الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: نَا حَبِيبُ الْمُعَلِّمُ، عن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ.
(5) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا
2053 -
حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، ثَنَا عَبْثَرٌ (1)، عن مُطَرِّفٍ، عن عَامِرٍ، عن أَبِي بُرْدَةَ،
===
مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} أو الإجماع، فإنه لم يثبت عن أحد من الأئمة ما يخالف ذلك خلافًا يقدح في الإجماع، وأما إن كان محمولًا على الخبر، فلا يقتضي التحريم.
(وقال أبو معمر: ) قال: (نا حبيب المعلم، عن عمرو بن شعيب) غرضه بهذا الكلام بيان الاختلاف بين لفظ حديث مسدد ولفظ أبي معمر، فأشار المصنف بهذا الكلام إلى أن الاختلاف بين لفظيهما في السند على ثلاثة أوجه:
الأول: أن مسددًا قال في سند هذا الحديث: نا عبد الوارث عن حبيب بصيغة عن، وقال أبو معمر من حديث عبد الوارث: حدثنا حبيب بصيغة التحديث.
ثانيهما: أن مسددًا لم يذكر لفظ المعلم في صفة حبيب، وذكره أبو معمر في حديثه.
ثالثها: أن مسددًا قال: حدثني عمرو بن شعيب، وأما أبو معمر فقال: عن عمرو بن شعيب بصيغة عن، والله أعلم.
(5)
(بابٌ فِى الرَّجُلِ يَعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا)
ما له من الفضل؟
2053 -
(حدثنا هناد بن السري، ثنا عبثر، عن مطرف) بضم أوله وفتح ثانيه وتشديد الراء المكسورة، ابن طريف الحارثي ويقال: الجارفي أبو بكر، ويقال: أبو عبد الرحمن، ثقة فاضل، (عن عامر) الشعبي، (عن أبي بردة،
(1) في نسخة: "أبو زيد".
عن أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَعْتَقَ جَارِيَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ". [خ 5083، م 154، ن 4345]
===
عن أبي موسى) الأشعري (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعتق جاريته وتزوجها كان له أجران) أي أجر العتق وأجر التزوج، وقيل: له أجران على كل عمل يعمله من الصوم والصلاة وغيرها.
والحديث الذي أخرجه أبو داود مختصر، وأخرجه البخاري ومسلم بطوله (1)، ولفظه: قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لهم أجران: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت عنده أمة يطأها، فأدَّبها فأحسن تأديبها، وعلَّمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران".
قال القاري (2): أجرٌ على عتقه، وأجرٌ على تزوُّجِه كذا قالوا. وقيل: أجرٌ على تأديبه وما بعده، وأجر على عتقه وما بعده.
قال الكرماني: فإن قلتَ: ما العلة في تخصيص هؤلاء الثلاثة، والحال أن غيرهم أيضًا كذلك، مثل من صام وصلَّى، فإنَّ للصلاة أجرًا وللصوم أجرًا؟
قلت: الفرق بين هذه الثلاثة وغيرهم أن الفاعل من كل منهم جامع بين أمرين بينهما مخالفةٌ عظيمةٌ، كأن الفاعل لهما فاعل للضدين، انتهى.
وفيه أن هذه الضدية بعينها موجودة في حق الله تعالى وحق الوالد، فالأحسن أن يقال: المراد هذه الأشياء وأمثالها، وليس المقصود بذكرها نفي ما عداها.
(1) انظر: "صحيح البخاري"(5083)، و"صحيح مسلم"(154).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(1/ 154).
2054 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ:"أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا". [خ 5086، م 1365، ت 1115، ن 3343، حم 3/ 186]
===
2054 -
(حدثنا عمرو بن عون، أنا أبو عوانة، عن قتادة وعبد العزيز بن صهيب، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية) بنت حُيَيِّ بن أخطب الإسرائيلية، أم المؤمنين، من أولاد هارون بن عمران عليه السلام، سَبَاهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، ماتت في خلافة معاوية سنة خمسين، وقيل: سنة ست وثلاثين.
(وجعل عتقها صداقها)، قال العيني (1): وقد اختلف العلماء فيه، فقال سعيد بن المسيب، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعامر الشعبي، والأوزاعي، والزهري، وعطاء بن أبي رباح، وقتادة، وطاووس، والحسن بن حي، وأحمد، وإسحاق: جاز ذلك، فإذا عقد عليها لا تستحق عليه مهرًا غير ذاك العتاق.
وممن قال بهذا القول سفيان الثوري وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة، وذكر الترمذي أنه مذهب الشافعي؛ وقال النووي: قال الشافعي: فإن عقدها (2) على هذا الشرط فقبلت عتقت، ولا يلزمها أن تتزوجه، بل له عليها قيمتها؛ لأنه لم يرضَ بعتقها مجانًا، فإن رضيت وتزوجها على مهر يتفقان عليه فله عليها القيمة، ولها عليه المهر المسمى من قليل أو كثير.
وإن تزوجها على قيمتها، فإن كانت قيمتها معلومة له أو لها صح الصَّداق، ولا يبقى له عليها قيمة، ولا لها عليه صداق.
وإن كانت مجهولة، ففيه وجهان، أحدهما: يصح الصَّداق، وأصحهما، وبه قال جمهور أصحابنا: لا يصح الصداق، بل يصح النكاح، ويجب لها مهر المثل، انتهى.
(1)"عمدة القاري"(14/ 26).
(2)
كذا في الأصل، وفي "عمدة القاري":"فإن أعتقها"(14/ 26، 27).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقال الليث بن سعد، وابن شبرمة، وجابر بن زيد، وأبو حنيفة، ومحمد، وزفر، ومالك: لا يجوز ذلك. وقال الطحاوي: ليس لأحدٍ غير رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل هذا، فيتم له النكاح بغير صَداق سوى العتاق، وإنما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل جعل له أن يتزوج بغير صداق، ويكون له التزوج على العتاق الذي ليس بصداق. وقال أبو حنيفة: إن فعل ذلك رجلٌ وقع العتاقُ ولها عليه مهر المثل، فإن أبت أن تتزوجه تسعى له في قيمتها، وقال مالك وزفر: لا شيء عليها.
واحتجت الطائفة الأولى بهذا الحديث فيما ذهبوا إليه.
وأجابت الطائفة الثانية بأجوبة. منها: أنهم قالوا: هذا من قول أنس؛ لأنه لم يسنده، فلعله تأويل منه إذ لم يسمَّ لها صَداق.
ومنها: ما قاله الطحاوي: إنَّه (1) مخصوص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وليس لغيره أن يفعل ذلك.
ومنها: أن الطحاوي روى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل في جويرية بنتِ الحارث مثل ما فعله في صفية، ثم قال ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الحكم: إنه يجدد لها صَداقًا، فدل هذا أن الحكم في ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ذلك سماعًا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون دله على هذا خصوصيته صلى الله عليه وسلم بذلك. وعلى كلا التقديرين تقوم الحجة لأهل المقالة الثانية.
قلت: ومما يؤيد كلام ابن عمر ما روى البيهقي من حديث القواريري: حدثتنا عليلة بنت الكميت عن أمها أميمة [عن أمة الله](2) بنت رزينة، عن أمها رزينة قالت: لما كانت يوم قريظة والنضير جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية يقودها سبية،
(1) في الأصل: "كله"، وهو تحريف.
(2)
سقط في الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
حتى فتحها الله عليه، وذراعها في يده، فأعتقها وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة.
قلت: رزينة مصغرًا خادمةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن المرابط: قول أنس: أصدقها نفسها، أنه من رأيه وظنه، وإنما قال ذلك مدافعة للسائل.
ألا ترى أنه قال: فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ فكيف علم أنس أنه أصدقها نفسها قبل ذلك؟ وقد صح عنه أنه لم يعلم أنها زوجته إلَّا بالحجاب، فدل أن قوله هذا لم يشهده على نبينا صلى الله عليه وسلم ولا غيره، وإنما ظنه أنس والناس معه ظنًا، مع أن كتاب الله أحق أن يُتَّبَع، قال تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} (1) الآية، فهذا يدل على أنه أعتقها وخيَّرها في نفسها فاختارته صلى الله عليه وسلم، فنكحها بلا صداق، انتهى.
وأما وجه النظر فيه فمحال أن يجعل العتاق صَداقًا، وتقرير الاستحالة بوجهين:
أحدهما: إن عقدها على نفسها إما أن يقع قبل عتقها، وهو محال لتناقض الحكمين الحرية والرق، فإنَّ الحرية حكمها الاستقلال والرق ضده، وإمَّا بعد العتق فلزوال حكم الجبر عنها بالعتق، فيجوز أن لا ترضى، وحينئذ لا تنكح إلا برضاها.
والوجه الثاني: أنا إذا جعلنا العتق صداقًا، فإمَّا أن يتقرر العتقُ حالة الرق، وهو محال لتناقضهما، أو حالة الحرية فيلزم سبقيته على العقد، فيلزم وجود العتق حالة فرض عدمه وهو محال، لأن الصداق لا بد أن يتقدم تقرره على الزوج، إما نصًا وإما حكمًا حتى تملك الزوجة طلبه، فإن اعتلوا بنكاح التفويض فقد تحرزنا عنه بقولنا حكمًا، فإنها وإن لم يتعين لها حالة العقد شيء، لكنها تملك المطالبة، فثبت أنه يثبت لها حالة العقد شيء تطالب به الزوج، ولا يتأتى مثل ذلك في العتق، فاستحال أن يكون صداقًا، فافهم، قاله القرطبي.
(1) سورة الأحزاب: الآية 50.