الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(30) بَابُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ
1823 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ
===
جالسًا في المسجد، فَقَدَّ (1) قميصَه من جيبه حتى أخرجه من رجليه" الحديث. قال: فذهب قوم إلى هذا، فقالوا: لا ينبغي للمحرم أن يخلعه كما يخلع الحلال قميصه؛ لأنه إذا فعل ذلك غطى رأسه، وذلك عليه حرام، فأمره بشقه لذلك.
وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: بل ينزعه نزعًا (2)، واحتجوا في ذلك بحديث يعلي بن أمية الذي أحرم وعليه جبة، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزعها نزعًا.
وقال الطحاوي: ليس الممنوع تغطية الرأس فإن المحرم لو حمل على رأسه شيئًا ثيابًا أو غيرها لم يكن بذلك بأسًا، ولكن المنهي عنه إلباس الرأس، ونزع الجبة عن جانب الرأس ليس بإلباس، فلا يكون منهيًّا عنه.
وقد اختلف المتقدمون في ذلك، فعن إبراهيم والشعبي أنهم قالوا: إذا أحرم الرجل وعليه قميص فليخرقه حتى يخرج منه، وعن سعيد بن جبير مثلَه.
وأما عطاء وعكرمة فخالفا إبراهيمَ والشعبيَّ وسعيدَ بنَ جبير، وذهبا إلى ما ذهبنا إليه من حديث يعلى، انتهى ملخصًا.
(30)
(بَابُ مَا يَلْبَسُ المُحْرِمُ)
أي ما يجوز للمحرم أن يلبسه من الثياب
1823 -
(حدثنا مسدد وأحمد بن حنبل قالا: نا سفيان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: سأل رجل) قال الحافظ (3): لم أقف على اسمه في
(1) من القَدِّ، وهو القطع طولًا كالشق، كذا في "النهاية"(4/ 21).
(2)
به قال الجمهور، كذا في "عمدة القاري". [(7/ 46)]. (ش).
(3)
"فتح الباري"(3/ 401).
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا يَتْرُكُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ: «لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ، وَلَا الْبُرْنُسَ، وَلَا السَّرَاوِيلَ، وَلَا الْعِمَامَةَ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ
===
شيء من الطرق. (رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يترك المحرم من الثياب؟ ) وفي رواية البخاري: "ما يلبس من الثياب"(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يلبس) المحرم (القميصَ).
قال الحافظ (1): قال النووي: قال العلماء: هذا الجواب من بديع الكلام وجزله؛ لأن ما لا يلبس منحصر، فحصل التصريح به، وأما الملبوس الجائز فغير منحصر، فقال: لا يلبس كذا، أي: ويلبس ما سواه.
وهذا كله بناء على سياق هذه الرواية التي في البخاري وهي المشهورة، وأما على رواية أبي داود:"ما يترك المحرم"، وهي شاذة؛ فلا مساغ لهذا التوجيه فيه، بل الجواب فيه مطابق للسؤال.
وقد أجمعوا على أن المراد بالمحرم ها هنا الرجل، ولا تلتحق به المرأة في ذلك؛ لأن للمرأة يجوز أن تلبس جميع ذلك، وفي ذكر القميص والسراويل نهي عن كل مخيط، وبالعمائم والبرانس نهي عن كل ما يُغَطى الرأسُ به مخيطًا أو غيره.
(ولا البرنس) وهو الثوب الذي رأسه منه، (ولا السراويلَ) والنهي عن هذه الثلاثة لأنها من المخيط إلَّا البرنس؛ فإن في النهي عنه وجهين: الأول: كونه مخيطًا كالقميص والقباء. والثاني: كونه ساترًا للرأس، والمراد من المخيط هو الذي صنع على البدن، فلو نسج ثوب على البدن ولم يكن فيه خياطة أصلًا فهو في حكم المخيط لا يجوز لبسه للمحرم، نعم لو لبسها على غير وجهه بأن ارتدى بالقميص أو اتَّزر بالسراويل جاز.
(ولا العمامةَ) وكذا القلنسوةَ والعرقيةَ والتاجَ والطربوشَ، (ولا ثوبًا مسه
(1) انظر: "فتح الباري"(3/ 402).
وَرْسٌ، وَلَا زَعْفَرَانٌ، وَلَا الْخُفَّيْنِ إلَّا لِمَنْ (1) لَا يَجِدِ النَّعْلَيْنِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ». [خ 134، م 1177، ن 2673، ت 833، حم 2/ 8]
===
ورس) وكذا كل ثوب صبغ بما له طيب كورس، وهو نبت يكون باليمن يتَّخذ منها الغمرة للوجه، وفي "النهاية" عن "القانون": الورس شيء أحمر قانٍ يشبه سحيق الزعفران، وهو مجلوب من اليمن، كذا في "رد المحتار"(2).
(ولا زعفران) لأنهما من الطيب، ولا يختص بهما الرجل المحرم، بل يشمل الرجل والمرأة (3)، (ولا الخفين) أي للرجال؛ فإن المرأة تلبس المخيط والخفين (إلَّا لمن لا يجد النعلين، فمن لم يجد النعلين فليلبس الخفين (4) وليقطعهما (5) حتى يكونا أسفل من الكعبين).
والمراد بالكعب عندنا معشر الحنفية معقدُ الشراك وهو المفصل الذي في وسط القدم بخلافه في الوضوء، فإن المراد في الوضوء العظمان الناتيان اللذان في جانبي القدم. قال الحافظ (6): والمراد كشف الكعبين في الإحرام، وهما العظمان الناتيان عند مفصل الساق والقدم، وقال محمد بن الحسن ومن تبعه من
(1) في نسخة: "أن".
(2)
(3/ 500).
(3)
أي المحرمين، كما سيأتي قريبًا عن "الدر المختار" ما يدل على أن المرأة لا تمنع عن المزعفر بدون الإحرام. (ش).
(4)
فإن لبسهما مع وجود النعلين افتدى عند مالك سواء قطع أو لا، ولا فدية عندنا بشرط القطع، نعم يكون خلاف السنَّة وهو قول للشافعية، والآخر الفدية في المقطوع أيضًا، كذا في "الأوجز"(6/ 318). (ش).
(5)
ولا فدية إذ ذاك عند الحنفية خلافًا لما توهم جمع من الشراح إذ حكى بعضهم عنا الفدية، وكذا توهم بعضهم إذ حكوا عن مالك الفدية، وهو أيضًا غلط، كذا في "الأوجز"(6/ 370). (ش).
(6)
"فتح الباري"(3/ 403).
1824 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ. [انظر سابقه وأيضًا: جه 2929، 2932]
===
الحنفية: الكتب ها هنا هو العظم الذي في وسط القدم عند معقد الشراك، وقيل: هذا لا يُعرَف عند أهل اللغة.
قال العيني (1): قلت: الذي قال: لا يعرف عند أهل اللغة، هو ابن بطال، والذي قاله هو لا يعرف، وكيف والإمام محمد بن الحسن إمام في اللغة والعربية؟ فمن أراد تحقيق صدق هذا فلينظر في مصنفه الذي وضعه على أوضاع يعجز عنه الفحول من العلماء والأساطين من المحققين، وهو الذي سماه "الجامع الكبير"، والذي قاله هو الذي اختاره الأصمعي، قاله الإِمام فخر الدين، انتهى.
قال الحافظ: وظاهر الحديث أنه لا فدية على من لبسهما إذا لم يجد النعلين، وعن الحنفية تجب، واستدل به على اشتراط القطع خلافًا للمشهور عن أحمد؛ فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع لإطلاق حديث ابن عباس بلفظ:"ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين"، وتعقب بأنه موافق على قاعدة حمل المطلق على المقيد، فينبغي أن يقول بها هنا، انتهى.
وكذا لا يلبس الجوربين؛ لأنهما في معنى الخفين، قال في "البدائع" (2): ورخص بعض مشايخنا المتأخرون لبس الصندلة قياسًا على الخف المقطوع؛ لأنه في معناه، وكذا لبس الميثم لما قلنا.
1824 -
(حدثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه).
وكتب ها هنا في بعض النسخ: "باب في المحرمة لا تنتقب ولا تلبس القفازين"، ولا حاجة إلى ذلك الباب.
(1)"عمدة القاري"(7/ 58).
(2)
"بدائع الصنائع"(2/ 406).
1825 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ زَادَ:«لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ (1) ، وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» . [خ 1838، ت 833، ن 2673، حم 2/ 119]
===
1825 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا الليث، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه) أي بمعنى حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه.
(زاد) نافع على حديث سالم: (ولا تنتقب (2) المرأةُ الحرامُ)؛ لأن المرأة المحرمة لا يجوز لها أن تغطي وجهها لما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إحرام المرأة في وجهها"(3). وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان الركبان يمرون بنا، ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا رفعنا"(4)، فدل الحديث على أن ليس للمرأة أن تغطي وجهها، وأنها لو أسدلت على وجهها شيئًا وجافته عنه لا بأس بذلك؛ لأنها إذا جافته عن وجهها صار كما لو جلست في قبة أو أسترت بفسطاط.
(ولا تلبس القفازين) هو بالضم والتشديد: شيء يلبسه نساء العرب في أيديهن يغطي الأصابعَ والكفَّ والساعدَ من البرد، وفيه قطن محشو، وقيل: هو ضرب من العلي تتخذه المرأة ليديها، "مجمع".
وفي "القاموس": وكَرُمَّانٍ: شيء يُعمَل لليدين يُحْشَى بقطن تلبسهما المرأة للبرد، وضرب من العلي لليدين والرجلين.
أما لبس القفازين فلا يكره عندنا، وهو قول علي وعائشة - رضي الله
(1) في نسخة: "المحرم".
(2)
واستدل بتخصيص المرأة على جواز تغطية الوجه للمحرم، وسيأتي في "باب المحرمة تغطي وجهها". (ش).
(3)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(5/ 47) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
أخرجه أبو داود (1833)، وأحمد (6/ 30)، وابن ماجه (2935).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ (1) ، عَلَى مَا قَالَ اللَّيْثُ، وَرَوَاهُ مُوسَى بْنُ طَارِقٍ
===
عنهما-، وقال الشافعي: لا يجوز، واحتج بحديث ابن عمر رضي الله عنه هذا، ولأن العادة في بدنها الستر، فيجب مخالفتها بالكشف كوجهها.
ولنا ما روي: أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان يلبس بناته وهن محرمات القفازين، ولأن لبس القفازين ليس إلَّا تغطية يديها بالمخيط، وأنها غير ممنوعة عن ذلك؛ فإن لها أن تغطيهما عن قميصها، وإن كان مخيطًا، فكذا بمخيط آخر بخلاف وجهها، وقوله:"ولا تلبس القفازين" نهي ندب حملناه عليه جمعًا بين الدلائل بقدر الإمكان، "بدائع"(2).
وأما الرجل المحرم فلا يلبس القفازين لما نقل عز الدين بن جماعة من أنه يحرم عليه لبس القفازين في يديه عند الأئمة الأربعة؛ لأنهما في حكم المخيط.
(قال أبو داود: وقد روى هذا الحديث حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب، عن موسى بن عقبة (3)، عن نافع، على ما قال الليث) أي مرفوعًا، ولم أجد روايتهما فيما عندي من الكتب.
(ورواه موسى بن طارق) اليماني أبو قرة، بضم القاف، الزبيدي بفتح الزاي، قال أبو حاتم: محله الصدق، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان ممن جَمَعَ وصنف وتفقه وذاكر، يغرب. وعن الحاكم: ثفة مأمون.
(1) زاد في نسخة: "عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم".
(2)
"بدائع الصنائع"(2/ 401).
(3)
وذكر متابعة موسى بن عقبة البخاري أيضًا، قال الحافظان: وصله النسائي برواية عبد الله بن المبارك عنه. (ش. [انظر: "فتح الباري" (4/ 53)، و"عمدة القاري"(7/ 527)].
عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عُمَرَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمَالِكٌ وَأَيُّوبُ مَوْقُوفًا، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَدِينِىُّ (1) ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم:«الْمُحْرِمَةُ لَا تَنْتَقِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» .
===
وقال الخليل: ثقة قديم. (عن موسى بن عقبة موقوفًا على ابن عمر، وكذلك رواه عبيد الله بن عمر (2) ومالك (3) وأيوب موقوفًا؛ وإبراهيمُ بن سعيد المديني) (4) أي وروى إبراهيم بن سعيد المديني (عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم) مرفوعًا: (المحرمة لا تنتقب، ولا تلبس القفازين).
غرض المصنف بهذا الكلام إشارة إلى أن النهي عن النقابِ ولبسِ القفازين مختلف في رفعه ووقفه، فرواه الليث بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، وتابعه موسى بن عقبة برواية حاتم بن إسماعيل ويحيى بن أيوب؛ فإنهما روياه عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا على ما قال الليث.
وأما موسى بن طارق فرواه عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا على ابن عمر رضي الله عنه، وكذلك - أي كما رواه موسى بن عقبة برواية موسى بن طارق - رواه عبيد الله بن عمر ومالك وأيوب موقوفًا على ابن عمر.
وأما إبراهيم بن سعيد المديني فرواه عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا، وإلى ذلك أشار البخاري في "صحيحه" بعد ما أخرج حديث الليث، عن نافع، عن ابن عمر فقال بعد تمام الحديث: تابعه موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق في النقاب والقفازين، أي في ذكرهما في الحديث مرفوعًا، وقال عبيد الله بن عمر العمري: ولا ورس، وكان - أي
(1) في نسخة: "المدني".
(2)
أخرج روايته ابن خزيمة في "صحيحه"(4/ 162) رقم (2597).
(3)
أخرجه في "موطئه"(1/ 301) رقم (739).
(4)
وصل المصنف روايته برقم (1826).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ابن عمر- يقول: "لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين"، فجعله قولَ عبد الله ولم يرفعه، وقال مالك: عن نافع، عن ابن عمر:"لا تتنقب المحرمة"، فأوقفه مالك أيضًا، وتابعه ليث بن أبي سلم (1) أي في وقفه.
قلت: وكذلك ذكر البيهقي هذا الاختلاف في "سننه الكبرى"(2)، فأخرج أولًا، حديث الليث، عن نافع، عن عبد الله بن عمر الذي أخرجه البخاري في "صحيحه"، ثم حكى قول البخاري: وتابعه موسى بن عقبة
…
إلخ.
ثم أخرج حديث موسى بن عقبة من طريق حفص بن ميسرة، عن موسى، عن نافع، عن ابن عمر، ثم قال: ورواه أيضًا عبد الله بن المبارك وجماعة عن موسى بن عقبة.
ثم أخرج حديثه من طريق فضيل بن سليمان عن موسى بن عقبة عن نافع فرفعه.
ثم أخرج حديث جويرية بن أسماء من حديث عبد الله بن محمد بن أسماء: حدثنا جويرية بن أسماء، عن نافع أن عبد الله بن عمر قال: قام رجل فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث، نحو حديث الليث.
ثم ذكر من حديث أبي سلمة: ثنا جويرية، عن نافع، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم أخرج حديث محمد بن إسحاق من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثني أبي، عن ابن إسحاق، فذكر الحديث مرفوعًا.
ثم قال: ورواه أيضًا إبراهيم بن سعيد المديني، عن نافع مرفوعًا، ثم قال: قال أبو داود: ورواه عبيد الله بن عمر ومالك بن أنس وأيوب عن نافع موقوفًا
(1) في الأصل: "ليث بن سليم"، وهو خطأ.
(2)
انظر: "السنن الكبرى"(5/ 46، 47).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
على ابن عمر: "المحرمة لا تنتقب، ولا تلبس القفازين"، قال الشيخ: وعبيد الله ابن عمر ساق الحديث إلى قوله: "ولا ورس"، ثم قال: وكان يقول: "لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين".
ثم قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: قال أبو علي الحافظ: "لا تنتقب المرأة" من قول ابن عمر، وقد أُدْرج في الحديث، انتهى.
قال الحافظ (1): وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكمَ بالإدراج في هذا الحديث لورود النهي عن النقاب والقفاز مفردًا مرفوعًا، وللابتداء بالنهي عنهما في رواية ابن إسحاق المرفوعة المقدم ذكرها.
وقال في "الاقتراح": دعوى الإدراج في أول المتن ضعيفة، وأجيب بأن الثقات إذا اختلفوا وكان مع أحدهم زيادة قُدِّمت، ولا سيما إن كان حافظًا ولا سيما إن كان أحفظ، والأمر ها هنا كذلك، فإن (2) عبيدَ الله بن عمر في نافع أحفظ من جميع من خالفه، وقد فصل المرفوع من الموقوف، وأما الذي اقتصر على الموقوف فرفعه فقد شَذَّ بذلك وهو ضعيف، وأما الذي ابتدأ في المرفوع بالموقوف فإنه من التصرف في الرواية بالمعنى، وكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدَّم وأخَّر لجواز ذلك عنده، ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولى، أشار إلى ذلك شيخنا في "شرح الترمذي".
قلت: والذي ذكره من ترجيح الوقف؛ فمحل بحث، فإن الذين رفعوه ثقات متقنون، وعندهم زيادة علم فوجب قبوله، وكيف لا؟ وقد أمكن أن يقال: إن ابن عمر- رضي الله عنه رفعه مرة ووقفه مرة أخرى بأنه أفتى بذلك، فروى عنه نافع كذلك، فلا حاجة حينئذ إلى التكلفات التي ارتكبها، فالحكم بإدراج هذه الجملة سخيف جدًا، والله أعلم.
(1)"فتح الباري"(4/ 53، 54).
(2)
في الأصل: "قال"، وهو تحريف، والصواب:"فإن"، كما في "الفتح".
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ (1) شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ لَهُ كَبِيرُ (2) حَدِيثٍ.
1826 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَدِينِىُّ (3) ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«الْمُحْرِمَةُ لَا تَنْتَقِبُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ» . [ق 5/ 47، وانظر الحديث السابق]
1827 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِى، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: فَإِنَّ (4) نَافِعًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حَدَّثَنِى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: "أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى النِّسَاءَ فِى إِحْرَامِهِنَّ عَنِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ
===
(قال أبو داود: إبراهيم بن سعيد المديني شيخ من أهل المدينة ليس له كبير حديث)، قال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قلت: له عنده حديث واحد في "الحج".
1826 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا إبراهيم بن سعيد المديني، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المحرمة لا تنتقب) أي لا تغطي الوجه بالنقاب (ولا تلبس القفازين).
1827 -
(حدثنا أحمد بن حنبل، نا يعقوب، نا أبي) إبراهيم بن سعد، (عن ابن إسحاق قال: فإن نافعًا مولى عبد الله بن عمر حدثني، عن عبد الله بن عمر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من
(1) في نسخة: "المدني".
(2)
في نسخة: "كثير".
(3)
في نسخة: "المدني".
(4)
في نسخة: "قال لي نافع".
الثِّيَابِ، وَلْتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا (1) أَوْ خَزًّا أَوْ حُلِيًّا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصًا أَوْ خُفًّا (2) ". [حم 2/ 22، ك 1/ 486]
===
الثياب، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرًا) ما صبغ بالعصفر وهو زهر القرطم (أو خزًّا) وهو نوع من الإبريسم (أو حليًّا، أو سراويل، أو قميصًا، أوخفًّا).
وفي الحديث جواز المعصفر وهو مختلف فيه، قال في "البدائع" (3): ولا يلبس المعصفر وهو المصبوغ بالعصفر عندنا، وقال الشافعي (4): يجوز، واحتج بما روي أن عائشة رضي الله عنها لبست الثياب المعصفرة، وهي محرمة، وروي أن عثمان رضي الله عنه أنكر على عبد الله بن جعفر لبس المعصفر في الإحرام، فقال علي رضي الله عنه: ما أرى أن أحدًا يعلمنا السنَّة.
ولنا ما روي أن عمر رضي الله عنه أنكر على طلحة لبسَ المعصفر في الإحرام، فقال طلحة رضي الله عنه: إنما هو ممشق بِمَغْرَة، فقال عمر رضي الله عنه: إنكم أئمة يقتدى بكم، فدل إنكار عمر واعتذار طلحة رضي الله عنهما على أن المحرم ممنوع من ذلك. وفيه إشارة إلى أن الممشق مكروه أيضًا؛ لأنه قال: إنكم أئمة يقتدى بكم، أي: أن من شاهد ذلك ربما يظن أنه مصبوغ بغير المغرة فيعتقد الجواز، فكان سببًا للوقوع في الحرام عسى (5) فيكره، ولأن المعصفر طيب، لأن له رائحة طيبة، فكان كالورس والزعفران.
(1) في نسخة: "من معصفر، أو خزٍّ، أو حلي، أو سراويل، أو قميص، أو خف".
(2)
زاد في نسخة: "أو ذهبًا".
(3)
"بدائع الصنائع"(2/ 407، 408).
(4)
وبه قال أحمد، وقال مالك: المعصفر المفدم لا يجوز. (ش).
(5)
لفظة "عسى" زائدة، ولم يرد في "البدائع".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد روي عنها: أنها كرهت المعصفر في الإحرام، أو يحمل على المصبوغ بمثل العصفر كالمغرة ونحوها، وهو الجواب عن قول علي (1) وعمر رضي الله عنهما على أن قوله معارض بقول عثمان رضي الله عنه، وهو إنكاره، فسقط الاحتجاج به للتعارض، هذا إذا لم يكن مغسولًا، فأما إذا كان قد غسل حتى صار لا ينفض فلا بأس به، انتهى. وقال في "الهداية" (2): ولا يلبس ثوبًا مصبوغًا بورس ولا زعفران ولا عصفر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا يلبس المحرم ثوبًا مسَّه زعفران ولا ورس، إلَّا أن يكون غسيلًا لا ينفض"؛ لأن المنع للطيب لا للون (3)، وقال الشافعي: لا بأس بلبس المعصفر، لأنه لون لا طيب له، ولنا أن له رائحة طيبة.
قال ابن الهمام في "فتح القدير"(4): فمبنى الخلاف على أنه طيِّب الرائحة أو لا؟ فقلنا: نعم، فلا يجوز، وعن هذا قلنا: لا يتحنى المحرم لأن الحناء طيب، ومذهبنا مذهب عائشة رضي الله عنها في هذا، ثم النص ورد بمنع المورس على ما قدمنا، وهو دون المعصفر في الرائحة، فيمنع المعصفر بطريق أولى، ولكن تقدم في حديث أبي داود قوله عليه الصلاة والسلام:"ولتلبس بعد ذلك ما شاءت من ألوان الثياب من معصفر".
فالجواب أولًا: أن عمر رضي الله عنه رأى على طلحة بن عبيد الله
(1) وفي "البدائع" هكذا: وهو الجواب عن قول عمر رضي الله عنه، فقط، ولم يذكر فيه عليًّا.
(2)
"الهداية"(1/ 136).
(3)
وذلك لأن المرأة لا تمنع عن المعصفر والمزعفر بدون الإحرام، ففي "الدر المختار" (9/ 591): كره لبس المعصفر والمزعفر للرجال، مفاده أنه لا يكره للنساء، ويشكل عليه ما سيأتي في "آخر السنن" في لبسه عليه السلام ملحفة مصبوغة بزعفران. (ش).
(4)
"فتح القدير"(2/ 450، 451).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى هَذَا (1) عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ (2): عَبْدَةُ (3) وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عن محمد بن إسحاق إِلَى قَوْلِهِ:"وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ الثِّيَابِ"، وَلَمْ يَذْكُرَا مَا بَعْدَهُ.
===
ثوبًا مصبوغًا وهو محرم، فقال: ما هذا الثوب يا طلحة؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر، فقال عمر: أيها الرهط إنكم أئمة يُقتَدى بكم، فلا تلبسوا أيها الرهط شيئًا من هذه الثياب المصبغة. فإن صح كونه بمحضر من الصحابة أفاد منع المتنازع فيه وغيره، ثم يخرج الأزرق ونحوه بالإجماع، ويبقى المتنازع فيه داخلًا في المنع.
والجواب المحقق إن شاء الله سبحانه أن نقول: "ولتلبس بعد ذلك
…
إلخ" مدرج، كأن المرفوع صريحًا هو قوله: "سمعته ينهى عن كذا" وقوله: "ولتلبس بعد ذلك"، ليس من متعلقاته، ولا يصح جعله عطفًا على "ينهى" لكمال الانفصال بين الخبر والإنشاء، فكان الظاهر أنه مستأنف من كلام ابن عمر رضي الله عنه، فتخلو تلك الدلالة عن المعارض الصريح، أعني منطوق المورس ومفهومه الموافق، فيجب العمل به، انتهى.
قلت: ويؤيد ذلك ما رواه عبدة ومحمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق بأنهما لم يذكرا هذا الكلام، فدل اقتصارُهما على قوله:"من الثياب" وعدمُ ذكرهما ما بعده من الكلام على كونه مدرجًا، والله أعلم.
(قال أبو داود: روى هذا) الحديث (عن ابن إسحاق: عبدةُ ومحمدُ بن سلمة، عن محمد بن إسحاق إلى قوله: وما مس الورس والزعفران من الثياب، لم يذكرا) أي عبدة ومحمد بن سلمة (ما بعده).
(1) زاد في نسخة: "الحديث".
(2)
زاد في نسخة: "عن نافع".
(3)
في نسخة: "عبدة بن سليمان".
1828 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ:"أَنَّهُ وَجَدَ الْقُرَّ، فَقَالَ: أَلْقِ عَلَىَّ ثَوْبًا يَا نَافِعُ، فَأَلْقَيْتُ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَقَالَ: تُلْقِى عَلَىَّ هَذَا وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَلْبَسَهُ الْمُحْرِمُ". [حم 2/ 31]
1829 -
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَا يَجِدُ الإِزَارَ، وَالْخُفُّ (1) لِمَنْ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ» . [خ 1843، م 1178، خزيمة 2681، ن 2671]
===
1828 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: أنه وجد القر) قال في "القاموس": القُرَّ بالضم: البرد، أو يخص بالشتاء (فقال) لنافع:(أَلْقِ عَليَّ ثوبًا يا نافع، فألقيت عليه برنسًا، فقال) ابن عمر: (تلقي عليَّ هذا) أي البرنس (وقد) الواو للحال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسه المحرم) وهذا الذي قاله ابن عمر رضي الله عنه لنافع في البرنس كان على سبيل التورع (2)، وإلَّا فإلقاء البرنس على الرجل لدفع البرد ليس بلبس وليس بمنهي عنه، فإنما المنهي عنه لبس المخيط لا الإلقاء عليه، ولأجل ذلك لم يدفعه عن نفسه.
1829 -
(حدثنا سليمان بن حرب، نا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد) أبي الشعثاء، (عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: السراويل لمن لا يجد الإزار، والخف لمن لا يجد النعلين) قال الحافظ
(1) في نسخة: "الخفين".
(2)
وتقدَّم النهي عنه في "باب ما يلبس المحرم"، وقال الدردير: يحرم القباء وإن لم يدخل كمَّا في يدٍ، بل وضعه على منكبيه، ومحمل المنع إن أدخل المنكبين في محلهما، فإن نكَّسه بأن جعل أسفله على منكبيه فلا فدية، وقال أيضًا: وجاز ارتداء وائتزار بقميص وجبَّة. [انظر: "الشرح الكبير" مع "حاشية الدسوقي" (2/ 283، 285)]. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
في "الفتح"(1): قال القرطبي: أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد، فأجاز لبس الخفِّ والسراويلِ للمحرم الذي لا يجد النعلين والإزار على حالهما.
واشترط الجمهور قطعَ الخف وفتقَ السراويل، فلو لبس شيئًا منهما على حاله لزمته الفديةُ. والدليل لهم قوله في حديث ابن عمر رضي الله عنه:"وليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين"، فيُحمَل المطلق على المقيد، ويلحق النظير بالنظير لاستوائهما في الحكم.
(قال أبو داود: هذا حديث أهل مكة)؛ لأن سليمان بن حرب مكي كان قاضيًا بمكة، وحماد بن زيد بصري، ثم عمرو بن دينار مكي يروي عن جابر بن زيد وهو بصري، ولذا قال:(ومرجعه إلى البصرة إلى جابر بن زيد، والذي تفرد به) أي الكلام الذي تفرد به جابر بن زيد (منه) أي من الحديث (ذكرُ السراويل) فإنه لم يذكر السراويلَ عن ابن عباس غير جابر بن زيد، وقد أخرج هذا الحديث أبو بكر بن أبي شيبة (2) في "مصنفه"(3) بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فإن كان فيه ذكر السراويل فلا يصح دعوى تفرُّدِ جابرِ بنِ زيدٍ فيه.
(ولم يذكر القطعَ في الخف) قد ترددتُ في مرجع الضمير في "لم يذكر" فرأيت صاحب "العون"(4) أرجع الضمير إلى جابر بن زيد، ويُتَعَقَّبُ بحديث أخرجه النسائي (5) من طريق يزيد بن زريع قال: أخبرنا أيوب، عن عمرو، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، وفيه:"وليقطعهما أسفل من الكعبين".
(1)"فتح الباري"(4/ 57).
(2)
في الأصل: "ابن شيبة"، وهو خطأ.
(3)
"المصنف"(4/ 101)، وفيه ذكر السراويل.
(4)
انظر: "عون المعبود"(5/ 192).
(5)
"سنن النسائي"(5/ 135)، رقم (2679، 2672).
1830 -
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ جُنَيْدٍ الدَّامَغَانِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، أَخْبَرَنِى عُمَرُ بْنُ سُوَيْدٍ الثَّقَفِىُّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِى عَائِشَةُ بِنْتُ طَلْحَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ: "كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ (1) جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ
===
وكذا لا يجوز أن يكون المرجع حمادًا؛ لأن حديث أيوب عند النسائي من طريق إسماعيل عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، ليس فيه ذكر القطع، وكذلك أخرج مسلم حديث سفيان بن عيينة وهشيم والثوري وابن جريج وإسماعيل عن أيوب كل هؤلاء عن عمرو بن دينار بهذا الإسناد، وليس فيه ذكر القطع.
وكذا إرجاع الضمير إلى سليمان بن حرب غير صحيح؛ لأنه قد أخرج مسلم من حديث يحيى بن يحيى وأبي الربيع الزهراني وقتيبة بن سعيد جميعًا عن حماد، ولم يذكروا فيه القطع.
والذي تقرر عندي أن المصنف رحمه الله كتب أولًا هذه العبارة، ثم لما عُرِضَ عليه ثانيًا ورأى فيه هذا الخطل أخرجها من الكتاب، فكتبها بعض النساخ في حاشية بعض النسخ، والصواب حذفُها، والله أعلم، انتهى.
1830 -
(حدثنا الحسين بن جنيد الدامغاني) نسبة إلى دامغان: مدينة من بلاد قومس. قال النسائي: لا بأس به. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: من أهل سمنان، مستقيم الأمر فيما يرويه. قلت: وقال مسلمة بن قاسم: ثقة.
(نا أبو أسامة، أخبرني عمر بن سويد الثقفي، حدثتني عائشة بنت طلحة، أن عائشة أم المومنين حدثتها قالت) عائشة أم المؤمنين: كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة (إلى مكة فَنُضَمِّدُ) من التفعيل، أي نلطخ (جباهنا) جمع جبهة (بالسُّك) وهو نوع من الطيب، معروف، ويضاف إلى غيره من الطيب ويستعمل، وقال في "القاموس": وهو طيب يُتَّخَذ من الرامَك مدقوقًا منخولًا
(1) في نسخة: "فيضمد".
الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَلَا يَنْهَاهَا" (1). [حم 6/ 79]
1831 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِى عَدِىٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: ذَكَرْتُ لاِبْنِ شِهَابٍ، فَقَالَ: حَدَّثَنِى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِى ابْنَ عُمَرَ - كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ؛ يَعْنِى يَقْطَعُ الْخُفَّيْنِ لِلْمَرْأَةِ الْمُحْرِمَةِ،
===
معجونًا بالماء، ويُعْرَك شديدًا، ويمسح بدهن الخيري لئلا يلصق بالإناء، ويُتْرَكُ ليلة، ثم يُسْحَقُ المِسكُ ويُلْقَمُه، ويُعْرَكُ شديدًا، ويُقَرَّص، ويُتْرَكُ يومين، ثم يُثْقَبُ بمسَلَّةٍ، ويُنْظَمُ في خيط قِنَّبٍ، ويُترَكُ سنةً، وكلما عَتُقَ طابت رائحتُه. (المُطَيَّبِ عند الإحرام) أي عند إرادته، (فإذا عَرِقَتْ (2) إحدانا سال) هذا السُّك المطيب مع العرق (على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينهاها).
وهذا الحديث يدل على أن بقاءَ الطيب واستدامتَه (3) بعد استعماله عند الإحرام لا يضر، فإن سكوته صلى الله عليه وسلم على ذلك يدل على الجواز، وهو قول الجمهور، وذهب ابن عمر ومالك ومحمد بن الحسن والزهري وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه لا يجوز التطيب عند الإحرام بحيث يبقى أثره بعد الإحرام.
1831 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد، نا ابن أبي عدي، عن محمد بن إسحاق قال: ذكرت لابن شهاب) أي قطعَ الخفين للمرأة المحرمة (فقال) ابن شهاب: (حدثني سالم بن عبد الله: أن عبد الله - يعني ابنَ عمر- كان يصنع ذلك، يعني يقطع الخفين) أي يحكم بقطع الخفين (للمرأة المحرمة) بناء على إطلاق النهي للرجال والنساء عن لبس الخفين إلَّا بقطعهما.
(1) في نسخة: "فلا ينهانا".
(2)
قال في "البحر الرائق"(3/ 4): لو تطيب قبل الإحرام، ثم انتقل إلى موضع آخر فلا شيء عليه. (ش).
(3)
وبه جزم ابن القيم. [انظر: "زاد المعاد" (2/ 242، 243)]. (ش).