الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(19) بَابٌ: في الْوَلِيِّ
2083 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حدَّثنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، «فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِىُّ مَنْ لَا وَلِىَّ لَهُ» . [ت 1102، جه 1879، حم 6/ 47، دي 2184، ق 7/ 105، ك 2/ 168، قط 3/ 221]
===
(19)
(بابٌ: فِى الْوَلِىِّ)
قال ابن الهمام (1): الولي هو العاقل البالغ الوارث، فخرج الصبي والمعتوه والعبد والكافر على المسلمة، والولاية في النكاح نوعان: ولاية ندب واستحباب، وهو الولاية على العاقلة البالغة بكرًا كانت أو ثيبًا، وولاية إجبار، وهو الولاية على الصغير بكرًا كانت أو ثيبًا، وكذا الكبيرة المعتوهة والمرقوقة، وقال في "البدائع" (2): الولاية في باب النكاح أربعة: ولاية الملك، وولاية القرابة، وولاية الولاء، وولاية الإمامة.
2083 -
(حدثنا محمد بن كثير، أنا سفيان، حدثنا ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة نكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل، ثلاث مرات)، أي كررها ثلاث مرات، قال القاري (3): هو معارض لحديث: "الأيم أحق بنفسها من وليها"، فخص بمن نكحت بغير الكفؤ، وفي "شرح جمع الجوامع": حمله الحنفية على الصغيرة والأمة والمكاتبة.
(فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها) أي استمتع بها، (فإن تشاجروا) أي تنازعوا واختلفوا بينهم كانوا كالمعدومين (فالسلطان ولي من لا ولي له).
(1)"فتح القدير"(3/ 246).
(2)
"مرقاة المفاتيح"(6/ 296).
(3)
"بدائع الصنائع"(2/ 497).
2084 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، نَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عن جَعْفَرٍ - يَعْنِي ابْنَ رَبِيعَةَ-، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن عُرْوَةَ، عن عَائِشَةَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: جَعْفَرٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الزُّهْرِيِّ، كَتَبَ إِلَيْهِ.
2085 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنِ قُدَامَةَ بْنِ أَعْيَنَ، نَا أَبُو عُبَيْد الْحَدَّادُ، عن يُونُسَ، وَإِسْرَائِيلَ، عن أَبِي إِسْحَاقَ، عن أَبِي بُرْدَةَ، عن أَبِي مُوسَى، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا نِكَاحَ إِلَّا بَوَليٍّ". [ت 1101، جه 1881، حم 4/ 394، دي 2182، ق 7/ 107، ك 2/ 169، قط 3/ 220]
===
كتب مولانا محمد يحيى المرحوم من تقرير شيخه رحمه الله قوله: "فالسلطان ولي من لا ولي له"، يعني بذلك أنهم لما تعارضوا تساقطوا، فبقيت المرأة كمن لا ولي لها، والسلطان ولي لمثلها، ثم في الأمر بإعطاء المهر دون العقر والحد دلالة على جواز النكاح من غير ولي، والبطلان في الرواية عدم التمام، وكونه على شرف السقوط، إن كان للولي ضرر في ذلك بتقليل المهر، أو عدم الكفاءة.
قلت: ولفظ بعض الروايات: فلها المهر بما استحل من فرجها، فلفظ "الاستحلال" يدل دلالة صريحة على انعقاد النكاح.
2084 -
(حدثنا القعنبي، نا ابن لهيعة، عن جعفر - يعني ابن ربيعة -، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه) أي بمعنى الحديث المتقدم.
(قال أبو داود: جعفر لم يسمع من الزهري) بل (كتب) أي الزهري (إليه) أي إلى جعفر بن ربيعة.
2085 -
(حدثنا محمد بن قدامة بن أعين، نا أبو عبيدة الحداد، عن يونس، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلَّا بولي).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
اختلف العلماء في هذه المسألة، فقال الشافعي: لا يصح العقد بدون ولي، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا يعتبر الولي في البالغة مطلقًا لحديث: "الثيب- وفي رواية: الأيم- أحق بنفسها من وليها".
قال القاري (1): قال ابن الملك: عمل به الشافعيُّ وأحمدُ وقالا: لا ينعقد بعبارة النساء أصلًا، سواء كانت أصيلة أو وكلية، قلت: المراد منه النكاح الذي لا يصح إلا بعقد ولي بالإجماع، كعقد نكاح الصغيرة والمجنونة. وقال السيوطي في "شرح الترمذي": حمله الجمهور على نفي الصحة، وأبو حنيفة رحمه الله على نفي الكمال. وقال زين العرب: قال مالك: إن كانت المرأة دنيئة، جاز أن تزوِّج نفسها، أو توكل من يزوجها، وإن كانت شريفة لا بد من وليها.
وقال ابن الهمام (2): حاصل ما في الولي من علمائنا سبع روايات، روايتان عن أبي حنيفة رحمه الله، إحداهما: تجوز مباشرة العاقلة البالغة عقد نكاحها ونكاح غيرها مطلقًا؛ إلا أنه خلاف المستحب، وهو ظاهر المذهب، ورواية الحسن عنه: إن عقدت مع كفؤ جاز، ومع غيره لا يصح، واختيرت للفتوى.
ثم قال: قال ابن الهمام: الحديث المذكور معارض لقوله عليه الصلاة والسلام: "الأيم أحق بنفسها من وليها"، رواه مسلم (3) ومالك في "الموطأ" وغيرهما. ووجه الاستدلال أنه أثبت لكل منها، ومن الولي حقًا في ضمن قوله:"أحق"، ومعلوم أنه ليس للولي سوى مباشرة العقد إذا رضيت، وقد جعلها أحق منه به.
وبعد هذا إما أن يجريَ بين هذا الحديث، وما رووا حكم المعارضة والترجيح، أو طريق الجمع، فعلى الأول يترجح هذا بقوة السند وعدم
(1)"مرقاة المفاتيح"(6/ 295، 296).
(2)
"فتح القدير"(3/ 255) ط. دار الفكر.
(3)
"صحيح مسلم"(1421)، "الموطأ لإمام مالك"(2/ 524) رقم (1136).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الاختلاف في صحته، بخلاف حديث:"لا نكاح إلَّا بولي"، فإنه ضعيف (1) مضطرب في إسناده، وفي وصله وانقطاعه وإرساله، وكذا حديث عائشة رضي الله عنها، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، وقد أنكره الزهريُّ. قال الطحاويُّ: وذكر ابن جريج أنه سأل عنه ابن شهاب فلم يعرفه.
وعلى الثاني وهو إعمال طريقة الجمع، بأن يحمل عمومه على الخصوص، وذلك شائع، وهذا يخص حديث أبي موسى بعد جواز كون النفي للكمال والسنَّة، وهو محمل قولها، ويخص حديث عائشة بمن نكحت غير الكفؤ، والمراد بالباطل حقيقته على قول من لم يصحح ما باشرته من غير كفؤ، أو حكمه على قول من يصححه، ويثبت للولي حق الخصومة في فسخه، وكل ذلك شائع في إطلاقات النصوص، ويجب ارتكابه لدفع المعارضة بينهما على أن حديث عائشة يخالف مذهبهم، فإن مفهومه إذا نكحت نفسها بإذن وليها كان صحيحًا وهو خلاف مذهبهم، فثبت مع المنقول الوجه المعنوي، وهو أنها تصرفت في خالص حقها، وهو نفسها، وهي من أهله كالمال، فيجب تصحيحه مع كونه خلاف الأولى، انتهى.
وقال الحافظ في "الفتح"(2): وقد اختلف العلماء في اشتراط الولي في النكاح، فذهب الجمهور إلى ذلك، وقالوا: لا تزوج المرأةُ نفسها أصلًا، واحتجوا بالأحاديث المذكورة، ومن أقواها هذا السبب المذكور في الآية، وهو قوله تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (3) نزلت في معقل بن يسار، قال: زوجت أختًا لي من رجل فطلقها، حتى إذا انقضت عدتها
(1) تقدم في "باب الوضوء من مس الذكر" عن علي بن المديني ثلاث أحاديث لم يصح، "مس الذكر"، و"لا نكاح إلَّا بولي"، "وكل مسكر خمر". (ش).
(2)
"فتح الباري"(9/ 187).
(3)
سورة البقرة: الآية 232.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
جاء يخطبها، فقلت له: لا تعود إليك أبدًا، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، وهو أصرح دليلِ على اعتبار الولي، وإلَّا لما كان لعضله معنى؛ ولأنها لو كان لها أن تزوج نفسها لم تحتج إلى أخيها؛ ومن كان أمره إليه، لا يقال: إن غيره منعه عنه.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يشترط الولي أصلًا، ويجوز أن تزوج نفسها ولو بغير إذن وليها، إذا تزوجت كفؤًا، واحتج بالقياس على البيع، فإنها تستقل به، وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي على الصغيرة، وخص بهذا القياس عمومها، وهو عمل سائغ في الأصول، وهو جواز تخصيص العموم بالقياس. لكن حديث معقل المذكور رفع هذا القياس.
قلت: لم يحتج الإِمام أبو حنيفة - رحمه الله تعالى- في هذه المسألة بالقياس فقط، كما ظنه الحافظ رحمه الله وهو عجيب من مثله، بل احتج بكتاب الله تعالى وسنَّة رسوله، والاستدلال، أما الكتاب فقوله تعالى:{وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} (1)، فالآية الشريفة نص على انعقاد النكاح بعبارتها، وانعقادها بلفظ الهبة، فكانت حجةً على المخالف في المسألتين.
وقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (2). والاستدلال به من وجهين: أحدهما: أنه أضاف النكاح إليها فيقتضي تصوَّر النكاح منها. والثاني أنه جعل نكاح المرأة غاية الحرمة، فيقتضي انتهاء الحرمة عند نكاحها نفسها، وعنده لا تنتهي.
وقوله عز وجل: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} (3) أي: يَتَنَاكَحَا، أضاف النكاح إليهما من غير ذكر الولي.
(1) سورة الأحزاب: الآية 50.
(2)
سورة البقرة: الآية 230.
(3)
سورة البقرة: الآية 230.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وقوله عز وجل: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} (1) الآية. والاستدلال به من وجهين، أحدهما: أنه أضاف النكاح إليهن، فيدل على جواز النكاح بعبارتهن من غير شرط الولي. والثاني: أنه نهى الأولياء عن المنع عن نكاحهن أنفسهن من أزواجهن، إذا تراضى الزوجان، والنهي يقتضي تصوير المنهي عنه.
وأما السنَّة: فما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ليسَ للوليِّ مع الثيِّبِ أمر"(2). وهذا قطع ولاية الولي عنها. وروي عنه أيضًا، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"الأيم أحقُّ بنفسِها من وَليها"(3). والأيم اسم لامرأة لا زوج لها. وأما الاستدلال فهو أنها لما بلغت عن عقل وحرية، فقد صارت ولية نفسها في النكاح، فلا تبقى موليًا عليها، كالصبيِّ العاقل إذا بلغ.
والجامع أن ولايةَ الإنكاح إنما ثَبَتَتْ للأب على الصغيرة بطريق النيابة عنها شرعًا؛ لكون النكاح تصرفًا نافعًا متضمنًا مصلحة الدين والدنيا، وحاجتها إليه حالًا ومآلًا، وكونِها عاجزةً عن إحرازِ ذلك بنفسها، فبالبلوغ عن عقل زال العجزُ حقيقةً، وقدرتْ على التصرف في نفسها حقيقة، فتزول ولايةُ الغير عنها، وتثبت الولاية لها؛ لأن النيابةَ الشرعيةَ إنما تثبت بطريق الضرورة نظرًا، فتزول بزوال الضرورة، مع أن الحرية منافية لثبوت الولاية للحر على الحر، وثبوت الشيء مع المنافي لا يكون إلَّا بطريق الضرورة؛ ولهذا المعنى زالت الولايةُ عن إنكاح الصغير العاقل إذا بلغ، وتثبتُ الولايةُ له، وهذا المعنى موجود في الفرع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"النِّساءُ شَقائِقُ الرِّجالِ"؛ ولهذا زالتْ ولايةُ الأب عن التصرف في مالها، وتثبت الولايةُ لها، كذا هذا.
(1) سورة البقرة: الآية 232.
(2)
أخرجه أبو داود (2100) والنسائي (2363) وأحمد (1/ 334).
(3)
أخرجه مسلم (1421) وأبو داود (2098) والترمذي (1108) والنسائي (3260) وأحمد (1/ 219) ..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وإذا صارت ولي نفسها في النكاح لا تبقى موليًا عليها بالضرورة لما فيه من الاستحالة. وأما الآية وهي قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} (1) فالخطاب للأولياء بالإنكاح ليس يدل على أن الولي شرط جواز الإنكاح، بل على وفاق العرف والعادة بين النساء؛ فإن النساء لا يتولِّين النكاح بأنفسهن عادةً، لما فيه من الحاجة إلى الخروج إلى محافل الرجال؛ وفيه نسبتهن إلى الوقاحة، بل الأولياء هم الذين يتولون ذلك عليهن برضاهن؛ فخرج الخطاب بالأمر بالإنكاح مخرج العرف والعادة على الندب والاستحباب، دون الحتم والإيجاب.
والدليلُ عليه ما ذكره سبحانه وتعالى عقيبه، وهو قوله تعالى:{وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} ، ثم لم يكن الصلاح شرط الجواز، ونظيره قوله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (2)، أو تحمل الآية الكريمة على إنكاح الصغار، عملًا بالدلائل كلها، وعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يزوج النساء إلَّا الأولياء"(3)، أن ذلك على الندب والاستحباب، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:"لا نكاح إلا بوليٍّ"؛ مع ما حكي عن بعض النقلة أن ثلاثة أحاديث لم تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعدَّ من جملتها هذا، ولهذا لم يُخَرَّجْ في الصحيحين، على أنا نقول بموجب الأحاديث، لكن لما قلتم: إن هذا إنكاح بغير ولي، بل المرأة ولية نفسها، لما ذكرنا من الدلائل.
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فقد قيل: إن مداره على الزهري، فعرض عليه فأنكره، وهذا يوجب ضعفًا في الثبوت، ويحقق الضعف أن راوي الحديث عائشة رضي الله عنها ومن مذهبها جوازُ النكاح بغير ولي؛ والدليل عليه ما روي أنها زَوَّجَتْ بنت أخيها عبد الرحمن من المنذر بن الزبير؛ وإذا كان مذهبها في هذا الباب، فكيف تروي حديثًا لا تعمل به؟ !
(1) سورة النور: الآية 32.
(2)
سورة النور: الآية 33.
(3)
أخرجه الدارقطني (3/ 225) والبيهقي (7/ 133).
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهُوَ: يُونُسُ، عن أَبِي بُرْدَةَ، وَإِسْرَائِيلُ، عن أَبِي إِسْحَاقَ، عن أَبِي بُرْدَةَ.
===
ولئن ثبت فنحمله على الأمة؛ لأنه روي في بعض الروايات: "أيما امرأةٍ نكحتْ بغير إذن مَواليها"؛ فدل ذكر الموالي على أن المراد من المرأة الأمة، فيكون عملًا بالدلائل أجمع، والله أعلم، ملخص من "البدائع"(1).
(قال أبو داود: وهو) أي سند الحديث هكذا: (يونس، عن أبي بردةَ، وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة)، حاصله أن السند الذي سرده، وقال: عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، يوهم بأن يونس وإسرائيل كلاهما يرويان عن أبي إسحاق، وأبو إسحاق يروي عن أبي بردة، فدفع هذا الوهم، بأنه ليس المراد هكذا، بل يونسُ يروي عن أبي بردة بغير واسطة، وإسرائيلُ يروي بواسطة أبي إسحاق، عن أبي بردة؛ فلفظ "إسرائيل" مع متعلقه وهو قوله: عن أبي إسحاق، معطوف على يونس، لا لفظ "إسرائيل" فقط.
وفي نسخة على حاشية المجتبائية: "قال أبو داود: ويونسُ لقيَ أبا بردةَ"، وقلتُ: هذا الذي قاله أبو داود من أن رواية يونس، عن أبي بردة من غير واسطة أبي إسحاق، مختص برواية أبي عبيدة الحداد عنه؛ وإلَّا فقد قال الترمذي في "سننه" (2): ورواه أسباطُ بن محمد وزيد بن حُباب، عن يونس بن أبي إسحاقَ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي بردة، عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وروى أبو عبيدةَ الحدَّاد، عن يونس بن أبي إسحاقَ، عن أبي بردةَ، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ولم يذكر فيه: أبي إسحاق. وقد رُوي عن يونس بن أبي إسحاقَ، [عن أبي إسحاق]، عن أبي بردةَ، [عن أبي موسى]، عن النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى.
(1)"بدائع الصنائع"(2/ 515 - 517).
(2)
"سنن الترمذي"(3/ 408) رقم (1102).
2086 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عنِ مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عن أُمِّ حَبِيبَةَ:"أَنَّهَا كَانتْ عِنْدَ ابْنِ جَحْشٍ فَهَلَكَ عَنْهَا، وَكَانَ فِيمَنْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ عِنْدَهُمْ". [ن 3350]
===
وقد أخرج الحاكمُ في "مستدركه"(1) حديثَ يونس من طريق الحسن ابن قتيبة، حدثنا يونس بن أبي إسحاق، ومن طريق أسباط بن نصر، ثنا يونس بن أبي إسحاق؛ وكذا من طريق قبيصة بن عقبة، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، ولم يذكروا أبا إسحاق، ثم قال: قال الحاكم: لستُ أعلم بين أئمة هذا العلم خلافًا على عدالة يونس بن أبي إسحاق، وأن سماعه من أبي بردة مع أبيه صحيح.
2086 -
(حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، نا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن أم حبيبة: أنها كانت عند ابن جحش) أي عبيد الله بن جحش في نكاحه (فهلك) أي مات ابن جحش (عنها، وكان فيمن هاجر إلى أرض الحبشة، فزوَّجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي عندهم).
وقصتها أنها خرجت مهاجرة إلى أرض الحَبَشة مع زوجها عبيد الله ابن جحش في الهجرة الثانية، ثم ارتدَّ عن الإِسلام وتنصَّر ومات هناك، وثبتت أم حبيبة على الإِسلام، قالتْ: رأيتُ في المنام، كأن آتيًا يقول: يا أم المؤمنين! ففزعت، فأوَّلتها بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني، فلما انقضتْ عدتي فما شعرت إلَّا برسول النجاشي على بابي يستأذن، فإذا بجاريةٍ له يُقال لها: أبرهة، كانتْ تقوم على ثيابه ودهنه، فدخلت عليَّ، فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أن أزوجك منه، قلت: بشَّرك الله بالخير، قالت: يقول الملك: وَكِّلي من يزوجك، فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته.
وفي "سيرة اليعمري": ولي نكاح أم حبيبة عثمان بن عفان، وقيل:
(1)"المستدرك"(2/ 171، 172).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
خالد بن سعيد بن العاص، فأعطتْ أبرهة سوارين من فضة، وخدَمتين كانتا في رجليها، وخواتم من فضةٍ في أصابع رجليها، سرورًا بما بشرت به، فلمَّا كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب، ومن كان هناك من المسلمين فحضروا، فخطب النجاشي قال:
الحمد لله الملكِ القدوسِ السلامِ المؤمنِ المهيمنِ العزيز الجبار، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم، أما بعد: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقتها أربعَ مائة دينار.
وفي "روضة الأَحباب": أربع مائة مثقال من الذهب، ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد بن العاص، فقال:
الحمد لله أحمدُه وأستعينهُ وأستغفرُه، وأشهد أنْ لا إله إلَّا الله، وأنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، فأما بعد: فقد أجبت إلى ما دعاه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك اللهُ لرسوله.
ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد، فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا، فقال النجاشي: اجلسوا، فإن من سنن الأنبياء إذا تزوَّجوا أن يوكل طعامٌ على التزويج، فدعا بطعام فأكلوا، ثم تفرقوا، وذلك سنة سبع من الهجرة.
قالت أم حبيبة: لَمَّا أتاني المال أرسلت إلى أبرهة التي بشَّرتني، فقلتُ لها: إني كنتُ أعطيتُكِ ما أعطيتكِ، ولا مال بيدي، فهذه خمسون مثقالًا، فخذيها، واستعيني بها، قالت: فأخرجت أبرهة كل ما كنت أعطيتها، فردته علي، وقالت: عزم عليَّ الملك أن لا أرزؤك، وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه، وقد اتبعت دينَ محمد رسول الله، وأسلمت لله، وقد أمر الملك