الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(15) بَابٌ: في التَّحْلِيلِ
2076 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ،
===
ذلك اقتصر في النقل عن الشافعي من ينقل الخلاف من أهل المذاهب.
قلت: فإذا ثبت ذلك علمت أن العقد الذي وقع بين العباس بن عبد الله وابنة عبد الرحمن بن الحكم، وبين العقد الذي وقع بين عبد الرحمن بن الحكم وابنة العباس ليس فيهما شائبة الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العقدين خاليان عن شرط تزويج كل واحد منهما ابنة الآخر، وليس فيهما خلو بضع كل منهما عن الصداق، ولم يجعل بضع كل واحدة منهما صداقًا للأخرى، بل فيهما تقرر الصداق لكل واحدة منهما غير البضع من المال، فهذه الصورة بظاهرها ليس فيها علة الفساد عند أحد من العلماء، فأمر معاوية رضي الله عنه بالتفريق بينهما ليس إلَّا للاحتياط، ومن باب سد الذرائع.
وأما قول معاوية في كتابه: "هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم" فهو مبني على فهمه، وأنت تعلم أن فهم الراوي غير معتبر، ومع هذا مخالف للمعنى اللغوي.
وقال الشوكاني (1): حديث معاوية في إسناده محمد بن إسحاق، وقد تقدم اختلاف الأئمة في الاحتجاج بحديثه.
قلت: اختلاف الأئمة في حديثه إذا حدث بعن، وفي هذا الحديث حديث ابن إسحاق بلفظ التحديث، وهو مقبول.
(15)
(بابٌ: فِى التَّحْلِيلِ)(2)
أي: إن طلق رجل زوجته ثلاثًا، ثم تزوج بها آخر، ليحلِّلها للزوج الأول، هل يجوز ذلك أم لا؟
2076 -
(حدثنا أحمد بن يونس، نا زهير، حدثني إسماعيل،
(1)"نيل الأوطار"(4/ 220).
(2)
ستأتي قصة امرأة رفاعة وعبد الرحمن بن الزبير في "باب المبتوتة لا يرجع إليها زوجها حتى تنكح غيره". (ش).
عن عَامِرٍ، عن الْحَارِثِ، عن عَلِيٍّ - قَالَ إِسْمَاعِيلُ: وَأُرَاهُ قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "لُعِنَ الْمُحِلُّ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ". [ت 1119، جه 1935، حم 1/ 83، ق 7/ 208]
===
عن عامر، عن الحارث، عن علي، قال إسماعيل: وأراه) بصيغة المجهول، أي أظن والضمير إلى عامر أي أظن أن عامرًا (قد رفعه) أي الحديث. وأتى بلفظ أراه ليعلم أن رفع الحديث ليس بمتيقن، بل هو مظنون (إلي النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لعن المحل) من باب الإفعال، وفي نسخة من التفعيل (والمحلل له).
قال الشوكاني (1): والأحاديث المذكورة تدل على تحريم التحليل؛ لأن اللعن إنما يكون على ذنب كبير؛ قال الحافظ في "التلخيص": استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح، إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه، أو شرط أنه يطلقها، أو نحو ذلك، وحملوا الحديث على ذلك، ولا شك أن إطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها.
وقال ابن حزم: ليس الحديث على عمومه في كل محلل، إذ لو كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوج، فصح أنه أراد به بعض المحللين، وهو من أحل حرامًا لغيره بلا حجة؛ فتعين أن يكون ذلك فيمن شرط ذلك؛ لأنهم لم يختلفوا في أن الزوج إذا لم ينو تحليلها للأول ونوت هي، أنها لا تدخل في اللعن، فدل على أن المعتبر الشرط، انتهى.
ومن المجوِّزين للتحليل بلا شرط أبو ثور وبعض الحنفية والمؤيد بالله والهادوية، وحملوا أحاديث التحريم على ما إذا وقع الشرط أنه نكاح تحليل، قالوا: وقد روى عبد الرزاق أن امرأة أرسلت إلى رجل فزوجته نفسها، ليحلها لزوجها، فأمره عمر بن الخطاب أن يقيم معها ولا يطلقها، وأوعده
(1)"نيل الأوطار"(4/ 218، 219).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
أن يعاقبه إن طلقها، فصحَّحَ نكاحه ولم يأمره باستئنافه، وروى عبد الرزاق أيضًا عن عروة بن الزبير أنه كان لا يرى بأسًا بالتحليل إذا لم يعلم أحد الزوجين.
قال ابن حزم: وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد، قال ابن القيم في "إعلام الموقعين" (1): وصح عن عطاء في من نكح امرأة محللًا، ثم رغب فيها فأمسكها قال: لا بأس بذلك. وقال الشعبي: لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج. وقال الليث بن سعد: إن تزوجها ثم فارقها فترجع إلى زوجها. وقال الشافعي وأبو ثور: المحلل الذي يفسد نكاحه هو من تزوجها ليحلها، ثم يطلقها، فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح، فعقده صحيح، لا داخلة فيه، سواء شرط عليه ذلك قبل العقد أو لم يشرط، نوى ذلك أو لم ينوه.
قال أبو ثور: وهو مأجور، وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل هذا سواء، وروى أيضًا عن محمد وأبي يوسف عن أبي حنيفة: أنه إذا نوى الثاني والمرأة التحليل للأول لم تحل له بذلك. وروى الحسن بن زياد عن زفر وأبي حنيفة: أنه إن شرط عليه في نفس العقد أنه إنما تزوجها ليحلها للأول، فإنه نكاح صحيح، ويبطل الشرط، وله أن يقيم معها، فهذه ثلاث روايات عن أبي حنيفة.
قالوا: وقد قال الله تعالى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (2)، وهذا زوج قد عقد بمهر وولي، ورضاها وخلوها عن المانع الشرعي، وهو راغب في ردها إلى زوجها الأول، فيدخل في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا، إلَّا نكاح رغبةٍ"، وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم، كما أمر الله تعالى بقوله:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما شرط في عودها إلى الأول مجرد ذوق العُسَيْلة بينهما، فالعُسَيْلة حلت له بالنص.
(1)(3/ 195).
(2)
سورة البقرة: الآية 230.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما لعنه صلى الله عليه وسلم للمحلل فلا ريب أنه لم يرد كل محلِّل، ومحلَّل له، فإن الولي محلل لما كان حرامًا قبل العقد، والحاكم المزوج محلل لهذا الاعتبار، والبائع أمته محلل للمشتري وطأها؛ ووجدنا كل من تزوج مطلقة ثلاثًا فإنه محلل، ولو لم يشترط التحليل، أو لم ينوه، فإن الحل حصل بوطئه وعقده، ومعلوم قطعًا أنه لم يدخل في النص، وإنما أراد به من أحل الحرام بفعله أو عقده بلا حجة، وكل مسلم لا يشك في أنه أهل للعنه. ومن قصد الإحسان إلى أخيه المسلم، ورغب في جمع شمله بزوجته، وَلَمِّ شعثه وشعث أولاده وعياله فهو محسن، وما على المحسنين من سبيل فضلًا أن يلحقهم لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، انتهى.
قلت: ثم اعترض الشوكاني بعد نقل العبارة على هذا، ولا يخفى عليك أن هذا كله بمعزل عن الصواب، بل هو من المجادلة بالباطل البحت، ودفعه لا يخفى على عارف.
قلت: ولم يذكر وجه الدفع وأحاله على عارفه، ولو ذكر لرد عليه.
وقال القاري (1) في شرحه على "المشكاة": واعلم أنه استدل بهذا الحديث في الفروع على كراهة اشتراط التحليل بالقول، فقالوا: إذا تزوجها بشرط التحليل بأن يقول: تزوجتك على أن أحلك له، أو تقول هي، فمكروه كراهةَ تحريم، وقالوا: ولو نويا اشتراط التحليل ولم يقولاه يكون الرجل مأجورًا فلم يستوجب اللعن، على أن بعضهم قالوا: إنه مأجور، وإن شرطاه بالقول لقصد الإصلاح يؤول اللعن بما إذا شرط الأجر على ذلك.
قال في "الهداية": والمحلل الشارط هو محمل الحديث؛ لأن عمومه وهو المحلل مطلقًا غير مراد إجماعًا، وإلا شمل المتزوج تزويج رغبة.
(1)"مرقاة المفاتيح"(6/ 443).