الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِرْعَاءِ]
ِ قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: وَيَصَدَّقُ الْمُسْتَرْعَى فِي الْحَبْسِ فِيمَا يَذْكُرُهُ مِنْ الْوُجُوهِ الَّتِي يَتَوَقَّعُهَا، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الشُّهُودُ تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتِي يَتَوَقَّعُهَا وَيَكْتُبُ فِي ذَلِكَ أَشْهَدَ فُلَانٌ شُهُودَ هَذَا الْكِتَابِ شَهَادَةَ اسْتِرْعَاءٍ وَاسْتِحْفَاظٍ لِلشَّهَادَةِ، أَنَّهُ مَتَى عُقِدَ فِي دَارِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا تَحْبِيسًا عَلَى بَنِيهِ أَوْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، فَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ لِأَمْرٍ يَتَوَقَّعُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ الْمَذْكُورِ، وَلْيُمْسِكْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَرْجِعُ فِيمَا عَقَدَهُ فِيهِ عِنْدَ أَمْنِهِ مِمَّا تَخَوَّفَهُ، وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِمَا عَقَدَهُ فِيهِ وَجْهَ الْقُرْبَةِ وَلَا وَجْهَ الْحَبْسِ، بَلْ لِمَا يَخْشَاهُ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِمَا يَعْقِدُهُ فِيهِ مِنْ التَّحْبِيسِ، وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي تَارِيخِ كَذَا، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَرْعَى الرَّجُلُ فِي عِتْقِ عَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُهُ لِيُحَلِّفَهُ وَقَلَّتْ اسْتِقَامَتُهُ لِيَسْتَرْعِيَ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الِاسْتِرْعَاءُ فِي الطَّلَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْهِبَةِ.
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ بَطَّالٍ وَإِذَا خَافَ الرَّجُلُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ عَبْدَهُ بِالْبَيْعِ ظَالِمٌ، فَلْيُعْتِقْهُ وَيَشْهَدْ سِرًّا أَنِّي إنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَطْلُبُهُ مِنِّي هَذَا الظَّالِمُ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ، وَسَوَاءٌ أَشْهَدَ عَلَى الْعِتْقِ شُهُودَ الِاسْتِرْعَاءِ أَوْ غَيْرَهُمْ.
فَرْعٌ: وَإِذَا خَطَبَ مَنْ هُوَ قَاهِرٌ لِشَخْصٍ بَعْضَ بَنَاتِهِ، فَأَنْكَحَهُ الْمَخْطُوبُ إلَيْهِ، وَأَشْهَدَ سِرًّا أَنِّي إنَّمَا أَفْعَلُهُ خَوْفًا مِنْهُ، وَهُوَ مِمَّنْ يُخَافُ عَدَاوَتُهُ، وَأَنَّهُ إنْ شَاءَ اخْتَارَهَا لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ نِكَاحٍ، فَأَنْكَحَهُ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ.
فَرْعٌ: وَإِذَا بَنَى ظَالِمٌ أَوْ مَنْ يُخَافُ شَرُّهُ غُرَفًا مُحْدَثَةً بِإِزَاءِ دَارِ رَجُلٍ، وَفَتْحَ بَابًا يَطَّلِعُ مِنْهُ عَلَى مَا فِي دَارِهِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِطَالَةِ لِقُدْرَتِهِ، وَجَاهِهِ فَيَشْهَدُ الرَّجُلُ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْهُ لِخَوْفِهِ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يُضِرَّهُ وَيُؤْذِيَهُ وَأَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِحَقِّهِ مَتَى أَمْكَنَهُ، وَتَشْهَدُ الْبَيِّنَةُ لِمَعْرِفَتِهِمْ لِلضَّرُورَةِ، وَأَنَّ الْمُحْدِثَ لِذَلِكَ مِمَّا يُتَّقَى شَرُّهُ فَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ مَتَى قَامَ بِطَلَبِ حَقِّهِ.
فَرْعٌ: وَمَنْ اسْتَرْعَى فِي حَبْسٍ وَكَانَ تَارِيخُ الْحَبْسِ وَالِاسْتِرْعَاءِ وَاحِدًا، كَانَ جَائِزًا مِنْ الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ.
فَرْعٌ: وَمَنْ اسْتَرْعَى فِي حَبْسٍ عَنْ تَقِيَّةٍ اتَّقَاهَا ثُمَّ أَشْهَدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِإِمْضَائِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ.
فَرْعٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ، وَمَنْ لَهُ دَارٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ فَبَاعَ أَخُوهُ جَمِيعَهَا مِمَّنْ يَعْلَمُ اشْتِرَاكَهُمَا فِيهَا، وَلَهُ سُلْطَانٌ وَقُدْرَةٌ وَخَافَ ضَرَرَهُ إذَا تَكَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَاسْتَرْعَى أَنَّ سُكُوتَهُ عَلَى الْكَلَامِ فِي نَصِيبِهِ وَفِي الشُّفْعَةِ فِي نَصِيبِ أَخِيهِ لِمَا يَتَوَقَّعُهُ مِنْ تَحَامُلِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَإِضْرَارِهِ بِهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ تَارِكٍ لِطَلَبِهِ مَتَى أَمْكَنَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا ذَهَبَتْ التَّقِيَّةُ وَقَامَ فِي فَوْرِهَا بِهَذِهِ الْوَثِيقَةِ أَثْبَتَهَا، وَأَثْبَتَ الْمِلْكَ وَالِاشْتِرَاكَ وَأَعْذَرَ إلَى أَخِيهِ وَإِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا مِدْفَعٌ، قَضَى لَهُ بِحِصَّتِهِ وَبِالشُّفْعَةِ، وَإِنْ تَرَكَ الْقِيَامَ بَعْدَ ذَهَابِ التَّقِيَّةِ، فَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: إنْ تَرَكَ الْقِيَامَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ أَوْ نَحْوَهَا فَلَا قِيَامَ لَهُ فِيهَا، وَإِنْ أَحَالَهَا الْمُبْتَاعُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ بَعْدَ زَوَالِ التَّقِيَّةِ بِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ، فَلَيْسَتْ حِيَازَةً تَمْنَعُهُ الْقِيَامَ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَهَذَا عِنْدِي ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ الْأَعْوَامَ وَتَرْكَهُ الْقِيَامَ بَعْدَ ارْتِفَاعِ التَّقِيَّةِ، يَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِالْبَيْعِ، وَلَا أَرَى لَهُ اعْتِرَاضًا، وَإِنْ لَمْ يَسْكُتْ إلَّا الْعَامَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَنَحْوَهَا بَعْدَ زَوَالِ مَا كَانَ يَتَّقِيهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى زَالَ فَكَانَ الْبَيْعُ وَقَعَ حِينَئِذٍ.
وَفِي الطُّرَرِ عَنْ ابْنِ سَهْلٍ: أَنَّ الْعَامَيْنِ فِي ذَلِكَ كَافٍ، يُرِيدُ أَنَّهُ وَإِنْ قَامَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا قِيمَةُ نَصِيبِهِ، وَيُحْمَلُ أَمْرُهُ عَلَى الرِّضَا بِبَيْعِ نَصِيبِهِ وَإِعْرَاضِهِ عَنْ الشُّفْعَةِ.
عَقْدُ اسْتِرْعَاءٍ فِي صَلَاحِ حَالٍ
يُكْتَبُ عُرِفَ مَنْ يَضَعُ خَطَّهُ آخِرَ هَذَا الْمَكْتُوبِ فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ، بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ مِنْ أَهْلِ مَوْضِعِ كَذَا مَعْرِفَةً تَامَّةً، وَيَعْرِفُونَهُ مُقْبِلًا عَلَى مَا يَعْنِيهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، مُسْتَقِيمَ الطَّرِيقَةِ مُخَالِطًا لِأَهْلِ الصَّلَاحِ، مُجَانِبًا لِأَهْلِ الْفَسَادِ، لَا يَعْلَمُونَهُ انْتَقَلَ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ إلَى حِينِ إيقَاعِهَا، لِشَهَادَتِهِمْ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ تَارِيخِ كَذَا.
فَائِدَةٌ: إنَّهُ يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِهَذَا الْعَقْدِ تَعَسُّفُ الْوُلَاةِ، وَتَنْتَفِي عَنْهُ الظُّنُونُ وَالتُّهَمُ، وَتَسْقُطُ عَنْهُ يَمِينُ التُّهْمَةِ وَلَا يَسْتَوْجِبُ هَذَا الْعَقْدُ الْعَدَالَةَ.
عَقْدُ اسْتِرْعَاءٍ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ
وَمَنْ اُسْتُرْعِيَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالدَّعَارَةِ وَالشَّرِّ وَمُجَانَبَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ، وَثَبَتَ عَلَيْهِ هَذَا، وَجَبَتْ عُقُوبَتُهُ وَإِطَالَةُ سَجْنِهِ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ وَيَصْلُحَ حَالُهُ، وَلَوْ شَهِدَ لَهُ شُهُودٌ عُدُولٌ مَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعَافِيَةِ وَالصَّلَاحِ، لَمْ تُفِدْ شَهَادَتُهُمْ شَيْئًا وَالشَّهَادَةُ الْأُولَى أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِبَاطِنٍ، وَالثَّانِيَةُ بِظَاهِرٍ، فَالْأُولَى أَقْوَى إلَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِدْفَعٌ.
عَقْدُ اسْتِرْعَاءٍ فِي التَّبَرِّي مِنْ مُذْنِبٍ
أَشْهَدَ فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ابْنَهُ فُلَانًا، مُخَالِطٌ لِأَهْلِ التُّهَمِ وَالرِّيَبِ، وَخَافَ أَنْ يَجْنِيَ جِنَايَةً أَوْ يَجُرَّ جَرِيرَةً فَيُعَلَّلُ عَلَيْهِ وَيُؤْذَى بِسَبَبِهِ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَأَبْعَدَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَهَجَرَهُ غَضَبًا لِلَّهِ تَعَالَى إلَى أَنْ يَتُوبَ وَيَرْجِعَ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، شَهِدَ بِذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُ أَبْعَادَهُ، فَإِذَا وَقَعَ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ.
فَائِدَةٌ: إنَّهُ يَنْدَفِعُ عَنْهُ بِهَذَا الْعَقْدُ تَعَسُّفُ الْوُلَاةِ وَأَخْذُهُمْ الْوَلِيَّ بِالْوَلَاءِ فِي الْجِنَايَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ أَحْكَامُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164] .
عَقْدُ اسْتِرْعَاءٍ يُوجِبُ الْيَمِينَ
إذَا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْغَضَبِ وَالْعَدَاءِ، أَوْ مِنْ أَهْلِ التُّهَمِ، وَالْمَظِنَّةُ مِمَّنْ تَلْحَقُهُ الْيَمِينُ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ وَعَقَدَ بِذَلِكَ مَكْتُوبًا، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ يُوجِبُ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ عُقِدَ عَلَيْهِ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْعَيْنِ لَمْ تَقَعْ الشَّهَادَةُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا جَازَتْ الشَّهَادَةُ فِي غَيْبَتِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ رَمَاهُ وَنَسَبَهُ إلَى غَضَبٍ أَوْ تَعَدٍّ إذَا ثَبَتَ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ.
عَقْدُ اسْتِرْعَاءٍ فِي عَدَاوَةٍ لِيَكُونَ عَدُوَّهُ
وَصُورَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ أَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى نَفْسِهِ، أَنَّ فُلَانًا حَضَرَ مَجْلِسَ نَظَرِهِ فَذَكَرَ أَنَّ فُلَانًا عَدُوٌّ لَهُ مِنْ قِدَمِ الزَّمَانِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا.
وَأَنَّهُ يَخْشَى أَنْ يَمُوتَ مَنْ يَعْلَمُ قِدَمَ الْعَدَاوَةِ وَمَا بَيْنَهُمَا، فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ هَذَا الرَّجُلُ فِيمَا يَضُرُّهُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي وَقْتٍ لَا يَجِدُ مَنْ يَعْرِفُ قِدَمَ الْعَدَاوَةِ، وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ لِيُقَيِّدَ لَهُ بِذَلِكَ عَقْدًا يَكُونُ عِنْدَهُ، فَنَظَرَ الْقَاضِي فِيمَا سَأَلَهُ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا أَوْجَبَ لَهُ إبَاحَةَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَأَتَاهُ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ، فَشَهِدُوا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ فُلَانًا مُعَادِيًا لِفُلَانٍ مُذْ أَدْرَكُوا ذَلِكَ بِعُقُولِهِمْ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، وَطَالِبًا لِمَا يَضُرُّهُ، وَيَعْلَمُونَ ذَلِكَ مُسْتَمِرًّا، وَلَا يَعْلَمُونَهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ إلَى حِينِ شَهَادَتِهِمْ، وَذَلِكَ فِي تَارِيخِ كَذَا، فَنَظَرَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمْ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ.
وَفِي الطُّرَرِ: وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِيَ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُجِيبَ إلَى مِثْلِ هَذَا وَشَبَهِهِ مِمَّا لَا خُصُومَةَ فِيهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نُصِبَ لِمَا فِيهِ الْخُصُومَاتُ.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ فِي بَيْعِ الْمَضْغُوطِ، وَإِذَا خَافَ الرَّجُلُ مِنْ عَبْدِهِ أَنْ يَسْتَبِيعَ مِنْ ظَالِمٍ فَأَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ لِتَطِيبَ بِذَلِكَ نَفْسُهُ، وَيَشْهَدُ سِرًّا أَنَّهُ إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُقِرَّ، وَلَا يَسْتَبِيعَ مِنْ ذَلِكَ الظَّالِمِ، فَذَلِكَ جَائِزٌ إذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ.
فَرْعٌ: وَلَوْ امْتَنَعَ الْعَبْدُ مِنْ سَيِّدِهِ وَاسْتَجَارَ بِغَاصِبٍ أَوْ سَرَدَ عِنْدَهُ، فَأَشْهَدَ سِرًّا أَنَّهُ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ، فَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِيُخْرِجَهُ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي امْتَنَعَ فِيهِ، فَإِنَّ إشْهَادَهُ يَنْفَعُهُ بِذَلِكَ.
فَرْعٌ: إذَا أَشْهَدَ فِي السِّرِّ أَنَّهُ إنَّمَا يُصَالِحُهُ لِأَجْلِ إنْكَارِهِ، وَأَنَّهُ مَتَى وَجَدَ بَيِّنَةً قَامَ بِهَا، فَالصُّلْحُ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ إذَا ثَبَتَ إنْكَارُهُ، وَثَبَتَ الْحَقُّ وَغَايَةُ مَا عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِبَيِّنَتِهِ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا يَنْفَعُهُ مَا أَشْهَدَ بِهِ فِي السِّرِّ.
وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ: لَا يَنْفَعُ إشْهَادُ السِّرِّ، إلَّا عَلَى مَنْ لَا يَنْتَصِفُ مِنْهُ كَالسُّلْطَانِ وَالرَّجُلِ الْقَاهِرِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ، فَإِشْهَادُ السِّرِّ بَاطِلٌ.
فَرْعٌ: إنْ تَقَيَّدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يُودَعْ شَهَادَتَهُ، يَعْنِي اسْتِرْعَاءً، وَمَتَى قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَهِيَ كَاذِبَةٌ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا، وَكَثِيرُ مَا يُكْتَبُ عِنْدَنَا بِقَفِصَةٍ وَمُقْتَضَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا قِيَامَ لَهُ بِذَلِكَ، إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَسْقَطَ الِاسْتِرْعَاءَ سَقَطَ.
فَرْعٌ: وَلَوْ قَالَ فِي اسْتِرْعَائِهِ: وَمَتَى أَشْهَدْت عَلَى نَفْسِي أَنَّنِي قَطَعْت الِاسْتِرْعَاءَ، وَالِاسْتِرْعَاءُ فِي الِاسْتِرْعَاءِ إلَى أَقْصَى تَنَاهِيهِ، فَإِنَّمَا أَفْعَلُهُ لِلضَّرُورَةِ إلَى ذَلِكَ، وَأَنَّنِي غَيْرُ قَاطِعٍ لِشَيْءٍ مِنْهُ وَأَرْجِعُ فِي حَقِّي، فَحَكَى صَاحِبُ الطُّرَرِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ، مَا أَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ.
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي اسْتِرْعَائِهِ: مَتَى أَشْهَدْت بِقَطْعِ الِاسْتِرْعَاءِ، فَإِنَّمَا أَفْعَلُ ذَلِكَ اسْتِجْلَابًا بِالْإِقْرَارِ خَصْمِي، فَلَهُ الْقِيَامُ وَلَا يَضُرُّهُ مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ إسْقَاطِ الْبَيِّنَاتِ الْمُسْتَرْعَاةِ، وَإِنْ قَالَ إنَّهُ أَسْقَطَ الِاسْتِرْعَاءَ وَالِاسْتِرْعَاءُ فِي الِاسْتِرْعَاءِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِاسْتِرْعَائِهِ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ: وَفِيهِ تَنَازُعٌ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الطُّرَرِ أَصَحُّ فِي النَّظَرِ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ إلَى الصُّلْحِ بِإِنْكَارِهِ، وَالْمُكْرَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَا يَسْقُطُ اسْتِرْعَاؤُهُ مُطْلَقًا، لَكَانَ وَجِيهًا إذَا ثَبَتَ إنْكَارُهُ.
تَنْبِيهٌ: الِاسْتِرْعَاءُ يَنْفَعُ فِي كُلِّ تَطَوُّعٍ كَالْعِتْقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالطَّلَاقِ، وَالتَّحْبِيسِ، وَالْهِبَةِ. وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ السَّبَبَ إلَّا بِقَوْلِهِ، مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ أَنِّي طَلَّقْتُ، فَإِنَّمَا أُطَلِّقُ خَوْفًا مِنْ أَمْرٍ أَتَوَقَّعُهُ مِنْ جِهَةِ كَذَا، أَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، وَكَانَ أَشْهَدَ أَنِّي حَلَفْت بِالطَّلَاقِ فَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ إكْرَاهٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا وَمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ السَّبَبَ الْمَذْكُورَ، اُنْظُرْ وَثَائِقَ الْغَرْنَاطِيِّ.
فَرْعٌ: وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِرْعَاءُ فِي الْبُيُوعِ مِثْلَ: أَنْ يَشْهَدَ قَبْلَ الْبَيْعِ أَنَّهُ رَاجِعٌ فِي الْبَيْعِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ لِأَمْرٍ يَتَوَقَّعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ خِلَافُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ، وَقَدْ أَخَذَ الْبَائِعُ فِيهِ ثَمَنًا، وَفِي ذَلِكَ حَقٌّ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ الشُّهُودُ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الْإِخَافَةِ، فَيَجُوزُ الِاسْتِرْعَاءُ إذَا انْعَقَدَ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَتَضَمَّنَّ الْعَقْدُ شَهَادَةَ مَنْ يَعْرِفُ الْإِخَافَةَ وَالتَّوَقُّعَ الَّذِي ذَكَرَهُ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْغَرْنَاطِيُّ فِي وَثَائِقِهِ وَثَائِقُ الِاسْتِرْعَاءِ تُفَارِقُ سَائِرَ الْوَثَائِقِ فِي شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ شُهُودَهَا يُؤْخَذُونَ بِحِفْظِهَا وَمَعْرِفَةِ مَا فِيهَا وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَا يَجِبُ تَوْقِيفُهُ عَلَيْهَا قَبْلَ ثُبُوتِهَا، وَلَا الْإِعْذَارُ إلَيْهِ.