الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الْأَبْدَادِ]
وَالشَّهَادَاتِ الَّتِي يُصَحِّحُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ فِي غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ، الْأَبْدَادُ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَهُمْ الْمُتَفَرِّقُونَ، وَاحِدُهُمْ: بُدٌّ مِثْلُ: مُدٍّ مِنْ الْبَيْدِ، هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ بَدَّدَ اللَّهُ شَمْلَ الْعَدُوِّ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا فِي ذَلِكَ مُتَفَرِّقِينَ، وَاحِدٌ هَا هُنَا، وَآخَرُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَوَاحِدٌ الْيَوْمَ، وَوَاحِدٌ غَدًا، وَوَاحِدٌ عَلَى مَعْنًى، وَوَاحِدٌ عَلَى مَعْنًى آخَرَ. فَرْعٌ: وَفِي التَّهْذِيبِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: يَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَبْدَادِ فِي النِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: وَهِيَ أَنْ لَا تَجْتَمِعَ الشُّهُودُ عَلَى إشْهَادِ الْوَلِيِّ وَالنَّاكِحَيْنِ، بَلْ إنَّمَا عَقَدُوا وَتَفَرَّقُوا، قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَشْهِدْ مَنْ لَقِيت، هَكَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا، أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ.
وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ، أَنَّهُ شَرْطٌ قَالَ أَبُو إبْرَاهِيمَ فِي الطُّرَرِ عَلَى التَّهْذِيبِ فَتَتِمُّ بِسِتَّةٍ شُهُودٍ: اثْنَانِ عَلَى الْوَلِيِّ، وَاثْنَانِ عَلَى الزَّوْجِ، وَاثْنَانِ عَلَى الزَّوْجَةِ إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا.
وَفِي الْبِكْرِ ذَاتِ الْأَبِ بِأَرْبَعَةٍ شَاهِدَانِ عَلَى النَّاكِحِ، وَشَاهِدَانِ عَلَى الْمُنْكَحِ، وَأَمَّا إنْ أَشْهَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الشُّهُودَ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ صَاحِبُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، فَلَيْسَتْ بِأَبْدَادٍ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي وَثَائِقِهِ شَهَادَةُ الْأَبْدَادِ لَا تَعْمَلُ شَيْئًا إذَا شَهِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِغَيْرِ نَصِّ مَا شَهِدَ بِهِ صَاحِبُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْنَى جَمِيعِ شَهَادَتِهِمْ وَاحِدٌ حَتَّى يَتَّفِقَ مِنْهُمْ شَاهِدَانِ عَلَى نَصٍّ وَاحِدٍ.
فَرْعٌ: وَفِي التَّقْرِيبِ عَلَى التَّهْذِيبِ لَوْ شَهِدَ رَجُلٌ أَنَّ زَيْدًا بَاعَ مِنْ عَمْرٍو سِلْعَةً، وَشَهِدَ آخَرُ بِإِقْرَارِهِمَا بِالْبَيْعِ، كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ؛ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى نَقْلِ الْمِلْكِ.
فَرْعٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: لَوْ جَرَحَ شَاهِدٌ شَاهِدًا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْجُرْحَةِ وَجَرَحَ آخَرُ بِغَيْرِهِ، فَقَالَ سَحْنُونٌ: هِيَ جُرْحَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّهُ رَجُلُ سُوءٍ.
وَقَالَ أَيْضًا لَيْسَ بِتَجْرِيحٍ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ وَبِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: سُئِلَ مَالِكٌ رحمه الله عَنْ شَاهِدَيْنِ، شَهِدَ أَحَدُهُمَا فِي مَنْزِلٍ أَنَّهُ مَسْكَنُ هَذَا، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ حَيِّزُهُ، فَقَالَ خَصْمُهُ: قَدْ اخْتَلَفَتْ شَهَادَتُهُمَا، فَقَالَ مَالِكٌ: مَسْكَنُهُ وَحَيِّزُهُ شَهَادَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تَفْتَرِقُ، وَقَدْ يَكُونُ الْكَلَامُ فِي الشَّهَادَةِ مُخْتَلِفًا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ أَحَدُهُمَا فِي شَهَادَتِهِ فِي أَرْضٍ هِيَ لِهَذَا، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا حَيِّزُهُ، قَالَ مَالِكٌ هِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ حَيِّزَهُ أَرْضُهُ فَأَرَاهُمَا قَدْ اجْتَمَعَا عَلَى الشَّهَادَةِ، قَالَ سَحْنُونٌ: مَعْنَى حَيِّزُهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَحَقُّهُ، انْتَهَى. وَانْظُرْ هَلْ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْهِنْدِيِّ أَمْ لَا؟ فِي قَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ شَاهِدَيْنِ، عَلَى نَصٍّ وَاحِدٍ، وَإِنْ اجْتَمَعَا عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ فَلَا يُفِيدُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: قَالَ لِي أَبُو مَرْوَانَ بْنِ مَالِكٍ: إنْ شَهِدُوا فِي دَارٍ أَنَّهَا فِي مِلْكِ فُلَانٍ لَمْ تَكُنْ شَهَادَةً، فَقَالَ: قَدْ شَاهَدْتُ الْحُكْمَ بِإِسْقَاطِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَلِهَذَا يُقَالُ فِي الْعُقُودِ إنَّهُمْ يُعَرِّفُونَهَا لَهُ، وَفِي مِلْكِهِ مَالًا مِنْ أَمْوَالِهِ وَنَحْوِهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْمِلْكَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ غَيْرُ مُبَيَّنٍ وَأَنْشَدَ:
أَصْبَحْتُ لَا أَحْمِلُ السِّلَاحَ وَلَا أَمْلِكُ رَأْسَ الْبَعِيرِ إنْ نَفَرَا
فَالْمِلْكُ فِي هَذَا بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، وَالِاسْتِطَاعَةُ: بِمَعْنَى الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ الْكَسْبُ وَالْقِنْيَةُ، وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَتَّابٍ إنْ كَانَ الشُّهُودُ لَهُمْ نَبَاهَةٌ وَفَطِنَةٌ وَمَعْرِفَةٌ بِالشَّهَادَةِ فَهِيَ شَهَادَةٌ عَامِلَةٌ، قَالَ لِي أَبُو الْمُطَرِّفِ: هِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ وَلَا خِلَافَ فِيهَا، وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعٌ وَنَظَرٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ.
فَرْعٌ: وَفِي تَعْلِيقِهِ الْخِلَافَ لِلشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الطُّرْطُوشِيِّ رحمه الله قَالَ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ: إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ، وَشَهِدَ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا. قَالَ أُسْتَاذُنَا الْقَاضِي يَعْنِي أَبَا الْوَلِيدِ الْبَاجِيَّ رحمه الله: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ بَيْنَ شَهَادَتِهِمَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الثَّانِي لَا تُصَحِّحُ شَهَادَةَ الْأَوَّلِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَوَّلُ رَأَى شَيْئًا، وَرَأَى الثَّانِي هِلَالَ شَوَّالٍ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَيَجِبُ الْفِطْرُ بِشَهَادَتِهِمَا؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الثَّانِي تُصَحِّحُ شَهَادَةَ الْأَوَّلِ، وَاعْتَمَدَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، وَاسْتَشْهَدَ بِمَسْأَلَةِ مَذْهَبِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ فِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَى هِلَالٍ فَانْقَضَتْ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَالسَّمَاءُ صَاحِيَةٌ، فَلَمْ يَرَوْا الْهِلَالَ، فَقَالَ هُمَا شَاهِدَا سُوءٍ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، وَلَوْ كَانَا حُكْمَيْنِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ كَذِبٌ لِلشَّاهِدَيْنِ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ إكْمَالَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَاجِبٌ عَلَيْنَا بِيَقِينٍ، فَلَا نَنْتَقِلُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَشَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَطْعًا.
وَقَوْلُهُ: إنَّ الثَّانِيَةَ تُصَحِّحُ الْأُولَى وَإِنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ ذَلِكَ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الثَّانِيَةَ ثَابِتَةٌ، وَأَمَّا إذَا أَبْطَلْنَاهَا بِالْوَجْهِ الَّذِي أَبْطَلْنَا بِهِ الْأُولَى، وَهُوَ أَنَّهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَلَى هِلَالٍ، فَكَيْفَ نُصَحِّحُ غَيْرَهَا وَهِيَ لَمْ تَصِحَّ فِي نَفْسِهَا؟
فَرْعٌ: وَالشَّهَادَةُ فِي الزِّنَا لَا تَنْفُذُ إلَّا إذَا جَاءَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا تُلَفَّقُ، وَأَمَّا الشَّهَادَةُ فِي الطَّلَاقِ فَإِنَّهَا تُلَفَّقُ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ: وَمَذْهَبُهُ يَعْنِي مَالِكًا رحمه الله أَنْ لَا تُلَفَّقَ الشَّهَادَاتُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُخْتَلِفَةِ، كَشَاهِدٍ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ، وَآخَرَ عَلَى الْحَلِفِ عَلَى كَلَامِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى مُتَعَلِّقٍ وَاحِدٍ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ لَا تُلَفَّقُ الْأَفْعَالُ مَعَ الْأَقْوَالِ، كَشَاهِدٍ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَآخَرَ عَلَى حِنْثٍ فِي فِعْلٍ.
فَرْعٌ: وَيُلَفَّقُ عِنْدَهُ الْأَقْوَالُ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا وَأَوْقَاتُهَا، كَالشَّهَادَةِ عَلَى قَوْلِهِ: أَنْتِ حَرَامٌ، وَآخَرَ عَلَى الْبَتَّةِ، وَشَاهِدٍ