الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) بَابُ مَنْ حَرَّمَ بِهِ
(1)
2061 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم وَأُمِّ سَلَمَةَ: "أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ كَانَ تَبَنَّى سَالِمًا،
===
عبد السلام بن مطهر قال: لفظ "ما شد العظم"، وقال محمد بن سليمان الأنباري بطريق وكيع عن سليمان:"أنشز العظم" بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الشين آخره زاي، أي رفعه وأعلاه وأكبر حجمه من النشز المرتفع من الأرض، وفي نسخة بالراء المهملة بدل الزاي، أي قوَّاه من الإنشار وهو الإحياء، والأحاديث الثلاثة تدل على أن الرضاعة في حالة الكبر لا يحرم.
(9)
(بَابُ مَنْ حَرَّمَ بِهِ)، أي: بإرضاع الكبير
2061 -
(حدثنا أحمد بن صالح، نا عنبسة، حدثني يونس، عن ابن شهاب، حدثني عروة بن الزبير، عن عائشة (2) زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأم سلمة) أمَّي المؤمنين (أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس) خال معاوية اسمه مهشم، وقيل: هشيم، وقيل: هاشم، وقيل: قيس. كان من السابقين إلى الإسلام، وهاجر الهجرتين، وصلَّى القبلتين، أسلم بعد ثلاثة وأربعين إنسانًا، وقد شهد بدرًا، استشهد يوم اليمامة، وهو ابن ست وخمسين سنة (3).
(كان تبنى سالمًا) وهو سالم مولى أبي حذيفة، وهو سالم بن عبيد بن ربيعة قاله ابن منده، يكنى أبا عبد الله، كان من أهل فارس من إصطخر، وكان من فضلاء الصحابة والموالي وكبارهم، وهو معدود في المهاجرين، لأنه لما أعتقته مولاته ثُبَيْتَة (4) الأنصارية زوج أبي حذيفة تولى أبا حذيفة وتبناه
(1) زاد في نسخة: "برضاع الكبير".
(2)
جمع ابن قتيبة في "التأويل"، انظر:(ص 228) بينه وبين ما سبق في الباب السابق. (ش).
(3)
انظر ترجمته في: "أسد الغابة"(4/ 416)، رقم (5808).
(4)
في الأصل: "ثبينة" بالنون، وهو تحريف. انظر:"أسد الغابة" رقم (1893).
وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ هِنْدَ بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُوَ مَوْلًى لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ،
===
أبو حذيفة، فلذلك عُدَّ من المهاجرين، وهو معدود في بني عبيد من الأنصار لعتق مولاته زوج أبي حذيفة له، وهو معدود في قريش لما ذكرناه، وفي العجم أيضًا لأنه منهم، ويعُدُّ في القُرَّاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"خذوا القرآن من أربعة"(1) فذكره منهم.
وكان قد هاجر إلى المدينة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يؤم المهاجرين بالمدينة، لأنه كان أكثرهم أخذًا للقرآن، آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاذ بن ماعص. قتُل يوم اليمامة شهيدًا، فإنه أخذ اللواء باليمين، فقطعت، فأخذ بيساره فقطعت، فاعتنق اللواء وهو يقول:{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} (2)، فلما صرع قال لأصحابه: ما فعل أبو حذيفة؟ قيل: قتل، قيل: فما فعل فلان؟ قيل: قتل، قال: فأضجعوني بينهما.
(وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة)، وهي ابنة خال معاوية، كذا في "أسد الغابة"(3). سماها أبو عمر فاطمة، وقال الدارقطني: سماها مالك فاطمة، وخالفه غيره عن الزهري فقالوا: هند، وهو الصواب، تزوجها سالم، مولى عمها أبي حذيفة، (وهو) أي سالم (مولى لامرأة من الأنصار) سماها بعضهم ثُبَيْتَة- بالثاء المثلثة وبعد المثلثة موحدة مصغرًا- وقيل في تسميتها غير ذلك، وكانت زوج أبي حذيفة.
واعترض عليه الحافظ في "الإصابة"(4): قال أبو عمر: كانت من المهاجرات الأول، ومن فضلاء نساء الصحابة، قلت: في قوله: إنها
(1) أخرجه البخاري (3758 - 3806)، ومسلم (6284).
(2)
سورة آل عمران الآية 146.
(3)
"أسد الغابة"(1893).
(4)
"الإصابة"(8/ 35).
كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْدًا،
===
من المهاجرات نظر؛ لأن نسبها في الأنصار، وفي قوله: إنها امرأة أبي حذيفة نظر آخر، فقد تقدَّم (1) في ترجمة أبي حذيفة أن اسم امرأته التي الحرب بأن ترضعه، وهي كبيرة (2) سهلة بنت سهيل الأنصارية إلَّا أن يقال: كانت له امرأتان، التي أعتقت سالمًا والتي أمرت أن ترضعه فيحتمل على بعد، والعلم عند الله تعالى، انتهى.
قلت: في قوله: سهلة بنت سهيل الأنصارية نظر؛ وسيجيء من الحافظ في ترجمة سهلة بنت (3) سهيل بن عمرو القرشية (4) العامرية: أنها أسلمت قديمًا وهاجرت مع زوجها أبي حذيفة بن عتبة إلى الحبشة، ثم أقول: يمكن الجواب عن الإشكال الأول: أنها كانت أنصارية تزوجها أبو حذيفة، وأتى بها مكة، وأتى معها بغلامها فأعتقته (5)، ثم هاجرت مع زوجها، فكانت أنصارية وصارت مهاجرية، والله تعالى أعلم.
(كما تبنَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا) أي ابن حارثة بن شراحيل، وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أشهر مواليه، وحِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصابه سبيًا في الجاهلية، لأن أمه خرجت به تزور قومها بني معن، فأغارت عليهم خيل بني القين بن جسر، فأخذوا زيدًا، فقدموا به سوق عكاظ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة، فوهبته خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، وهو ابن ثماني سنين.
وقيل: بل رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء بمكة ينادى عليه ليباع، فأتى
(1) لم أجده في ترجمة أبي حذيفة، بل وجدته في ترجمة سالم مولى أب حذيفة فالعبارة: فقد تقدمت في ترجمة سالم مولى أبي حذيفة. انظر: "الإصابة"(3/ 57)، و (7/ 42).
(2)
في الأصل: "وهل كبيرة" وهو تحريف. وفي "الإصابة": "وهي كبيرة"، والظاهر:"وهو كبير" حال من ضمير "ترضعه" المنصوب. والله أعلم.
(3)
وفي الأصل: "ابن"، وهو تحريف.
(4)
وفي الأصل: "القرشي"، وهو تحريف.
(5)
في الأصل: "فَأعتقها"، وهو تحريف، والظاهر ما أثبته.
وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلًا فِى الْجَاهِلِيَّةِ دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوُرِّثَ مِيرَاثَهُ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل فِى ذَلِكَ:{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِخْوَانُكُمْ فِى الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فَرُدُّوا إِلَى آبَائِهِمْ، فَمَنْ لَمْ يُعْلَمْ (1) لَهُ أَبٌ كَانَ مَوْلًى وَأَخًا فِى الدِّينِ.
فَجَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِىِّ ثُمَّ الْعَامِرِىِّ وَهِىَ امْرَأَةُ أَبِى حُذَيْفَةَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا نَرَى سَالِمًا وَلَدًا، وَكَانَ يَأْوِى مَعِى وَمَعَ أَبِى حُذَيْفَةَ فِى بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَيَرَانِى فُضْلًا،
===
خديجة، فذكره لها، فاشتراه من مالها فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتقه وتبنَّاه، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة بن عبد المطلب - رضي الله تعالى عنه -.
(وكان من تبنى رجلًا في الجاهلية دعاه الناس إليه) أي يقولون: ابن فلان، كما يقال لزيد: ابن محمد صلى الله عليه وسلم (وورث ميراثه، حتى أنزل الله عز وجل في ذلك {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} إلى قوله: {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ})، وتمام الآية:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (2)، (فردوا) أي: أَمَرَ الناس أن يردوا المتبنين (إلى آبائهم، فمن لم يعلم له أب، كان مولى وأخًا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول الله إنا كنا نرى سالمًا ولدًا) لما تبناه أبو حذيفة (فكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد) كما يأوي الأولاد مع آبائهم وأمهاتهم (وبراني فضلًا). قال في "القاموس": ورجلٌ وامرأةٌ فُضُلٌ بضمتين، متفضِّلٌ في ثوب واحد، وقال في "المجمع": يراني فضلًا، أي مبتذلة في ثياب مهنة، من تفضلت المرأة، إذا لبست ثياب مهنتها، أو كانت في ثوب واحد فهي فضل، والرجل
(1) في نسخة: "يعرف".
(2)
سورة الأحزاب: الآية 5.
وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَكَيْفَ تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم:«أَرْضِعِيهِ» ، فَأَرْضَعَتْهُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ. فَبِذَلِكَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَأْمُرُ بَنَاتِ أَخَوَاتِهَا وَبَنَاتِ إِخْوَتِهَا (1) أَنْ يُرْضِعْنَ مَنْ أَحَبَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يَرَاهَا وَيَدْخُلَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، خَمْسَ رَضَعَاتٍ، ثُمَّ يَدْخُلَ عَلَيْهَا. وَأَبَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم
===
فضل أيضًا (وقد أنزل الله فيهم ما قد علمت) وهو قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} . (فكيف ترى فيه؟ ) أي في سالم.
(فقال لها) أي لسهلة (النبي صلى الله عليه وسلم: أرضعيه (2)، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك) أي بقصة سهلة وسالم. (كانت عائشة تأمر بنات أخواتها وبنات إخوتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها ويدخل عليها) بلا حجاب (وإن كان كبيرًا، خمس رضعات، ثم يدخل عليها) أي على عائشة رضي الله عنها، فمذهب عائشة في هذه المسألة، أن المرأة إذا أرضعت رجلًا كبيرًا خمس رضعات، يثبت حكم الرضاعة وتحرم عليه كما يثبت حكم الرضاعة في الصغر.
(وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم) أي باقيها، وذكر الطبري في "تهذيب الآثار"(3)، وساق بإسناد صحيح عن حفصة مثل قول عائشة، وهو مما يخص به عموم قول أم سلمة: "أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخلن
(1) في نسخة: "إخوانها".
(2)
يشكل عليه التقام سالم ثدي سهلة وهي أجنبية، وأجاب عنه عياض، بأنه يحتمل أنها حلبت اللبن ثم شربه من غير أن يمص ثديها، وهذا يمشي على مذهب الأئمة الأربعة إذ قالوا: المحرم شرب لبنها بأي وجه كان، ولا يتمشى على مذهب أهل الظاهر إذ قالوا: لا بد لحرمة الرضاع أن يمص اللبن من ثديها، فأجابوا: أن هذا مغتفر لضرورة شرب اللبن، كذا في "الفتح" (انظر: 9/ 148)، انتهى (ش).
(3)
انظر: "فتح الباري"(9/ 149).
أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَرْضَعَ فِى الْمَهْدِ، وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ: وَاللَّهِ مَا نَدْرِى لَعَلَّهَا كَانَتْ رُخْصَةً مِنَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لِسَالِمٍ دُونَ النَّاسِ". [خ 5088، م 1453، ن 3324 - 3325، جه 1943، دي 2257، حم 6/ 270]
===
عليهن بتلك الرضاعة أحدًا"، (أن يدخلن) بضم التحتانية من باب الإفعال (عليهن بتلك الرضاعة)، أي رضاعة الكبير (أحدًا من الناس حتى يرضع في المهد)، أي في زمان الصغر (وقلن لعائشة) لما استدلت بقصة سالم:(والله ما ندري لعلها) أي قصة سالم (كانت رخصةً من النبي صلى الله عليه وسلم لسالم دون الناس).
قال الشوكاني (1): وقد استدل بذلك من قال: إن إرضاع الكبير يثبت به التحريم، وهو مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما حكاه عنه ابن حزم، وأما ابن عبد البر فأنكر الرواية عنه في ذلك، وقال: لا يصح، قلت: لأنه من رواية الحارث الأعور عنه وهو ضعيف، وإليه ذهبت عائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن أبي سعد وابن علية، وحكاه النووي عن داود الظاهري، وإليه ذهب ابن حزم، يؤيد ذلك الإطلاقات القرآنية كقوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} (2).
وذهب الجمهور (3) إلى أن حكم الرضاع إنما يثبت في الصغر،
(1)"نيل الأوطار"(4/ 417).
(2)
سورة النساء: الآية 23.
(3)
وأجابوا عن الحديث، بأن للنبي صلى الله عليه وسلم أن يخص من شاء بما شاء من الحكم، قال الزرقاني على "الموطأ"(3/ 73، 74) في بحث الأضاحي: وتخصيص أبي بردة بالمعز كجعله عليه السلام شهادة خزيمة بشهادة رجلين، وترخيصه في النياحة لأم عطية، وترك الإحداد لأسماء بنت عميس لما مات زوجها جعفر، وإنكاح المرأة بما مع الرجل من القرآن فيما ذكره جماعة، وفي الجمع بين اسمه وكنيته لولد علي رضي الله عنه، وفي المكث له رضي الله عنه جنبًا في المسجد، وباب علي رضي الله عنه =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
واستدلوا بقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (1)، وقوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (2)، وقوله تعالى:{وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} (3).
وبالأحاديث التي في الباب المتقدم، وبحديث أم سلمة عند الترمذي (4):"لا يحرم من الرضاع إلَّا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام"، وبحديث عبد الله بن الزبير عند ابن ماجه (5) بلفظ:"لا رضاع إلَّا ما فتق الأمعاء"، وبحديث ابن عمر الموقوف عليه، كان يقول:"لا رضاعة إلَّا لمن أرضع في الصغر"، وبحديث ابن عباس كان يقول:"ما كان في الحولين وإن كانت مصة واحدة فهي تحرم"، وبحديث ابن عباس مرفوعًا عند ابن عدي والدارقطني والبيهقي (6):"لا يحرم من الرضاع إلَّا ما كانت في الحولين"، وبحديث جابر عند الطيالسي والبيهقي مرفوعًا:"لا رضاع بعد الفصال ولا يُتْمَ بعد احتلام".
قال الحافظ (7): وأجابوا عن قصة سالم بأجوبة: منها أنه حكم منسوخ،
= وخوخة أبي بكر رضي الله عنه، وأكل المجامع من كفارة نفسه، ولبس الحرير للزبير وعبد الرحمن بن عوف، ولبس خاتم الذهب للبراء رضي الله عنه، وقبول الهدية لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن
…
إلخ.
قلت: والاكتفاء بصلاتين لرجل على قول أحمد، كما تقدم في "باب المحافظة على الصلوات"، وعد نظائره السيوطي في "الخصائص الكبرى"(2/ 461)، والجصاص في "أحكام القرآن"(2/ 204). (ش).
(1)
سورة البقرة: الآية 233.
(2)
سورة الأحقاف: الآية 15.
(3)
سورة لقمان: الآية 14.
(4)
"سنن الترمذي" رقم (1152).
(5)
"سنن ابن ماجه" رقم (1946).
(6)
"السنن الكبرى"(7/ 461)، "سنن الدارقطني"(4/ 174)، "الكامل" لا بن عدي (7/ 2562).
(7)
"فتح الباري"(9/ 149).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وبه جزم المحب الطبري في "أحكامه"، وقرَّره بعضهم بأن قصة سالم كانت في أوائل الهجرة، والأحاديث الدالة على اعتبار الحولين من رواية أحداث الصحابة، فدَلَّ على تأخرها، وهو مستند ضعيف إذ لا يلزم من تأخر إسلام الراوي ولا صغره أن لا يكون ما رواه متقدمًا، ومنها دعوى الخصوصية بسالم وامرأة أبي حذيفة.
والأصل فيه قول أم سلمة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ما نرى هذا إلَّا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة، وقَرَّرَه ابن الصباغ وغيره، وقرَّره آخرون بأن الأصل أن الرضاع لا يحرم، فلما ثبت ذلك في الصغر خولف الأصل له، وبقي ما عداه على الأصل، وقصة سالم واقعة عين يطرقها احتمال الخصوصية، فيجب الوقوف عن الاحتجاج بها.
وقد اختلفوا في تقدير المدة التي يقتضي الرضاع فيه التحريم على أقوال:
الأول: أنه لا يحرم منه إلَّا ما كان في الحولين، وهو محكي عن عمر وابن عباس وابن مسعود والشافعي وأبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح ومالك وزفر ومحمد، فمروي عن أبي هريرة وابن عمر وأحمد وأبي يوسف وسعيد بن المسيب والشعبي وابن شبرمة وإسحاق وأبي عبيد وابن المنذر.
القول الثاني: أن الرضاع المقتضي للتحريم ما كان قبل الفطام، وإليه ذهبت أم سلمة، وروي عن ابن عباس، وبه قال الحسن والزهري والأوزاعي وعكرمة وقتادة.
القول الثالث: أن الرضاع في حال الصغر يقتضي التحريم، ولم يحدّه القائل بحدٍّ، روي ذلك عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما خلا عائشة وعن ابن عمر وسعيد بن المسيب.
القول الرابع: ثلاثون شهرًا، وهو رواية عن أبي حنيفة وزفر.