الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(91) بَابُ الصَّلَاةِ في الْكَعْبَةِ
2023 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِىُّ وَبِلَالٌ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ،
===
(91)
(بَابُ الصَّلَاةِ (1) في الْكَعْبَةِ)
أي هل صلَّى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا؟
2023 -
(حدثنا القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة) كان ذلك عام الفتح (2)، كما وقع مبينًا من رواية يونس بن يزيد، عن نافع عند البخاري (3) في "كتاب الجهاد"(هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة الحجبي وبلال، فأغلقها عليه) وفي رواية: فأغلقوا عليهم
(1) ها هنا بحثان: الأول: صحة الصلاة فرضًا ونفلًا، والثاني: هل هو مندوب كما صرَّح به أهل الفروع من الأئمة الأربعة أم لا؟ كما جزم به ابن القيم، قال النووي (5/ 96): قال الشافعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد والجمهور: تصح فيها صلاة الفرض والنفل، وقال مالك: تصح فيها صلاة النفل المطلق، ولا يصح الفرض ولا الوتر ولا ركعتا الطواف، هكذا في شرح أبي الطيب من الشروح الأربعة للترمذي؛ لكن ما حكاه عن أحمد تأباه كتب فروعه، ففي "الروض المربع"(1/ 51، 52): لا تصح الفريضة في الكعبة ولا فوقها والحجر منها، وإن وقف على منتهاها بحيث لم يبقَ وراءه شيء منها، أو وقف خارجَها وسجد فيها صحت؛ لأنه غير مستدبر لشيء منها، وتصح النافلة والمنذورة فيها وعليها. والمسألة خلافية عند المالكية كما في الدردير (1/ 366، 367). (ش).
(2)
لا خلاف بين أهل العلم في دخوله- عليه السلام في غزوة الفتح، واختُلِفَ في حجة الوداع، والجمهور على عدم الدخول حتى حكى النووي الإجماعَ على ذلك، وكذا أنكر ابن القيم (2/ 296) أشدَّ الإنكار، وذهب كثير من الفقهاء وأهل العلم إلى التعدد، أي الدخول في الحجة أيضًا، منهم ابن حبان والبيهقي والمحب الطبري والسهيلي لرواية عائشة، ولم تكن معه في الفتح، ولما ورد في رواية ابن عمر وابن عباس من تكرار الدخول عند الدارقطني، كذا في "الأوجز"(8/ 173 - 178). (ش).
(3)
"صحيح البخاري"(2988).
فَمَكَثَ (1) فِيهَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: "فَسَأَلْتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ مَاذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ، وَعَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى". [خ 505، م 1329، ن 749، حم 2/ 138]
===
الباب (فمكث فيها، قال عبد الله بن عمر: فسألت بلالًا حين خرج) من البيت (ماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها؟
(فقال) بلال: (جعل) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة (2) ثم صلَّى) والحكمة في تغليق الباب مخافة أن يزدحموا لتوفر دواعيهم على مراعاة أفعاله ليأخذوها عنه، أو ليكون ذلك أسكن لقلبه، وأجمع لخشوعه.
ولا يخالفه ما في "البخاري"(3): أنه صلَّى بين العمودين اليمانيين؛ فإنه لما جعل ساريتين عن يمينه وسارية عن يساره يصدق عليه أنه صلَّى بين العمودين اليمانيين أيضًا، كأنه ترك فيه ذكر سارية واحدة التي كانت عن يمينه.
ويعارضه حديث ابن عباس عند البخاري وغيره: أنه لم يصل في البيت (4)، ولا معارضة في ذلك، فإثبات بلال أرجح؛ لأن بلالًا كان معه يومئذ، ولم يكن معه ابن عباس، وإنما استند في نفيه تارة إلى أسامة وتارة إلى أخيه الفضل، مع أنه لم يثبت أن الفضل كان معهم إلا في رواية شاذة، فترجح رواية بلال من جهة أنه مثبت وغيره ناف.
(1) في نسخة: "ومكث".
(2)
فيه دليل على تغيير هيئته، وهو كذلك، فبناها ابن الزبير على ثلاثة أعمدة، وهو كذلك إلى زماننا هذا على ثلاثة، كذا في "الأوجز"(8/ 167). (ش).
(3)
"صحيح البخاري"(1598).
(4)
"صحيح البخاري"(1601).
2024 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْن إِسْحَاقَ الأَذْرَمِيُّ، نَا عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عن مَالِكٍ بِهَذَا، لَمْ يَذكُرِ السَّوَارِيَّ، قَالَ: ثُمَّ صَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ. [خ 506]
2025 -
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نَا أَبُو أُسَامَةَ، عن عُبَيْدِ الله،
===
وقال النووي (1) وغيره: يجمع بين إثبات بلال ونفي أسامة بأنهم لما دخلوا الكعبة اشتغلوا بالدعاء، فرأى أسامة النبي صلى الله عليه وسلم يدعو فاشتغل بالدعاء في ناحية، والنبي صلى الله عليه وسلم في ناحية، ثم صلَّى النبي صلى الله عليه وسلم فرآه بلال لقربه منه، ولم يره أسامة لبعده واشتغاله، ولأن بإغلاق الباب تكون الظلمة مع أنه يحجب عنه بعض الأعمدة فنفاها عملًا بظنه.
وقال في "لباب المناسك": "فصل": يستحب دخول البيت إذا روعي آدابه، والصلاة فيه، والدعاء، ويدخله خاضعًا خاشعًا معظمًا متسحييًا، لا يرفع رأسه إلى السقف، ويقصد مصلَّى النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا صلَّى وضع خده على الجدار، وحمد الله واستغفره، ثم يأتي الأركان الأربعة، فيحمد ويستغفر ويسبح ويهلل ويكبر ويصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، ويدعو بما شاء، ويجتنب البدع والإيذاء، فإن أدى دخولُه إلى الإيذاء لم يدخل.
2024 -
(حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأذرمي) بفتح الهمزة وسكون المعجمة وفتح الراء، نسبة إلى أذرمة، قرية بنصيبين، الجزري، أبو عبد الرحمن الموصلي، قال أبو حاتم والنسائي: ثقة. (نا عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك بهذا) أي بهذا الحديث (لم يذكر) عبد الرحمن (السواري، قال) ابن مهدي عن مالك: (ثمَّ صلَّى وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع).
2025 -
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، نا أبو أسامة، عن عبيد الله،
(1) انظر: "شرح صحيح مسلم"(5/ 96)، و"فتح الباري"(3/ 468، 469).
عن نَافِعٍ، عن ابْنِ عُمَرَ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَى حَدِيثِ الْقَعْنَبِيِّ، قَالَ:"وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟ ". [م 1329]
2026 -
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى زِيَادٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: "كَيْفَ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ؟ قَالَ: صَلَّى رَكْعَتَيْنِ". [حم 3/ 431]
2027 -
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ، نَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عن أيُّوبَ، عن عِكْرِمَةَ، عن ابْن عبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ
===
عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث القعنبي، قال: ونسيت أن أسأله: كم صلَّى؟ ).
2026 -
(حدثنا زهير بن حرب، نا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان (1) قال: قلت لعمر بن الخطاب: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة؟ قال) عمر رضي الله عنه: (صلَّى ركعتين)، قال النووي في "شرح مسلم" (2): إسناده فيه ضعف. قلت: ولعله لأجل (3) يزيد بن أبي زياد، فإنه ضعيف، كبر فتغير وصار يتلقن، وكان شيعيًا، كما في "التقريب".
2027 -
(حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج، نا عبد الوارث، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم
(1) والحديث مختصر، وأخرجه أحمد وغيره مفصلًا، ولفظهم كما في "نصب الراية"(2/ 322)، عن ابن صفوان قال: "لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
إلخ". (ش).
(2)
(5/ 97).
(3)
وكذا قال الزيلعي في "نصب الراية"(2/ 322). (ش).
مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَفِيهِ الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ، قَالَ: فَأَخْرَجَ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَفِى أَيْدِيهِمَا الأَزْلَامُ،
===
مكة) زمن الفتح (أبى أن يدخل البيتَ) أي امتنع عن دخوله (وفيه الآلهة) أي والحال أن في البيت آلهتهم- وهي الأصنام- موجودة، (فأمر بها) أي بالأصنام (فأُخْرِجَتْ) أي من البيت.
(قال: فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل وفي أيديهما الأزلام) أي القداح، جمع زلم، وهو القدح الذي لا ريش لها، وهي أعواد نحتوها وكتبوا في أحدها "افعل"، وفي الآخر "لا تفعل"، و"لا شيء" في الأُخَر، فإذا أراد أحدهم السفر أو حاجة ألقاها في الوعاء، فإن خرج "افعل" فعل، وإن خرج "لا تفعل" لم يفعل، وإن خرج "لا شيء"، أعاد الإخراج حتى يخرج له "افعل" أو "لا تفعل".
وعن ابن إسحاق قال: كانت هُبَل أعظم أصنام قريش بمكة، وكانت في بئر في جوف الكعبة، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة، وكانت عند هبل سبعة أقداح، كلُ قدح منها فيه كتاب، قِدْح فيه "العَقْل"، إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة، وقِدْح فيه "نعم" للأمر إذا أرادوه يُضرب به، قال: فإذا خرج قدح "نعم" عملوا به، وقدح فيه "لا"، فإذا أرادوا أمرًا ضربوه به في القداح، فإذا خرج ذلك القدح، لم يفعلوا ذلك الأمر، وقدح فيه "منكم"، وقدح فيه "مُلْصِق"، وقدح فيه "من غيركم"، وقدح فيه "المياه" إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القدح، فحيث ما خرج عملوا به.
وكانوا إذا أرادوا أن يختنوا غلامًا أو أن يُنكحوا منكحًا أو أن يَدْفنوا مَيْتًا أو يشكوا في نسب واحد منهم، ذهبوا به إلى هُبَل بمائة درهم وبجزور، فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها، ثم قرَبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون، ثم قالوا: يا إلهنا؛ هذا فلان بن فلان قد أردنا به "كذا وكذا" فأخْرِج الحقَّ فيه، ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب فيضرب، فإن خرج عليه
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا (1) بِهَا قَطُّ» . قَالَ: "ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِى نَوَاحِيهِ وَفِى زَوَايَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ". [خ 1601، حم 1/ 334]
2028 -
حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِىُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ عَلْقَمَةَ،
===
"من غيركم" كان حليفًا، وإن خرج "مُلْصِق" كان على ميراثه منهم (2)، لا نسب له ولا حلف، وإن خرج فيه [شيء]، سوى هذا مما يعملون به "نعم" عملوا به، وإن خرج "لا" أخَّروه عامهم ذلك، حتى يأتوا به مرة أخرى، ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح، انتهى.
(فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتلهم الله) أي أهلكهم، (والله لقد علموا) أي كفار قريش (ما استقسما) أي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام (بها) أي بالأزلام (قط. قال) ابن عباس:(ثم دخل البيت فكبر في نواحيه وفي زواياه) أي أركانه (ثم خرج ولم يصل فيه).
وههنا كتب في النسخة المكتوبة الأحمدية على هامشها "باب" وفي المصرية "باب في الحجر"، وفي حاشية النسخة المجتبائية الدهلوية "باب الصلاة في الحجر"، والأولى أن لا يكون ها هنا باب، لأن الأحاديث المذكورة فيها كلها تناسب "باب الصلاة في الكعبة".
2028 -
(حدثنا القعنبي، نا عبد العزيز) الدراوردي، (عن علقمة) بن أبي علقمة، واسمه بلال المدني مولى عائشة رضي الله عنها، وهو علقمة بن أم علقمة واسمها مرجانة، قال ابن معين وأبو داود والنسائي: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن عبد البر: كان ثقة مأمونًا.
(1) في نسخة: "ما اقتسما".
(2)
كذا في الأصل، وفي "سيرة ابن هشام" (1/ 189) وغيره من كتب التاريخ: كان على منزلته فيهم. والله أعلم بالصواب.
عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:"كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَدْخُلَ الْبَيْتَ فَأُصَلِّىَ فِيهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِى فَأَدْخَلَنِى فِى الْحِجْرِ"، فَقَالَ:«صَلِّى فِى الْحِجْرِ إِذَا أَرَدْتِ دُخُولَ الْبَيْتِ، فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ، فَإِنَّ قَوْمَكِ اقْتَصَرُوا حِينَ بَنَوُا الْكَعْبَةَ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْبَيْتِ» . [ت 876، ن 2912، حم 6/ 92، خزيمة 3018]
===
(عن أمه) مرجانة والدة علقمة تكنى أم علقمة، علق لها البخاري في "الحيض"، مدنية تابعية ثقة، وذكرها ابن حبان في "الثقات" (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها قالت: كنت أحب (1) أن أدخل البيت وأصلي فيه) كأنها قالت: فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك.
(فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني في الحجر) وهو الحطيم (فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلِّي في الحجر) أي الحطيم (إذا أردتِ دخولَ البيت، فإنما هو قطعة من البيت، فإن قومك) أي قريشًا (اقتصروا) أي البيت (حين بنوا الكعبة) وقلَّت النفقة (فأخرجوه) أي الحجر (من البيت).
واستدل ابن عمر بهذا على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمس الركن الشامي والعراقي؛ لأنهما ليسا بركنين في الحقيقة، لأن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم.
قلت: ويؤيد ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف دائمًا من وراء الحطيم، ولم يطف مرة بين الفرجتين، ولكن قالت الفقهاء (2): إذا صلَّى المصلي،
(1) وكان حبها للنذر، ففي "العناية" (2/ 356): روي أنها نذرت إن فتح الله مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تصلي في البيت ركعتين، فأخذ صلى الله عليه وسلم بيدها وأدخلها الحطيم وقال: صلي ها هنا؛ فإن الحطيم من البيت، إلَّا أن قومك قصرت بهم النفقة فأخرجوه من البيت، ولولا حدثان قومك بالجاهلية لنقضت البيت، وأظهرت قواعد إبراهيم، وأدخلت الحطيم في البيت، وألصقت العتبة بالأرض، وجعلت له بابًا شرقيًّا وبابًا غربيًّا، ولئن عشت إلى قابل لأفعلنَّ ذاك ولم يَعِشْ
…
إلخ. (ش).
(2)
قال العيني (7/ 136): هذا هو المذهب عند الحنفية والمالكية، وهو الذي صححه =
2029 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا وَهُوَ مَسْرُورٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَىَّ وَهُوَ كَئِيبٌ، فَقَالَ «إِنِّى دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِى مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا دَخَلْتُهَا، إِنِّى أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِى» . [ت 873، جه 3064، ق 5/ 159 - 163، حم 6/ 137، خزيمة 3008]
===
واستقبل الحطيم فقط لا تجوز صلاته؛ لأن استقبال البيت في الصلاة قطعي الثبوت، وكون الحطيم داخل البيت ثبت بحديث ظني، لهذا لا يجوِّزون استقبالها حتى يكون الاستقبال إلى جزء من البيت.
2029 -
(حدثنا مسدد، نا عبد الله بن داود) الخريبي، (عن إسماعيل بن عبد الملك، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها وهو مسرور) أي فرحان، (ثم رجع إليَّ وهو كئيب، فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني دخلت الكعبة ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها، إني أخاف أن أكون قد شققتُ على أمتي) أي أوقعت المشقة عليهم بدخولي في الكعبة.
ومناسبة الحديث بالباب أنه قد ثبت في هذا الحديث دخولُه صلى الله عليه وسلم في الكعبة، وقد سبق ذكرُ الصلاة فيها، فلهذا ناسب بالباب؛ ولكن فيه أن هذا الدخول في الكعبة ظاهره أنه وقع في الحجة، والصلاة المتقدمة كانت في زمن الفتح.
قال الشوكاني (1): فيه دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة في غير عام الفتح؛ لأن عائشة لم تكن معه فيه، إنما كانت معه في غيره، وقد جزم جمع من أهل العلم أنه لم يدخل إلَّا في عام الفتح، وهذا الحديث يرد عليهم،
= الرافعي والنووي أنه لا يصح استقبال الحجر في الصلاة مع عدم استقبال شيء من الكعبة. (ش).
(1)
"نيل الأوطار"(3/ 443).
2030 -
حَدَّثَنَا ابْنُ السَّرْحِ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُسَدَّدٌ قَالُوا، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ الْحَجَبِىِّ، حَدَّثَنِى خَالِى، عَنْ أُمِّي (1) قَالَتْ: سَمِعْتُ الأَسْلَمِيَّةَ
===
وقد تقرر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل البيت في عمرته، كما في حديث ابن أبي أوفى من حديث إسماعيل بن أبي خالد قال: قلت لعبد الله بن أبي أوفى: "أدَخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم البيتَ في عمرته؟ قال: لا" فتعين أن يكون دخله في حجته، وبذلك جزم البيهقي (2)
وقد أجاب البعض عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وسلم قال ذلك بالمدينة بعد رجوعه من غزوة الفتح، وهو بعيد جدًا.
2030 -
(حدثنا ابن السرح وسعيد بن منصور ومسدد قالوا: نا سفيان، عن منصور) بن عبد الرحمن (الحجبي، حدثني خالي) وهو مسافع بن عبد الله بن شيبة الحجبي، وفيه إشكال، فإن مسافعًا لا يمكن أن يكون خالًا لمنصور، فإن الخال من يكون أخًا للأم، وليس هو أخًا لأم منصور صفية بنت شيبة، بل هو ابن أخي أمه كما صرح به الحافظ في "تهذيب التهذيب"(3) في ترجمة مسافع، روى عن أبيه وجده وعمته صفية، وعنه ابن عمته منصور بن صفية، فإطلاق الخال عليه لعله بطريق المجاز؛ لأنه ابن أخيها، كما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الخالَ على سعد بن أبي وقاص؛ فعبد الله والد مسافع أخ لطيفة بنت شيبة وشقيق لها، فهو خال لمنصور؛ فيحتمل أن يقال: إن ههنا سقط لفظ "ابن" من النساخ؛ فكأنه قال: حدثني ابن خالي، وعلى هذا لا يحتاج إلى ارتكاب المجاز، ولكن ما وجدته في شيء من نسخ أبي داود، والله أعلم.
(عن أمي) أي صفية بنت شيبة الحجبية (قالت: سمعت الأسلمية)
(1) زاد في نسخة: "صفية بنت شيبة".
(2)
انظر: "السنن الكبرى"(5/ 159).
(3)
انظر: "تهذيب التهذيب"(10/ 102).
تَقُولُ: "قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ دَعَاكَ؟ قَالَ: «إِنِّى نَسِيتُ أَنْ آمُرَكَ أَنْ تُخَمِّرَ الْقَرْنَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِى أَنْ يَكُونَ فِى الْبَيْتِ شَىْءٌ يَشْغَلُ الْمُصَلِّىَ» . [حم 4/ 68 - 5/ 380]
قَالَ ابْنُ السَّرْحِ: خَالِى مُسَافِعُ بْنُ شَيْبَةَ.
===
وقيل: عن امرأة من بني سليم، قال في "التقريب": عن عثمان بن طلبة في تخمير قرني الكبش، لا تُعرف. (تقول: قلت لعثمان) بن طلحة بن أبي طلحة عبد الله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي العبدري الحجبي، أسلم في الهدنة، وهاجر مع خالد بن الوليد، ثم سكن مكة إلى أن مات بها، وقيل: قتل بأجنادين، قال مصعب الزبيري: دفع النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة لشيبة بن عثمان، وقال:"خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة"، وقال العسكري: قال قوم: استشهد بأجنادين، وذلك باطل (1).
(ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاك؟ قال) عثمان بن طلحة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني نسيت أن آمرك أن تخمِّر) أي تغطي (القرنين) أي قرني (2) الكبش الذي فدي به إسماعيل عليه الصلاة والسلام، (فإنه ليس ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلِّي) عن الصلاة.
(قال ابن السرح) أي زاد: (خالي مسافع بن شيبة) أي زاد لفظ مسافع بن شيبة، وقدمنا أن مسافع بن شيبة ليس هو خاله إلَّا أن يحمل على المجاز، ومناسبة الحديث بالباب بذكر الصلاة في الكعبة فيه.
(1) انظر: "تهذيب التهذيب"(7/ 124).
(2)
وقد احترقا في فتنة الحجاج بابن الزبير، كذا في "حياة الحيوان"(2/ 366). (ش).