الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(93) بابٌ: فِى إِتْيَانِ الْمَدِينَةِ
2033 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِى هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى» . [خ 1189، م 1397]
===
ذكر هذا الحديث: إن صح فالقياس التحريم، لكن منع منه الإجماع، انتهى. وفي دعوى الإجماع نظر؛ فإنه قد جزم جمهور أصحاب الشافعي بالتحريم، واختلفوا في وجوب الضمان، فقال جمهور أصحاب الشافعي: إنه يأثم فيؤدبه الحاكم على فعله، ولا يلزمه (1) شيء؛ لأن الأصل عدم الضمان إلَّا فيما ورد به الشرع، ولم يرد في هذا شيء. وقال بعضهم: حكمه في الضمان حكم المدينة وشجرها. قال الخطابي (2): ولست أعلم لتحريمه معنى إلَّا أن يكون ذلك على سبيل الحمى لنوع من منافع المسلمين، وقد يحتمل أن ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم إلى مدة محصورة، ثم نسخ.
(93)
(بَابٌ: في إِتْيَانِ الْمَدِينَةِ)(3)، أي: حضورها لفضلها
2033 -
(حدثنا مسدد، نا سفيان، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تشد الرحال) وشد الرحال كناية عن السفر، أي لا يُقصَد بالسفر موضع أو مسجد بنية التقرب إلى الله تعالى (إلَّا إلى) أحد (ثلاثة مساجد: مسجد الحرام) في مكة، (ومسجدي هذا) أي المسجد النبوي، (والمسجد الأقصى)، فإن لهذه المساجد الثلاثة درجة وفضلًا على غيرها.
(1) وبه صرَّح النووي في "مناسكه"(ص 534). (ش).
(2)
انظر: "معالم السنن"(2/ 225).
(3)
قال القاري في "شرح المناسك"(ص 531، 532): أجمعوا على أن أفضل البلاد مكة والمدينة، ثم اختلفوا فيما بينهما، فقيل: مكة أفضل، وهو مذهب الأئمة الثلاثة، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ففي المسجد الحرام يزيد ثواب الصلاة (1) مائة ألف، وفي المسجد الأقصى بخمسين ألف، وفي المسجد النبوي بخمسين ألف صلاة، أخرجه ابن ماجه (2) من حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الرجل في بيته بصلاة، وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة، وصلاته في المسجد الذي يُجَمَّعُ فيه بخمسمائة صلاة، وصلاته في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة، وصلاته في مسجدي بخمسين ألف صلاة، وصلاته في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة".
قال القاري (3): هذا التزايد بالنسبة إلى ما قبله، ففي المسجد الحرام بالنسبة إلى مسجد المدينة، وفي مسجد المدينة بالنسبة إلى المسجد الأقصى، وفي المسجد الأقصى بالنسبة إلى المسجد الجامع، وهلم جرًا إلى المنتهى، وفي سنده أبو الخطاب، وفيه مقال.
قال القاري: قال ابن حجر: قيل: إنه حديث منكر؛ لأنه مخالف لما رواه
= وقيل: المدينة أفضل، وهو قول بعض المالكية ومن تبعهم من الشافعية، قيل: هو المروي عن بعض الصحابهْ
…
إلخ، وبسطه القاري في "شرح المشكاة"(5/ 602 - 605) أيضًا، ونقل ابن قدامة في "المغني"(5/ 464) عن أحمد أن إقامة المدينة أحبُّ إليَّ من الإقامة بمكة، كذا في "الكوكب"(4/ 462)، و"الشامى"(4/ 55)، و "شرح المناسك"(ص 502) للنووي.
واختلفوا أيضًا في جواز المجاورة بعد القول بالفضل، كما في "شرح مناسك النووي" (ص 502): ثم فضل مكة عند الجمهور هل يعم أو يختص بغير الموت؟ وهو ظاهر "المرقاة"، وجزم به في "شرح اللباب"(ص 533)، وهو ظاهر "شرح مناسك النووي"، وخصَّه القاري بغير المدني لحديث "قيس له من مولده إلى منقطع أثره"، والبسط في "الأوجز"(15/ 570 - 574). (ش).
(1)
واختلفت الروايات فيه، كما في "مناسك النووي"(ص 428). (ش).
(2)
"سنن ابن ماجه"(1413).
(3)
انظر: "مرقاة المفاتيح"(2/ 460).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الثقات، وقد يقال: يمكن الجمع بينه وبين ما رووه بأن روايتهم أن صلاة الجماعة تعدل صلاة المنفرد بخمس أو سبع وعشرين، تحمل على أن هذا كان أولًا، ثم زيد هذا المقدار في المسجد الذي تقام فيه الجمعة، وكذا ما جاء أن صلاة في المسجد الأقصى بألف في سائر المساجد، وصلاة بمسجده عليه السلام بألف صلاة في المسجد الأقصى كان أولًا، ثم زيد فيهما، فجعل الأول بخمسين ألفًا في سائر المساجد، والثاني بخمسين ألفًا في الأقصى، ومسجد مكة بمائة ألف في مسجده عليه السلام، فتزداد المضاعفة على ما قدمناه أول الباب في مسجد مكة بأضعاف مضاعفة، فتأمله ضاربًا مائة ألف في خمسين ألف (1) ألف، انتهى.
وأما الاختلاف الواقع في زيارةِ قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والسفرِ له، وشدِّ الرحال إليه؛ فقال بعضهم: لا يجوز (2) ذلك لهذا الحديث، والصواب عند الحنفية وغيرهم من الشافعية (3) والمالكية: أنه يستحب ذلك؛ فإن النهي عن شد الرحال بالنسبة إلى المساجد لا إلى جميع البقاع، ولو سلم فاستثناء ثلاثة مساجد لأجل الفضل الذي فيها، ففضل قبر النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي أن يشد الرحال إليه، بل أولى أن يمشي إليه على الأحداق.
قال في "لباب المناسك"، و"شرحه" (4): اعلم أن زيارة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بإجماع المسلمين- من غير عبرة بما ذكره بعض المخالفين- من أعظم القربات، وأفضل الطاعات، وأنجح المساعي لنيل الدرجات، قريبة من درجة الواجبات،
(1) قلت: فيه أن الخمسين ألف المذكور أيضًا مضاعف بما قبله. (ش).
(2)
وممن قال بالمنع إمام الحرمين والقاضي حسين من الشافعية، ومن المالكية القاضي عياض، ومن الحنابلة ابن تيمية، كذا في "الإتحاف"(4/ 485). (ش).
(3)
وكذلك عند الحنابلة، كما في "الرحلة الحجازية القديمة"، وذكر له الدلائل والنصوص لمذهبهم. (ش).
(4)
"شرح اللباب"(ص 502).