الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(41) بَابٌ: في الْفِدْيَةِ
1856 -
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ (1) الطَّحَّانِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِى قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَالَ: «قَدْ آذَاكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ » ، قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«احْلِقْ ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ» . [خ 1814، م 1201، ت 953، ن 2851، حم 4/ 241]
===
(41)
(بَابٌ: في الْفِدْيَةِ)، وهي الجزاء عن الجناية
1856 -
(حدثنا وهب بن بقية، عن خالد الطحان، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به) أي بكعب بن عجرة (زمن الحديبية) فرآه يتناثر القمل عن رأسه، (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(قد آذاك هوام رأسك؟ )، قال في "القاموس": الهامة للدابة جمعه الهوام، وقال في الحاشية على القاموس: قال شمر: الهوام الحيات وكل ذو سم يقتل، وأما ما لا يقتل ويسم فهو السوَّام مشددة، مثل الزنبور والعقرب وأشباههما، قال: ومنها القوام مثل: القنافذ، والفأر، واليرابيع، والخنافس، وربما تقع الهوام على ما لا يقتل كالحشرات، أفاده الشارح.
(قال) كعب بن عجرة: (نعم) يؤذيني هوام رأسي، (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احلق، ثم اذبح شاة نسكًا) بدل من شاة (أو) للتخيير (صم ثلاثة أيام، أو أَطْعِم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين).
قال العيني في "شرح البخاري"(2) في ذكر ما يستفاد منه الأحكام، فقال:
منها: جواز الحلق للمحرم للحاجة مع الكفارة المذكورة في الآية الكريمة، وفي الحديث المذكور، وهذا مجمع عليه.
(1) زاد في نسخة: "ابن عبد الله".
(2)
"عمدة القاري"(7/ 462 - 464).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ومنها: أنه ليس فيه تعرض لغير حلق الرأس من سائر شعور الجسد، وقد أوجب العلماء الفدية بحلق سائر شعور البدن؛ لأنها في معنى حلق الرأس إلَّا داود الظاهري، فإنه قال: لا تجب الفدية إلَّا بحلق الرأس فقط، وحكى الرافعي عن المحاملي (1) أن في رواية عن مالك لا تتعلق الفدية بشعر البدن.
ومنها: أنه أمر بحلق شعر نفسه، فلو حلق المحرم شعر حلال فلا فدية على واحد منهما عند مالك والشافعي وأحمد، وحكي عن أبي حنيفة أنه قال: ليس للمحرم أن يحلق شعر الحلال، فإن فعل فعليه صدقة.
ومنها: أنه إذا حلق رأسه أو لبس أو تطيب عامدًا من غير ضرورة، فقد حكى ابن عبد البر في "الاستذكار" عن أبي حنيفة والشافعي وأصحابهما وأبي ثور: أن عليه دمًا لا غير، وأنه لا يُخَيَّرُ إلا في الضرورة، وقال مالك: بئس ما فعل، وعليه الفدية، وهو مخيَّر فيها، وقال شيخنا زين الدين: وما حكاه عن الشافعي وأصحابه ليس بجيد، بل المعروف عنهم وجوب الفدية، كما جزم به الرافعي، كما أوجبوا الكفارة في اليمين الغموس.
ومنها: أنه خيَّره بين الصوم والإطعام والذبح، وقال أبو عمر: عامة الآثار عن كعب وردت بلفظ التخيير، وهو نص القرآن العظيم، وعليه مضى عمل العلماء في كل الأمصار، قال: إذا كان "أو" بأيَّة أخذتَ أجزَأَكَ، قال: وروي عن مجاهد وعكرمة وعطاء وطاوس والجنيد وحميد الأعرج والنخعي والضحاك نحو ذلك، وذهب أبو حنيفة (2) والشافعي وأبو ثور إلى أن التخيير لا يكون إلَّا في الضرورة، فإن فعل ذلك من غير ضرورة فعليه دم.
قلت: ووجهه أن التخيير في حال الضرورة للتيسير والتخفيف، والجاني لا يستحق التخفيف.
(1) وقع في الأصل: "المحامل"، وهو تحريف.
(2)
وعزاه الحافظ إلى الجمهور، وقد خالف فيه أكثر المالكية ("فتح الباري" 4/ 19). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
قال: ومنها: أن الصوم ثلاثة أيام، وقال ابن جرير بسنده عن الحسن في قوله:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ} (1) قال: إذا كان بالمحرم أذى من رأسه حلق، وافتدى بأي هذه الثلاثة شاء، والصيام عشرة أيام، والصدقة على عشرة مساكين لكل مسكين مكوكان: مكوك من تمر، ومكوك من بُر، [والنسك شاة] وقال قتادة عن الحسن وعكرمة قال: إطعام عشرة مساكين. وقال ابن كثير في "تفسيره": وهذان القولان من سعيد بن جبير والحسن وعلقمة وعكرمة قولان غريبان فيهما نظر؛ لأنه ثبت في السنَّة في حديث كعب: "فصيام ثلاثة أيام لا عشرة"، وقال أبو عمر في "الاستذكار" (2): روي عن الحسن وعكرمة ونافع صومُ عشرة أيام، قال: ولم يتابعهم أحد من العلماء على ذلك.
ومنها: أن الإطعام لستة مساكين، ولا يجزئ أقل من ستة، وهو قول الجمهور، وحكي عن أبي حنيفة أنه: يجوز أن يدفع إلى مسكين واحد، والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من أي شيء كان المخرج في الكفارة قمحًا أو شعيرًا أو تمرًا، وهو قول مالك والشافعي وإسحاق وأبي ثور وداود، وحكي عن الثوري، وأبي حنيفة تخصيص ذلك بالقمح، وأن الواجب من الشعير والتمر صاع لكل مسكين، وحكى ابن عبد البر عن أبي حنيفة وأصحابه كقول مالك والشافعي.
قلت: لم أر هذا القول كتب مذهبنا، وعند أحمد في رواية: أن الواجب في الإطعام لكل مسكين مد من قمح أو مُدَّان من شعير أو تمر.
ومنها: ما احتج بعموم الحديث مالك على أن الفدية يفعلها حيث شاء، سواء في ذلك الإطعام والصيام والكفارة، وقد اتفق العلماء في الصوم أن له أن يفعله حيث شاء، لا يختص ذلك بمكة ولا بالحرم، وأما النسك والإطعام فجوَّزهما مالك أيضًا كالصوم، وخصَّص الشافعي ذلك بمكة أو بالحرم،
(1) سورة البقرة، الآية:196.
(2)
(13/ 303).
1857 -
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ (1) دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِىِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «إِنْ شِئْتَ فَانْسُكْ نَسِيكَةً، وَإِنْ شِئْتَ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ
===
واختلف فيه قول أبي حنيفة، فقال مرة: يختص بذلك الدم دون الإطعام، وقال مرة: يختصان جميعًا بذلك، وقال هشيم: أخبرنا ليث، عن طاوس أنه كان يقول: ما كان من دم أو إطعام فبمكة، وما كان من صيام فحيث شاء، وكذا قال عطاء ومجاهد والحسن.
1857 -
(حدثنا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن داود، عن الشعبي، عن عبد الرحمن بن أبو ليلى، عن كعب بن عجرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له) أي لكعب بن عجرة: (إن شئت فانسك نسيكة) أي: اذبح ذبيحة، وفي رواية: اذبح نسكًا، وفي رواية: اذبح شاة.
قال القرطبي (2): جميع هذه السياقات تدل على أنه ليس بهدي، فعلى هذا يجوز أن يذبحها حيث شاء، ولا تختص بالحرم، كما هو مذهب مالك.
وأجاب عنه الحافظ: بأنه لا دلالة فيه، إذ لا يلزم من تسميتها نسكًا أو نسيكة أن لا تسمى هديًا أو لا تعطى حكم الهدي، وقد وقع تسميتها هديًا في رواية البخاري بلفظ:"أو تهدي شاة"، وفي رواية مسلم:"وأهد هديًا"، وفي رواية للطبري:"هل لك هدي؟ قلت: لا أجد"، فظهر أن ذلك من تصرف الرواة.
(وإن شئت فصم ثلاثة أيام، وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع)، وآصع بمد الهمزة وضم الصاد: جمع صاع على القلب؛ لأن القياس في جمعه: أصوع، بقصر الهمزة، وسكون الصاد، بعدها واو مضمومة، قال الجوهري: وإن شئت
(1) في نسخة: "ثنا".
(2)
انظر: "فتح الباري"(4/ 19).
مِنْ تَمْرٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ". [انظر سابقه]
1858 -
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَحَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِىٍّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، - وَهَذَا لَفْظُ ابْنِ الْمُثَنَّى -،
===
أبدلت من الواو المضمومة همزة، فقلت: أصوع، وحكي الوجهان كذلك في أدوَر وآدر جمع: دار.
وذكر ابن مكي في "كتاب تثقيف اللسان": أن قولهم: آصع، بالمد لحن من خطأ العوام، وأن صوابه: أصوع، وقال النووي: هذا غلط منه ومردود وذهول.
قلت: القياس ما قاله ابن مكي، وأما الذي ورد فمحمول على القلب (1)، ووزنه على هذا: أعفل، فافهم. وفي الصاع لغتان: التذكير والتأنيث، حكاهما الجوهري وغيره، قاله العيني (2).
(من تمر لستة مساكين)، وهذا نص في التخيير بين هذه الثلاثة، وأما مذهب الحنفية فإن عندهم تجب ثلاثة آصع لستة مساكين مختصة بالقمح، وأما التمر فتجب عندهم ستة آصع لستة مساكين لكل مسكين منهم صاع، ولم يتيسر لي العذر عن الحديثين، ولم أره في الكتب الموجودة (3) عندي.
1858 -
(حدثنا ابن المثنى، نا عبد الوهاب، وحدثنا)، هذا تحويل ولم يذكر لفظ (ح)، (نصر بن علي، نا يزيد بن زريع، وهذا) أي المذكور (لفظ ابن المثنى) لا لفظ نصر بن علي، كلاهما أي عبد الوهاب ويزيد يرويان
(1) كتب مولانا أسعد الله: فليس هو من خطأ العوام، بل حمله على خطأ العوام من خطأ الخواص.
(2)
"عمدة القاري"(7/ 465).
(3)
وفي الحاشية عن مولانا: أن المشهور في الروايات لفظ الطعام، قلت: ولذا ورد في بعض الروايات لفظ القمح وغيره، وسيأتي اختلاف الروايات في الشرح قريبًا، ولا أقل من أن الأحوط قول الحنفية. (ش).
عَنْ (1) دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، قَالَ:«أَمَعَكَ دَمٌ؟ » ، قَالَ: لَا، قَالَ:«فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ بَيْنَ كُلِّ مِسْكِينَيْنِ صَاعٌ» . [ت 2973، حم 1/ 244، 243]
===
(عن داود، عن عامر) الشعبي، (عن كعب بن عجرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن الحديبية، فذكر القصة) المتقدمة.
قال الحافظ (2): والجمع بين هذا الاختلاف في قول ابن أبي ليلى، عن كعب:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به فرآه"، وفي قول عبد الله بن معقل:"أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه فرآه": أن يقال: مر به أولًا فرآه على تلك الصورة، فاستدعى به إليه فخاطبه، وحلق رأسه بحضرته، فنقل كل واحد منهما ما لم ينقله الآخر.
(قال: أمعك دم؟ قال: لا، قال: فصم ثلاثة أيام، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين بين كل مسكينين صاع).
قال الحافظ (3): رواية عبد الله بن معقل تقتضي أن التخيير إنما هو بين الإطعام والصيام لمن لم يجد النسك، ولأبي داود في رواية أخرى:"أمعك دم؟ قال: لا، قال: فإن شئت فصم"، قال أبو عوانة في "صحيحه": فيه دليل على أن من وجد نسكًا لا يصوم يعني ولا يطعم، لكن لا أعرف من قال بذلك من العلماء إلا ما رواه الطبري وغيره عن سعيد بن جبير قال: النسك شاة، فإن لم يجد قوِّمت الشاة دراهم، والدراهم طعامًا فتصدق به، أو صام لكل نصف صاع يومًا، فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايتين، وقد جمع بينهما بأوجه:
منها: ما قال ابن عبد البر: إن فيه الإشارة إلى ترجيح الترتيب لا لإيجابه.
(1) في نسخة: "ثنا".
(2)
"فتح الباري"(4/ 14).
(3)
"فتح الباري"(4/ 15).
1859 -
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ:"أَنَّ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ أَخْبَرَهُ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ فِى رَأْسِهِ أَذًى فَحَلَقَ، فَأَمَرَهُ النَّبِىُّ (1) صلى الله عليه وسلم أَنْ يُهْدِىَ هَدْيًا بَقَرَةً".
===
ومنها: ما قال النووي: ليس المراد أن الصيام أو الإطعام لا يجزئ إلَّا لفاقد الهدي، بل المراد أنه استخبره: هل معه هدي أو لا؟ فإن كان واجده أعلمه أنه مخير بينه وبين الصيام والإطعام، وإن لم يجده أعلمه أنه مخير بينهما.
ومنها: ما قال غيرهما: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن له حلق رأسه بسبب الأذي أفتاه أن يكفر بالذبح على سبيل الاجتهاد أو بوحي غير متلو، فلما أعلمه أنه لا يجد نزلت الآية بالتخيير بين الذبح والصيام والإطعام، فخيره حينئذ بين الصيام والإطعام لعلمه بأنه لا ذبح معه، فصام لكونه لم يكن معه ما يطعمه.
1859 -
(حدثنا قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن نافع: أن رجلًا من الأنصار أخبره)، قال في "التقريب": نافع مولى ابن عمر، عن رجل من الأنصار، عن كعب بن عجرة، هو عبد الرحمن بن أبي ليلى، (عن كعب بن عجرة، وكان قد أصابه في رأسه أذى) أي: القمل (فحلق، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم يهدي هديًا بقرة)(2).
قال الحافظ (3): قال عياض ومن تبعه تبعًا لأبي عمر: كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرًا إنما ذكره شاة.
قلت: يعكر عليه ما أخرجه أبو داود من طريق نافع، عن رجل من الأنصار، عن كعب بن عجرة:"أنه أصابه أذى، فحلق، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدي بقرة". وللطبراني من طريق عبد الوهاب بن بخت، عن نافع، عن ابن عمر قال: "حلق كعب بن عجرة رأسه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتدي، فافتدى
(1) في نسخة: "رسول الله".
(2)
قالوا: لفظ البقرة شاذ منكر، كذا في "الأوجز"(8/ 505). (ش).
(3)
"فتح الباري"(4/ 18، 19).
1860 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنِى أَبِى، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قال: حَدَّثَنِى أَبَانُ - يَعْنِى ابْنَ صَالِحٍ -، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: "أَصَابَنِى هَوَامُّ فِى رَأْسِى وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، حَتَّى تَخَوَّفْتُ عَلَى بَصَرِى،
===
ببقرة"، ولعبد بن حميد من طريق أبي معشر، عن نافع، عن ابن عمر قال: "افتدى كعب من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها"، ولسعيد بن منصور من طريق ابن أبي ليلى، عن نافع، عن سليمان بن يسار: "قيل لابن كعب بن عجرة: ما صنع أبوك حين أصابه الأذى في رأسه؟ قال: ذبح بقرة".
فهذه الطرق كلها تدور على نافع، وقد اختُلِفَ عليه في الواسطة الذي بينه وبين كعب، وقد عارضها ما هو أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة.
وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد من طريق المقبري، عن أبي هريرة:"أن كعب بن عجرة ذبح شاة لأذى كان أصابه"، وهذا ما هو أصوب من الذي قبله.
واعتمد ابن بطال على رواية نافع، عن سليمان بن يسار فقال: أخذ كعب بأرفع الكفارات، ولم يخالف النبي صلى الله عليه وسلم فيما أمره به من ذبح الشاة بل وافق وزاد، ففيه أن من أفتى بأيسر الأشياء، فله أن يأخذ بأرفعها كما فعل كعب. قلت: هو فرع ثبوت الحديث، ولم يثبت لما قدمته، والله أعلم.
1860 -
(حدثنا محمد بن منصور، نا يعقوب) بن إبراهيم، (حدثني أبي) إبراهيم بن سعد، (عن ابن إسحاق قال: حدثني أبان - يعني ابن صالح -، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبو ليلى، عن كعب بن عجرة قال: أصابني هوام) أي: القمل (في رأسي وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، حتى تخوَّفت على بصري) بشدة الحر، ولا أستطيع أن أغسل رأسي فأقتل القمل
فَأَنْزَلَ الله عز وجل فِيَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ
…
} الآيَةَ (1)، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي:"احْلِقْ رَأسَكَ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرْقًا مِنْ زَبِيبٍ، أَو انْسُكْ شَاة"، فَحَلَقْتُ رَأسِي ثُمَّ نَسَكْتُ". [تقدَّم برقم 1857]
===
(فأنزل الله عز وجل فيَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ} الآية)، وتمامها:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} .
(فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: احلق رأسك وصم ثلاثة أيام، أو أطعم ستة مساكين فرقًا من زبيب، أو انسك شاة، فحلقت رأسي ثم نسكت).
قال الحافظ في "الفتح"(2): قوله: "لكل مسكين نصف صاع". وللطبراني عن أحمد بن محمد الخزاعي عن أبي الوليد شيخ البخاري فيه: "لكل مسكين نصف صاع من تمر". ولأحمد، عن بهز، عن شعبة:"نصف صاع طعام"، ولبشر بن عمر عن شعبة:"نصف صاع حنطة"، ورواية الحكم عن ابن أبي ليلى تقتضي أنه نصف صاع من زبيب فإنه قال:"يطعم فرقًا من زبيب بين ستة مساكين".
قال ابن حزم: لا يد من ترجيح إحدى هذه الروايات؛ لأنها قصة واحدة في مقام واحد في حق رجل واحد.
قلت: المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث: نصف صاع من طعام، والاختلاف عليه في كونه تمرًا أو حنطة لعله من تصرف الرواة.
وأما الزبيب فلم أره إلا في رواية الحكم، وقد أخرجها أبو داود، وفي إسنادها ابن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف، والمحفوظ رواية التمر فقد وقع الجزم بها عند مسلم من طريق أبي قلابة كما تقدم، ولم يختلف فيه على أبي قلابة، انتهى.
(1) سورة البقرة: الآية 196.
(2)
"فتح الباري"(4/ 17).