الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(46) بَابُ اسْتِلَامِ الأَرْكَانِ
1874 -
حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِىُّ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:"لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ (1) مِنَ الْبَيْتِ إلَّا الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْنِ". [م 1267، ن 2949، حم 2/ 120، ق 5/ 76]
===
عمر رضي الله عنه هذا التسليمُ للشارع في أمور الدين، وحسنُ الاتباع فيما لم يكشف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما يفعله، ولو لم يعلم الحكمة فيه، وفيه دفْعٌ لما وقع لبعض الجهال من أن في الحجر الأسود خاصة ترحمع إلى ذاته، وأن الإِمام إذا خشي على أحد من فعله فساد اعتقاد أن يبادر إلى بيان الأمر ويوضح ذلك.
(46)
(بَابُ اسْتِلَامِ الأرْكَان)
والركن هو الجانب، والمراد ههنا هو ملتقى الجدارين من الخارج، والبيت له أربعة أركان: الركن الأسود، والركن اليماني، ويقال لهما: اليمانيان تغليبًا، والركن الشامي، والركن العراقي، ويقال لهما: الشاميان. فأما الركن الأسود (2) فَيُقَبَّل ويُسْتَلَم، والركن اليمانى لا يقبل بل يمسُّ فقط. وأما الركنان الباقيان فلا يقبَّلان ولا يمسَّان؛ لأن البيت غير متمم على قواعد إبراهيم، فهذان الركنان ليسا على ركنيتهما بل هما وسط الجدار الشرقي والغربي.
1874 -
(حدثنا أبو الوليد الطيالسي، نا ليث، عن ابن شهاب، عن سالم، عن ابن عمر قال: لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح من البيت إلَّا الركنين اليمانيين)، وقد ثبت من قول ابن عمر: إنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين
(1) في نسخة: "يمس".
(2)
وإلى هذا التفصيل ذهب الجمهور كما بسطه الحافظ في "الفتح"(3/ 474)، والموفق (5/ 225)، ورد على الخرقي إذ قال: يقبل الركن اليماني أيضًا، وفي "القسطلاني": أنه لو استلمها لم يكره، ولا هو خلاف الأولى، بل هو حسن [انظر:"إرشاد الساري"(4/ 149]. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الشاميين؛ لأن البيت ليس على قواعد إبراهيم، وقد وقع الاختلاف بين ابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم، فكان معاوية يستلم الأركان كلها، ويقول: ليس شيء من البيت مهجورًا، فقال له ابن عباس: لا يستلم هذان الركنان، يعني الشاميين.
وأجاب (1) الشافعي عن قول من قال: ليس شيء من البيت مهجورًا: بأنا لم ندع استلامهما هجرًا للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به، ولكنا نتبع السنَّة فعلًا أو تركًا، فلو كان ترك استلامهما هجرًا لهما فكان ترك استلام ما بين الأركان هجرًا لها، ولا قائل به.
(فائدة): في البيت أربعة أركان: الأول له فضيلتان: كونُ الحجر الأسود فيه، وكونُه على قواعد إبراهيم، وللثاني الثانية فقط، وليس للآخرين شيء منهما؛ فلذلك يقبَّل الأول ويستلم الثاني فقط، ولا يقبَّل الآخران ولا يستلمان، هذا على رأي الجمهور، واستحب بعضهم تقبيل الركن اليماني أيضًا.
(فائدة أخرى): استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الأركان جوازَ تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره، فأما تقبيل يد الآدمي فيأتي في "كتاب الأدب".
وأما غيره فنُقِلَ عن الإِمام أحمد: أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل قبره فلم ير به بأسًا، واستبعد بعض أتباعه صحة ذلك، وَنُقِلَ عن ابن أبي الصيف اليماني أحدِ علماءِ مكة من الشافعية جوازُ تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين، وبالله التوفيق، انتهى ملخصًا من كلام "الفتح"(2).
(1) انظر: "فتح الباري"(3/ 474، 475).
(2)
"فتح الباري"(3/ 475).
1875 -
حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خَالِدٍ (1) ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: "أَنَّهُ أُخْبِرَ بِقَوْلِ عَائِشَةَ: إِنَّ الْحَجَرَ بَعْضُهُ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَاللَّهِ - إِنِّى لأَظُنُّ عَائِشَةَ إِنْ كَانَتْ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِنِّى لأَظُنُّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتْرُكِ اسْتِلَامَهُمَا إلَّا أَنَّهُمَا لَيْسَا عَلَى قَوَاعِدِ الْبَيْتِ، وَلَا طَافَ النَّاسُ
===
قلت: تقبيل قبور الصالحين يشتبه بالسجدة خصوصًا للجهال العوام، فإذا فعل ذلك أحد من العلماء يُغري الجهال على السجود، فيكون ذريعة إلى فساد اعتقادهم فلا يجوز ذلك، وأيضًا نقل الشامي في حاشيته (2) عل "الدر المختار" عن "الفتح": ويكره النوم عند القبر، وقضاء الحاجة، بل أولى، وكل ما لم يعهد من السنة، والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائمًا، فهذه القاعدة الكلية تنفي جواز تقبيل القبر لأنه ليس مما عهد في السنَّة.
1875 -
(حدثنا خالد بن خالد، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: أنه) أي عبد الله بن عمر (أخبر) بصيغة الماضي المجهول، أي: لم يسمع قولها، بل أخبره مخبر عنها، (بقول عائشة: إن الحِجر) وهو بالكسر اسم للحائط المقوَّس إلى جانب الكعبة الغربي، مفصول عن البيت بفرجتين: فرجة إلى الجانب الشرقي وفرجة إلى الجانب الغربي، وحكي فتح الحاء، وكله من البيت أو ستة أذرع أو أربعة أذرع، أقوال.
(بعضه من البيت، فقال ابن عمر) رضي الله عنه: (والله إني لأظن) أي أتيقن (عائشة) رضي الله عنها (إن كانت) إن مخففة من المثقلة، أي: إنها كانت (سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني لأظن) أن (رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يترك استلامَهما) أي الركنين الشاميين (إلَّا أنهما) أي الركنين (ليسا على قواعد البيت) بل اقتصر البيت عن قواعده لقلة النفقة (ولا طاف الناس
(1) زاد في نسخة: "الشعيري".
(2)
"رد المحتار على الدر المختار"(3/ 183).