الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ النُّفَيْلِيُّ: حَجَّاجُ بْنُ الْحَجَّاجِ (1) الأَسلَمِيُّ، وَهَذَا لَفْظُهُ.
(12) بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ
2065 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِىُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِى هِنْدٍ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، وَلَا الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى» . [خ 5109، م 1408، ت 1126، ن 3296، حم 2/ 426، ق 7/ 166]
===
قال النفيلي: حجاج بن الحجاج الأسلمي) فزاد لفظ الأسلمي ولم يذكره ابن العلاء (2)(وهذا لفظه) أي لفظ هذا الحديث لفظ النفيلي، لا لفظ ابن العلاء.
(12)
(بَابُ ما)، أي: النسوة اللاتي (يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ)، من بيانية للفظ ما
2065 -
(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا زهير، نا داود بن أبي هند، عن عامر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكح المرأة على عمتها، ولا العمة على بنت أخيها)، أي لا يجمع بين العمة وبنت أخيها، سواء تقدم نكاح العمة أو بنت الأخ، (ولا المرأة على خالتها، ولا الخالة على بنت أختها) وكذا لا تجمع في الوطء بملك اليمين، وسواء كانت سفلى كأخت الأب أو العليا كأخت الجد، لأن ذلك يفضي إلى قطيعة الرحم، (ولا تنكح الكبرى على الصغرى، ولا الصغرى على الكبرى) تأكيد للأول.
قال النووي: يحرم الجمع بينهما سواء كانت عمة أو خالة حقيقية،
(1) في نسخة: "حجاج".
(2)
وذكره الترمذي أيضًا برواية قتيبة عن حاتم عن هشام. (ش).
2066 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالحٍ، نَا عَنْبَسَةُ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عن ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤيبٍ
===
أو مجازية، وهي أخت أب الأب وأب الجد وإن علا، وأخت أم الأم وأم الجد، وأم الجدة من جهة الأم والأب وإن علت، وكلهن حرام بالإجماع، ويحرم الجمع بينهما في النكاح أو في ملك اليمين، وأما في الأقارب كبنتي العمتين وبنتي الخالتين ونحوهما فجائز، وهذا الحديث مشهور يجوز تخصيص عموم الكتاب به، وقوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (1).
ثم ذكر الحنفية (2) في هذا المحل قاعدة كلية، وهي أنه لا يجمع بين امرأتين لو كانت كل واحدة منهما ذكرًا لا يجوز له أن يتزوج بالأخرى، والدليل على اعتبار الأصل المذكور ما ثبت في الحديث برواية الطبراني، وهو قوله:"فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم"، وروى أبو داود في "مراسيله"، قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة"، فأوجب تعدي الحكم المذكور، وهو حرمة الجمع إلى كل قرابة يفرض وصلها، وهي ما تضمنه الأصل المذكور، وبه تثبت الحجة على الروافض والخوارج وعثمان بناءً على ما نقل عنه، وداود الظاهري في إباحة الجمع بين غير الأختين، ملخص من "القاري"(3).
2066 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا عنبسة، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني قبيصة بن ذؤيب) مصغرًا، ابن حلحلة بمهملتين مفتوحتين، بينهما لام ساكنة، أبو سعيد الخزاعي المدني، ويقال: أبو إسحاق، ولد عام الفتح، قال ابن سعد: كان على خاتم عبد الملك، وكان آثر الناس عنده، وكان
(1) سورة النساء: الآية 24.
(2)
وكذا الحنابلة كما في "المغني"(9/ 523)، والمالكية كما في "الباجي"(5/ 79)، وذكر ابن رشد الخلاف في ذلك (2/ 41، 42)، وقيَّد العيني (14/ 61) الضابطة بالنسب والرضاع دون الصهر. (ش).
(3)
"مرقاة المفاتيح"(6/ 320، 321).
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا". [خ 5110، م 1408، ن 3295، 3296]
2067 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحمدٍ النُّفَيْلِيُّ، نَا خَطَّابُ بْنُ الْقَاسِمِ، عن خُصَيْفٍ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:"أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَبَيْنَ الْخَالَتَيْنِ وَالْعَمَّتَيْنِ". [ت 1125، حم 1/ 217]
===
ثقة مأمونًا كثير الحديث، وقال الغلابي (1) عن ابن معين: أتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو له بالبركة، ذهبت عينه يوم الحرة (أنه سمع أبا هريرة يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجمع بين المرأة وخالتها وبين المرأة وعمتها).
2067 -
(حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي، نا خطاب بن القاسم) الحراني، أبو عمر، قاضي حران، عن ابن معين: ثقة، عن أبي زرعة: منكر الحديث، يقال: إنه اختلط قبل موته، قال ابن أبي حاتم عن أبي زرعة: ثقة، أخرج له أبو داود حديثًا واحدًا في النكاح في الجمع بين العمة والخالة، والنسائي آخر في الصيام في فضل التطوع، وقال عقبة: هذا حديث منكر، وخصيف ضعيف، وخطاب لا علم لي به، (عن خصيف) بن عبد الرحمن الجزري، (عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه يكره أن يجمع بين العمة والخالة) أي وبين بنت أخيها وبنت أختها.
كتب في الحاشية عن "فتح الودود": قوله: كره أن يجمع بين العمة والخالة، أي وبين من هما عمة وخالة لها. فالطرف الثاني من مدخول بين متروك في الكلام لظهوره، وكذا قوله:(وبين الخالتين) أي وبين من هما خالتان لها، والمراد بالخالتين الصغيرة ممن هي خالة لها، والكبيرة منها، أو الأبوية وهي أخت الأم من أب، والأموية وهي أخت الأم من أم (و) على هذا قياس (العمتين).
(1) وقع في الأصل: "الفلاني" وهو تحريف.
2068 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ الْمِصْرِىُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: "أَنَّهُ سَأَلَ
===
ويحتمل أن يكون المراد بالخالتين الخالة، ومن هي خالة لها أطلق عليها اسم الخالة تغليبًا، وكذا العمتين، والكلام لمجرد التأكيد، وهذا الذي ذكرناه هو الموافق لأحاديث الباب.
وقال السيوطي نقلًا عن الكمال الدميري: قد أشكل هذا على بعض العلماء حتى حمله على المجاز، وإنما المراد النهي عن الجمع بين امرأتين إحداهما عمة والأخرى خالة، أو كل منهما عمة الأخرى، أو كل منهما خالة الأخرى.
تصوير الأولى أن يكون رجل وابنه، فتزوجا امرأة وبنتها، فتزوج الأب البنت والابن الأم، فولدت لكل منهما ابنة من هاتين الزوجتين، فابنة الأب عمة بنت الابن وبنت الابن خالتها.
وتصوير العمتين (1) أن يتزوج رجل أمَّ رجل، ويتزوج الآخر أمَّه، فيولد لكل منهما ابنة، فابنة كل واحد منهما عمة الأخرى.
وتصوير الخالتين (2) أن يتزوج رجل ابنة رجل والآخر ابنته، فولدت لكل منهما ابنة، فابنة كل واحد منهما خالة الأخرى.
2068 -
(حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح المصري، نا ابن وهب، أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير: أنه سأل
(1) صورته هكذا: [صورة](ش).
(2 صورته هكذا: [صورة] (ش).
عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَوْلِه (1): {وَإِنْ خِفْتُمْ ألَا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (2)، قَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي، هِىَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِى حِجْرِ وَلِيِّهَا، تُشَارِكُهُ فِى مَالِهِ، فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا، فَيُرِيدُ وليها أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِى صَدَاقِهَا فَيُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوهُنَّ إلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنَ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنَ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ".
===
عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن تفسير (قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ}) أي ظننتم يا أولياء اليتامى ({أَلَّا تُقْسِطُوا}) أي لا تعدلوا، هو من أقسط، يقال: قسط إذا جار، وأقسط إذا عدل ({فِي الْيَتَامَى}) إذا نكحتموهن ({فَانْكِحُوا}) أي تزوجوا ({مَا}) بمعنى من ({مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}) أي: فانكحوا غيرهن من الغرائب.
(قالت) عائشة رضي الله عنها: (يا ابن أختي، هي) أي المذكورة في الآية (اليتيمة تكون في حجر وليها، تشاركله في ماله، فيعجبه) أي الولي (مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها (3) بغير أن يقسط في صداقها) أي يعدل في صداقها فيبلغ سنة مهر مثلها (فيعطيها مثل ما يعطيها غيره) هو معطوف على معمول بغير أن، يريد أن يتزوجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره، أي ممن يرغب في نكاحها سواه، ويدل على هذا قوله بعد ذلك: فنهوا عن ذلك إلَّا أن يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق.
(فنهوا أن ينكحوهن إلَّا أن يقسطوا) أي يعدلوا (لهن، ويبلغوا بهن أعلى سنتهن من الصداق) أي مهر المثل، (وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن)
(1) في نسخة: "قول الله عز وجل".
(2)
سورة النساء: الآية 3.
(3)
فيه أن للولي أن يزوجها بنفسه، ولا يحتاج إلى تزويج ولي آخر، وإليه مال البخاري، وبه قال مالك والحنفية، وقال الشافعي وزفر وداود: يزوجهما ولي آخر، كذا في "الفتح"(9/ 188)، ولم يتنبه لذلك ابن رشد، إذ قال في "البداية" (2/ 11): لا أعلم لمالك حجة في ذلك إلا ما روي من أنه عليه الصلاة والسلام تزوج أم سلمة بغير ولي، لأن ابنها كان صغيرًا، وما ثبت أنه عليه السلام أعتق صفية وجعل صداقها عتقها، والأصل عند الشافعي في أنكحة النبي صلى الله عليه وسلم أنها على الخصوص، انتهى. (ش).
قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ فِيهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِى لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} (1)، قَالَتْ: وَالَّذِى ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْهِمْ (2) فِى الْكِتَابِ
===
أي بأي مهر توافقوا عليه، قال الحافظ (3): وعن مجاهد في مناسبةِ ترتُّب قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (4) على قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} شيء آخر، قال في معنى قوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} : أي إذا كنتم تخافون أن لا تعدلوا في مال اليتامى فتحرَّجتم أن لَا تَلُوها، فتحرجوا من الزنا، وانكحوا ما طاب لكم من النساء، وعلى تأويل عائشة رضي الله عنها يكون المعنى: وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى.
(قال عروة: قالت عائشة) هو معطوف على الإسناد المذكور، وإن كان بغير أداة عطف، (ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي طلبوا منه الفتيا في أمر النساء (بعد هذه الآية) وهي:{وَإِنْ خِفْتُمْ} إلى {وَرُبَاعَ} (فيهن) أي: النساء، (فأنزل الله عز وجل:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى} ) عطف على لفظ "الله" أو على الضمير في يفتيكم أي يفتيكم ما يتلى ({عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ}) من صداقهن ({وَتَرْغَبُونَ}) عن ({أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) لدمامتهن، فنهاهم الله.
(قالت) عائشة: (والذي ذكر الله أنه يتلى، عليهم في الكتاب) أي القرآن،
(1) سورة النساء: الآية 26.
(2)
في نسخة: "عليكم".
(3)
"فتح الباري"(8/ 240).
(4)
سورة النساء: الآية 3.
الآيةُ الأُوْلَى الَّتِي قَالَ اللَّه تَعَالَى فِيهَا: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَقَوْلُ اللَّهِ عز وجل في الآيةِ الآخِرَةِ (1): {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} هِيَ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عن يَتِيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ في حِجْرِهِ حِينَ تَكونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ، فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا في مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلَّا بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ.
===
المراد به (الآية الأولى التي قال الله تعالى فيها: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}، قالت عائشة) رضي الله عنها: (وقول الله عز وجل في الآية الآخرة) أي {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} ، الآية:({وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}) هي رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره)، أي: حفظه وتربيته (حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا) إذا (ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء)، "من" بيانية للفظ "ما"، والمراد بهن المذكورات في الآية الأولى (إلَّا بالقسط)، أي بالعدل في مهرهن، بأن لا تنقصوه من مهر المثل (من أجل رغبتهم عنهن)، أي عن المذكورات في الآية الثانية.
وحاصل هذا الكلام أن اليتامى على نوعين: إحداهما: غنية كثيرة المال والجمال، وثانيتهما: معدمة فقيرة ليس عندها مال ولا جمال، فأمر الله عز وجل أولياءهن، أنكم إذا كن قليلات المال والجمال تتركونهن، فكذلك إذا كن كثيرات المال والجمال لا تنكحوهن إلَّا بالعدل في الصداق، ولا تنقصوا من صداقهن.
ولفظ رواية البخاري: أن عروة سأل عائشة رضي الله عنها، قال لها: يا أمتاه {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} - إلى- {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، قالت عائشة: يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن ينتقص من صداقها، فنهوا عن نكاحهن، إلَّا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا بنكاح من سواهن من النساء، قالت عائشة
(1) في نسخة: "الأخرى".
قَالَ يُونُسُ: وَقَالَ: رَبِيعَةُ (1) في قَوْلِ اللهِ عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} ، قَالَ: يَقُولُ: اُتْرُكُوهُنَّ إِنْ خِفْتُمْ، فَقَدْ أَحْلَلْتُ لَكُمْ أَرْبَعًا [خ 4574، م 3018، ن 3346]
===
رضي الله عنها: استفتى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، فأنزل الله:{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} - إلى- {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ، فأنزل الله لهم في هذه الآية، أن اليتيمة إذا كانت ذات مال وجمال، رغبوا في نكاحها ونسبها والصداق، وإذا كانت مرغوبًا عنها في قلة المال والجمال، تركوها وأخذوا غيرها من النساء، قالت: فكما يتركونها حين يرغبون عنها، فليس لهم أن ينكحوها إذا رغبوا فيها، إلا أن يقسطوا لها ويعطوها حقها الأوفى من الصداق.
(قال يونس) بن يزيد: (وقال ربيعة) أي الرأي (في قول الله عز وجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى}، قال) يونس: (يقول) ربيعة: (اتركوهن إن خفتم، فقد أحللت لكم أربعًا)(2).
حاصل هذا التفسير أن الجملة الشرطية وإن خفتم جزاؤها مقدر، وهو اتركوهن، وقوله:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} بمنزلة الدليل على الجزاء لتسليتهم، أي: اتركوهن لأني أحللت لكم أربعًا.
قلت: ولا مناسبة للحديث بترجمة الباب، إلَّا أن يقال: إن اليتامى إذا كن كثيرات عند وليهن، فأباح له نكاحهن، إلا أنه لا يجمع بينهن، بحيث يلزم فيه الجمع بين العمة والخالة وابنة الأخ وابنة الأخت، وكذلك إذا مات
(1) زاد في نسخة: "و".
(2)
لا يجوز للحر أكثر من أربع نسوة، حكى عليه الإجماع غير واحد منهم الحافظ في "الفتح"(9/ 139)، وقال: لا عبرة بخلاف الرافضي. وقال ابن الهمام في "فتح القدير"(3/ 229، 230): اتفق عليه الأئمة الأربعة والجمهور، وأجاز الروافض تسعًا، ونقل عن النخعي وابن أبي ليلى والخوارج ثماني عشرة، وحكي عن بعض الناس إباحة أي عدد شاء بلا حصر
…
إلخ. وأما العبد فالأئمة الثلاثة والصحابة على ثنتين وأباح مالك له أيضًا الأربع. كذا في "الأوجز"(10/ 535). (ش).
2069 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنِى أَبِي، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلي (1) ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَلِىَّ بْنَ الْحُسَيْنِ حَدَّثَهُ: "أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِىٍّ - رضى الله عنهما - لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَىَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِى بِهَا؟ قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ لَا، قَالَ: هَلْ أَنْتَ مُعْطِىَّ
===
الرجل وترك زوجة وبنتًا، فتزوج أمها، فلا يجوز له أن ينكح بنتها؛ لأنها ربيبته، فيلزم أن يجمع بين الأم وبنتها.
2069 -
(حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل، نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثني أبي) أي إبراهيم بن سعد، (عن الوليد بن كثير، حدثني محمد بن عمرو بن حلحلة الديلي، أن ابن شهاب حدثه، أن علي بن الحسين) بن علي بن أبي طالب، الملقب بزين العابدين (حدثه: أنهم) أي علي بن الحسين، ومن معه من أهل البيت من النسوة والولدان (حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية) وهو أن عمر بن سعد بن أبي وقاص قائد جيش يزيد بن معاوية لما فرغ من قتل الإِمام الحسين رضي الله عنه ومن معه من الرجال، وكان علي بن الحسين مريضًا، فأشخصهم إلى يزيد بن معاوية في الشام، ثم ردَّهم يزيد بن معاوية إلى المدينة (مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما) أي في زمان قتله وشهادته، (لقيه المسور بن مخرمة، فقال) المسور (له) أي لعلي بن الحسين: (هل لك إلى من حاجة تأمرني بها؟ ) فأمتثلها وآتي بها (قال) علي بن الحسين: (فقلت له) أي للمسور: (لا) أي ليس لي إليك من حاجة، والغرض منه إظهار المحبة والشفقة لأهل البيت وجبر خاطرهم
(قال) أي المسور: (هل أنت معطي) بتشديد الياء بالإضافة إلى ياء
(1) في نسخة: "الدؤلي".
سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّى أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ؟ وَأيْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لَا يُخْلَصُ إِلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى نَفْسِي، إِنَّ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ - رضى الله عنه - خَطَبَ بِنْتَ أَبِى جَهْلٍ
===
المتكلم (سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم) المراد به ذو الفقار الذي تَنَفَّله يوم بدر، ورأى فيه الرؤيا يوم أحد، وأراد المسور بالكلام الذي دار بين المسور بن مخرمة وبين علي بن الحسين صيانة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، لئلا يأخذه من لا يعرف قدره (فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه؟ ) أي على السيف، ويأخذونه من يديك (وأيم الله لئن أعطيتنيه لا يُخلص إليه) أي إلى السيف (أبدًا)، أي لا يأخذه مني أحد أبدًا (حتى يبلغ إلى نفسي) أي إلَّا أن أقتل فيأخذه بعد موتي، ولم يذكر لهذا السؤال جواب، ولعله لم يوافقه هذا السؤال.
(إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه)، قال الكرماني (1): مناسبة ذكر المسور لقصة خِطبة بنت أبي جهل عند طلبه السيف من جهة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحترز عما يوجب وقوع التكدر بين الأقرباء، أي فكذلك ينبغي أن تعطيني السيف، حتى لا يحصل بينك وبين أقربائك كدورة بسببه، أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يراعي جانب بني عمه العبشميين، فأنت أيضًا راع جانب بني عمك النوفليين، لأن المسور نوفلي، كذا قال، والمسور زهري لا نوفلي، قال: أو كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب رفاهية خاطر فاطمة رضي الله عنها فأنا أيضًا أحب رفاهية خاطرك، فأعطني السيف، حتى أحفظه لك.
قلت: وهذا الأخير هو المعتمد، وما قبله ظاهر التكلف (2).
(خطب (3) بنت أبي جهل) واختُلف في اسم ابنة أبي جهل، فروى الحاكم
(1)"صحيح البخاري بشرح الكرماني"(13/ 88، 89).
(2)
كذا قال الحافظ في "الفتح"(7/ 86)، وقال العيني (10/ 441): إنما ذكر المسور هذه القصة ليعلم زين العابدين بمحبته في فاطمة ونسلها لما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. (ش).
(3)
ذكر في "الخميس" هذه القصة في سنة 2 هـ. (انظر: 1/ 412). (ش).
عَلَى فَاطِمَةَ، فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ فِى ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ:«إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّى وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِى دِينِهَا» ، قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ
===
في "الإكليل": جويرية وهو الأشهر، وفي بعض الطرق اسمها العوراء، أخرجه ابن طاهر في "المبهمات"، وقيل: اسمها الحيفاء، ذكره ابن جرير الطبري، وقيل: جرهمة، حكاه السهيلي، وقيل: اسمها جميلة، ذكره شيخنا ابن الملقن في "شرحه"، وكان علي قد أخذ بعموم الجواز، فلما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم أعرض علي عن الخطبة، فيقال: تزوجها عتاب بن أسيد.
(على فاطمة، فسمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس في ذلك) أي في خِطبة علي بنت أبي جهل (على منبره هذا) أي منبر مسجد النبوي صلى الله عليه وسلم (وأنا يومئذ محتلم)، أي بالغ، قال ابن سيد الناس (1): هذا غلط، والصواب ما وقع عند الإسماعيلي بلفظ "كالمحتلم"، والمسور لم يحتلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ولد بعد ابن الزبير، فيكون عمره عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين.
قلت: كذا جزم به وفيه نظر، فإن الصحيح أن ابن الزبير ولد في السنة الأولى، فيكون عمره عند الوفاة النبوية تسع سنين، فيجوز أن يكون احتلم في أول سنين الإمكان، أو يحمل قوله:"محتلم" على المبالغة، والمراد التشبيه فتلتئم الروايتان، وإلَّا فابن ثمان سنين لا يقال له: محتلم ولا كالمحتلم، إلَّا أن يريد بالتشبيه أنه كان كالمحتلم بالحذق والفهم والحفظ.
(فقال: إن فاطمة مني وأنا أتخوف أن تفتن في دينها) لأن النساء جبلن على المغيرة، (قال) أي المسور:(ثم ذكر) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم (صهرًا له من بني عبد شمس) والصهر يطلق على جميع أقارب المرأة والرجل، ومنهم من يخصه بأقارب المرأة، فالمراد ها هنا أبو العاص بن الربيع،
(1) انظر: "فتح الباري"(9/ 327، 328).
فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِى مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ:«حَدَّثَنِى فَصَدَقَنِى وَوَعَدَنِى فَوَفَّى لِي، وَإِنِّى لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبَدًا» . [3729، م 2449، جه 1999]
===
ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب، فإنه تزوَّج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة، وهي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أسر أبو العاص ببدر، وفدته زينب، فشرط النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسلها إليه، فوفى له بذلك، وهذا معنى قوله:"وعدني فوفى لي"، ثم أسر أبو العاص مرة أخرى، فأجارته زينب، فأسلم، فردها النبي صلى الله عليه وسلم إلى نكاحه.
(فأثنى عليه) أي على الصهر (في مصاهرته) أي: الصهر (إياه) أي: حسن معاملته رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأحسن) أي الثناء عليه. (قال) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حدثني فصدقني) لعله شرط على نفسه أن لا يتزوج على زينب، (ووعدني فوفى لي) وهو إرسال زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى خِطبة علي (وإني لست أحرم حلالًا ولا أحل حرامًا) أي ليس التحليل والتحريم من نفسي، بل هو من الله تعالى، وهو يتولى أمر التحليل والتحريم، وأنا مبلغ لما ينزل إليَّ (ولكن والله لا تجتمع بنتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي فاطمة (وبنتُ عدوِّ الله) أي بنت أبي جهل (مكانًا واحدًا أبدًا).
قال الحافظ (1): وقال ابن التين: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرَّم على علي رضي الله عنه أن يجمع بين ابنته وابنة أبي جهل، لأنه علل بأن ذلك يؤذيه، وأذيته حرام بالاتفاق، ومعنى قوله:"لا أحرِّم حلالًا"، أي: هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة، وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبي صلى الله عليه وسلم لتأذي فاطمة به فلا، وزعم غيره أن السياق يشعر بأن ذلك مباح لعلي، لكنه منعه النبي صلى الله عليه وسلم رعاية لخاطر فاطمة، وقيل: هو ذلك امتثالًا
(1)"فتح الباري"(9/ 328، 329).
2070 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ، نَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنَا مَعْمَرٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن عُرْوَةَ، وَعن أَيُّوبَ، عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ بِهَذَا الْخَبَرِ قَالَ:"فَسَكَتَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنْ ذَلِكَ النِّكَاحِ"[انظر سابقه]
2071 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، الْمَعْنَى، قَالَ أَحْمَدُ: نَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ، أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: "إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَة
===
لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يُعَدَّ في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يتزوج على بناته (1). ويحتمل أن يكون ذلك مختصًا بفاطمة عليها السلام.
2070 -
(حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عروة، وعن أيوب، عن ابن أبي مليكة) عطف على قوله: عن الزهري، أي حدث معمر هذا الحديث بطريقين، أولهما حدث عن الزهري، عن عروة، وثانيهما روى عن أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة؛ وأظن أن كليهما أي عروة وابن أبي مليكة يرويان عن المسور بن مخرمة (بهذا الخبر قال) أي المسور:(فسكت علي رضي الله عنه عن ذلك النكاح)، وفي رواية شعيب عن الزهري عند البخاري:"فترك عليٌّ الخِطبةَ".
2071 -
(حدثنا أحمد بن يونس وقتيبة بن سعيد، المعنى) أي معنى حديثهما واحد (قال أحمد) بن يونس: (نا الليث، حدثني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة القرشي التيمي، أن المسور بن مخرمة حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: إن بني هشام بن المغيرة)، قال الحافظ (2): وبنو هشام هم أعمام بنت أبي جهل، لأنه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة، وقد أسلم
(1) وهل هو تخصيص لفاطمة أو لكل بناته ظاهره التعميم. "المواهب اللدنية"(2/ 660). (ش).
(2)
"فتح الباري"(9/ 328).
اسْتَأذَنُوا أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ مِنْ عَلِيِّ بْن أَبِي طَالب، فَلَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، ثُمَّ لَا آذَنُ، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أنْ يُطَلِّقَ ابْنًتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ، فَإِنَّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنِّي، يَرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا وُيؤْذِيني مَا آذَاهَا". وَالإِخْبَارُ في حَدِيثِ
===
أخوه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح، وحسن إسلامهما، وممن يدخل في إطلاق بني هشام بن المغيرة عكرمة بن أبي جهل بن هشام، وقد أسلم أيضًا، وحسن إسلامه.
(استأذنوا) وفي نسخة: "استأذنوني"(أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن)، قال الحافظ (1): كرر ذلك تأكيدًا، وفيه إشارة إلى تأبيد مدة منع الإذن، وكأنه أراد رفع المجاز لاحتمال أن يحمل النفي على مدة بعينها، فقال:"ثم لا آذن" أي ولو مضت المدة المفروضة تقديرًا لا آذن بعدها ثم كذلك أبدًا، (إلَّا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم). قال الحافظ: هذا محمول على أن بعض من يبغض عليًا وشى به أنه مصمم على ذلك، وإلَّا فلا يظن به أنه يستمر على الخِطبة بعد أن استشار النبي صلى الله عليه وسلم فمنعه، قلت: يمكن أن يحمل على المبالغة في المنع.
(فإنما ابنتي بضعة مني) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة، أي: قطعة، وفي رواية:"مضغة" بضم الميم وبغين معجمة (يريبني ما أرابها) من باب الإفعال، وفي رواية مسلم:"ما رابها" من المجرد (ويؤذيني ما آذاها).
قال الحافظ (2): ويؤخذ من هذا الحديث، أن فاطمة لو رضيت بذلك، لم يمنع عليٌّ من التزوج بها أو بغيرها.
واستشكل اختصاص فاطمة بذلك مع أن المغيرة على النبي صلى الله عليه وسلم أقرب إلى خشية الافتنان في الدين، ومع ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستكثر من الزوجات، وتوجد منهن المغيرة، ومع هذا لم يراع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقهن، كما راعاه في حق فاطمة.
(1)"فتح الباري"(9/ 328).
(2)
"فتح الباري"(9/ 329).