الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَال أَبُو دَاوُدَ: هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، الْحَجَّاجُ لَمْ يَرَ الزُّهْرِيَّ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ.
(77) بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِير
1979 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عن مَالِكٍ، عن نَافِعٍ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
===
وقد أخرج البيهقي (1) هذا الحديث من طريق يزيد بن هارون، أنبأنا الحجاج بن أرطاة، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرة، عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رميتم وحلقتم (2) فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلَّا النساء"، ورواه محمد بن بكر، عن يزيد بن هارون فزاد:"وذبحتم، فقد حل لكم كل شيء الطيب والثياب إلا النساء".
(قال أبو داود: هذا حديث ضعيف (3)؛ الحجاج لم ير الزهري ولم يسمع منه) فالحديث منقطع، قال الشوكاني (4): استدلت به الحنفية والشافعية على أنه يحل بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من محظورات الإحرام إلَّا الوطء للنساء، فإنه لا يحل به بالإجماع، وقال مالك: والطيب، وقال الليث: إلا النساء والصيد، وأحاديث الباب ترد عليهم.
قلت: وهذا الذي قاله من المذهب إذا لم يكن عنده هدي، وأما إذا كان معه هدي فلا يحل حتى ينحر هديه.
(77)
(بابُ الْحَلْقِ والتَّقْصِيرِ)
1979 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن
(1)"السنن الكبرى"(5/ 136).
(2)
كذا وقع زيادة الحلق في حديث سعيد وغيره، كما ذكره في "المغني"(5/ 308). (ش).
(3)
لكنه مؤيد بعدة روايات ذكرت في "النيل"(3/ 425)، و"نصب الراية"(3/ 81). (ش).
(4)
"نيل الأوطار"(3/ 426).
عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، قَالَ:«اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالْمُقَصِّرِينَ، قَالَ:«وَالْمُقَصِّرِينَ» . [خ 1727، م 1301، ت 913، جه 3044، دي 1906، حم 2/ 16]
===
عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهُمَّ (1) ارحم المحلِّقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصِّرين)، هذا عطف تلقين كأنهم قالوا: قل: والمقصرين، وأدخلهم في الرحمة.
(قال: اللهُمَّ ارحم المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: والمقصرين)، وفي هذا الحديث قوله:"والمقصرين" قال في المرة الثانية.
وقد أخرج البيهقي (2) من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يرحم الله المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: يرحم الله المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال: يرحم الله المحلقين، قالوا: يا رسول الله! والمقصرين، قال في الرابعة: والمقصرين".
قلت: وإنما أخر "المقصرين" لأن الأفضل الحلق فيرغبوا فيه، وفي الحديث دلالة على أن الحلق أفضل من التقصير، ووجهه أنه أبلغ في العبادة وأبين للخضوع والذلة، وأدل على صدق النية، والذي يقصر يُبقي على نفسه شيئًا بما يتزيَّن به بخلاف الحالق، فإنه يشعر بأنه ترك ذلك لله تعالى، وفيه إشارة إلى التجرد، ومن ثم استحب الصلحاء إلقاء الشعور عند التوبة.
واستدل بقوله: "المحلقين" على مشروعية حلق جميع الرأس؛ لأنه الذي تقتضيه الصيغة، وقال بوجوب حلق جميعه مالك وأحمد، واستحبه الكوفيون، والشافعي، ويجزئ البعض عندهم، واختلفوا فيه فعن الحنفية: الربع،
(1) اختُلِفَ في موضع هذا القول: الحديبية، أو حجة الوداع، أو كلاهما، وبه جزم الحافظ، وبسط الكلام. (انظر:"فتح الباري"(3/ 562، 563)]. (ش).
(2)
"السنن الكبرى"(5/ 134).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
إلَّا أبا يوسف، فقال: النصف، وقال الشافعي: أقل ما يجب عليه حلق ثلاث شعرات، وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة.
والتقصير كالحلق، فالأفضل أن يقصر من جميع شعر رأسه، ويستحب أن
لا ينقص عن قدر الأنملة، وأما النساء فالمشروع في حقهن التقصير بالإجماع، قاله الحافظ (1).
قال القاري في شرحه (2) على "المشكاة": وفي الصحيحين وغيرهما: أنه عليه الصلاة والسلام قصَّر في عمرة القضاء، وقد قال تعالى:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (3)، فدل على جواز كل منهما، إلَّا أن الحلق أفضل بلا خلاف، وظاهره وجوب استيعاب الرأس، وبه قال مالك وغيره، وحكى النووي الإجماع عليه، والمراد به إجماع الصحابة أو السلف - رحمهم الله تعالى -، ومما يؤيده قوله عليه الصلاة والسلام:"خذوا عني مناسككم" ولم يُحْفَظ عنه عليه الصلاة والسلام ولا عن أحد من أصحابه الكرام الاكتفاءُ ببعض شعر الرأس.
وأما القياس على مسح الرأس فغير صحيح للفرق بينهما، وهو أن المسح فيه الباء الدالة على التبعيض في الجملة، وقد ورد حديثُ الناصية المشعرُ بجواز الاكتفاء بالبعض، ولم يرد نص على منع مسح البعض، بخلاف ذلك كله في باب الحلق، فإنه قال تعالى:{مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} ، {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} (4)، ولم يثبت عنه عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام قط أنهم اكتفوا بحلق بعض الرأس أو تقصيره، بل ورد النهي عن القزعة حتى للصغار، وهي حلق بعض الرأس وتخلية بعضه، فالظاهر أنه لا يخرج من الإحرام إلَّا بالاستيعاب كما قال به مالك، وتبعه ابن الهمام في ذلك، انتهى.
(1)"فتح الباري"(3/ 564، 565).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(5/ 533، 534).
(3)
سورة الفتح: الآية 27.
(4)
سورة البقرة: الآية 196.
1980 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ (1)، نَا يَعْقُوبُ (2)، عن مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عن نَافِعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ:"أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رَاسَهُ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ". [خ 1726، م 1304]
1981 -
حَدَّثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، نَا حَفْصٌ، عن هِشَامٍ، عن ابْنِ سِيرِينَ، عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَى جَمْرةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ بِمِنًى فَدَعَا بِذِبْحٍ فَذَبَحَ،
===
قلت: يمكن أن يقال في جواب هذا الإشكال: إنه روي في "المشكاة"(3) من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: قال لي معاوية: "إني قصرتُ من رأس النبي صلى الله عليه وسلم عند المروة بمشقص"، فالظاهر أن يكون حرف "من" للتبعيض.
ووقع عند أحمد (4) من طريق قيس بن سعد، عن عطاء، أن معاوية حدث:"أنه أخذ من أطراف شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام العشر بمشقص معي وهو محرم"، وقوله:"في أيام العشر" شاذٌّ، فهذا يقتضي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قصر من شعر رأسه، فلو ثبت هذا لكفى في تقدير الحلق والتقصير ببعض الرأس.
1980 -
(حدثنا قتيبة، نا يعقوب، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق رأسه) أي أمر بحلق رأسه (في حجة الوداع).
1981 -
(حدثنا محمد بن العلاء، نا حفص، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر، ثم رجع إلى منزله) أي محل نزوله (بمنى، فدعا بذبح فذبح) والذبح بكسر أوله: ما يذبح من الغنم.
قلت: وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه نحر في حجته بدنات، ولم يثبت أنه ذبح غنمًا يوم النحر، فالظاهر أن المراد بالذبح النحر.
(1) في نسخة: "قتيبة بن سعيد".
(2)
في نسخة: "يعقوب الإسكندراني".
(3)
"مشكاة المصابيح" رقم (2647).
(4)
"مسند أحمد"(4/ 92).
ثُمّ دَعَا بِالْحَلَّاقِ فَأَخَذَ بِشِقِّ رَأسِهِ الأَيْمَنِ فَحَلَقَهُ،
===
وقد أخرج هذا الحديث مسلم في "صحيحه" من طريق يحيى بن يحيى، حدثنا حفص بن غياث بسند أبي داود، ولفظه:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مني، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمنى ونحر، ثم قال للحلاق: خذ"، الحديث، ثم أخرج من طريق أبي بكر بن أبي شيبة وابن نمير وأبي كريب قالوا: حدثنا حفص بن غياث بهذا الإسناد، ثم أشار إلى الاختلاف بين حديث أبي كريب وبين حديث أبي بكر في قوله:"قال للحلاق" إلى آخر الحديث، ولم يبين الاختلاف في القول الذي قبل ذلك، فدل هذا على أن في حديث أبي كريب محمد بن العلاء ليس ذكر الذبح، بل فيه ذكر النحر.
وأخرج البيهقي في "سننه"(1) من حديث سفيان قال: ثنا هشام بن حسان، ولفظه:"قال: لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة ونحر نسكه وحلق"، الحديث، ففي هذا أيضًا تصريح بالنحر.
(ثم دعا بالحلاق) قال النووي (2): واختلفوا في اسم هذا الرجل لذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فالصحيح هو المشهور أنه معمر بن عبد الله العدوي، وفي صحيح (3): زعموا أنه معمر بن عبد الله، وقيل: اسمه (4) خراش بن أمية بن ربيعة الكُليبي، بضم الكاف، منسوب إلى كليب بن حبشية.
(فأخذ) الحلاق (بشق رأسه الأيمن فحلقه)، ولفظ مسلم: "فقال للحلاق:
(1)"السنن الكبرى"(5/ 134).
(2)
"شرح صحيح مسلم"(5/ 62).
(3)
كذا في الأصل، والصواب: وفي "صحيح البخاري" قال: زعموا. انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 62).
(4)
ذكرها النووي في "تهذيب اللغات"، ورجح الأول (2/ 313) النوع السابق من المبهمات. (ش).
فَجَعَلَ يَقْسِمُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ الشَّعْرَةَ وَالشَّعْرَتَيْنِ، ثُمَّ أَخَذَ بِشِقِّ رَأسِهِ الأَيْسَرِ فَحَلَقَهُ، ثُمَّ قَالَ:"ههُنَا أَبُو طَلْحَةَ؟ "، فَدَفَعَهُ إِلَى أَبِي طَلْحَةِ. [م 1305، ت 912، حم 3/ 111، خزيمة 2928، ق 5/ 103]
===
خذ"، وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناسَ، وفي رواية: "قال للحلاق: ها"، وأشار إلى جانب الأيمن. وفي رواية: "قال: فبدأ بالشق الأيمن".
(فجعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (يقسم بين من يليه الشعرةَ والشعرتين) أي يعطي بعضَهم شعرة وبعضَهم شعرتين (ثم أخذ) الحلاق (بشق رأسه الأيسر فحلقه، ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ههنا أبو طلحة؟ ) بحذف الاستفهام (فدفعه) أي الشعر (إلى أبي طلحة) وفي رواية عند مسلم: "فأعطاه أم سليم".
وتوجيهه: أن يقال: لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي طلحة فلعله لم يكن موجودًا، فأعطاه أم سليم لتدفعه إلى أبي طلحة.
قلت: وفي هذه الروايات اختلاف آخر ذكره الشيخ ابن القيم في "زاد المعاد"(1)، وأنا ألخصه لك لتتميم الفائدة:
(فصل) فلما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه استدعى بالحلَّاق، فحلق رأسه، فقال للحلاق:"خذ"، وأشار إلى جانبه الأيمن، فلما فرغ منه قسم شعرَه بين من يليه، ثم أشار إلى الحلَّاق فحلق جانبه الأيسر، ثم قال:"ههنا أبو طلحة؟ " فدفعه إليه، هكذا وقع في "صحيح مسلم".
وفي "صحيح البخاري": عن ابن سيرين، عن أنس:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه كان أبو طلحة أول من أخذ من شعره"(2).
وهذا لا يناقض رواية مسلم؛ لجواز أن يصيب أبا طلحة من الشق الأيمن
(1) انظر: "زاد المعاد"(2/ 268 - 270).
(2)
"صحيح البخاري"(171).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
مثلُ ما أصاب غيرَه، ويختص بالشق الأيسر، لكن قد روى مسلم في "صحيحه" أيضًا من حديث أنس قال: لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة، ونحر نسكه، وحلق، ناول الحلاقَ شقَّه الأيمن، فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري، فأعطاه إياه، ثم ناوله الشقَّ الأيسرَ فقال:"احلق"، فحلقه، فأعطاه أبا طلحة، فقال:"اقسمه بين الناس"، ففي هذه الرواية كما ترى أن نصيبَ أبي طلحة كان الشق الأيمن، وفي الأولى أنه كان الأيسر.
قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي: رواه مسلم من رواية حفص بن غياث وعبد الأعلي بن عبد الأعلى، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع إلى أبي طلحة شعرَ شقهِ الأيسر"، ورواه من رواية سفيان بن عيينة، عن هشام بن حسان:"أنه دفع إلى أبي طلحة شعر شقه الأيمن". قال: ورواية ابن عون، عن ابن سيرين أراها تقوي روايةَ سفيان، والله أعلم.
قلت: يريد برواية ابن عون ما ذكرناه عن ابن سيرين من طريق البخاري، وجعل الذي سبق إليه أبو طلحة هو الشق الذي اختص به، والله أعلم.
والذي يَقْوَى أن نصيب أبي طلحة الذي اختص به كان الشقَّ الأيسرَ، وأنه صلى الله عليه وسلم عَمَّ، ثم خَص، وهذه كانت سُنَّتَه في عطائه، وعلى هذا أكثر الروايات؛ فإن في بعضها أنه قال للحلاق:"خذ"، وأشار إلى جانبه الأيمن، فقسم شعره بين من يليه، ثم أشار إلى الحلاق إلى الجانب الأيسر فحلقه، فأعطاه أمَّ سليم، ولا يعارض هذا دفعُه إلى أبي طلحة فإنها امرأتُه.
وفي لفظ آخر: فبدأ بالشق الأيمن، فوزَّعه الشعرةَ والشعرتين بين الناس، ثم قال: بالأيسر، فصنع به مثل ذلك، ثم قال: ههنا أبو طلحة؟ فدفعه إليه.
وفي لفظ ثالث: دفع إلى أبي طلحة شعرَ شقه الأيسر، ثم قلَّم أظفاره وقسمها بين الناس.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وذكر الإِمام أحمد (1) من حديث محمد بن عبد الله بن (2) زيد أن أباه حدثه: "أنه شهد النبي صلى الله عليه وسلم عند المنحر (3)، ورجل من قريش وهو يقسم أضاحيَ، فلم يصبه شيء ولا صاحبَه، فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه، فأعطاه، فقسم منه على رجال، وقلم (4) أظفاره، فأعطاه صاحبه، قال: فإنه عندنا مخضوب بالحنَّاء والكتم يعني شعره".
قلت: وعندي أن حديث سفيان بن عيينة عن هشام بن حسان الذي بظاهره يناقض حديث حفص بن غياث وعبد الأعلي بن عبد الأعلى، عن هشام، توجيهه أن يقال: إن ضمير قوله: "اقسمه بين الناس" لا يعود إلى ما أعطاه أبا طلحة ثانيًا، بل يرجع إلى ما أعطاه من شقه الأيمن أولًا، أو يقال بأن في العبارة تقديمًا وتأخيرًا بأن قوله: قال: "اقسمه بين الناس" كان في الأول متصلًا بقوله: "فأعطاه إياه"، فأخره الراوي، فألحقه بقوله:"فأعطاه أبا طلحة"، فحينئذ يوافق حديثُ سفيان حديثَ حفص بن غياث وعبد الأعلي بن عبد الأعلى، والله أعلم.
قال النووي (5): وفي الحديث فوائد كثيرة، منها: بيان السنَّة في أعمال الحج يوم النحر (6)، وهي أربعة أعمال: رمي جمرة العقبة، ثم نحو الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم دخوله مكة فيطوف طواف الإفاضة، ويسعى بعده إن لم يكن سعى بعد طواف القدوم.
(1)"مسند أحمد"(4/ 42).
(2)
وقع في الأصل: "محمد بن زيد"، والصواب:"محمد بن عبد الله بن زيد" كما في "مسند أحمد" و"الهدي".
(3)
في الأصل: "النحر"، وهو تحريف، والصواب:"المنحر" كما في "مسند أحمد" و"الهدي".
(4)
في الأصل: "قسم"، وهو تحريف، والصواب:"قلم" كما في "مسند أحمد" و "الهدي".
(5)
"شرح النووي"(5/ 61، 62).
(6)
وتمام العبارة: يوم النحر بعد الدفع من مزدلفة.
1982 -
[حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَلَبِيُّ وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، الْمَعْنَى، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عن هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، بِإِسْنَاده بِهَذَا، قَالَ لِلْحَالِقِ: "ابْدَأْ بِالشِّقِّ الأَيْمَنِ فَاحْلِقْهُ"].
1983 -
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُريعٍ، أَنَا خَالِدٌ،
===
ومنها: أنه يستحب إذا قدم مني أن لا يعرج على شيء قبل الرمي، بل يأتي الجمرة راكبًا كما هو فيرميها، ثم يذهب فينزل حيث شاء من مني.
ومنها: استحباب نحر الهدي، وأنه يكون بمنى، ويجوز حيث شاء من بقاع الحرم.
ومنها: أن الحلق نسك، وأنه أفضل من التقصير، وأنه يستحب فيه البداءة بالجانب الأيمن من رأس المحلوق، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: يبدأ بالجانب الأيسر.
قلت: وهذا القول رجع عنه الإِمام أبو حنيفة كما هو مصرَّح في كتبهم، ومذهبهم في ذلك كمذهب الجمهور أنه يبدأ بالحلق من جانب يمين المحلوق.
قال: ومنها: طهارة شعر الآدمي، وبه قال جماهير العلماء.
ومنها: التبرك بشعره صلى الله عليه وسلم وجواز اقتنائه للتبرك.
وههنا نسخة كتبت على حاشية النسخة المكتوبة الأحمدية.
1982 -
(حدثنا عبيد بن هشام أبو نعيم الحلبي) جرجاني الأصل، صدوق تغير في آخر عمره فتلقن، (وعمرو بن عثمان، المعنى، قالا: حدثنا سفيان عن هشام بن حسان بإسناده بهذا، قال للحالق: ابدأ بالشق الأيمن فاحلقه).
وكتب عليه: وجد في نسخة واحدة، وما وجدت في أكثر النسخ وقت القراءة (1).
1983 -
(حدثنا نصر بن علي، أنا يزيد بن زريع، أنا خالد،
(1) قلت: ذكره المزي في "تحفة الأشراف"(1456)، وقال: هو في رواية أبي الحسن ابن العبد وأبي بكر بن داسة، ولم يذكره أبو القاسم.
عن عِكْرِمَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ:"أَنَّ النَّبيَّ (1) صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسْأَلُ يَوْمَ مِنًى فيَقُولُ: "لَا حَرَجَ"، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ، قَالَ: "اذْبَحْ وَلَا حَرَج"، قَالَ: إِنِّي أَمْسَيْتُ وَلَمْ أَرْم، قَالَ: "ارْمِ وَلَا حَرَج". [خ 1723، ن 3067]
===
عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسأَل يوم مني) عن بعض المسائل المتعلق بالحج، أو عن تقديم بعض الأفعال على البعض وتأخير بعضها عن البعض.
(فيقول: لا حرج، فسأله رجل، فقال: إني حلقت قبل أن أذبح، قال: اذبح ولا حرج، قال) أي الرجل السائل: (إني أمسيت) حمل القاري (2) المساء على ما بعد غروب الشمس، ونقل عن الطيبي: أي بعد العصر، واعترض عليه قال: وفيه أنه ليس فيه توهم تقصير، فإنه جائز بالاتفاق حتى في أول أيام النحر، وأما مذهبنا ففي أيام الرمي تفصيل، قال شيخ الإِسلام في "مبسوطه": إن ما بعد طلوع الفجر من يوم النحر وقت الجواز مع الإساءة، وما بعد طلوع الشمس إلى الزوال وقت مسنون، وما بعد الزوال إلى الغروب وقت الجواز بلا إساءة، والليل وقت الجواز مع الإساءة، فقوله:"أمسيت" ضد "أصبحت" على ما في "القاموس"، فظاهره أنه بعد الغروب، انتهى.
(ولم أرم، قال: ارم ولا حرج) اعلم أن الترتيب بين الرمي والذبح والحلق للقارن والمتمتع واجب عند أبي حنيفة، وكذا تخصيص الذبح بأيام النحر، وأما تخصيص الذبح بالحرم فإنه شرط بالاتفاق، فلو ذبح في غير الحرم لا يسقط ما لم يذبح في الحرم، والترتيب بين الحلق والطواف ليس بواجب، وكذا بين الرمي والطواف، فما قيل من أن الترتيب بين الرمي والحلق والطواف واجب فليس بصحيح، قاله القاري (3).
(1) في نسخة: "رسول الله".
(2)
انظر: "مرقاة المفاتيح"(5/ 543).
(3)
"مرقاة المفاتيح"(5/ 542).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وتفصيل مذهب الحنفية في هذه الأفعال أن طواف الإفاضة موقَّت بأيام النحر، فأول (1) وقته حين يطلع الفجر الثاني من يوم النحر بلا خلاف بين أصحابنا حتى لا يجوز قبله.
وقال الشافعي: أول وقته منتصف ليلة النحر، وهذا غير سديد؛ لأن ليلة النحر وقت ركن آخر، وهو الوقوف بعرفة، فلا يكون وقتًا للطواف؛ لأن الوقت الواحد لا يكون وقتًا لركنين.
وليس لآخره زمان معين موقت به فرضًا، بل جميع الأيام والليالي وقته فرضًا بلا خلاف بين أصحابنا، لكنه موقت بأيام النحر وجوبًا في قول أبي حنيفة، حتى لو آخره عنها فعليه دم عنده، وفي قول أبي يوسف ومحمد غير موقت أصلًا، ولو آخره عن أيام النحر لا شيء عليه، وبه أخذ الشافعي.
واحتجوا بما روي: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عمن ذبح قبل أن يرمي، فقال: ارم ولا حرج"، وما سئل يومئذ عن أفعال الحج قُدِّم شيء منها أو أخر إلَّا قال: افعل ولا حرج، فهذا ينفي توقيت آخره وينفي وجوب الدم بالتأخير.
والجواب عنه أنه لا حجة لهم في الحديث؛ لأن فيه نفي الحرج وهو نفي الإثم، وانتفاء الإثم لا ينفي وجوبَ الكفارة، كما لو حلق رأسه لأذى فيه إنه لا يأثم وعليه الدم، كذا ههنا.
وأما (2) وقت الرمي فأيام الرمي أربعة: يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق، أما يوم النحر، فأول وقت الرمي ما بعد طلوع الفجر الثاني من يوم النحر، فلا يجوز قبل طلوعه، وأول وقته المستحب ما بعد طلوع الشمس قبل الزوال، وهذا عندنا، وقال الشافعي: إذا انتصفت ليلة النحر دخل وقت رمي الجمار،
(1) انظر: "البدائع"(2/ 314، 315).
(2)
انظر: "بدائع الصنائع"(2/ 323، 324).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
كما قال في الوقوف بعرفة ومزدلفة، فإذا طلعت الشمس وجب، وقال سفيان الثوري: لا يجوز قبل طلوع الشمس.
وأما آخره فآخر النهار، كذا قال أبو حنيفة: إن وقت الرمي يوم النحر يمتد إلى غروب الشمس، وقال أبو يوسف: يمتد إلى وقت الزوال، فإذا زالت الشمس يفوت الوقت.
ولأبي حنيفة الاعتبار لسائر الأيام، وهو أن في سائر الأيام ما بعد الزوال إلى غروب الشمس وقت الرمي فكذا في هذا اليوم، فإن لم يرم حتى غربت الشمس فيرمي قبل طلوع الفجر من اليوم الثاني أجزأه، ولا شيء عليه في قول أصحابنا، وللشافعي فيه قولان، في قول: إذا غربت الشمس، فقد فات الوقت، وعليه الفدية، وفي قول: لا يفوت إلا في آخر أيام التشريق.
فإن أخر الرمى حتى طلع الفجر من اليوم الثاني رمى، وعليه دم للتأخير في قول أبي حنيفة، وفي قول أبي يوسف ومحمد: لا شيء عليه، والكلام فيه يرجع إلى أن الرمي موقت عنده، وعندهما ليس بموقت، وهو قول الشافعي.
وأما (1) الحلق فيختص بالزمان والمكان، فزمانه أيام النحر، ومكانه الحرمُ، وهذا قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: لا يختص بالزمان ولا بالمكان، وقال محمد: يختص بالمكان لا بالزمان، وقال زفر: يختص بالزمان لا بالمكان، حتى لو أخر الحلق عن أيام النحر، أو حلق خارج الحرم، يجب عليه الدم في قول أبي حنيفة، وعند أبي يوسف لا دم عليه فيهما جميعًا، وعند محمد يجب الدم في المكان لا في الزمان، وعند زفر يجب في الزمان لا في المكان.
(1) انظر: "بدائع الصنائع"(2/ 330).
1984 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ (1) الْعَتَكِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَنَا ابْنُ جُرَيجٍ قَالَ: بَلَغَنِي عن صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَتْ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ عُثْمَان
===
وأما الذبح فلا يجب على المفرد، بل هو مختص بالقارن والمتمتع، وهو موقت بالمكان والزمان، فأما بمكان فالحرم، لا يجوز في غيره لقوله تعالى:{وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} (2)، ومحله الحرم، والمراد منه هدي المتعة لقوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (3)، والهدي اسم لما يهدى إلى بيت الله الحرام، أي يُبعَث ويُنقَل إليه.
وأما زمانه فأيام النحر حتى لو ذبح قبلها لم يجز؛ لأنه دم نسك عندنا، فيتوقت بأيام النحر كالأضحية (4).
1984 -
(حدثنا محمد بن الحسن) هكذا في متن جميع النسخ و"التقريب" و "تهذيب التهذيب" و"الخلاصة" بدون ياء التصغير، وفي الحاشية: الحسين، ولم أجده فيما عندي من الكتب، ابن تسنيم بفتح المثناة، وسكون المهملة، وكسر النون، بعدها تحتانية ساكنة، الأزدي (العتكي) بفتح المهملة والمثناة، التسنيمي، أبو عبد الله البصري، نزيل الكوفة، وقد يُنسَب إلى جده، قال ابن خزيمة: كوفي ثبت، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مستقيم الحديث، عداده في الكوفيين، يُغْرِب.
(أنا محمد بن بكر، أنا ابن جريج قال: بلغني) فيه انقطاع لأنه على سبيل البلاغ، وقد ذكر الواسطة في السند الآتي فلا يضر (عن صفية بنت شيبة بن عثمان قالت: أخبرتني أمُّ عثمان) بنت سفيان، ويقال: بنت أبي سفيان،
(1) في نسخة: "الحسين".
(2)
سورة الفتح: الآية 25.
(3)
سورة البقرة: الآية 196.
(4)
انظر: "شرح اللباب"(ص 226، و 263).
أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ (1) إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ". [دي 1905، ق 5/ 104]
===
وهي أم ولد شيبة بن عثمان، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن ابن عباس، روت عنها صفية بنت شيبة.
(أن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير) وقدر التقصير فأقله بقدر أنملة، قال الشوكاني (2): فيه دليل على أن المشروع في حقهن التقصير، وقد حكى الحافظ (3) الإجماع على ذلك، قال جمهور الشافعية: فإن حلقت أجزأها، قال القاضي أبو الطيب والقاضي حسين: لا يجوز، وقد أخرج الترمذي (4) من حديث علي:"نهى أن تحلق المرأة رأسَها".
وقال في "اللباب"(5) وشرحه: والحلق مسنون للرجال، ومكروه للنساء، والتقصير مباح لهم، ومسنون أي مؤكد بل واجب لهن لكراهة الحلق كراهة تحريم إلَّا لضرورة.
قلت: ولو اعتمرت المرأة أيامًا وقصرت من شعرها كل يوم حتى بقي شعرُها قدرَ أنملة، فإن حلقت رأسها وقعت في الحرمة أو الكراهة، وإن لم تحلق فلا تحل، ولم أر حكمه في ذلك في شيء من كتب المذهب إلا أن يقال: كما أن إجراء الموسى على من ليس له شعر في الرأس يكفيه، كذلك إجراء المقص لعلها يكفيها، والله أعلم.
(1) في نسخة: "الحلق".
(2)
"نيل الأوطار"(3/ 425).
(3)
انظر: "فتح الباري"(3/ 565).
(4)
برقم (914).
(5)
"شرح اللباب"(ص 229).