المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(88) (باب تحريم مكة) - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٧

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(5) أَوَّلُ كتَابِ الْمَنَاسِكِ

- ‌(1) باب فرض الحجِّ

- ‌(2) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ

- ‌(3) بَابٌ: "لَا صَرُورَةَ

- ‌(4) (بَابُ التِّجَارَةِ في الْحَجِّ)

- ‌(5) بَابٌ

- ‌(6) بَابُ الْكَرِيِّ

- ‌(7) بَابٌ: في الصَّبِيِّ يَحُجّ

- ‌(8) بابٌ: في الْمَوَاقِيتِ

- ‌(9) بَابُ الْحَائِضِ تُهِلُّ بِالْحَجِّ

- ‌(10) بَابُ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ

- ‌(11) بَابُ التَّلْبِيدِ

- ‌(12) بَابٌ: في الْهَدْي

- ‌(13) بابٌ: في هَدْيِ الْبَقَرِ

- ‌(14) بَابٌ: في الإِشْعَارِ

- ‌(15) بَابُ تَبْدِيلِ الْهَدْيِ

- ‌(17) بَابٌ: في رُكُوبِ الْبُدْنِ

- ‌(19) بابٌ: كيْفَ تُنْحَرُ الْبُدْنُ

- ‌(20) بَابٌ: في وَقْتِ الإِحْرَامِ

- ‌(21) بَابُ الاشْتِرَاطِ في الْحَجِّ

- ‌(22) بَابٌ: في إِفْرَادِ الْحَجّ

- ‌(23) بَابٌ: في الإِقْرَانِ

- ‌(24) بَابُ الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ

- ‌(25) بَابٌ: كَيْفَ التَّلْبِيَةُ

- ‌(26) بابٌ: مَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ

- ‌(27) بَابٌ: مَتَى يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَة

- ‌(28) بَابُ الْمُحْرِمِ يُؤَدِّبُ غُلَامَه

- ‌(29) بَابُ الرَّجُلِ يُحْرِمُ في ثِيَابِهِ

- ‌(30) بَابُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ

- ‌(31) بَابُ الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاح

- ‌(32) بابٌ: في الْمُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا

- ‌(33) بَابٌ: في الْمُحْرِمِ يُظَلَّلُ

- ‌(34) بَابُ الْمُحْرِمِ يَحْتَجِمُ

- ‌(36) بَابُ الْمُحْرِمِ يَغْتَسِلُ

- ‌(37) بَابُ الْمُحْرِمِ يَتَزَوَّج

- ‌(38) بَابُ مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ

- ‌(39) بَابُ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِم

- ‌(40) بَابُ الْجَرَادِ للْمُحْرِم

- ‌(41) بَابٌ: في الْفِدْيَةِ

- ‌(42) بَابُ الإِحْصَارِ

- ‌(43) بَابُ دُخُول مَكَّة

- ‌(44) (بابٌ: في رَفْعِ الْيَدِ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ)

- ‌(45) بابٌ: في تَقْبِيلِ الْحَجَرِ

- ‌(46) بَابُ اسْتِلَامِ الأَرْكَانِ

- ‌(47) بَابُ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ

- ‌(48) بَابُ الاضْطِبِاع في الطَّوَاف

- ‌(49) بَابٌ: في الرَّمَلِ

- ‌(50) بَابُ الدُّعَاء في الطَّوَافِ

- ‌(51) بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ

- ‌(52) بَابُ طَوَافِ الْقَارِن

- ‌(53) بَاب الْمُلْتَزَمِ

- ‌(54) بَابُ أَمْرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

- ‌(56) بَابُ الْوقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌(57) بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى

- ‌(58) بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَة

- ‌(59) بَابُ الرَّوَاحِ إِلَى عَرَفَة

- ‌(60) (بابُ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ)

- ‌(61) بَابُ مَوْضِعِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌(63) بَابُ الصَّلَاة بِجَمْعٍ

- ‌(64) بَابُ التَّعْجِيلِ مِنْ جَمْعٍ

- ‌(65) بَابُ يَوْمِ الْحَجِّ الأَكْبَرِ

- ‌(66) بَابُ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ

- ‌(67) بَابُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَة

- ‌(68) بَابُ النُّزُولِ بِمِنًى

- ‌(69) بَابٌ: أَيُّ يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنًى

- ‌(70) بَابُ مَنْ قَالَ: خَطَبَ يَومَ النَّحْرِ

- ‌(71) بَابٌ: أَيُّ وَقْتٍ يُخْطَبُ يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌(72) بَابُ مَا يَذْكُرُ الإِمَامُ في خُطْبَتِهِ بِمِنًى

- ‌(73) بَابٌ: يَبِيتُ بِمَكَّة لَيَالِي مِنًى

- ‌(74) بَابُ الصَّلَاةِ بِمِنًى

- ‌(75) بَابُ الْقَصْرِ لأَهْلِ مَكَّة

- ‌(76) بَابٌ في رمْيِ الجِمَارِ

- ‌(77) بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِير

- ‌(78) بَابُ الْعُمْرَةِ

- ‌(79) (بَابُ الْمُهِلَّةِ بِالْعُمْرَةِ تَحِيضُ فَيُدْرِكُهَا الْحَجُّ فتنْقُضُ عُمْرَتَهَا وَتُهِلُّ بِالْحَجِّ، هَلْ تَقْضِي عُمْرَتَهَا

- ‌(80) بَابُ الْمَقَامِ في العُمْرَةِ

- ‌(81) بَابُ الإفَاضَةِ في الْحَجّ

- ‌(82) بَابُ الْوَدَاعِ

- ‌(83) بَابُ الْحَائِضِ تَخْرُجُ بَعْدَ الإِفَاضَةِ

- ‌(84) بَابُ طَوَافِ الْوَدَاع

- ‌(85) بَابُ التَّحْصِيبِ

- ‌(87) بابٌ: فِى مَكَّةَ

- ‌(88) (بَابُ تَحْرِيمِ مَكَّةَ)

- ‌(89) بابٌ فِى نَبِيذِ السِّقَايَةِ

- ‌(90) بَابُ الإِقَامَةِ بِمَكَّةَ

- ‌(91) بَابُ الصَّلَاةِ في الْكَعْبَةِ

- ‌(92) بابٌ: فِى مَالِ الْكَعْبَةِ

- ‌(93) بابٌ: فِى إِتْيَانِ الْمَدِينَةِ

- ‌(94) بَابٌ: في تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ

- ‌(95) بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ

- ‌(6) أَوَّلُ كِتَابِ النِّكَاحِ

- ‌(1) بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكَاحِ

- ‌(2) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ تَزْوِيجِ ذَاتِ الدِّينِ

- ‌(3) (بابٌ: في تَزْوِيجِ الأَبْكَارِ)

- ‌(4) (بابٌ: فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِى لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً})

- ‌(5) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا

- ‌(6) بَابٌ يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ

- ‌(7) بَابٌ: في لَبَنِ الْفَحْلِ

- ‌(8) بابٌ: فِى رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ

- ‌(9) بَابُ مَنْ حَرَّمَ بِهِ

- ‌(10) بَابٌ: هَلْ يُحَرِّمُ مَا دُون خَمْسِ رَضَعَاتٍ

- ‌(11) بَابٌ: في الرَّضْخِ عِنْدَ الْفِصَالِ

- ‌(12) بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ

- ‌(13) بَابٌ: في نِكَاحِ الْمُتعَةِ

- ‌(14) بابٌ: فِى الشِّغَارِ

- ‌(15) بَابٌ: في التَّحْلِيلِ

- ‌(16) بَابٌ: في نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ

- ‌(17) بابٌ: فِى كَرَاهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ

- ‌(18) بَابُ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا

- ‌(19) بَابٌ: في الْوَلِيِّ

- ‌(20) بَابٌ في الْعَضْلِ

- ‌(21) بَابٌ: إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ

- ‌(22) بابٌ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}

- ‌(23) بابٌ: فِى الاِسْتِئْمَارِ

- ‌(24) بَابٌ: في الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَلَا يَسْتَأمِرُهَا

- ‌(25) بابٌ: فِى الثَّيِّبِ

الفصل: ‌(88) (باب تحريم مكة)

قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنَا (1) عَنْهُ قَالَ: أَنَا كَثِيرٌ عن أَبِيهِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ أَبِي سَمِعْتُهُ، وَلَكِنْ مِنْ بَعْضِ أَهْلِي عن جَدِّي.

(88)

بَابُ تَحْرِيمُ (2) مَكَّةَ

2017 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،

===

(قال سفيان: كان ابن جريج أخبرنا عنه قال: أنا كثير عن أبيه (3)، فسألته) أي قال سفيان: فسألت أنا بنفسي عن كثير أنه هل سمع من أبيه أم لا؟ (فقال) أي كثير: (ليس من أبي سمعته، ولكن) سمعته (من بعض أهلي عن جدي).

(88)(بَابُ تَحْرِيمِ مَكَّةَ)

(4)

2017 -

(حدثنا أحمد بن حنبل، نا الوليد بن مسلم،

(1) في نسخة: "أخبره".

(2)

في نسخة: "حرم".

(3)

هكذا أخرجه عبد الرزاق (رقم 2388)، كما في "الفتح". (ش).

(4)

وفيه عشرة أبحاث في "الأوجز"(8/ 549): الأول: في مصداق المنهي عنه من القطع، فقال مالك: يحرم ما ينبت بنفسه عادةً ولو استنبته أحد. وعندنا يحرم ما ينبت بنفسه ولم يستنبته أحد. وعند أحمد يحرم ما نبت بنفسه وإن كان مما يستنبت عادةً، فالمعتبر عند مالك الجنس دون الفعل، وعند أحمد عكس ذلك، وعند الحنفية اجتماع الوصفين؛ عدم الإنبات وكونه من جنس ما ينبت بنفسه، فإذا انتفى أحد الوصفين جاز القطع، وأما عند الشافعي فالنهي عام يشمل النوعين، والثاني: الزرع المنبت يجوز قطعه إجماعًا، والثالث: لا فرق بين الأخضر والرطب عند مالك، وعند الثلاثة يجوز قطع اليابس، الرابع: الشوك وغيره سواء عند مالك وأحمد، ويجوز قطعه عند الشافعي وبعض الحنابلة، ويحرم بدون الضمان عندنا، والخامس: أجمعوا على قطع الإذخر رطبًا ويابسًا، السادس: لا يجوز القطع لعلف الدواب عند مالك على المعتمد، وبه قلنا وأحمد، ويجوز في الأصح عند الشافعي، السابع: في رعي الدواب وجهان عند أحمد، ويجوز عند الشافعي ومالك وأبي يوسف، ولا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد، ولو ارتعت بنفسها يجوز إجماعًا، والثامن: أجمعوا على الانتفاع بالأوراق الساقطة، التاسع: يجوز السواك من شجر الحرم عند مالك لا عندنا وأحمد، واختلفت فيه الشافعية، العاشر: لا يجوز قطع الورق عند أحمد، ويجوز عندنا والشافعي. (ش).

ص: 522

نَا الأَوْزَاعِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى- يَعْنِي ابْنَ أَبي كَثِيرٍ -، عن أَبِي سَلَمَةَ،

عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ (1) مَكَّةَ قَامَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ

===

نا الأوزاعي، حدثني يحيى -يعني ابن أبي كثير-، عن أبي سلمة، عن أبو هريرة قال: لما فتح الله على رسوله مكة قام النبي صلى الله عليه وسلم) أي خطيبًا (فيهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال): (إن الله حبس عن مكة الفيل) وقصته أن أبرهة سار مع جيوشه إلى هدم الكعبة وغزوها، وخرج معه الفيل حتى انتهى إلى مكة، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها، ثم بعث أبرهة حناطة (2) الحميري إلى مكة، وقال له: سل عن سيد هذا البلد وشريفهم، ثم قال له: إني لم آت لحربكم إنما جئت لهدم البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يرد حربي فأتني به، فلما دخل حُناطة مكة سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له: عبد المطلب بن هاشم فجاءه، فقال له ما أمره به أبرهة.

قال له عبد المطلب: والله ما نريد حربَه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله عليه السلام، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه، وإن يُخَلِّ بينه وبينه فوالله ما عندنا له من دافع عنه.

فقال له حُناطة: فانطلق إلى الملك، فإنه قد أمرني أن آتيه بك، فانطلق معه عبد المطلب ومعه بعض بنيه، حتى أتى العسكر، فقال للملك بعض جلسائه: أيه الملك! هذا سيد قريش ببابك، يستأذن عليك، فأذن له عليك

(1) في نسخة: "رسول الله صلى الله عليه وسلم".

(2)

في الأصل: "حياطة"، وهو تحريف، والصواب:"حناطة" كما في "الخميس"(1/ 189)، و"سيرة ابن هشام"(1/ 82).

ص: 523

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

فليكلمك بحاجته، فأذن له أبرهة، وكان عبد المطلب رجلًا عظيمًا وسيمًا جسيمًا، فلما رآه أبرهة أجلَّه وأكرمه عن أن يجلس تحته، فجلس على بساطه، فأجلسه معه إلى جنبه.

ثم قال لترجمانه: قل له: ما حاجتك إلى المَلِك؟ قال له عبد المطلب: حاجتي إلى الملك أن يرد عليَّ مائتى بعير أصابها لي، قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتًا هو دينك ودين آبائك، قد جئت لهدمه، فلا تكلمني فيه؟ قال له عبد المطلب: إنى أنا رب الإبل، وإن للبيت ربًا سيمنعه، قال: ما كان ليمنعه مني، قال: فأنت وذاك أعلم، أردد إليَّ إبلي، فرد عليه إبله التي أصاب.

وانصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة والتحرزِ في شعف الجبال والشعاب، تخوفًا عليهم من معرَّة (1) الجيش، فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيَّأ (2) فيله، وعَبَّأَ جيشَه، وكان اسم الفيل محمودًا (3)، وأبرهة مجمع لهدم البيت ثم الانصراف إلى اليمن.

فلما وجهوا الفيل أقبل نفيل بن حَبِيْب الخثعمي حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بأذنه فقال: ابرك محمودًا وارجع راشدًا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام، فبرك الفيل، فضربوا الفيل ليقوم فأبى، وضربوا في رأسه بالطبرزين ليقوم فأبى، فأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم فأبى،

(1) وفي الأصل: "مغيرة"، وهو تحريف، والصواب:"معرة" كما في "سيرة ابن هشام"(1/ 84)، و"الروض الأنف"(1/ 122)، و"تاريخ الخميس"(1/ 190).

(2)

وفي الأصل: "تهيأ"، وهو تحريف.

(3)

وقع في الأصل: "محمود"، وهو خطأ.

ص: 524

وَسَلَّطَ عَلَيْهَا رَسُولَهُ وَالْمُؤمِنِينَ، وَإِنَّمَا أُحِلَّت لِي سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ، ثُمَّ هِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا،

===

فوجَّهوه راجعًا إلى اليمن فقام يهرول، فوجَّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجَّهوه إلى مكة فبرك.

وأرسل الله إليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف، مع كل طير ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره، وحجران في رجليه مثل الحمص والعدس، لا يصيب منهم أحدًا إلا هلك، وليس كلهم أصابت، وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق الذي منه جاؤوا، فخرجوا يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل، فأصيب أبرهة في جسده، وخرجوا به معهم، فسقطت أنامله أنملة أنملة، كل ما سقطت أنملة أتبعتها مِدّة قيحًا ودمًا، حتى قدموا صنعاء، وهو مثل فرخ الطير، فما مات حتى انصدع قلبه عن صدره فيما يزعمون.

(وسلط عليها) أي على مكة (رسولَه والمؤمنين) وهذا يدل على أن فتح مكة كان عنوة وهو مذهب الحنفية والجمهور، (وإنما أحلت لي ساعة من النهار) وهي الساعة التي دخل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جيوشه مكةَ (ثم هي) أي مكة (حرام) أي محترم (1) أو حرام فيها القتال وغيره (إلى يوم القيامة، لا يُعْضَدُ) أي لا يُقطَع (شجرُها) أي الرطب الذي نبت بنفسه حتى لا يقطع الشوك، وأما الشجر التي ينبتها الناس فيباح لهم قطعه.

قال الشوكاني (2): قال القرطبي: خص الفقهاء الشجر المنهي عنه بما

(1) واختلفوا هل كانت محرمة قبل دعوة إبراهيم بدليل قوله عليه السلام: "إن الله حرَّم مكة يوم خلق السموات والأرض"، وقول إبراهيم:{إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ} [إبراهيم: 37] أو كانت بدعوته بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن إبراهيم حرَّم مكة، وإني حرَّمت المدينة"؛ قولان للعلماء، والجمع أنها كانت محرمة قبل دعوته، لكن أظهر حرمته بدعوته إلى آخر ما بسطه. "الخازن". (ش).

(2)

"نيل الأوطار"(3/ 370).

ص: 525

وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُنْشِدٍ". فَقَامَ عَبَّاسٌ - أَوْ قَالَ:

===

ينبته الله تعالى، أما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه، فالجمهور على الجواز، وقال الشافعي: في الجميع الجزاء.

واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول، فقال مالك: لا جزاء فيه بل يأثم، وقال عطاء: يستغفر، وقال أبو حنيفة: يؤخذ بقيمة هدي، وقال الشافعي: في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة.

قال ابن العربي: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلَّا أن الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة، كذا نقل أبو ثور عنه وأجاز أيضًا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها، وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما، وأجازوا قطع الشوك؛ لكونه يؤذي بطبعه، فأشبه الفواسق، ومنعه الجمهور؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، والقياس مصادم لهذا النص فهو فاسد الاعتبار، وهو أيضًا قياس غير صحيح لقيام الفارق؛ فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر.

قال ابن قدامة (1): ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر من غير صنيع الآدمي، ولا بما يسقط من الورق، نص عليه أحمد: ولا نعلم فيه خلافًا.

(ولا ينفَّر صيدها) أي لا ينحى عن محله فكيف بقتله وصيده. قال النووي (2): يحرم التنفير، وهو الإزعاج عن موضعه، فإن نفره عصى، تلف أو لا؟ فإن تلف في نفاره قبل سكونه ضمن وإلا فلا، قال: قال العلماء: يستفاد من النهي عن التنفير تحريم الإتلاف بالأولى.

(ولا تحل لقطتها إلَّا لمنشد) وقد تقدم البحثُ وبيانُ الاختلاف فيه في كتاب اللقطة (فقام عباس، أو) للشك من الراوي (قال) الراوي:

(1) انظر: "المغني"(5/ 187).

(2)

انظر: "شرح النووي"(5/ 138).

ص: 526

قَالَ الْعَبَّاسُ (1) -: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا، فَقَالَ رُسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم:"إِلَّا الإِذْخِرَ".

قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَزَادَ فِيهِ ابْنُ الْمُصَفَّى عن الْوَلِيدِ: "فَقَامَ أَبُو شَاهٍ - رَجُلٌ مِنْ أَهْل الْيَمَنِ- فَقَالَ (2): يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُبُوا لِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اكْتُبُوا لأَبِي شَاهٍ". قُلْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ: مَا قَوْلُهُ

===

(قال العباس) بن عبد المطلب: (يا رسول الله! إلَّا الإذخر) بكسر الهمزة، وسكون الذال المعجمة، وكسر الخاء: نبت معروف عند أهل مكة، طيب الرائحة، له أصل مُنْدَفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن، وأهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب، ويسدون به الخلل بين اللبنات في القبور، وهذا استثناء تلقين، أي: قل بعد قوله: "لا يعضد شجرها" لفظ: إلَّا الإذخر (فإنه لقبورنا وبيوتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلَّا الإذخر)، ونقل الحافظ عن ابن المنير أن الإجماع على أنه مباح مطلقًا من غير قيد الضرورة (3).

(قال أبو داود: وزاد فيه ابن المصفى عن الوليد: فقام أبو شاه - رجل من أهل اليمن-)، قال الحافظ في "الإصابة" (4): أبو شاه اليماني، يقال: إنه كلبي، ويقال: إنه فارسي من الأبناء الذين قدموا اليمن في نصرة سيف بن ذي يزن، كذا رأيت بخط السلفي، وقيل: إن هاءه أصلية، وهو بالفارسي معناه: الملك، وقال: من ظن أنه اسم أحد الشياه فقد وَهِم، انتهى.

(فقال: يا رسول الله! اكتبوا لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه، قلت) هذا قول الوليد (للأوزاعي: ما قوله:

(1) زاد في نسخة: "فقال".

(2)

في نسخة: "فقال: اكتبوا لي يا رسول الله".

(3)

انظر: "فتح الباري"(4/ 49).

(4)

"الإصابة"(4/ 101).

ص: 527

"اكْتبوا لأَبِي شَاهٍ؟ " قَالَ: هَذِهِ الْخُطْبَةَ الَّتِي سَمِعَ (1) مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم". [خ 112، م 1355، ت 2667، حم 2/ 238]

2018 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا جَرِيرٌ، عن مَنْصُورٍ، عن مُجَاهِدٍ، عن طَاوسٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ في هَذ الْقِصَّهِ (2):"وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا". [خ 1834، م 1353، حم 1/ 253]

===

اكتبوا لأبي شاه؟ ) أي شيء يسأل أبو شاه أن يكتب له (قال) أي الأوزاعي: (هذه الخطبة التي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم) يسأل أن يكتب له، وفيه جواز كتابة الحديث، وقد وقع الإجماع على ذلك.

2018 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن طاوس، عن ابن عباس في هذه القصة) أي في قصة تحريم مكة: (ولا يختلى خلاها) بالخاء المعجمة، والخلا مقصور، وهو الرطب من النبات، واختلاؤه قطعه واحتشاشه، واستدل به على تحريم رعيه لكونه أشد من الاحتشاش، وبه قال مالك والكوفيون، واختاره الطبري، وقال الشافعي: لا بأس (3) بالرعي لمصلحة البهائم، وهو عمل الناس، بخلاف الاحتشاش فإنه المنهي عنه، فلا يتعدى ذلك إلى غيره.

وفي تخصيص التحريم بالرطب إشارة إلى جواز رعي اليابس واختلائه وهو أصح الوجهين للشافعية؛ لأن النبت اليابس كالصيد الميت، قال ابن قدامة: وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم، فلا بأس برعيه واختلائه، قاله الحافظ (4).

(1) في نسخة: "سمعها".

(2)

زاد في نسخة: "قال".

(3)

واستدل لهم بما تقدم من حديث ابن عباس في السترة: "فأرسلت الأتان ترتع"، استدل به القسطلاني في "شرح البخاري" [انظر:"إرشاد الساري"(4/ 422)، رقم (1833)]. (ش).

(4)

انظر: "فتح الباري"(4/ 48، 49)، وراجع أيضًا:"المغني"(5/ 185).

ص: 528

2019 -

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِىٍّ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: "قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَا نَبْنِى لَكَ بِمِنًى بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ (1)؟ فَقَالَ: «لَا إِنَّمَا هُوَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ» . [ت 881، جه 3007، حم 6/ 187، خزيمة 2891، ك 1/ 466، ق 5/ 139]

===

2019 -

(حدثنا أحمد بن حنبل، نا عبد الرحمن بن مهدي، نا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجر، عن يوسف بن ماهك، عن أمه) مسيكة المكية، قال ابن خزيمة: لا أعرف عنها راويًا غير ابنها، ولا أعرفها بعدالة ولا جرح، كذا في "التهذيب" (2). وقال في "التقريب": مسيكة بالتصغير، المكية، لا يعرف حالُها.

(عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله! ألا نبني لك) من الطين والحجارة (بمنى بيتًا أو) للشك من الراوي قال: (بناء يظلك عن الشمس؟ ) أي ظلًا ظليلًا، أو يكون لك أبدًا بالعمارة؛ لأن الخيمة ظلها ضعيف لا يمنع تأثير الشمس بالكلية.

(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أي لا تبنوا لي بناء (إنما هو) أي مني (مناخ) بضم الميم، أي: موضع الإناخة (مش سبق إليه) والمعنى أن الاختصاص فيه بالسبق لا بالبناء فيه، أي هذا مقام لا اختصاص فيه لأحد دون أحد.

قال الطيبي (3): أي أتأذن أن نبني لك بيتًا في مني لتسكن فيه؟ فمنع وعلَّل بأن مني موضع لأداء النسك من النحر، ورمي الجمار، والحلق؛ يشترك فيه الناس، فلو بني فيها لأدى إلى كثرة الأبنية تأسِّيًا به فتضيق على الناس، وكذلك

(1) في نسخة: "من الشمس".

(2)

"تهذيب التهذيب"(12/ 451).

(3)

انظر: "شرح الطيبي"(5/ 297).

ص: 529

2020 -

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ ثَوْبَانَ، أَخْبَرَنِى عُمَارَةُ بْنُ ثَوْبَانَ، حَدَّثَنِى مُوسَى بْنُ بَاذَانَ قَالَ: أَتَيْتُ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «احْتِكَارُ الطَّعَامِ فِى الْحَرَمِ إِلْحَادٌ فِيهِ» .

===

حكم الشوارع ومقاعد الأسواق، وعند أبي حنيفة رضي الله عنه: أرض الحرم موقوفة، فلا يجوز أن يتملكها أحد، انتهى.

قال الخطابي: إنما لم يأذن في البناء لنفسه وللمهاجرين؛ لأنها دار هاجروا منها لله، فلم يختاروا أن يعودوا إليها ويبنوا فيها، وفيه أن هذا التعليل يخالف تعليله صلى الله عليه وسلم مع أن مني ليست دارًا هاجروا منها، قاله القاري (1).

قلت: وفي هذا الزمان كثرت الأبنية فيها، وتملكوا منها بقاعًا كثيرة، فإلى الله المشتكى.

2020 -

(حدثنا الحسن بن علي، نا أبو عاصم، عن جعفر بن يحيى بن ثوبان، أخبرني عمارة بن ثوبان، حدثني موسى بن باذان) حجازي، ويحتمل أن يكون عثمان بن الأسود بن موسى بن باذان، قال ابن أبي حاتم (2): سماه البخاري: مسلم بن باذان، فقال أبي وأبو زرعة: أخطأ في هذا، وهو موسى بن باذان. قلت (3): قد حكى البخاري القولين في "تاريخه"(4)، ويظهر من سياقه ترجيحَ موسى، وقال ابن القطان: لا يعرف.

(قال: أتيت يعلي بن أمية، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: احتكار الطعام) وهو اشتراؤه وحبسه ليقلَّ ويغلو (في الحرم إلحاد فيه) أي ظلم وعدوان،

(1)"مرقاة المفاتيح"(5/ 517).

(2)

انظر: "الجرح والتعديل"(4/ 1/ 138).

(3)

انظر: "تهذيب التهذيب"(10/ 338).

(4)

انظر: "التاريخ الكبير"(4/ 1/ 255).

ص: 530