المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(94) باب: في تحريم المدينة - بذل المجهود في حل سنن أبي داود - جـ ٧

[خليل أحمد السهارنفوري]

فهرس الكتاب

- ‌(5) أَوَّلُ كتَابِ الْمَنَاسِكِ

- ‌(1) باب فرض الحجِّ

- ‌(2) بَابٌ: في الْمَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ

- ‌(3) بَابٌ: "لَا صَرُورَةَ

- ‌(4) (بَابُ التِّجَارَةِ في الْحَجِّ)

- ‌(5) بَابٌ

- ‌(6) بَابُ الْكَرِيِّ

- ‌(7) بَابٌ: في الصَّبِيِّ يَحُجّ

- ‌(8) بابٌ: في الْمَوَاقِيتِ

- ‌(9) بَابُ الْحَائِضِ تُهِلُّ بِالْحَجِّ

- ‌(10) بَابُ الطِّيبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ

- ‌(11) بَابُ التَّلْبِيدِ

- ‌(12) بَابٌ: في الْهَدْي

- ‌(13) بابٌ: في هَدْيِ الْبَقَرِ

- ‌(14) بَابٌ: في الإِشْعَارِ

- ‌(15) بَابُ تَبْدِيلِ الْهَدْيِ

- ‌(17) بَابٌ: في رُكُوبِ الْبُدْنِ

- ‌(19) بابٌ: كيْفَ تُنْحَرُ الْبُدْنُ

- ‌(20) بَابٌ: في وَقْتِ الإِحْرَامِ

- ‌(21) بَابُ الاشْتِرَاطِ في الْحَجِّ

- ‌(22) بَابٌ: في إِفْرَادِ الْحَجّ

- ‌(23) بَابٌ: في الإِقْرَانِ

- ‌(24) بَابُ الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ

- ‌(25) بَابٌ: كَيْفَ التَّلْبِيَةُ

- ‌(26) بابٌ: مَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ

- ‌(27) بَابٌ: مَتَى يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَة

- ‌(28) بَابُ الْمُحْرِمِ يُؤَدِّبُ غُلَامَه

- ‌(29) بَابُ الرَّجُلِ يُحْرِمُ في ثِيَابِهِ

- ‌(30) بَابُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ

- ‌(31) بَابُ الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاح

- ‌(32) بابٌ: في الْمُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا

- ‌(33) بَابٌ: في الْمُحْرِمِ يُظَلَّلُ

- ‌(34) بَابُ الْمُحْرِمِ يَحْتَجِمُ

- ‌(36) بَابُ الْمُحْرِمِ يَغْتَسِلُ

- ‌(37) بَابُ الْمُحْرِمِ يَتَزَوَّج

- ‌(38) بَابُ مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنَ الدَّوَابِّ

- ‌(39) بَابُ لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِم

- ‌(40) بَابُ الْجَرَادِ للْمُحْرِم

- ‌(41) بَابٌ: في الْفِدْيَةِ

- ‌(42) بَابُ الإِحْصَارِ

- ‌(43) بَابُ دُخُول مَكَّة

- ‌(44) (بابٌ: في رَفْعِ الْيَدِ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ)

- ‌(45) بابٌ: في تَقْبِيلِ الْحَجَرِ

- ‌(46) بَابُ اسْتِلَامِ الأَرْكَانِ

- ‌(47) بَابُ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ

- ‌(48) بَابُ الاضْطِبِاع في الطَّوَاف

- ‌(49) بَابٌ: في الرَّمَلِ

- ‌(50) بَابُ الدُّعَاء في الطَّوَافِ

- ‌(51) بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ

- ‌(52) بَابُ طَوَافِ الْقَارِن

- ‌(53) بَاب الْمُلْتَزَمِ

- ‌(54) بَابُ أَمْرِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ

- ‌(56) بَابُ الْوقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌(57) بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى

- ‌(58) بَابُ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَة

- ‌(59) بَابُ الرَّوَاحِ إِلَى عَرَفَة

- ‌(60) (بابُ الْخُطْبَةِ بِعَرَفَةَ)

- ‌(61) بَابُ مَوْضِعِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ

- ‌(63) بَابُ الصَّلَاة بِجَمْعٍ

- ‌(64) بَابُ التَّعْجِيلِ مِنْ جَمْعٍ

- ‌(65) بَابُ يَوْمِ الْحَجِّ الأَكْبَرِ

- ‌(66) بَابُ الأَشْهُرِ الْحُرُمِ

- ‌(67) بَابُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَة

- ‌(68) بَابُ النُّزُولِ بِمِنًى

- ‌(69) بَابٌ: أَيُّ يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنًى

- ‌(70) بَابُ مَنْ قَالَ: خَطَبَ يَومَ النَّحْرِ

- ‌(71) بَابٌ: أَيُّ وَقْتٍ يُخْطَبُ يَوْمَ النَّحْرِ

- ‌(72) بَابُ مَا يَذْكُرُ الإِمَامُ في خُطْبَتِهِ بِمِنًى

- ‌(73) بَابٌ: يَبِيتُ بِمَكَّة لَيَالِي مِنًى

- ‌(74) بَابُ الصَّلَاةِ بِمِنًى

- ‌(75) بَابُ الْقَصْرِ لأَهْلِ مَكَّة

- ‌(76) بَابٌ في رمْيِ الجِمَارِ

- ‌(77) بَابُ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِير

- ‌(78) بَابُ الْعُمْرَةِ

- ‌(79) (بَابُ الْمُهِلَّةِ بِالْعُمْرَةِ تَحِيضُ فَيُدْرِكُهَا الْحَجُّ فتنْقُضُ عُمْرَتَهَا وَتُهِلُّ بِالْحَجِّ، هَلْ تَقْضِي عُمْرَتَهَا

- ‌(80) بَابُ الْمَقَامِ في العُمْرَةِ

- ‌(81) بَابُ الإفَاضَةِ في الْحَجّ

- ‌(82) بَابُ الْوَدَاعِ

- ‌(83) بَابُ الْحَائِضِ تَخْرُجُ بَعْدَ الإِفَاضَةِ

- ‌(84) بَابُ طَوَافِ الْوَدَاع

- ‌(85) بَابُ التَّحْصِيبِ

- ‌(87) بابٌ: فِى مَكَّةَ

- ‌(88) (بَابُ تَحْرِيمِ مَكَّةَ)

- ‌(89) بابٌ فِى نَبِيذِ السِّقَايَةِ

- ‌(90) بَابُ الإِقَامَةِ بِمَكَّةَ

- ‌(91) بَابُ الصَّلَاةِ في الْكَعْبَةِ

- ‌(92) بابٌ: فِى مَالِ الْكَعْبَةِ

- ‌(93) بابٌ: فِى إِتْيَانِ الْمَدِينَةِ

- ‌(94) بَابٌ: في تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ

- ‌(95) بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ

- ‌(6) أَوَّلُ كِتَابِ النِّكَاحِ

- ‌(1) بَابُ التَّحْرِيضِ عَلَى النِّكَاحِ

- ‌(2) بَابُ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ تَزْوِيجِ ذَاتِ الدِّينِ

- ‌(3) (بابٌ: في تَزْوِيجِ الأَبْكَارِ)

- ‌(4) (بابٌ: فِى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الزَّانِى لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً})

- ‌(5) بَابٌ: في الرَّجُلِ يُعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا

- ‌(6) بَابٌ يَحْرُمُ مِنَ الرِّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ

- ‌(7) بَابٌ: في لَبَنِ الْفَحْلِ

- ‌(8) بابٌ: فِى رَضَاعَةِ الْكَبِيرِ

- ‌(9) بَابُ مَنْ حَرَّمَ بِهِ

- ‌(10) بَابٌ: هَلْ يُحَرِّمُ مَا دُون خَمْسِ رَضَعَاتٍ

- ‌(11) بَابٌ: في الرَّضْخِ عِنْدَ الْفِصَالِ

- ‌(12) بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ

- ‌(13) بَابٌ: في نِكَاحِ الْمُتعَةِ

- ‌(14) بابٌ: فِى الشِّغَارِ

- ‌(15) بَابٌ: في التَّحْلِيلِ

- ‌(16) بَابٌ: في نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ

- ‌(17) بابٌ: فِى كَرَاهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ

- ‌(18) بَابُ الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا

- ‌(19) بَابٌ: في الْوَلِيِّ

- ‌(20) بَابٌ في الْعَضْلِ

- ‌(21) بَابٌ: إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ

- ‌(22) بابٌ: قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ}

- ‌(23) بابٌ: فِى الاِسْتِئْمَارِ

- ‌(24) بَابٌ: في الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَلَا يَسْتَأمِرُهَا

- ‌(25) بابٌ: فِى الثَّيِّبِ

الفصل: ‌(94) باب: في تحريم المدينة

(94) بَابٌ: في تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ

===

بل قيل: إنها من الواجبات لمن له سعة، وتركها غفلة عظيمة وجفوة كبيرة، وفيه إشارة إلى حديث استدل به على وجوب الزيارة وهو قوله (1) صلى الله عليه وسلم:"من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني"، رواه ابن عدي بسند حسن.

وجزم (2) بعض المالكية بأن المشي إلى المدينة أفضل من الكعبة وبيت المقدس.

بقي الكلام: هل يستحب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم للنساء أو يكره؟ فالصحيح أنه يستحب بلا كراهة إذا كانت بشروطها على ما صرح به بعض العلماء، أما على الأصح من مذهبنا وهو قول الكرخي وغيره من أن الرخصة في زيارة القبور ثابتة للرجال والنساء جميعًا، فلا إشكال، وأما على غيره فكذلك نقول بالاستحباب لإطلاق الأصحاب، والله أعلم بالصواب.

(94)

(بابٌ: فِى تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ)

وقد اختلف العلماء في تحريم المدينة وعدم تحريمها، فقال محمد بن أبي ذئب والزهري والشافعي ومالك وأحمد (3) وإسحاق: المدينة لها حرم، فلا يجوز قطع شجرها ولا أخذ صيدها، ولكنه لا يجب الجزاء فيه عندهم، خلافًا لابن أبي ذئب؛ فإنه قال: يجب الجزاء، وكذلك لا يحل سلب من يفعل ذلك عندهم إلَّا عند الشافعي في قوله القديم؛ فإنه قال فيه: من اصطاد في المدينة صيدًا أخذ سلبه، وقال في الجديد بخلافه، وقال ابن نافع: سئل مالك عن قطع سدر المدينة وما جاء فيه من النهي؟ فقال: إنما نهى عن قطع سدر المدينة لئلا توحش، وليبقى فيها شجرها، ويستأنس بذلك، ويستظل به من هاجر إليها.

(1) وفي الباب روايات كثيرة، ذكرها السيوطي في "الدر المنثور"(1/ 569). (ش).

(2)

كذا في الأصل، وفي "شرح اللباب":"صَرَّح".

(3)

قلت: وفي مذهب الحنابلة فرق بين حرم المدينة ومكة، كما بسطه في "المغني"(4/ 193)، وفيه اختلاف عند الشافعي، كما في "مناسك النووي"(ص 533). (ش).

ص: 552

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقال ابن حزم: من احتطب في حرم المدينة، فحلال سلبه وكل ما معه في حاله تلك، وتجريده إلا ما يستر عورته؛ لحديث سعد بن أبي وقاص.

وقال الثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد: ليس للمدينة حرم كما كان لمكة، فلا يمنع أحد من أخذ صيدها وقطع شجرها، وأجابوا عن الحديث (1) بأنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك لا لأنه لِمَا ذكروه من تحريم صيد المدينة وشجرها، بل إنما أراد بذلك بقاء زينة المدينة ليستطيبوها ويألفوها، كما ذكرنا عن قريب عن ابن نافع عن مالك، وذلك كمنعه صلى الله عليه وسلم من هدم آطام المدينة، وقال:"إنها زينة المدينة"، على ما رواه الطحاوي (2) بسنده عن ابن عمر قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آطام المدينة أن تُهدَم"، وفي رواية:"لا تُهدَم (3) الآطام؛ فإنها زينة المدينة"، وهذا إسناد صحيح.

ثم ذكر الطحاوي دليلًا على ذلك من حديث حميد الطويل عن أنس قال: "كان لأبي طلحة ابن من أم سليم يقال له: أبو عمير، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضاحكه إذا دخل، وكان له نغير، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى أبا عمير حزينًا، فقال: ما شأن أبي عمير؟ فقيل: يا رسول الله، مات نُغيره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا عمير! ما فعل النغير؟ "، وأخرجه من أربع طرق، وأخرجه مسلم أيضًا.

قال الطحاوي: فهذا قد كان بالمدينة، ولو كان حكم صيدها كحكم صيد مكة إذًا لما أطلق له رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس النغير، ولا اللعب به، كما لا يطلق ذلك بمكة.

(1) يعني به حديثَ أنس المرفوع: "المدينة حرم من كذا إلى كذا، لا يُقطَع شجرها

إلخ". أخرجه البخاري (1867).

(2)

"شرح معاني الآثار"(4/ 194).

(3)

كذا في الأصل، وفي العيني، و"شرح المعاني":"لا تهدموا"، بصيغة الجمع مبنيًا على الفاعل.

ص: 553

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وأجيب عنه باحتمال أن يكون من صيد الحل، قلت: لا تقوم الحجة بالاحتمال الذي لا ينشأ عن دليل، وردَّ أيضًا بأن صيد الحل إذا دخل الحرم يجب عليه إرساله فلا يرد علينا.

قلت: وهذا الجواب لا يتمشى على أصل الشافعي، فإن عنده إذا أخذ الرجل صيد الحل؛ ثم أدخله في الحرم، لا يجب عليه إرساله، سواء كان في يده أو في قفصه، نعم يتمشى على أصلنا، ولكن هذا لا يكفي في الجواب.

ثم قال الطحاوي: فإن قال قائل: قد يجوز أن يكون هذا الحديث بقناة (1)، وذلك الموضع غير موضع الحرم، فلا حجة لكم في هذا الحديث، فنظرنا هل نجد مما سوى هذا الحديث ما يدل على شيء من حكم صيد المدينة؟ !

فإذا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي وفهد حدثانا بسندهما، عن مجاهد قال: قالت عائشة: "كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش، فإذا خرج لعب واشتد وأقبل وأدبر، فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل؛ ربضَ فلم يترمرم كراهة أن يؤذيه"، فهذا بالمدينة في موضع قد دخل فيما حرم منها، وقد كانوا يؤوون فيها الوحوش، ويتخذونها، ويغلقون دونها الأبواب، وقد دل هذا أيضًا على أن حكم المدينة في ذلك بخلاف حكم مكة، وإسناده صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده".

وروى الطحاوي أيضًا من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن سلمة بن الأكوع: "أنه كان يصيد، ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم من صيده، فأبطأ عليه فجاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الذي حبسك؟ فقال: يا رسول الله! انتفى عنا الصيد فصرنا نصيد ما بين تيت (2) إلى قناة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو [كنت]

(1) كذا في العيني، وفي الطحاوي (4/ 195):"بقباء". (ش).

(2)

تِيْت: بكسر التاء المثناة من فوق، وسكون الياء، وفي آخره تاء مثناة أخرى، ولقال: تَيِّت على وزن "سَيِّد"، قال الصغاني: هو جبل قرب المدينة على بريد منها. كذا في "العمدة"(7/ 570).

ص: 554

2034 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِىٍّ قَالَ: "مَا كَتَبْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا الْقُرْآنَ وَمَا فِى هَذِهِ الصَّحِيفَةِ،

===

تصيد بالعقيق لَشَيَّعتُك إذا ذهبتَ، وتلقيتُك إذا جئتَ؛ فإني أحب العقيق"، وأخرجه من ثلاث طرق، وأخرجه الطبراني أيضًا.

ثم قال الطحاوي: ففي هذا الحديث ما يدل على إباحة صيد المدينة، ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دلَّ سلمةَ وهو بها على موضع الصيد، وذلك لا يحل بمكة، فثبت أن حكم صيد المدينة خلاف حكم صيد مكة.

وأما الجواب عن حديث سعد في أمر السلب، فهو أنه كان في وقت كانت العقوبات التي تجب في المال، ثم نسخ ذلك في وقت نسخ الربا، وقال ابن بطال: حديث سعد بن أبي وقاص في السلب لم يصح عند مالك، ولا رأى العمل عليه بالمدينة، كذا في العيني (1) ملخصًا.

2034 -

(حدثنا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه) يزيد بن شريك بن طارق التيمي الكوفي، ثقة، يقال: إنه أدرك الجاهلية، مات في خلافة عبد الملك. (عن علي) رضي الله عنه (قال: ما كتبنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا القرآن، وما في هذه الصحيفة) كأنه أشار إلى صحيفة كانت عنده في قراب سيفه، وقد سأله بعض أصحابه: هل عندكم غير ما في كتاب الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ !

ووجه السؤال أنه كان بعض الروافض يقول: إن عند علي علومًا كثيرة زائدة على ما في كتاب الله، وهي ألف باب من العلم، كل باب منه يفتح ألف باب، وكان هذا من خرافاتهم، فسأله بعض أصحابه، فأجاب عنه في خطبته.

(1)"عمدة القاري"(7/ 568 - 570).

ص: 555

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَدِينَةُ حَرَامٌ مَا بَيْنَ عَائِرَ إِلَى ثَوْرٍ،

===

ولمسلم (1) من طريق أبي الطفيل: "كنت عند علي، فأتاه رجل فقال: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُسِرُّ إليك؟ فغضب ثم قال: ما كان يُسِرُّ إليَّ شيئًا يكتمه عن الناس، غير أنه حدثني بكلمات أربع". وفي رواية له: "ما خصَّنا بشيء لم يعمَّ به الناسَ كافة، إلا ما كان في قراب سيفي". ووقع من طريق أبي جحيفة قال: قلت لعلي: "هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلَّا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم"(2).

(قال) علي رضي الله عنه: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المدينة حرام ما بين عائر إلى ثور)، ويقال له:"عَيْر" أيضًا، وهو اسم جبل بقرب المدينة، معروف، وقد كنى الراوي عند البخاري (3) فقال:"من كذا إلى كذا". وفي رواية: "من عائر إلى كذا".

ولعل وجه الكناية عنهما أن مصعب الزبيري قال: ليس بالمدينة عير ولا ثور، وخالفه الناس في إنكاره عيرًا؛ لأنه كان مشهورًا بالمدينة يعرفه الناس حتى الآن، فإنكاره منه عجيب، ولكنه وافقه على إنكار ثور، قال أبو عبيد: أما أهل المدينة فلا يعرفون جبلًا عندهم يقال له: ثور، وإنما ثور بمكة الذي توارى فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر عند الهجرة، ونرى أن أصل الحديث (4): ما بين عير إلى أُحُدٍ.

فاختلفوا على هذا في معنى الحديث على أقوال: منها قول ابن قدامة (5): يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عير وثور، لا أنهما بعينهما في المدينة، أو سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجبلين اللذين بطرفي المدينة

(1)"صحيح مسلم"(1978).

(2)

"صحيح البخاري"(111).

(3)

"صحيح البخاري"(1867).

(4)

انظر: "عمدة القاري"(7/ 568).

(5)

انظر: "فتح الباري"(4/ 82).

ص: 556

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

عيرًا وثورًا ارتجالًا، وقيل (1): إن عيرًا جبل بمكة، فيكون المراد: أُحرِّم من المدينة مقدارَ ما بين عير وثور بمكة، على حذف المضاف ووصف المصدر المحذوف.

وقال النووي: يحتمل أن يكون ثور كان اسم جبل هناك إما أحُد وإما غيره، وقال المحب الطبري في "الأحكام": قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري: أن حذاء أحد عن يساره جانحًا إلى ورائه جبل صغير يقال له: ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال، فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، وتواردوا على ذلك، قال: فعلمنا أن ذكر ثور في الحديث صحيح، وأن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه، قال: وهذه فائدة جليلة، انتهى.

وقرأت بخط شيخ شيوخنا القطب الحلبي في "شرحه": حكى لنا شيخنا الإِمام أبو محمد عبد السلام بن مزروع البصري أنه خرج رسولًا إلى العراق، فلما رجع إلى المدينة كان معه دليل، وكان يذكر له الأماكنَ والجبالَ، قال: فلما وصلنا إلى أحد إذًا بقربه جبل صغير، فسألته عنه فقال: هذا يسمى ثورًا.

قال الحافظ: وذكر شيخنا أبو بكر بن حسين المراغي في "مختصره لأخبار المدينة": أن خَلَفَ أهل المدينة ينقلون عن سَلَفهم أن خَلْفَ أحد من جهة الشمال جبلًا صغيرًا إلى الجمرة بتدويرٍ يسمى ثورًا، وقد تحققته بالمشاهدة، انتهى.

قلت: وقال المجد في "القاموس"(2): وثور جبل بالمدينة، ومنه الحديث الصحيح:"المدينة حرم ما بين عير إلى ثور"، وأما قول أبي عبيد بن سلام وغيره من الأكابر الأعلام: إن هذا تصحيف، والصواب إلى أحد؛ لأن ثورًا

(1) ذكره ابن الأثير في "النهاية"(3/ 328).

(2)

"القاموس المحيط"(1/ 427).

ص: 557

فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ،

===

إنما هو بمكة؛ فغير جيد؛ لما أخبرني الشجاع البعلي الشيخ الزاهد عن الحافظ أبي محمد عبد السلام البصري: أن حذاء أُحُدٍ جانحًا إلى ورائه جبلًا صغيرًا يقال له: ثور.

وتكرر السؤال (1) عنه طوائفَ من العرب العارفين بتلك الأرض، فكُلٌّ أخبرني أن اسمه ثور، ولما كتب إليَّ الشيخ عفيف الدين المطري، عن والده الحافظِ الثقةِ: قال: إن خَلْف أُحُدٍ عن شمالِيِّه جبلًا صغيرًا مُدوَّرًا يسمى ثورًا، يعرفه أهل المدينة خلفًا عن سلف.

(فمن أحدث حدثًا) أي ابتدع فيها بدعة، أو أمرًا منكرًا (أو آوى) أي ضَمَّ إليه ونصره (محدثًا) بكسر الدال وفتحها، على صيغة اسم الفاعل والمفعول، أي مبتدعًا أو أمرًا مبتدعًا (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يُقْبَلُ منه عدل ولا صرف) بفتح أولهما.

واختُلِفَ في تفسيرهما، فعند الجمهور: الصرف الفريضة، والعدل النافلة، وعن الثوري والحسن البصري بالعكس، وعن الأصمعي: الصرف التوبة، والعدل الفدية، وقيل: الصرف الدية، والعدل الزيادة عليها، وقيل بالعكس.

وحكى صاحب "المحكم": الصرف الوزن، والعدل الكيل، وقيل: الصرف القيمة، والعدل الاستقامة، وقيل: الصرف الدية، والعدل البديل، وقيل: الصرف الشفاعة، والعدل الفدية؛ لأنها تعادل الدية، وبهذا الأخير جزم البيضاوي، وقيل: الصرف الرشوة، والعدل الكفيل.

(1) كذا في الأصل، وفي "القاموس":"سؤالي"، أي سؤال صاحب القاموس.

ص: 558

وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ، وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ

===

قال عياض: معنى القبول: لا يقبل قبول رضي وإن قبل قبول جزاء، وقيل: يكون القبول ههنا تكفير الذنب بهما، وقد يكون معنى الفدية أنه لا يجد يوم القيامة فدى يفتدي به بخلاف غيره من المذنبين بأن يفديه من النار يهودي أو نصراني، كما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري.

وفي الحديث ردٌّ لما تدعيه الشيعة بأنه كان عند علي وآل بيته من النبي صلى الله عليه وسلم أمور كثيرة، أعلمه بها سرًا، تشتمل على كثير من قواعد الدين وأمور الإمارة، ملتقط من "الفتح"(1) للحافظ.

(وذمة المسلمين) أي أمانهم أو عهدهم (واحدة يسعى بها) أي يتولاها (أدناهم) والمعنى أن ذمة المسلمين سواء، صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع؛ فإذا أمن أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمته، لم يكن لأحد نقضُه، فيستوي في ذلك الرجلُ والمرأة، والحر والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة.

(فمن أخفر مسلمًا) أي نقض عهدَ مسلم (فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبَلُ منه عدل ولا صرف، ومن وإلى قومًا بغير إذن مواليه)، إما أن يراد بالموالاة ولاء العتاقة، فلم يجعل الإذن شرطًا، وإنما هو لتأكيد التحريم؛ لأنه إذا استأذنهم في ذلك منعوه، وحالوا بينه وبين ذلك، قاله الخطابي (2) وغيره. ويحتمل أن يكون كنى بذلك عن بيعه، فإذا وقع بيعه، جاز له الانتماء إلى مولاه الثاني، وهو غير مولاه الأول، أو المراد موالاة الحلف فإذا أراد الانتقال عنه لا ينتقل إلا بإذن (3).

(1) انظر: "فتح الباري"(4/ 86).

(2)

انظر: "معالم السنن"(2/ 224).

(3)

انظر: "فتح الباري"(4/ 86).

ص: 559

فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدْلٌ وَلَا صَرْفٌ». [خ 7300، م 1370]

2035 -

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِى حَسَّانَ، عَنْ عَلِىٍّ - رضى الله عنه - فِى هَذِهِ الْقِصَّةِ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، وَلَا يُلْتَقَطُ (1) لُقَطَتُهَا إلَّا لِمَنْ أَشَادَ بِهَا (2) ، وَلَا يَصْلُحُ لِرَجُلٍ أَنْ يَحْمِلَ فِيهَا السِّلَاحَ لِقِتَالٍ، وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُقْطَعَ مِنْهَا شَجَرَةٌ إلَّا أَنْ يَعْلِفَ رَجُلٌ بَعِيرَهُ» . [ق 5/ 201]

===

(فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه عدل ولا صرف)، فهذه الأمور كلها مكتوبة في الصحيفة، وأيضًا فيه الجراحات وأسنان الإبل وغير ذلك.

2035 -

(حدثنا ابن المثنى، نا عبد الصمد، نا همام، نا قتادة، عن أبي حسان) الأعرج، (عن علي رضي الله عنه في هذه القصة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يختلى خلاها) بالخاء المعجمة مقصور، وهو الرطب من النبات، واختلاؤه: قطعه واحتشاشه (ولا ينفَّر صيدها، ولا يُلْتَقَط لقطتها إلَّا لمن أشاد بها) أي رفع الصوت بالتعريف بها، (ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يقطع منها شجرة إلَّا أن يعلف رجل بعيره).

قال الحافظ (3): ويجوز أخذ العلف لحديث أبي سعيد في مسلم: "ولا يخبط فيها شجرة إلَّا لعلف"، ولأبي داود من طريق أبي حسان عن علي رضي الله عنه نحوه، وقال المهلب: في حديث أنس (4) دلالة على أن المنهي عنه في الحديث الماضي مقصور على القطع الذي يحصل به الإفساد، فأما من يقصد به الإصلاح

(1) في نسخة: "ولا تلتقط".

(2)

في نسخة: "أنشدها".

(3)

"فتح الباري"(4/ 84).

(4)

أخرجه البخاري (1867).

ص: 560

2036 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ الْحُبَابِ حَدَّثَهُمْ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كِنَانَةَ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِى سُفْيَانَ، عَنْ عَدِىِّ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:"حَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّ نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ بَرِيدًا بَرِيدًا: لَا يُخْبَطُ شَجَرُهُ (1) وَلَا يُعْضَدُ، إلَّا مَا يُسَاقُ بِهِ الْجَمَلُ".

===

كمن يغرس بستانًا مثلًا، فلا يمتنع عليه قطع ما كان بتلك الأرض من شجر يضر بقاؤه، قال: وقيل: بل فيه دلالة على أن النهي إنما يتوجه على ما أنبته الله من الشجر بما لا صنع للآدمي فيه، كما حمل عليه النهي عن قطع شجر مكة.

2036 -

(حدثنا محمد بن العلاء، أن زيد بن الحباب حدثهم) أي محمدَ بنَ العلاء وغيرَه، (نا سليمان بن كنانة) الأموي (مولى عثمان بن عفان) قال ابن أبي حاتم (2) عن أبيه: لا أعرفه؛ له عند أبي داود حديث واحد.

(أنا عبد الله بن أبي سفيان) مولى ابن أبي أحمد، حجازي، ذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له أبو داود حديثًا واحدًا في حمى المدينة، وقال ابن القطان: لا يعرف حاله.

(عن عدي بن زيد) الجذامي، يقال: له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا في حمى المدينة، وفي إسناد حديثه اختلاف، روى عنه داود بن الحصين وعبد الله بن أبي سفيان، وروى عنه عبد الرحمن بن حرملة- ولم يلقه- حديثًا آخر، وقيل فيه: عن ابن حرملة، عن رجل، عن عدي، وقيل: إن الذي روى عنه عبد الرحمن بن حرملة آخر من جذام، يقال له: عدي، غير عدي بن زيد هذا.

قلت: فرق الطبراني بينهما، لكنه لم يسم والد عدي الجذامي، ولم يقل في عدي بن زيد إنه جذامي، وكذا صنع البغوي وابن السكن.

(قال: حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ ناحية من المدينة بريدًا بريدًا: لا يخبط شجره) والخبط ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، والخبط بالحركة: الورق الساقط بمعنى المخبوط (ولا يعضد) أي: ولا يقطع (إلَّا ما يساق به الجمل)

(1) في نسخة: "شجرها".

(2)

انظر: "الجرح والتعديل" رقم (601).

ص: 561

2037 -

حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ - يَعْنِى ابْنَ حَازِمٍ - قال: حَدَّثَنِى يَعْلَى بْنُ حَكِيمٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِى عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ أَخَذَ رَجُلًا يَصِيدُ فِى حَرَمِ الْمَدِينَةِ الَّذِى

===

أي بقدر علف الدواب، فيحمل على الجمل ويساق به.

واختلفت الروايات في تحديد الحرم، ففي رواية:"اللَّهُمَّ إني أحرِّم ما بين جبليها"، وفي رواية:"ما بين لابتيها"، واللابة هي الحرة، وهي الحجارة السود، وفي حديث جابر عند أحمد:"ما بين حرتيها"، وفي رواية:"بين مأزميها"، والمأزم بكسر الزاي: المضيق بين الجبلين، وفي حديث أبي داود:"كل ناحية من المدينة بريدً بريدًا"، فادعى بعض الحنفية لأجل اختلاف الروايات فيه أن الحديث مضطرب.

قال الحافظ (1): ولا شك أن رواية "ما بين لابتيها" أرجح لتوارد الرواة عليها، ورواية "جبليها" لا تنافيها، فيكون عند كل لابة جبل، أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال، وجبليها من جهة الشرق والغرب. والبريد أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه بمثل هذا الحديث عند البخاري ومسلم قال:"حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة، وجعل اثني عشر ميلًا حول المدينة حمى"(2)، قاله في "المنتقى"(3).

2037 -

(حدثنا أبو سلمة، نا جرير - يعني ابن حازم - قال: حدثني يعلي بن حكيم، عن سليمان بن أبي عبد الله) روى عن سعد وأبي هريرة وصهيب، وعنه يعلي بن حكيم الثقفي، قال أبو حاتم: ليس بالمشهور فيعتبر بحديثه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له أبو داود حديثًا واحدًا في حرم المدينة، قلت: قال البخاري وأبو حاتم: أدرك المهاجرين والأنصار.

(قال: رأيت سعد بن أبي وقاص أخذ رجلًا يصيد في حرم المدينة الذي

(1)"فتح الباري"(4/ 83).

(2)

أخرجه البخاري (1873)، ومسلم (1372)، واللفظ لمسلم.

(3)

انظر: "المنتقى" مع "نيل الأوطار"(3/ 377).

ص: 562

حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَبَهُ ثِيَابَهُ، فَجَاءَ مَوَالِيهِ فَكَلَّمُوهُ فِيهِ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ هَذَا الْحَرَمَ، وَقَالَ:«مَنْ وَجَدَ (1) أَحَدًا يَصِيدُ فِيهِ فَلْيَسْلُبْهُ (2)» ، "ولَا أَرُدُّ عَلَيْكُمْ طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إِلَيْكُمْ ثَمَنَهُ". [حم 1/ 170، ق 5/ 199]

===

حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلبه ثيابَه) أي أخذ ما عليه من الثياب (فجاء) أي سعدًا (مواليه فكلموه فيه) أي في ذلك الرجل وسلبه.

(فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَرَّم هذا الحرم، وقال: من وجد أحدًا يصيد فيه فليسلبه) أي ثيابه (ولا أردُّ عليكم طعمة أطعمنيها) أي أعطانيها (رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إن شئتم دفعتُ إليكم ثمنَه)، وفي رواية عن عامر بن سعد عند أحمد ومسلم (3):"أن سعدًا ركب إلى قصره بالعَقِيق، فوجد عبدًا يقطع شجرًا- أو يخبطه- فسلبه، فلما رجع سعد جاءه أهلُ العبد، فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم، فقال: معاذ الله أن أرد شيئًا نفَّلنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبى أن يرد عليهم".

قال الشوكاني (4): هذا ظاهر في أنه تؤخذ ثيابه جميعها، وقال الماوردي: يبقى له ما يستر عورته، وصححه النووي (5)، واختاره جماعة من أصحاب الشافعي، وبقصة سعد هذه احتج من قال: إن من صاد من حرم المدينة، أو قطع من شجرها؛ أُخِذَ سَلَبُه، وهو قول الشافعي في القديم. قال النووي: وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة، انتهى.

وقد حكى ابن قدامة (6) عن أحمد في إحدى الروايتين القولَ به،

(1) في نسخة: "أخذ".

(2)

زاد في نسخة: "ثيابه".

(3)

"صحيح مسلم"(1364)، و"مسند أحمد"(1/ 168).

(4)

"نيل الأوطار"(3/ 381).

(5)

"شرح النووي على صحيح مسلم"(5/ 154).

(6)

انظر: "المغني"(5/ 192).

ص: 563

2038 -

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِى ذِئْبٍ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ،

===

[قال: ] وقد روي ذلك عن ابن أبي ذئب وابن المنذر، انتهى. وهذا يردُّ على القاضي عياض حيث قال: ولم يقل به أحدٌ بعد الصحابة إلَّا الشافعي في قوله القديم.

وقد اختُلِفَ في السلب، فقيل: إنه لمن سلبه، وقيل: لمساكين المدينة، وقيل: لبيت المال، وظاهر الأدلة أنه للسالب، وهو أنه طعمة لكل من وجد فيه أحدًا يصيد، أو يأخذ من شجره.

2038 -

(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا يزيد بن هارون، أنا ابن أبي ذئب، عن صالح) هو صالح بن نبهان (مولى التوأمة) فتح المثناة، وسكون الواو، بعدها همزة مفتوحة. قال ابن عيينة: سمعت منه ولعابه يسيل، يعني من الكبر (1)، فما علمت أحدًا يحدث عنه لا مالك ولا غيره، لقيته وقد تغير، ولقيه الثوري بعدي، وكان شعبة لا يحدث عنه، وعن يحيى القطان: لم يكن بثقة، وقال مالك: ليس بثقة.

وقال أحمد بن حنبل: كان مالك أدركه وقد اختلط، فمن سمع منه قديمًا فذاك، وقد روى عنه أكابر أهل المدينة، وهو صالح الحديث، ما أعلم به بأسًا، وقال عبد الله بن أحمد: سألت ابنَ معين عنه فقال: ليس بقوي في الحديث، وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: سمعت ابن معين يقول: صالح مولى التوأمة ثقة حجة، قلت له: إن مالكًا ترك السماع منه، فقال: إن مالكًا والثوريَّ إنما أدركاه بعد ما خرف، وسمعا منه أحاديث منكرات، ولكن ابن أبي ذئب سمع منه قبل أن يخرف، وقال أبو زرعة والنسائي: ضعيف، وقال النسائي مرة: ليس بثقة، قال في "التقريب": وقد أخطأ من زعم أن البخاري أخرج له.

(1) في الأصل: "الحبر"، وهو تحريف. انظر:"تهذيب التهذيب"(4/ 405).

ص: 564

عَنْ مَوْلًى لِسَعْدٍ: "أَنَّ سَعْدًا وَجَدَ عَبِيدًا مِنْ عَبِيدِ الْمَدِينَةِ يَقْطَعُونَ مِنْ شَجَرِ الْمَدِينَةِ، فَأَخَذَ مَتَاعَهُمْ، وَقَالَ - يَعْنِى لِمَوَالِيهِمْ -: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى أَنْ يُقْطَعَ مِنْ شَجَرِ الْمَدِينَةِ شَىْءٌ، وَقَالَ:«مَنْ قَطَعَ مِنْهُ شَيْئًا فَلِمَنْ أَخَذَهُ سَلَبُهُ» . [م 1364]

2039 -

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَفْصٍ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمنِ الْقَطَّانُ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ الْجُهَنِيُّ،

===

(عن مولى لسعد) قال القاري (1): قال الشيخ الجزري: هذا الحديث رواه عن صالح مولى التوأمة، عن مولى لسعدٍ، ومولى سعد مجهول.

(أن سعدًا وجد عبيدًا من عبيد المدينة يقطعون من شجر المدينة، فأخذ متاعهم، وقال) سعد (يعني لمواليهم) زاد الراوي لفظ "يعني" لعدم ضبط لفظ الشيخ، أي لما جاءه وكلَّموه في رد متاع العبيد (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى أن يُقْطَع من شجر (2) المدينة شيء، وقال: من قطع منه شيئًا فلمن أخذه سلبه).

2039 -

(حدثنا محمد بن حفص أبو عبد الرحمن القطان، نا محمد بن خالد) الجهني، قال المزي: ليس هذا محمد بن خالد بن رافع بن مكيث المتقدم، فإن ذاك أقدم من هذا، قلت: ما أشك أنه هو، ولم يتقدم ما يدل أنه أقدم من هذا إلا رواية إبراهيم بن أبي يحيى عنه، وليس هذا صريحًا في تقدمه على هذا، والله أعلم.

(أخبرني خارجة بن الحارث) بن رافع بن مكيث (الجهني) المدني، قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال النسائي: ليس به بأس، قلت: وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: فخارجة بن الحارث الجهني؟ فقال: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(1)"مرقاة المفاتيح"(5/ 627).

(2)

والسبب عندنا أنه كان من الحمى، كما يدل عليه ما في "فتوح البلدان"(ص 23) لا لكونه من الحرم. (ش).

ص: 565

أَخْبَرَنِي أَبِي، عن جَابِرِ بْن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا يُخْبَطُ وَلَا يُعْضَدُ حِمَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ يُهَشُّ هَشًّا رَقِيقًا". [ق 5/ 200]

2040 -

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، نَا يَحْيَى. (ح): وَحَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عن ابْنِ نُمَيْرٍ، عن عُبَيْدِ الله، عن نَافِع، عن ابْنِ عُمَرَ:"أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ مَاشِيًا وَرَاكِبًا، زَاد ابْنُ نُمَيْرٍ: "وُيصَلِّي رَكْعَتَيْنِ". [خ 1194، م 1399، حم 2/ 58]

===

قال: (أخبرني أبي) الحارث بن رافع بن مكيث بفتح الميم وآخره مثلثة، الجهني، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن القطان: لا يُعرَف.

(عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يُخبَطُ ولا يُعضَد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحمى بكسر الحاء مقصورًا: ما يُحْمى ويُحفَظ، (ولكن يهشُّ هشًا رقيقًا) أي ينثر نثرًا بلين ورفق، ولفظ الرقيق لم يضبطه أحد أنه بالقاف أو بالفاء، ففي النسخة المكتوبة الأحمدية والمطبوعة القادرية والمجتبائية منقوط بنقطتين، وفي المصرية والكانفورية ونسخة "العون"(1) منقوط بنقطة واحدة.

2040 -

(حدثنا مسدد، نا يحيى، ح: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة، عن ابن نمير) أي عبد الله كلاهما (عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأتي قباء) قباء بضم قاف وفتح موحدة يُمَدُّ، ويُقْصَر، ويُصرَف، ولا يُصرَف، وأصله اسم بئر هناك عُرِفَتِ القريةُ بها على ميلين من المدينة على يسار المقاصد إلى مكة، وهي مساكن بني عمرو بن عوف من الأنصار، وهناك مسجد أُسِّسَ على التقوى، وفيها آبار ومياه عذبة (ماشيًا) مرة (وراكبًا) أخرى. (زاد ابن نمير: ويصلي ركعتين) أي في مسجدها.

(1) انظر: "عون المعبود"(6/ 18)، رقم (2037).

ص: 566