما سمع بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم للعمرة أستقبله ولقيه بسرف، فهناك زوَّج ميمونةَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، فاعتمر، وأقام بها ثلاثًا، ثم خرج منها مع زوجته ميمونة.

والحاصل: أن جميع ما تقدم من الروايات والاستدلالات تُرَجِّح قولَ الحنفيةِ وغيرِهم بجواز نكاح المحرم في حالة الإحرام، ومبناه ترجيح رواية ابن عباس على الروايات المخالفة لها، كما تقدم مفصلًا، على أنه في هذا الوجه جمعٌ بين جميع الروايات، وإعمالٌ بكل واحد منها.

وأما على قول المانعين، فلا بد فيها من إبطالِ بعض الأحاديث الصحيحة وتضعيفها، ونسبةِ الغلط إلى ابن عباس رضي الله عنهما، كما صدر عن سعيد بن المسيب، وهي جرأة عظيمة لا يقبلها قلب منصف، خصوصًا على قاعدة المحدثين.

1844 -

(حدثنا مسدد، نا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم)، وقد أخرج النسائي (2) هذا الحديث من طريق سعيد، عن قتادة ويعلي بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس:"تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث وهو محرم"، وفي حديث يعلى: بسرف.

قلت: ويعلى ثقة، وقد روى عن ابن عباس أصحابه الثقات الحفاظ

(1) في نسخة: "رسول الله".

(2)

"سنن النسائي"(3271).

ص: 225