الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) بابٌ: في الْمَوَاقِيتِ
1737 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ (1)، عن مَالِكٍ. (ح): وَحَدَّثنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا مَالِكٌ، عن نَافِعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "وَقَّتَ
===
من المأمورات أو ارتكب شيئًا من المحظورات لا يجب عليه شيء من القضاء والكفارات، ويقوي ما ذكرناه في اختلاف المسائل.
واختلفوا في حج الصبي، قال أبو حنيفة: لا يصح منه، قال يحيى بن محمد: معنى قول أبي حنيفة: "لا يصح منه" على ما ذكره أصحابه: أنه لا يصح صحة يعلق بها وجوب الكفارات عليه إذا فعل محظورات الإحرام زيادة في الرفق، لا أنه يخرجه من ثواب الحج، انتهى.
(8)
(بابٌ: في الْمَوَاقِيتِ)(2)
قال الحافظ: وأصل التوقيت أن يُجْعَلَ للشيء وقت يختص به - وهو بيان مقدار المدة - ثم اتسع فيه فأطلق على المكان أيضًا. قال ابن الأثير: التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به، وهو بيان مقدار المدة يقال: وَقَّت الشيءَ - بالتشديد- يوقته، وَوَقَتَه- بالتخفيف- يَقِته: إذا بَيَّن مدته، ثم اتسع فيه فقيل للموضع: ميقات. وقال ابن دقيق العيد: إن التأقيت في اللغة تعليق الحكم بالوقت، ثم استعمل للتحديد والتعيين، قاله الشوكاني في "النيل"(3)، فالمراد بالمواقيت المواضع التي عَيَّنَها رسول الله صلى الله عليه وسلم للحاج والمعتمر الآفاقيين.
1737 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، ح: وحدثنا أحمد بن يونس، نا مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال: وَقّت) أي جعل
(1) في نسخة: "عبد الله بن مسلمة القعنبي".
(2)
حكى صاحب "الإقناع"(1/ 220) عن الإِمام أحمد أن التوقيت شُرعَ عامَ حجةِ الوداع، فتأمل.
(3)
"نيل الأوطار"(3/ 295)، وانظر:"الفتح"(3/ 385).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ،
===
ميقاتًا (1) للإحرام (رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة)(2) بالتصغير والفاء: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، وبهذا المكان آبار تسميها العوام آبار علي، قيل: لأنه رضي الله عنه قاتل الجن في بعض تلك الآبار، وهو كذب من قائله، وذو الحليفة أيضًا موضع آخر، وهو الذي وقع في حديث (3) رافع بن خديج قال:"كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة، فأصبنا نهب غنم" فهو موضع بين حاذة وذات عرق من أرض تهامة، وليس بالذي قرب المدينة.
(ولأهل الشام الجحفة) بالضم، ثم السكون، والفاء: كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل، وهي ميقات أهل مصر والشام، وكان اسمها مَهْيَعَة، وإنما سميت الجحفة لأن السيل اجتحفها، وحمل أهلها في بعض الأعوام، وهي الآن خراب، وبينها وبين ساحل الجار نحو ثلاث مراحل، وبينها وبين أقرن- موضع من البحر- ستة أميال، وبينها وبين المدينة ست مراحل، وبينها وبين غدير خم ميلان، كذا في "معجم البلدان"(4).
وقال في "لباب المناسك" و"شرحه"(5): الجُحفة بضم الجيم وسكون الحاء، وهي بالقرب من رباغ، وهو الموضع الذي يحرم الناس منه على يسار الذاهب إلى مكة، فمن أحرم من رباغ فقد أحرم قبلها أي قبل الجحفة؛ لأنها متأخرة عنه، وقيل: الأحوط أن يحرم من رباغ أو قبله لعدم التيقن بمكان
(1) قال العيني: اختلفوا: هل الأفضل التزام الحج ها هنا، كما قال به مالك وأحمد وإسحاق، أو هو رخصة؟ كما قال به الثوري والشافعي وأبو حنيفة؛ لما أن الصحابة أحرموا من قبل، ثم بسط أسماءهم ("عمدة القاري" 7/ 30). (ش).
(2)
وهي أبعد المنازل لتعظيم أجور أهل المدينة، أو لأنهم أحق بتعظيم البيت لأنهم في مهبط الوحي، أو لأنهم في أقرب الآفاق.
(3)
انظر: "مسند أحمد"(4/ 140).
(4)
"معجم البلدان"(2/ 111).
(5)
"شرح القاري على لباب المناسك"(ص 79).
وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا (1)، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ وَقَّتَ لأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ". [خ 1525، م 1182، ت 831، ن 2651، جه 2914، حم 2/ 3، دي 1790]
1738 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، نَا حَمَّادٌ، عن عمَرٍو، عن طَاوُس، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، وعن ابْنِ طَاوسٍ
===
الجحفة؛ ذلك لأنها كانت على اثنين وثلاثين ميلًا من مكة، وكانت تسمى مهيعة، فنزل بنو عبيد (2) وهم إخوة عاد، وكان أخرجهم العماليق من يثرب، فجاءهم سيل فاجتحفهم الجحاف، فسميت الجحفة.
(ولأهل نجد قرنًا) قال في "اللباب" و"شرحه": ولأهل نجدِ اليمن، ونجدِ الحجاز، ونجدِ تهامة: قرن، بفتح، فسكون، وهي قرية عند الطائف واسم الوادي كله، وغلط الجوهري في تحريكه وفي نسبة أويس القرني إليه؛ لأنه منسوب إلى قرن بن رومان بن ناجية بن مراد أحد أجداده.
(وبلغني) أي ما سمعت منه صلى الله عليه وسلم بغير واسطة، بل سمعت بالواسطة (أنه) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقت لأهل اليمن يلملم) ويقال: أَلَمْلَم موضع على ليلتين من مكة، وفيه مسجد معاذ بن جبل، كذا في "معجم البلدان"(3).
1738 -
(حدثنا سليمان بن حرب، نا حماد، عن عمرو) بن دينار، وفي رواية البخاري (4) مصرح أنه عمرو بن دينار، قال البخاري: حدثنا مسدد، ثنا حماد، عن عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس قال:"وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة" الحديث، وكذا في النسخة المصرية: عن عمرو بن دينار، فما كتب في حاشية المكتوبة والمجتبائية والقادرية: عمرو بن يسار؛ تصحيف.
(عن طاوس، عن ابن عباس، وعن ابن طاوس) عطف على قوله:
(1) في نسخة: "القرن".
(2)
كذا في الأصل، وفي "شرح القاري":"بنو عبيل".
(3)
"معجم البلدان"(5/ 441)،
(4)
"صحيح البخاري"(1526).
عن أَبِيهِ، قَالَا: "وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، بِمَعْنَاهُ؛ وَقَالَ أَحَدُهُمَا: وَلأَهْلِ اليَمَنِ يَلَمْلَمَ، وَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَلَمْلَمَ،
===
"عمرو"، يعني: حدث حماد عن عمرو بن دينار، وعن عبد الله بن طاوس، فروى عمرو بن دينار عن طاوس، عن ابن عباس، وكذلك روى عبد الله بن طاوس (عن أبيه) طاوسٍ مرسلًا، لم يذكر ابنَ عباس.
وقد أخرج الدارقطني هذا الحديث بسنديه في "سننه"(1): حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، نا خلف بن هشام، نا حماد بن زيد، عن عمرو، عن طاوس، عن ابن عباس، وعبد الله بن طاوس، عن أبيه، رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم:"أنه وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة"، الحديث، ثم قال: تابعه سليمان بن حرب وغير واحد، وخالفهم يحيى بن حسان، فأسنده عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس.
حاصله: أن حديث حماد هذا له طريقان، أحدهما: عن عمرو بن دينار، وهو مسند، وثانيهما: عن عبد الله بن طاوس، وهو مرسل، أرسله خلف بن هشام، عن حماد بن زيد، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، ولم يذكر ابن عباس، وتابعه على إرساله سليمانُ بن حرب (2) كما هو عند أبي داود، وغيرُ واحدٍ، وخالفهم يحيى بن حسان فأسنده.
(قالا) أي عمرو وعبد الله بسندهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه) أي بمعنى الحديث المتقدم، (وقال أحدهما: ولأهل اليمن يلملم، وقال أحدهما: أَلَمْلَم) والظاهر أنه من قول حماد، ولم يحفظ حماد قول أحدهما من الآخر بأن أيهما قال: يلملم، وأيهما قال: ألملم.
(1)"سنن الدارقطني"(2/ 237، 238).
(2)
في الأصل: "سليمان بن داود"، وهو تحريف.
قَالَ: "فَهُنَّ لَهُمْ وَلمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ (1)، مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ
===
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية النسائي:"وقال"، عطف على "وقّت"، (فهن) أي المواقيت المذكورة (لهم) أي للمذكورين، وفي رواية النسائي:"لهن"، أي المواقيت للجماعات المذكورة، أو لأهلهن على حذف المضاف (2)(ولمن أتى عليهن من غير أهلهن) أي من غير أهل تلك المواقيت.
قال الحافظ (3): ويدخل في ذلك من دخل بلدًا ذات ميقات ومن لم يدخل، فالذي لا يدخل لا إشكال فيه إذا لم يكن له ميقات معين، والذي يدخل فيه خلاف، كالشامي إذا أراد الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها، ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي، فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور.
وأطلق النووي الاتفاق [ونفى الخلاف] في "شرحيه" لـ "مسلم" و"المهذب" في هذه المسألة، فلعله أراد في مذهب الشافعي، وإلَّا فالمعروف عند المالكية أن للشامي مثلًا إذا جاوز ذا الحليفة بغير إحرام إلى ميقاته الأصلي -وهو الجحفة- جاز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه، وبه قالت الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية، انتهى.
وأما مذهب الحنفية في ذلك ما في "البدائع"(4): من جاوز ميقاتًا من هذه المواقيت من غير إحرام إلى ميقات آخر جاز، إلَّا أن المستحب أن يُحْرِمَ من الميقات الأول، كذا روي عن أبي حنيفة أنه قال في غير أهل المدينة: إذا مروا على المدينة فجاوزوها إلى الجحفة فلا بأس بذلك، وأحب إليَّ
(1) في نسخة: "عليهم".
(2)
وفيه دليل للجمهور أن أهل المواقيت حكمهم حكم الآفاقي خلافًا للطحاوي (2/ 262)، إذ قال: حكمهم حكم المكيين، والعجب من القاري إذ قال: لم يذكر في الحديث حكم أهل المواقيت [انظر: "مرقاة المفاتيح" 5/ 270]. (ش).
(3)
"فتح الباري"(3/ 386).
(4)
"بدائع الصنائع"(2/ 372).
مِمَّنَ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ،
===
أن يحرموا من ذي الحليفة؛ لأنهم لما وصلوا إلى الميقات الأول لزمهم محافظة حرمته فيكره لهم تركها، انتهى.
(ممن كان يريد الحج والعمرة) قال الشوكاني (1): وقد اختُلِفَ في جواز المجاوزة لغير عذر، فمنعه الجمهور، وقالوا: لا يجوز إلَّا بإحرام، من غير فرق بين من دخل لأحد النسكين أو لغيرهما، ومن فعل أثم، ولزمه دَمٌ. وروي عن ابن عمر رضي الله عنه، والناصرِ- وهو الأخير من قولي الشافعي، واحد قولي ابن عباس (2) -: أنه لا يجب الإحرام إلَّا على من دخل لأحد النسكين، لا على من أراد مجرد الدخول، انتهى.
استدل الأولون بحديث رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(3)، والطبراني في "معجمه"، واللفظ لابن أبي شيبة: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجاوز الوقت إلَّا بإحرام".
وروى الشافعي في "مسنده": أخبرنا ابن عيينة عن عمرو، عن أبي الشعثاء أنه رأى ابن عباس يرد من جاوز الميقات غير محرم. ومن طريق الشافعي رواه البيهقي في "المعرفة"(4).
ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا وكيع، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس، فذكره، حدثنا ابن عُلَيَّة، عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن جابر، نحوه، وكان جابر هذا أبو الشعثاء.
(1)"نيل الأوطار"(3/ 302).
(2)
كذا في الأصل، وفي "النيل": أبي العباس.
(3)
"مصنف ابن أبي شيبة"(رقم 13517)، و"المعجم الكبير"(11/ 436)(رقم 12236).
(4)
"معرفة السنن والآثار"(9438).
وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ". قَالَ ابْنُ طَاوسٍ: مِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ، قَالَ: وَكَذَلِكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا". [خ 1526، م 1181، ن 2654]
===
وروى إسحاق بن راهويه في "مسنده": أخبرنا فضيل بن عياض، عن ليث بن أبي سليم، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إذا جاوز الوقت فلم يحرم حتى دخل مكة رجع إلى الوقت فأحرم، فإن خشي إن رجع إلى الوقت فإنه يحرم ويهريق لذلك دمًا.
فهذه المنطوقات أولى من المفهوم المخالف في قوله: "ممن أراد الحج والعمرة" إن ثبت أنه من كلامه عليه السلام دون كلام الراوي.
وما في مسلم والنسائي (1)"أنه عليه الصلاة والسلام دخل يوم الفتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام" كان مختصًا بتلك الساعة، بدليل قوله (2) عليه السلام في ذلك اليوم:"مكة حرام لم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي، وإنما حلت لي ساعة من نهار، ثم عادت حرامًا"، يعني الدخول بغير إحرام.
(ومن كان دون ذلك) أي داخل المواقيت (قال ابن طاوس) فيه إشارة إلى أن لفظ سياق عمرو بن دينار يغاير لفظ ابن طاوس (من حيث أنشأ)(3) أي ميل من حيث أنشأ وابتدأ سفره.
(قال) ابن طاوس: (وكذلك) أي كل من كان داخل الميقات وداخل الحرم يفعل ذلك (حتى أهل مكة يهلون منها).
(1)"صحيح مسلم"(1358)، و"سنن النسائي"(2869).
(2)
انظر: "صحيح البخاري"(1349)، و"صحيح مسلم"(1353، 1354).
(3)
قال السندي على البخاري: يشكل عليه قولنا الحنفية إذ قالوا: لمن كان داخل الميقات التأخير إلى آخر الحل، ولاْهل مكة إلى آخر الحرم، والمواقيت لا دخل فيها للقياس، انتهى. وأجاب عنه والدي في تقريره: بأن معناه في أهله وما كان في حكمه، وإليه أشار صاحب "الهداية" (1/ 134) إذ قال: وما كان داخل الميقات إلى الحرم فكله مكان واحد، قلت: وذكر ابن قدامة مستدل جواز التأخير إلى آخر الحرم. [انظر: "المغني" (5/ 62)]. (ش).
1739 -
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ بَهْرَامَ الْمَدَائنِيُّ،
===
وقد فصل البخاري في "صحيحه" سياق حديث عمرو بن دينار وسياق حديث عبد الله بن طاوس، فأما لفظ حديث عمرو بن دينار:"فمن كان دونهن فمن أهله، حتى إن أهل مكة يهلون منها". وسياق لفظ عبد الله بن طاوس: "فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة"(1)، وفي الدارقطني (2):"فمن كان دونهن"، وقال عمرو:"من أهله"، وقال ابن طاوس:"من حيث أنشأ"، انتهى.
فالاختلاف الواقع في لفظ عمرو وابن طاوس في لفظ: "من أهله"، و"من حيث أنشأ" فقط.
قال الحافظ (3): أي لا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه، بل يحرمون من مكة كالآفاقي الذي بين الميقات ومكة، فإنه يحرم من مكانه، ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، وهذا خاص بالحاج، وأما المعتمر (4) فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل، كما سيأتي بيانه في "أبواب العمرة".
1739 -
(حدثنا هشام بن بهرام المدائني) أبو محمد، قال ابن وارة:
(1)"صحيح البخاري"(1530).
(2)
"سنن الدارقطني"(2/ 237).
(3)
"فتح الباري"(3/ 386، 387).
(4)
قال المحب الطبري: لا أعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة، فتعين حمله على القارن، واختلف في القارن، فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الإهلال من مكة، وقال ابن الماجشون: يجب عليه الخروج إلى أدنى الحل، انتهى. "فتح الباري"(3/ 387)، وأنكر ابن القيم الخروج إلى الحل للعمرة، وعند الجمهور يجب الخروج للعمرة إلى الحل، ومستدلهم ما روي عن محمد بن سيرين مرسلًا: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَقَّت لأهل مكة التنعيم، كذا في "الفتح"، وكذا في "المغني"(5/ 59)، واختلف في أفضل مواقيت العمرة، كما سيأتي في هامش "باب المهلَّة بالعمرة". (ش).
نَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ، عن أَفْلَحَ- يَعْنِي ابْنَ حُمَيْدٍ -، عن الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عن عَائِشَةَ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَّتَ لأَهْلِ الْعِرَاقِ ذاتَ عِرْق". [ن 2653، قط 2/ 236، ق 5/ 28]
===
حدثنا هشام بن بهرام، وكان ثقة. وقال الخطيب: كان ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات". (نا المعافى بن عمران) الأزدي الفهمي، أبو مسعود الموصلي، الفقيه الزاهد، قال ابن معين، وأبو حاتم، والعجلي، وابن خراش، وابن سعد: ثقة.
(عن أفلح -يعني ابنَ حميدٍ -) بن نافع الأنصاري، النجاري مولاهم، أبو عبد الرحمن المدني، قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة، لا بأس به. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن صاعد: كان أحمد ينكر على أفلح قولَه: "ولأهل العراق ذات عرق". قال ابن عدي: ولم ينكر أحمد يعني سوى هذا اللفظ، قد تفرد بها عن أفلح معافى، وهو عندي صالح، وأحاديثه أرجو أن تكون مستقيمة. وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: لم يحدث عنه يحيى، قال: وروى أفلح حديثين منكرين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم أشعر"، وحديث:"وقَّت لأهل العراق ذات عرق".
(عن القاسم بن محمد، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق)(1)، وقد أخرج مسلم (2) من حديث جابر مرفوعًا، وفيه:"ومهل أهل العراق ذات عرق"، قال ياقوت في "معجم البلدان" (3): وذات عرق: مهل أهل العراق، وهو الحدّ بين نجد وتهامة، وقيل: عرق جبل بطريق مكة، ومنه ذات عرق، وقال الأصمعي: ما ارتفع من بطن الرّمّة فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق، وعرق: هو الجبل المشرف على ذات عرق، انتهى.
(1) اختلفوا في أن توقيت ذات عرق من النص أو الاجتهاد، بسطه العيني (7/ 36)، والزرقاني (2/ 240). (ش).
(2)
"صحيح مسلم"(1183).
(3)
"معجم البلدان"(4/ 107، 108).
1740 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، نَا وَكِيعٌ، نَا سُفْيَانُ، عن يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، عن مُحَمَّدِ بْنٍ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:"وَقَّتَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ". [ت 832، حم 1/ 344، ق 5/ 28]
===
قال الشوكاني في "النيل"(1): حديث عائشة، سكت عنه أبو داود والمنذري، وقال في "التلخيص" (2): هو من رواية القاسم عنها، تفرد به المعافى بن عمران عن أفلح عنه، والمعافى ثقة. وحديث جابر أخرجه مسلم على الشك في رفعه، وأخرجه أبو عوانة في "مستخرجه" كذلك، وجزم برفعه أحمدُ، وابنُ ماجه، ولكن في إسناد أحمدَ ابنُ لهيعة وهو ضعيف، وفي إسناد ابن ماجه إبراهيمُ بنُ يزيد الخوزي وهو غير محتج به.
وفي الباب: عن الحارث بن عمرو السهمي عند أبى داود، وعن أنس عند الطحاوي، وعن ابن عباس عند ابن عبد البر، وعن عبد الله بن عمرو عند أحمد، وفي إسناده الحجاج بن أرطاة، وهذه الطرق يقوِّي بعضها بعضًا، وبها يردّ على ابن خزيمة حيث قال: في "ذات عرق" أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث، وعَلَى ابن المنذر حيث يقول: لم نجد في "ذات عرق" حديثًا يثبت.
وقد أعَلَّه بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ، قال ابن عبد البر: هي غفلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وَقَّت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح، فلا فرق فيها بين العراق والشام.
1740 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، نا وكيع، نا سفيان، عن يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن ابن عباس) عبد الله (قال: وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق) أي لإحرامهم (العقيقَ) قال في
(1)"نيل الأوطار"(3/ 297، 298).
(2)
"التلخيص" برقم (970).
1741 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ يُحَنَّسَ،
===
"معجم البلدان"(1): بفتح أوله، وكسر ثانيه، وقافين بينهما ياء مثناة من تحت، قال أبو منصور: والعرب تقول لكل مسيل ماءٍ شقّه السيلُ في الأرض فأنهره ووسعه: عقيق، قال: وفي بلاد العرب أربعة أَعِقَّة، وهي أودية عادية شقّتها السيول، انتهى.
قال الحافظ (2): العقيق المذكور ها هنا واد يتدفق ماؤه في غوري تهامة، وهو غير العقيق المذكور بعد بابين كما سيأتي بيانه، ثم قال الحافظ في شرح قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:"صل في هذا الوادي"، يعني: وادي العقيق، وهو بقرب البقيع، بينه وبين المدينة أربعة أميال.
وهذا الحديث يخالف ما قبله من الحديث، فأجاب عنه بعضهم بتفرد يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.
قال الحافظ: وقد جمع بينه وبين حديث جابر وغيره بأجوبة، منها: أن ذات عرق ميقات الوجوب، والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق. ومنها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن، والآخر ميقات لأهل البصرة. ومنها أن ذات عرق كانت أولًا في موضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة، فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد، ويتعين الإحرام من العقيق، ولم يقل به أحد، وإنما قالوا: يستحب احتياطًا، انتهى ملخصًا.
1741 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا ابن أبي فديك) محمد بن إسماعيل (عن عبد الله (3) بن عبد الرحمن بن يُحَنَّس) بمضمومة وفتح حاء مهملة وشد
(1)"معجم البلدان"(4/ 138).
(2)
"فتح الباري"(3/ 391، 392، 390).
(3)
ظاهر ما في "التلخيص الحبير"(2/ 503)، رقم (974) أن الصواب بدل "عبد الله":"محمد بن عبد الرحمن"، فنأمل. (ش).
عن يَحْيَى بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الأَخْنَسِيِّ، عن جَدَّتِهِ حُكَيْمَةَ، عن أُمِّ سَلَمَةَ زَوْج النَّبِي صلى الله عليه وسلم، أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقُولُ:"مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ" أَوْ "وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ"، شَكَّ عَبْدُ اللَّهِ أَيَّتَهُمَا قَالَ (1). [جه 3002، حم 6/ 299، قط 2/ 283، ق 5/ 30]
===
نون مفتوحة وسين مهملة، حجازي، ذكره ابن حبان في "الثقات". روى له مسلم حديثًا واحدًا في "فضل المدينة" وأبو داود آخر في "فضل الإحرام من بيت المقدس".
(عن يحيى بن أبي سفيان) الأخنس (الأخنسي) بخاء معجمة ونون، المدني، روى عن جدته، وقيل: أمه، وقيل: خالته أم حكيم حكيمة بنت أمية بن الأخنس عن أم سلمة في "الإحرام من بيت المقدس"، قال ابن أبي حاتم، عن أبيه: شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور، قلت: لقي أبا هريرة؟ قال: لا. وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن جدته حكيمة) بنت أمية بن الأخنس بن عبيد أم حكيم، ذكرها ابن حبان في "الثقات"، (عن أم سلمةَ زوجِ النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أهل) أي أحرم (بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو) للشك من الراوي (وجبت له الجنة، شك عبد الله أيتهما) أي الكلمتين (قال) أي يحيى بن أبي سفيان.
ذكر الحافظ (2) في شرح قول البخاري "باب فرض مواقيت الحج والعمرة": أن البخاري لا يجيز الإحرامَ بالحج والعمرة من قبل الميقات، ويزيد ذلك وضوحًا ما سيأتي بعد قليل، قال: ميقات أهل المدينة ولا يهلون
(1) زاد في نسخة: "قال أبو داود: أحرم وكيع من بيت المقدس، يعني: إلى مكة".
(2)
انظر: "فتح الباري"(3/ 383).
1742 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِى الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ السَّهْمِىُّ، حَدَّثَنِى زُرَارَةُ بْنُ كُرَيْمٍ، أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو السَّهْمِىَّ
===
قبل ذي الحليفة، وقد نقل (1) ابن المنذر وغيره الإجماع على الجواز، وفيه نظر، فقد نُقِلَ عن إسحاق وداود وغيرهما عدمُ الجواز، وهو ظاهر جواب ابن عمر، ويؤيده القياس على الميقات الزماني، فقد أجمعوا على أنه لا يجوز التقدم عليه، وفرق الجمهور بين الزماني والمكاني، فلم يجيزوا المتقدم على الزماني، وأجازوا في المكاني، وذهب طائفة كالحنفية وبعض الشافعية إلى ترجيح التقدم، وقال مالك: يكره، انتهى.
1742 -
(حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج) ميسرة التميمي، المنقري بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف، مولاهم، المقعد البصري، ثقة ثبت، رمي بالقدر، (نا عبد الوارث، نا عتبة بن عبد الملك السهمي) البصري، ذكره ابن حبان في "الثقات".
(حدثني زرارة بن كريم) بن الحارث بن عمرو السهمي الباهلي، ويقال: زرارة بن عبد الكريم، وفي "الخلاصة": زرارة بن كريم مصغر، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: من زعم أن له صحبة فقدوهم، وقال أبو نعيم في "الصحابة": أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وقال عبد الحق في "الأحكام": لا يُحْتَجّ بحديثه، قال ابن القطان: يعني أنه لا يُعْرَفُ.
(إن) جدَّه (الحارث بن عمرو) بن الحارث (السهمي) الباهلي، أبو سفينة، نزل البصرة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا في مواقيت الحج، والفرع
(1) وكذا حكاه ابن قدامة ورجَّح كراهة التقدم، وأجاب عن الحديث بالضعف، لأن راويه ابن أبي فديك ومحمد بن إسحاق وفيهما مقال، قال: ويحتمل اختصاص هذا ببيت المقدس دون غيره ليجمع بين الصلاة في المسجدين في إحرام واحدة (انظر: "المغني" 5/ 65 - 68). (ش).