الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ: قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ: وَسَوَاءٌ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُضَافٍ إلَى سَبَبٍ أَوْ فِي مِلْكٍ غَيْرِ مُطْلَقٍ وَهُوَ الْمُضَافُ إلَى سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ أَوْ لَا يَتَكَرَّرُ، فَالْمُطْلَقُ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّ هَذَا الشَّيْءَ لَهُ مِلْكًا مُطْلَقًا، وَغَيْرُ الْمُطْلَقِ هُوَ الْمُضَافُ إلَى سَبَبٍ، وَهُوَ أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبَ الْمِلْكِ، مِثْلُ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّ هَذَا الْعَبْدَ مِلْكُهُ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الدَّابَّةَ نُتِجَتْ فِي مِلْكِهِ، وَأَنَّ هَذَا الثَّوْبَ مِلْكُهُ نُسِجَ فِي مِلْكِهِ.
ثُمَّ هَذَا السَّبَبُ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَرَّرَ فِي الْمِلْكِ مِثْلُ الْغِرَاسِ إذَا قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: غَرَسْته فِي مِلْكِي، فَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَكَرَّرَ بِأَنْ يَغْرِسَ دَفْعَتَيْنِ، وَهَكَذَا نَسْجُ الثَّوْبِ الْخَزِّ عَلَى مَا يَقُولُهُ أَهْلُ صَنْعَتِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُنْسَجَ دَفْعَتَيْنِ. وَمِنْهُ مَا لَا يُمْكِنُ تَكْرَارُهُ كَالْوِلَادَةِ وَالنِّتَاجِ وَنَسْجِ ثَوْبِ الْقُطْنِ
[فَصْلٌ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا]
فَصْلٌ: إذْ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جُمِعَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رُجِعَ إلَى التَّرْجِيحِ إنْ أَمْكَنَ وَالتَّرْجِيحُ يَحْصُلُ بِوُجُوهٍ.
الْأَوَّلُ: الزِّيَادَةُ فِي الْعَدَالَةِ وَالْمَشْهُورُ التَّرْجِيحُ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُرَجَّحُ بِهَا وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِفِ مَنْ زَادَتْ عَدَالَةُ بَيِّنَتِهِ.
وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ لَا يَحْلِفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْعَدَالَةِ هَلْ هِيَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ مِنْ التَّوْضِيحِ، وَلَا يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَرَوَى مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُرَجَّحُ بِكَثْرَةِ الْعَدَدِ عِنْدَ التَّكَافُؤِ فِي الْعَدَالَةِ، إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا كَثْرَةً يُكْتَفَى بِهِمْ فِيمَا يُرَادُ مِنْ الِاسْتِظْهَارِ وَالْآخَرُونَ كَثِيرُونَ جِدًّا، فَلَا تُرَاعَى الْكَثْرَةُ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِمَزِيَّةِ الْعَدَالَةِ دُونَ مَزِيَّةِ الْعَدَدِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَنْ رَجَّحَ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ لَمْ يَقُلْ بِهِ كَيْفَمَا اُتُّفِقَ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ مَعَ قَيْدِ الْعَدَالَةِ الثَّانِي: قُوَّةُ الْحُجَّةِ، فَيُقَدَّمُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَعَلَى الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ إذَا اسْتَوَوْا فِي الْعَدَالَةِ، قَالَهُ أَشْهَبُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُقَدَّمَانِ، ثُمَّ رَجَعَ ابْنُ الْقَاسِمِ لِقَوْلِ أَشْهَبَ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ الشَّاهِدُ أَعْدَلَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكِمَ بِهِ مَعَ الْيَمِينِ وَقُدِّمَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٌ لَا يُقَدَّمُ، وَلَوْ كَانَ أَعْدَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا يَرَى الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ.
الثَّالِثِ: اشْتِمَالُ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَى زِيَادَةِ تَارِيخِ الْمُتَقَدِّمِ أَوْ سَبَبِ مِلْكٍ مُرَجَّحٍ، مِثْلَ أَنْ تَشْهَدَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ سَنَةٍ وَتَشْهَدُ الْأُخْرَى لِلْآخَرِ أَنَّهُ مَلَكَهُ مُنْذُ سَنَتَيْنِ، فَتُقَدَّمُ السَّابِقَةُ. وَأَمَّا سَبَبُ الْمِلْكِ فَمِثْلَ أَنْ تَذْكُرَ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ نِتَاجٍ أَوْ زِرَاعَةٍ وَتَكُونَ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى مُطْلَقَةً لَا تَذْكُرُ سِوَى مُجَرَّدِ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ يُرَجِّحُ مَنْ ذَكَرَ السَّبَبَ.
تَنْبِيهٌ: حَكَى الْقَرَافِيُّ فِي كِتَابِ (الْإِحْكَامِ فِي تَمْيِيزِ الْفَتَاوَى عَنْ الْأَحْكَامِ) فِي السُّؤَالِ السَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ: أَنَّ مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْدَ التَّعَارُضِ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً.
فَرْعٌ: إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِمِلْكِيَّتِهِ بِالْأَمْسِ مَثَلًا، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ تُسْمَعْ، حَتَّى يَقُولُوا: وَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فِي عِلْمِهِمْ.
وَفِي الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ، وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ الدَّارَ لَهُ وَلَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ لَا بَاعَ وَلَا وَهَبَ، وَلَا تَصَدَّقَ وَيُقْضَى لَهُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ مِثْلَهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى سُؤَالِهِمْ، وَإِنْ وُجِدُوا سُئِلُوا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَقُولُوا مَا عَلِمُوهُ بَاعَ وَلَا وَهَبَ وَلَا تَصَدَّقَ فَشَهَادَتُهُمْ بَاطِلَةٌ. اُنْظُرْ تَمَامَ الْمَسْأَلَةِ فِي ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ.
فَرْعٌ: وَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ لِرَجُلٍ بِأَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ لِخَصْمِهِ مُنْذُ كَذَا بِهَذَا الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُقْضَى لِلشُّهُودِ بِهِ، وَيُكْتَفَى بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَإِنْ لَمْ تَقُلْ الشُّهُودُ وَلَا نَعْلَمُ خُرُوجَ ذَلِكَ عَنْ مِلْكِهِ إلَى الْآنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِقْرَارِ مُسْتَصْحَبٌ، فَعَلَيْهِ بَيَانُ صِحَّةِ مَا يَدَّعِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِشِرَاءٍ مِنْ الشُّهُودِ لَهُ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الْإِمْلَاكِ.
فَرْعٌ: وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ كَانَ هَذَا الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مِلْكًا بِالْأَمْسِ لِخَصْمِي، فَذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهُ لِخَصْمِهِ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَيُسْتَصْحَبُ حُكْمُ الْإِقْرَارِ كَالْفَرْعِ السَّابِقِ.
فَرْعٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ اشْتَرَاهُ مِنْ الْآخَرِ فَقَدْ حَصَلَ زَوَالُ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ.