الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ وُجُوهِ التَّأْجِيلِ وَالتَّلَوُّمِ]
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْإِعْذَارِ وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ إلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ إلَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا أَعْذَرَ الْقَاضِي إلَى مَنْ تَوَجَّهَ الْإِعْذَارُ إلَيْهِ مِنْ طَالِبٍ أَوْ مَطْلُوبٍ وَسَأَلَهُ أَبَقِيَتْ لَكَ حُجَّةٌ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ وَسَأَلَهُ التَّأْجِيلَ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا بِحَسَبِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ بِمَا يُؤَدِّيهِ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فِي بُلُوغِ الْمُؤَجَّلِ مَقْصُودَهُ مَعَ انْتِفَاءِ ضَرَرِ خَصْمِهِ، فَإِنْ كَانَ التَّأْجِيلُ فِي حَقِّ الْمَطْلُوبِ وَأَتَى بِمَدْفَعٍ فِيمَا شُهِدَ عَلَيْهِ أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ الطَّالِبُ التَّأْجِيلَ أَيْضًا، وَزَعَمَ أَنَّ لَهُ مَدْفَعًا فِيمَا أَتَى بِهِ الْمَطْلُوبُ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا أَيْضًا وَتَلَوَّمَ عَلَيْهِ حَتَّى أَلْحَقَ وَيَتَبَيَّنَ عَجْزُ أَحَدِهِمَا فَيُنْفِذَ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ، وَيَحْكُمَ بِالتَّعْجِيزِ عَلَى مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ.
وَسَيَأْتِي بَيَانُ حُكْمِ التَّعْجِيزِ وَضَرْبُ الْأَجَلِ مَصْرُوفٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحُكَّامِ بِحَسَبِ حُسْنِ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْخَصْمَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَحْدُودٌ لَا يُتَجَاوَزُ، إنَّمَا هُوَ الِاجْتِهَادُ، وَنَذْكُرُ طَرَفًا مِمَّا جَرَى بِهِ الْعَمَلُ بَيْنَ الْحُكَّامِ، وَالْآجَالُ مُخْتَلِفَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ فِيمَا يَطُولُ النَّظَرُ فِيهِ وَالْإِثْبَاتُ كَدَعْوَى الرِّبَاعِ وَالْأُصُولِ وَالْوِرَاثَاتِ أُجِّلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ يَتَلَوَّمُ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَتِمَّةَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ وَغَيْرُهُ، وَيُوقِفُهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ تَمَامِ كُلِّ أَجَلٍ مِنْ هَذِهِ الْآجَالِ ثُمَّ يُوسِعُ لَهُ بِالْأَجَلِ الثَّانِي إلَى تَمَامِ الشَّهْرِ.
قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَكَانَ الْحُكَّامُ يَجْمَعُونَهَا فِي حُكْمٍ وَيُفَرِّقُونَهَا فِي آخَرَ بِحَسَبِ مَا يُؤَدِّيهِمْ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُمْ، وَذَكَرَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ثُمَّ يُوقِفُهُ، ثُمَّ سِتَّةٌ ثُمَّ يُوقِفُهُ أَيْضًا، ثُمَّ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا كَذَلِكَ، ثُمَّ يَتَلَوَّمُ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، وَإِنْ ضَرَبَ الْأَجَلَ الْأَوَّلَ عِشْرِينَ يَوْمًا تَلَوَّمَ عَلَيْهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. قَالَ أَبُو سَهْلٍ: وَكَانَ أَبُو الْمُطَرِّفِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ بَشِيرٍ قَاضِي الْجَمَاعَةِ بِقُرْطُبَةَ يَضْرِبُ الْآجَالَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ آخِرَ الْقُضَاةِ عِلْمًا وَدِرَايَةً وَتَفَنُّنًا فِي الْأَقْضِيَةِ.
قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَلَهُ أَنْ يَضْرِبَ لَهُ أَجَلًا قَاطِعًا مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيُدْخِلَ فِيهِ الْأَجَلَ وَالتَّلَوُّمَ، وَيُخْبِرُ الْحَاكِمُ الْخَصْمَ أَنَّهُ جَمَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ الْآجَالَ وَالتَّلَوُّمَ حَتَّى يَعْرِفَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ.
وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ إذَا كَانَ التَّأْجِيلُ فِي الْأُصُولِ فَالشَّهْرَانِ وَالثَّلَاثَةُ لَا سِيَّمَا إذَا ادَّعَى مَغِيبَ الْبَيِّنَةِ وَأَنَّهُمْ تَفَرَّقُوا، وَكَذَا قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ، هَذَا مَعَ حُضُورِ بَيِّنَتِهِ فِي الْبَلَدِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ فَأَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِيمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فِي دَارٍ فِي يَدَيْهِ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ حُجَّةٍ قَوِيَّةٍ، فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، وَرَوَى أَشْهَبُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَزَادَ فَإِنْ طَلَبَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجَلًا آخَرَ وَقَالَ تَفَرَّقَ شُهُودِي وَغَابُوا، فَإِنْ ظَهَرَ الصِّدْقُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَدَدُهُ ضُرِبَ لَهُ أَجَلٌ آخَرُ وَإِلَّا لَمْ يُضْرَبْ لَهُ أَجَلٌ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ اُنْظُرْهُ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ.
وَإِنْ كَانَ التَّأْجِيلُ فِي إثْبَاتِ الدُّيُونِ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَنَحْوُهَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ فِي الْإِعْذَارِ فِي الْبَيِّنَاتِ وَحَلِّ الْعُقُودُ فَثَلَاثُونَ يَوْمًا، وَلِلْقَاضِي جَمْعُهَا وَبِتَفْرِيقِهَا جَرَى الْعَمَلُ، قَالَهُ الْجَزِيرِيُّ، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ فِي إثْبَاتِ شَيْءٍ مِمَّا يُدَّعَى فِيهِ مَا عَدَا الْأُصُولَ أَجَّلَ الْمُثْبِتُ دَعْوَاهُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ سِتَّةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَرْبَعَةً، ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ تَلَوُّمًا لِتَمَامِ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ فِي الَّذِي يَدَّعِي الشَّيْءَ عَلَى الرَّجُلِ وَيُقِيمُ شَاهِدًا أَوْ لَطْخًا وَيَدَّعِي شَاهِدًا آخَرَ فَإِنَّمَا يَضْرِبُ لَهُ أَجَلًا الْجُمُعَةَ وَنَحْوَهَا حَكَاهُ سَحْنُونٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ فَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى الْحُرِّيَّةِ وَادَّعَى شَاهِدًا آخَرَ أَنَّهُ يُؤَجَّلُ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ، لَا سِيَّمَا إذَا ادَّعَى مَغِيبَ الشَّاهِدِ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ لِمَنْ ادَّعَى دَابَّةً أَوْ أَمَةً يَخَاف أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهَا الْمُدَّعِي فَإِنَّهَا تُوقَفُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، فَإِنْ أَتَى بِشَيْءٍ يُوجِبُ التَّوْقِيفَ وَإِلَّا أُطْلِقَتْ عَلَيْهَا يَدُ صَاحِبِهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ، فَإِنْ أَقَامَ عَلَى الْعَبْدِ أَوْ الدَّابَّةِ شَاهِدًا، وَطَلَبَ الْمُدَّعِي أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ الْمُدَّعَى فِيهِ لِيَذْهَبَ بِهِ إلَى مَوْضِعِ بَيِّنَتِهِ، فَذَلِكَ لَهُ بَعْدَ أَنْ يَضَعَ قِيمَتَهُ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ سَحْنُونٌ، فَإِنْ
لَمْ يُرِدْ أَنْ يَضَعَ قِيمَتَهُ. وَقَالَ: يُوقَفُ حَتَّى آتِيَ بِبَيِّنَتِي، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقْرُبُ وُقِفَ لَهُ مَا بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْأَيَّامِ إلَى الْجُمُعَةِ قَالَهُ سَحْنُونٌ، وَقِيلَ الشَّهْرُ وَنَحْوُهُ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي تَوْقِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا.
وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ فِي تَوْقِيفِ الْمُدَّعَى فِيهِ التَّأْجِيلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ، وَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي مَحَلِّهَا وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ قَدْ ضُرِبَ لِلْمِدْيَانِ فِي بَيْعِ الْأُصُولِ فَيُؤَجَّلُ نَحْوَ الشَّهْرَيْنِ قَالَهُ ابْنُ زَرْبٍ وَغَيْرُهُ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ.
وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ فِي الْإِعْسَارِ بِالصَّدَاقِ فَعَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ يُؤَجَّلُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ.
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَيْسَ النَّاسُ فِي التَّلَوُّمِ سَوَاءً مِنْهُمْ مَنْ يُرْجَى لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُرْجَى لَهُ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا أَحُدُّ فِي ذَلِكَ حَدًّا، قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا أَنَّ مَنْ لَا يُرْجَى لَهُ شَيْءٌ لَا يُتَلَوَّمُ لَهُ، وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ، لِوَقْتِهِ، قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَهَذَا قَبْلَ الْوَطْءِ.
قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلِلْمَرْأَةِ مَنْعُ نَفْسِهَا مِنْ الدُّخُولِ وَمِنْ الْوَطْءِ بَعْدَهُ وَمِنْ السَّفَرِ مَعَهُ حَتَّى تَقْبِضَ مَا وَجَبَ مِنْ صَدَاقِهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تُلُوِّمَ لَهُ بِأَجَلٍ بَعْدَ أَجَلٍ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِطَلْقَةٍ، فَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَبْقَ لَهَا إلَّا الْمُطَالَبَةُ يُرِيدُ أَنَّهُ صَارَ دَيْنًا مِنْ جُمْلَةِ دُيُونِهَا، وَلَا تَطْلُقُ الْمَرْأَةُ عَلَى الزَّوْجِ بِمَطْلِهِ دَيْنَهَا أَوْ بِإِعْسَارِهِ بِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ يُؤَخَّرُ السَّنَتَيْنِ وَلَا يُعَجَّلُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ: يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ يُجْرِي النَّفَقَةَ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ يُرْجَى لَهُ الْيَسَارُ كَالتَّاجِرِ يَنْتَظِرُ إنْفَاقَ السِّلَعِ وَالْأَسْوَاقَ أَوْ يَنْتَظِرُ مَالًا مِنْ بَلَدِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنْ اُتُّهِمَ أَنَّهُ أَخْفَى مَالَهُ لَمْ يُوسَعْ لَهُ فِي الْأَجَلِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مَحَلِّهِ.
مَسْأَلَةٌ: إذَا طَالَبَ أَبُو الِابْنَةِ صِهْرَهُ بِالنَّقْدِ مِنْ الصَّدَاقِ وَبِالْبِنَاءِ بِأَهْلِهِ، فَزَعَمَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ لَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهُ وَسَأَلَ التَّأْجِيلَ فِيهِ وَالْإِنْظَارَ بِهِ،
فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُكَلِّفُ الزَّوْجَ إثْبَاتَ عَدَمِهِ، وَبَعْدَ أَنْ يُثْبِتَ عِنْدَهُ الزَّوْجِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ فَإِذَا ثَبَتَ عَدَمُهُ حَلَّفَهُ عَلَى تَحْقِيقِ مَا شُهِدَ لَهُ بِهِ مِنْ الْعَدَمِ ثُمَّ يُؤَجِّلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْأَجَلُ الْمَضْرُوبُ لَهُ فِي إثْبَاتِ الْعَدَمِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، قَالَ بَعْضُ الْمُوَثِّقِينَ: وَإِنَّمَا حَدَّدْنَا التَّأْجِيلَ فِي هَذَا بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِاتِّفَاقِ الْقُضَاةِ بِقُرْطُبَةَ وَغَيْرِهَا وَاسْتِحْسَانِهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لَهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ، وَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، وَإِذَا سَأَلَ الْغَرِيمُ الْحَاكِمَ أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِالدَّيْنِ الْيَوْمَ وَنَحْوَهُ وَيُعْطِيَ حَمِيلًا بِالْمَالِ أَخَّرَهُ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ وَالْقُضَاةُ الْيَوْمَ يُؤَخِّرُونَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ مِنْ حَالِ الْغَرِيمِ مِنْ لَدَدٍ وَغَيْرِهِ، وَوَقَعَ فِي فُتْيَا بَعْضِ الشُّيُوخِ فِيمَنْ سَأَلَ التَّأْخِيرَ حَتَّى يَجْمَعَ الْمَالَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْقَاضِي تَأْخِيرٌ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَالْأَعْدَاءُ، فَإِنْ أَبَى الطَّالِبُ أَنْ يُؤَخَّرَ فَالْحَبْسُ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ وَقَالَ هَذَا خِلَافُ نُصُوصِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَالْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ بِمَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ فِي أَحْكَامِ حَبْسِ الْغَرِيمِ فِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ مِنْ الْكِتَابِ.
وَالْأَجَلُ الْمَضْرُوبُ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ الْقَرِيبَةِ مَا بَيْنَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ إلَى الْجُمُعَةِ، وَيُؤَجَّلُ الْمَطْلُوبُ إذَا قَالَ أَمْهِلْنِي لِأَنْظُرَ فِي حِسَابِي وَأُحَقِّقَ مَا أُجِيبُ بِهِ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْكَارٍ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ بِحَمِيلٍ بِوَجْهِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ يُمْهِلُهُ الْحَاكِمُ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ لِزَمَانِ الْمُهْلَةِ، فَقَدْ يَطُولُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ يَقْصُرُ وَيُؤَجَّلُ الْمُسْتَمْهِلُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ، وَالْأَجَلُ فِي الدَّارِ الَّتِي يُرِيدُ الْقَاضِي اعْتِقَالَهَا وَإِيقَافَهَا فَيَسْأَلُهُ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ أَنْ يُمْهِلَهُ حَتَّى يُخْرِجَ مِنْهَا مَتَاعَهُ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْأَجَلُ لِمَنْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ لِيَنْظُرَ هَلْ يَأْخُذُ الْحِصَّةَ الْمُسْتَشْفَعَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ لَا يُؤَجَّلُ، وَكَذَا تَأْجِيلُهُ لِتَحْصِيلِ الثَّمَنِ، وَأَجَلُ مَنْ يَتَلَوَّمُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ لِأَجْلِ الْإِنْفَاقِ فَأَبَى أَنْ يُنْفِقَ أَوْ يُطَلِّقَ، رُوِيَ شَهْرٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمَرْأَةِ، وَرُوِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: شَهْرَانِ بِالشَّرْطِ الْمُتَقَدِّمِ، وَفِيهَا مِنْ الْخِلَافِ غَيْرُ هَذَا.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَجَلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الرَّجَاءِ لَهُ، وَأَمَّا الْأَجَلُ فِي حَقِّ الزَّنَادِقَةِ إذَا ادَّعَوْا مَدْفَعًا فِيمَا شُهِدَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَمَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الشُّيُوخِ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَفَاضَتْ عَنْهُ الْأُمُورُ الْمُوجِبَةُ لِلْقِيَامِ عَلَيْهِ