الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(24) بَابُ الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ
1809 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ تَسْتَفْتِيهِ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ وَجْهَ الْفَضْلِ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ،
===
والشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف: إن فسخ الحج إلى العمرة هو مختصٌّ بالصحابة في تلك السَّنة لا يجوز بعدها، قالوا: وإنما أُمِرُوا به في تلك السَّنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، واستدل المدَّعون الخصوصَ بهذا الحديث، وأجاب المانعون عنه أن الإِمام أحمد قال: حديث بلال بن الحارث عندي ليس يثبت، ولا أقول به، ولا يعرف هذا الرجل يعني الحارثَ بنَ بلال، قلت: وقد عرفت أن الشوكاني حكى عن الحافظ أن الحارث من ثقات التابعين، فكيف يقال: إن حديثه لم يثبت؟ !
(24)
(باب الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ)(1)
هل يجب عليه أن يحج أولًا عن نفسه أو لا؟
1809 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سليمان بن يسار، عن عبد الله بن عباس قال: كان الفضل بن عباس رديفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءته) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (امرأة من خثعم) اسم قبيلة (تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها، وتنظر) المرأة الخثعمية (إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشقِّ) أي الجانب (الآخر) للكف عن النظر إليها، وإنما لم يمنعها ولم يأمرها بصرف النظر عنه، لأن صرف وجه أحدهما يغني عن الآخر (2).
(1) فيه عشرة أبحاث، ذكرت في "الأوجز"(7/ 210). (ش).
(2)
أو: لأنها كانت تحتاج إلى النظر لضرورة تكلمها معه عليه السلام، فكان نظرها إلى الفضل تبعًا، وإليه عليه السلام قصدًا. (ش).
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عز وجل عَلَى عِبَادِهِ فِى الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِى شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ
===
ويحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم لم يَخَفْ منها الشهوة (1).
(فقالت: يا رسول الله! ) هذا بيان الاستفتاء (إن فريضة الله عز وجل على عباده في الحج أدركتْ أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة (قال الحافظ (2): والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة، وفي رواية:"وإن شددته خشيت أن يموت"، وعند ابن خزيمة بلفظ:"وإن شددته بالحبل على الراحلة خشيت أن أقتله"، وهذا يفهم منه أن من قدر على غير هذين الأمرين من الثبوت على الراحلة أو الأمن عليه من الأذى لو ربط لم يرخص له في الحج عنه، كمن يقدر على محمل موطأ كالمحفة، انتهى.
قلت: ولكن يشكل هذا بأن ظاهره إدراك الفريضة في حالة العجز، وهي تنافي الفرضية، فلا يجب عليه الحج، فلا يجب أن يحج عنه؛ فإن شرط الفرضية استطاعة السبيل، والذي لا يقدر على الركوب ولا يثبت على الراحلة غير مستطيع.
فإن قيل في الجواب عنه: إن الخثعمية لما رأت أباها ذا مال وقد أسلم، ففهمت منه أنه وجب عليه الحج، قلت: محل الإشكال ليس فهمها، ولكن محل الإشكال تقريره صلى الله عليه وسلم على ذلك، فالجواب عنه: أن إدراك الفريضة في هذه الحالة لا يستلزم الوجوب عليه، فإن معنى الإدراك هو المصادفة والموافقة في
(1) والأوجه في الجواب حل نظر المرأة إلى الأجنبي بدون شهوة بخلاف عكسه، كما سيأتي في باب قوله تعالى:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31]، وله توجيه على قول من الشافعية خاصة، وهو أنه إذا عارض وجوب كشف الوجه للإحرام وجوب الستر عن الأجانب يجب عليها كشف الوجه، ويجب عليهم غض البصر، كما في "الأوجز"(7/ 220 - 222). (ش).
(2)
انظر: "فتح الباري"(4/ 69، 70).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
هذه الحالة، أي فريضة الله على عباده في الحج صادفت ووافقته في حالة العجز، وهو لا يستلزم فرض الحج عليه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في جواب قولها: "أفأحج عنه؟ قال: نعم"، فما كان على سبيل الفرضية والوجوب، بل على التنفل، وإلى هذا الجواب أشار الحافظ، وحكى عن القاضي عياض بقوله: وقال عياض: لا حجة للمخالف في حديث الباب (1)؛ لأن قوله: "إن فريضة الله على عباده
…
إلخ" معناه أن إلزام الله عباده بالحج الذي وقع بشرط الاستطاعة صادف أبي بصفة من لا يستطيع؛ فهل أحج عنه؛ أي: هل يجوز لي ذلك، أو هل فيه أجر ومنفعة؟ فقال: نعم. ثم اعترض عليه الحافظ: وتُعُقِّبَ بأن في بعض طرقه التصريح بالسؤال عن الإجزاء فيتم الاستدلال، وتقدم في بعض طرق مسلم "إن أبي عليه فريضة الله في الحج"، ولأحمد في رواية: "والحج مكتوب عليه".
قلت: فالأولى في الجواب أن يقال: معنى قوله: "إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا" معناه: أدركت أبي في حالة الاستطاعة حتى صار شيخًا كبيرًا، ودخل في غير حالة الاستطاعة، ففوت القدرة بعد تحققها لا يكون مانعًا عن الوجوب السابق، فيجب عليه حينئذ أن يحج بنفسه أو يحج [عنه] غيره، أو يوصي به.
والتحقيق: أن الشيخ الكبير الذي لا يستطيع [الحج] على الراحلةِ ولا يقدر على الاستمساكِ والثبوتِ عليها إذا حصل له مال في هذا الوقت، اختلفوا فيه؛
(1) وفي الحديث مسألة الحج على المعضوب، وهو الذي ملك الزاد والراحلة في حال لا يقدر أن يثبت على الراحلة لضعفه ولكبر سنه، فعند الشافعي وأحمد والصاحبين: يجب عليه الحج، وهو ظاهر الحديث، وعند أبي حنيفة ومالك: لا يجب، ولما كان القاضي عياض مالكيًّا أوَّل الحديث كما في الشرح، وحمل الحافظ الحديث على ظاهره لكونه موافقًا لمذهبه. (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
هل يجب عليه الحج أم لا؟ فقال بعضهم: لا يجب عليه الحج ولا الإحجاج، ولا الإيصاء به، وقال بعضهم: يجب عليه الحج فيحج بنفسه، أو يحج عنه غيره، أو يوصي به، وهذا القول هو الذي صححه القاضي؛ فإنه في "شرح الجامع"(1)، واختاره كثير من المشايخ، ومنهم ابن الهمام (2)، وأما القول الأول فهو الذي قاله في "النهاية"، قال في "البحر" (3): هو المذهب الصحيح. فعلى هذا القول الثاني لا إشكال في الحديث.
وأما على القول الأول ففيه الإشكال، ويجاب عنه بما ذكر من الجواب.
ثم اعلم أنه اختلفت الروايات في أن السائل رجل أو امرأة، والمسؤول عنه أب أو أم؟ فوجه الجمع بين هذه الروايات عند الحافظ ما قال في "الفتح" (4): والذي يظهر لي من مجموع هذه الطرق أن السائل رجل، وكانت ابنته معه فسألت أيضًا، والمسؤول عنه أب الرجل وأمه جميعًا، ويقرب ذلك ما رواه أبو يعلى بإسناد قوي من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن الفضل بن عباس قال:"كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم وأعرابي معه بنت له حسناء، فجعل الأعرابي يعرضها لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجاء أن يتزوجها، وجعلت ألتفت إليها، ويأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسي فيلويه، فكان يلبي حتى رمى جمرة العقبة"، فعلى هذا فقول الشابة:"إن أبي" لعلها أرادت به جَدَّها؛ لأن أباها كان معها، وكأنه أمرها أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع كلامها ويراها رجاء أن يتزوجها، فلما لم يرضها سأل أبوها عن أبيه، ولا مانع أن يسأل أيضًا عن أمه، وتحصل من مجموع هذه الروايات أن اسم الرجل حصين بن عوف الخثعمي.
(1) انظر: "إكمال المعلم"(4/ 439).
(2)
انظر: "فتح القدير"(3/ 136).
(3)
انظر: "البحر الرائق"(3/ 64).
(4)
"فتح الباري"(4/ 68).
أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ» وَذَلِكَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ". [خ 1513، م 1334، جه 2909، ن 2641، حم 1/ 251]
1810 -
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ وَمُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بِمَعْنَاهُ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ، عَنْ أَبِى رَزِينٍ.- قَالَ حَفْصٌ فِى حَدِيثِهِ: رَجُلٌ مِنْ بَنِى عَامِرٍ - أَنَّهُ قَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَبِى شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ
===
(أفأحج عنه؟ قال: نعم. وذلك) أي السؤال والجواب كان (في حجة الوداع).
1810 -
(حدثنا حفص بن عمر ومسلم بن إبراهيم بمعناه) أي: حدث مسلمُ بنُ إبراهيم بمعنى حديث حفص بن عمر (قالا: نا شعبة، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن أبي رزين) لقيط بن صبرة العقيلي.
(قال حفص في حديثه) لأبي رزين: إنه (رجل من بني عامر) فزاد حفص هذا اللفظ في صفة أبي رزين، ولم يذكره مسلم بن إبراهيم (أنه قال: يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن) بفتح ظاء وسكون عين وحركتها: الراحلة. أي لا يقوى على السير ولا على الركوب من كبر السن "مجمع".
قال الحافظ (1) في شرح حديث ابن عباس: ووقع السؤال عن هذه المسألة من شخص آخر، وهو أبو رزين - بفتح الراء وكسرِ الزاي - العقيلي بالتصغير، واسمه لقيط بن عامر، ففي "السنن" و"صحيح ابن خزيمة" وغيرهما من حديثه: أنه قال: يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة، قال:"حج عن أبيك واعتمر"، وهذه قصة أخرى، ومن وحَّد بينها وبين حديث الخثعمي فقد أبعد وتَكَلَّفَ.
(1)"فتح الباري"(4/ 68، 69).
قَالَ: "احْجُجْ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ". [ت 930، ن 2637، جه 2906، حم 4/ 10، خزيمة 3040، ق 4/ 329، ك 1/ 481]
1811 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ (1) وَهَنَّادُ بْنُ السَّرِىِّ، الْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالَ إِسْحَاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَزْرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ، قَالَ:«مَنْ شُبْرُمَةَ؟ » قَالَ: أَخٌ لِى، أَوْ قَرِيبٌ (2) لِى، قَالَ:«حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ » قَالَ: لَا، قَالَ:«حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ» . [جه 2903، خزيمة 3039]
===
(قال: احجج عن أبيك (3) واعتمر).
1811 -
(حدثنا إسحاق بن إسماعيل وهناد بن السري، المعنى واحد، قال إسحاق: نا عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة) سعيدٍ، (عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلًا) قيل: اسمه نبيشة (يقول: لبيك عن شبرمة، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَن شبرمةُ؟ )(قال) الرجل: هو (أخ لي أو) للشك من الراوي (قريب لي، قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حججتَ عن نفسك؟ ) بتقدير حرف الاستفهام (قال) الرجل: (لا) أي ما حججت عن نفسي، (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم:(حُجَّ عن نفسك) أولًا، (ثم حج عن شبرمة)(4).
واختلف في أن من لم يحج عن نفسه، هل يجوز له أن يحج عن غيره؟
(1) زاد في نسخة: "الطالقاني".
(2)
في نسخة: "قريبًا".
(3)
فيه حج الرجل عن المرأة وعكسه عند الجمهور، وخالف فيهما الحسن بن صالح، كذا في "الأوجز"(7/ 217، 218). (ش).
(4)
ومن سمَّاه "نبيشة" فقد أخطأ، كذا في "التلقيح"(ص 476). (ش).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
فذهب الشافعي رضي الله عنه (1) لا يجوز له ذلك، وقال الثوري: يجزئه حج من نفسه أو لم يحج ما لم يتضيق عليه، وعند الحنفية: يكره له ما لم يحج عن نفسه.
واستدل المانعون بحديث ابن عباس هذا، وقالوا: هذا الحديث يدل على أنه يجب عليه أن يحج عن نفسه ثم يحج عن غيره.
واختلفوا في رفع هذا الحديث ووقفِه، فرجَّح عبد الحق وابن القطان رفعه، وصححه البيهقي، وقال: إسناده صحيح، وليس في هذا الباب أصح منه. ورجح الطحاوي أنه موقوف (2)، وقال أحمد: رفعه خطأ. وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه، كذا قال الشوكاني (3).
وأجاب ابن الهمام في "شرح الهداية"(4) ما ملخصه: أن هذا الحديث مضطرب في وقفه ورفعه، وليس هذا مثل ما ذكرناه غير مرة في تعارض الرفع والوقف من تقديم الرفع؛ لأنه زيادة تقبل من الثقة، فإن ذلك في حكم مجرد عن قصة واقعة في الوجود رواه واحد عن الصحابي يرفعه وآخر عن نفسه فقط، فإن هذا يتقدم فيه الرفع؛ لأن الموقوف حاصله أنه قد ذكره ابتداء على وجه إعطاء حكم شرعي، أو جوابًا لسؤال، ولا ينافي هذا كون ما ذكره مأثورًا عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أما في مثل هذه وهي حكاية قصة: هي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع من يلبي عن شبرمة، فقال له ما قال، أو أن ابن عباس رضي الله عنه سمع من يلبي
(1) وفي "نيل المآرب"(1/ 289): لا يصح لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره، فإن فعل انصرف إلى حجة الإِسلام، هذا هو المشهور من روايته، وأخرى له: يصح، كذا في "الأوجز"(7/ 217). (ش).
(2)
ورفعه معلول، كما حكاه العيني (7/ 11)، وبسط الكلام على الحديث، وكذا بسطه الحافظ في "التلخيص"(2/ 489). (ش).
(3)
انظر: "نيل الأوطار"(3/ 291).
(4)
"فتح القدير"(3/ 147، 148).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
عن شبرمة، فقال له ذلك، فهو حقيقة التعارض في شيء وقع في الوجود أنه وقع في ذلك الزمن أو في زمن آخر بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، وتجويز أن يكون وقع في زمنه عليه السلام، ثم وقع بحضرة ابن عباس سماعه رجلًا آخر يلبي عن شبرمة، فهو وإن لم يمتنع عقلًا لكنه بعيد جدًا في العادة، فلا يندفع به حكم التعارض الثابت ظاهرًا طالبًا لحكمه فيتهاتران.
أو يرجح وقوعه في زمن ابن عباس
…
، ولأن ابن المفلس ذكر في كتابه أن بعض العلماء ضعف هذا الحديث بأن سعيد بن أبي عروبة كان يحدث به بالبصرة فيجعل هذا الكلام من قول ابن عباس، ثم كان بالكوفة يسنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يفيد اشتباه الحال على سعيد، وقد عنعنه قتادة، ونسب إليه تدليسه، فلا تقبل عنعنته.
ولو سُلِّمَ فحاصله: أمر بأن يبدأ بالحج عن نفسه، وهو يحتمل الندب فيحمل عليه بدليل، وهو إطلاقه عليه السلام قوله للخثعمية:"حجي عن أبيك"، من غير استخبارها عن حجها لنفسها قبل ذلك، وترك الاستفصال في وقائع الأحوال ينزل منزلة عموم الخطاب فيفيد جوازه عن الغير مطلقًا.
وحديث شبرمة يفيد استحباب تقديم حجة نفسه، وبذلك يحصل الجمع، ويثبت أولوية تقديم الفرض على النفل مع جوازه.
والذي يقتضيه النظر أن حج الصرورة عن غيره إن كان بعد تحقيق الوجوب عليه بملك الزاد والراحلة والصحة؛ فهو مكروه كراهة تحريم؛ لأنه يتضيق عليه، والحالة هذه في أول سني الإمكان، فيأثم بتركه، وكذا لو تنفل لنفسه ومع ذلك يصح؛ لأن النهي ليس لعين الحج المفعول بل لغيره، وهو خشية أن لا يدرك الفرض إذ الموت في سنة غير نادر، فعلى هذا يحمل قوله عليه الصلاة والسلام:"حج عن نفسك، ثم عن شبرمة"، على الوجوب، ومع ذلك (1) ينفي
(1) كذا في الأصل، وفي "فتح القدير":"ومع ذلك لا ينفي الصحة".