الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَائِلُهُ، وَقَدْ أَجَازَ رحمه الله الصَّلَاةَ عَلَى جُلُودِ السِّبَاعِ إذَا ذُكِّيَتْ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى خِلَافِهِ، وَأَبَاحَ بَيْعَ مَا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَجَازَ أَكْلَ الصَّيْدِ إذَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ، وَلَمْ يُرَاعِ فِي ذَلِكَ خِلَافَ الْجُمْهُورِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ لِأُصُولِ الْفِقْهِ بِمَسَائِلَ وَأَدِلَّةٍ مِنْ الْحَدِيثِ يَطُولُ ذِكْرُهَا، وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ مِنْ ذِكْرِ الْأَشْهَرِ مَرَّةً وَذِكْرِ الْمَشْهُورِ أُخْرَى فَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ إنَّ ذِكْرَ الْأَشْهَرِ فِي اصْطِلَاحِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الْآخَرَ مَشْهُورٌ؛ لِأَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ ظَاهِرَةٌ فِي التَّفْضِيلِ، وَلَكِنِّي رَأَيْته يُطْلِقُ الْأَشْهَرَ عَلَى مَا يَقُولُ غَيْرُهُ فِيهِ: إنَّهُ مَشْهُورٌ، قَالَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِرَشَاقَتِهَا وَقِلَّةِ حُرُوفِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - انْتَهَى.
وَهَذَا مَقْصِدٌ بَعِيدٌ عَنْ مُرَادِ الْمُؤَلِّفِ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَعَلَّهُ قَصَدَ ذَلِكَ لِقِيَامِ الْأَشْهَرِيَّةِ عِنْدَهُ، وَهَذَا أَيْضًا أَبْعَدُ مِنْ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْمُؤَلِّفَ رحمه الله كَانَ مَشْهُورًا بِالْوَرَعِ التَّامِّ وَالتَّحَرُّزِ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعُهْدَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -: أَنَّ قَصْدَهُ الْإِفَادَةُ بِمَا نَقَلَهُ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ يُخَالِفُونَ فِي الْمَشْهُورِ، وَكَذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ وَالْمَغَارِبَةِ يُخَالِفُونَ فِي الْمَشْهُورِ كَابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْمَغَارِبَةِ وَالْقَاضِي سَنَدٍ مِنْ الْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الشُّيُوخِ فَأَفَادَ بِقَوْلِهِ الْأَشْهَرُ تَعْيِينَ الْمَشْهُورِ الَّذِي هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ شَهَرَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ وَالْفَتْوَى يَكُونُ بِالْأَشْهَرِ لَا بِالْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[فَصْلٌ يَلْزَمُ الْقَاضِيَ الْمُقَلِّدَ إذَا وَجَدَ الْمَشْهُورَ أَنْ لَا يَخْرُجَ عَنْهُ]
ُ وَذَكَرَ عَنْ الْمَازِرِيِّ رحمه الله: أَنَّهُ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَمَا أَفْتَى قَطُّ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ وَعَاشَ ثَلَاثًا وَثَمَانِينَ سَنَةً، وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً فِي هَذَا، فَإِنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ التَّشَهِّي وَالْحُكْمُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي كِتَابِ الْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي: اعْلَمْ بِأَنَّ مَنْ يَكْتَفِي بِأَنْ يَكُونَ فُتْيَاهُ أَوْ عَمَلُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَيَعْمَلُ بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَقْوَالِ وَالْوُجُوهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ فِي التَّرْجِيحِ فَقَدْ جَهِلَ وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ، وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الَّذِي حَكَى عَنْهُ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ الْمَالِكِيُّ مِنْ فُقَهَاءِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنَّ الَّذِي لِصَدِيقِي عَلَيَّ إذَا وَقَعَتْ لَهُ حُكُومَةٌ أَنْ أُفْتِيَهُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي تُوَافِقُهُ، وَحَكَى الْبَاجِيُّ عَمَّنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّهُ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ فَأَفْتَى فِيهَا وَهُوَ غَائِبٌ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَائِهِمْ يَعْنِي فُقَهَاءَ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ بِمَا يَضُرُّهُ فَلَمَّا عَادَ سَأَلَهُمْ فَقَالُوا مَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَك وَأَفْتَوْهُ
بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الَّتِي تُوَافِقُ قَصْدَهُ. قَالَ الْبَاجِيُّ: وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ.
قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ رحمه الله فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عَنْهُمْ مُخْطِئٌ وَمُصِيبٌ فَعَلَيْك بِالِاجْتِهَادِ.
وَقَالَ: لَيْسَ كَمَا قَالَ أُنَاسٌ فِيهِ تَوْسِعَةٌ لَنَا قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: قُلْت لَا تَوْسِعَةَ فِيهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى ظُهُورِ الرَّاجِحِ، وَفِيهِ تَوْسِعَةٌ بِمَعْنَى أَنَّ اخْتِلَافَهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلِاجْتِهَادِ مَجَالًا فِيمَا بَيْنَ أَقْوَالِهِمْ، وَأَنْ لَيْسَ مِمَّا يُقْطَعُ فِيهِ بِقَوْلِ وَاحِدٍ مُتَعَيَّنٍ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِي خِلَافِهِ، قَالَ: فَإِذَا وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ، وَلِلتَّرْجِيحِ بِالدَّلِيلِ اخْتِلَافًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ. فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْزَعَ فِي التَّرْجِيحِ إلَى صِفَاتِهِمْ الْمُوجِبَةِ لِزِيَادَةِ الثِّقَةِ بِآرَائِهِمْ فَيَعْمَلُ بِقَوْلِ الْأَكْبَرِ وَالْأَرْوَعِ وَالْأَعْلَمِ، فَإِذَا اخْتَصَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِصِفَةٍ أُخْرَى قَدَّمَ الَّذِي هُوَ أَحْرَى مِنْهُمَا بِالْإِصَابَةِ، فَالْأَعْلَمُ الْوَرِعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَوْرَعِ الْعَالِمِ، وَاعْتَبَرْنَا ذَلِكَ فِي هَذَا كَمَا اعْتَبَرْنَا فِي التَّرْجِيحِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَخْبَارِ صِفَاتِ رُوَاتِهَا.
وَكَذَلِكَ إذَا وَجَدَ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ لَمْ يَبْلُغْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِهِ بَيَانُ الْأَصَحِّ مِنْهُمَا اعْتَبَرَ أَوْصَافَ نَاقِلِيهِمَا أَوْ قَائِلِيهِمَا، فَمَا رَوَاهُ الْمُزَنِيّ أَوْ الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ مُقَدَّمٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَنْهُمْ، وَالْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه دُونَ أَبِي سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيِّ، وَهَذَا الْحُكْمُ جَارٍ فِي أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَمُقَلِّدِيهِمْ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَفِيمَا اسْتَنْفَدْته مِنْ الْغَرَائِبِ بِخُرَاسَانَ عَنْ الشَّيْخِ حُسَيْنِ بْنِ مَسْعُودٍ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ عَنْ شَيْخِهِ الْقَاضِي حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: إذَا اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةٍ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُوَافِقُ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْفَتْوَى؟ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: مَا يُخَالِفُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَرَفَ فِيهِ مَعْنًى خَفِيًّا لَكَانَ لَا يُخَالِفُ أَبَا حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّيْخُ الْقَفَّالُ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْلَى. قَالَ: وَكَانَ الْقَاضِي يَذْهَبُ إلَى التَّرْجِيحِ بِالْمَعْنَى وَيَقُولُ كُلُّ قَوْلٍ كَانَ مَعْنَاهُ أَرْجَحَ فَذَلِكَ أَوْلَى وَأُفْتِي بِهِ، قَالَ قُلْت: وَقَوْلُ الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ، وَكِلَاهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعَارِضْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ تَرْجِيحٌ آخَرُ مِثْلُهُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ، وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ مِنْ التَّرْجِيحِ مُعْتَبَرَةٌ أَيْضًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، قَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي أَوَّلِ النَّوَادِرِ: إنَّ كِتَابَهُ اشْتَمَلَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ اخْتِلَافِ الْمَالِكِيِّينَ، قَالَ:
وَلَا يَنْبَغِي الِاخْتِيَارُ مِنْ الِاخْتِلَافِ لِلْمُتَعَلِّمِ، وَلَا لِلْمُقَصِّرِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَحَلٌّ لِاخْتِيَارِ الْقَوْلِ فَلَهُ فِي اخْتِيَارِ الْمُتَعَصِّبِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ نُقَّادِهِمْ مُقْنِعٌ مِثْلُ سَحْنُونٍ وَأَصْبَغَ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، مِثْلُ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ عَبْدُوسٍ وَابْنِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَوَّازِ أَكْثَرُهُمْ تَكَلُّفًا لِلِاخْتِيَارَاتِ، وَابْنُ حَبِيبٍ لَا يَبْلُغُ فِي اخْتِيَارَاتِهِ وَقُوَّةِ رِوَايَاتِهِ مَبْلَغَ مَنْ ذَكَرْنَا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَسَاهَلَ فِي الْفَتْوَى لَا، وَمَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَفْتَى، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ إلَّا أَنَّ الْمُفْتِيَ مُخْبِرٌ وَالْحَاكِمَ مُلْزِمٌ، وَالتَّسَاهُلُ قَدْ يَكُونُ بِأَنْ لَا يَثْبُتَ وَيُسْرِعَ بِالْفَتْوَى أَوْ الْحُكْمِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهَا مِنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ، وَرُبَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَى ذَلِكَ تَوَهُّمُهُ أَنَّ الْإِسْرَاعَ بَرَاعَةٌ وَالْإِبْطَاءَ عَجْزٌ وَمَنْقَصَةٌ وَذَلِكَ جَهْلٌ، فَلَأَنْ يُبْطِئَ وَلَا يُخْطِئَ أَجْمَلُ بِهِ مِنْ أَنْ يَعْجَلَ فَيَضِلَّ وَيُضِلَّ، وَقَدْ يَكُونُ تَسَاهُلُهُ وَانْحِلَالُهُ بِأَنْ تَحْمِلَهُ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمَحْظُورَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالشُّبَهِ طَلَبًا لِلتَّرْخِيصِ عَلَى مَنْ يَرُومُ نَفْعَهُ أَوْ التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ ضَرَّهُ، قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ هَانَ عَلَيْهِ دِينُهُ، وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ.
قَالَ: أَمَّا إذَا صَحَّ قَصْدُ الْمُفْتِي وَاحْتَسَبَ فِي تَطَلُّبِ حِيلَةٍ لَا شُبْهَةَ فِيهَا، وَلَا تَجُرُّ إلَى مَفْسَدَةٍ؛ لِيُخَلِّصَ بِهَا الْمُسْتَفْتِيَ مِنْ وَرْطَةِ يَمِينٍ أَوْ نَحْوِهَا فَذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ.
قَالَ الْقَرَافِيُّ: لَا يَنْبَغِي لِلْمُفْتِي إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ تَشْدِيدٌ وَالْآخَرُ تَخْفِيفٌ أَنْ يُفْتِيَ الْعَامَّةَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْخَاصَّ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ بِالتَّخْفِيفِ وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ الْفُسُوقِ وَالْخِيَانَةِ فِي الدِّينِ وَالتَّلَاعُبِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ دَلِيلُ فَرَاغِ الْقَلْبِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَإِجْلَالِهِ وَتَقْوَاهُ، وَعِمَارَتِهِ بِاللَّعِبِ وَحُبِّ الرِّيَاسَةِ وَالتَّقْرِيبِ إلَى الْخَلْقِ دُونَ الْخَالِقِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ صِفَاتِ الْغَافِلِينَ، وَالْحَاكِمُ كَالْمُفْتِي فِي هَذَا.
سُؤَالٌ: ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ " الْإِحْكَامُ فِي تَمْيِيزِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَحْكَامِ " السُّؤَالُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ أَنْ لَا يُفْتِيَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ أَوْ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ؟ . وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْحَاكِمَ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ أَوْ يُفْتِيَ إلَّا بِالرَّاجِحِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا جَازَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِالْمَشْهُورِ فِي مَذْهَبِهِ، وَأَنْ يَحْكُمَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا عِنْدَهُ مُقَلِّدًا فِي رُجْحَانِ الْقَوْلِ الْمَحْكُومِ بِهِ أَمَامَهُ الَّذِي يُقَلِّدُهُ فِي الْفُتْيَا، وَأَمَّا اتِّبَاعُ