الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ التَّاسِعُ وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّهَادَةِ الَّتِي مُسْتَنَدُهَا الْحَزْرُ]
وَالتَّقْرِيبُ وَالتَّخْمِينُ وَالنَّظَرُ وَالِاسْتِدْلَالُ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِذَا أَوْقَدَ رَجُلٌ نَارًا لِعَمَلٍ يَعْمَلُهُ، فَتَرَامَتْ النَّارُ حَتَّى أَحْرَقَتْ زَرْعَ رَجُلٍ فِي أَنْدَرِهِ وَتَرَافَعَا لِلْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ صِفَةَ الشَّهَادَةِ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ أَوْقَدَ نَارًا بِقُرْبِ أَنْدَرِ فُلَانٍ وَأَنَّ النَّارَ أَحْرَقَتْ جَمِيعَ مَا كَانَ فِي أَنْدَرِ فُلَانٍ، وَأَنْ لَا عُذْرَ بِعَمَلِ النَّارِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَمِلَهَا فِيهِ، وَأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَنْدَرِ الْمَذْكُورِ عَلَى الْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ وَالتَّقْدِيرِ مِنْهُمْ مِنْ زَرْعِ الْقَمْحِ كَذَا وَكَذَا فِسْقَارًا، وَمِنْ زَرْعِ الشَّعِيرِ كَذَا وَكَذَا فِسْقَارًا، لَا يَشُكُّونَ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا أَثْبَتَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِدْفَعٌ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُلْزِمُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَكِيلَةِ مَا أَحْرَقَتْ النَّارُ مِنْ الْحَبِّ وَالتِّبْنِ، إنْ حَلَفَ صَاحِبُ الزَّرْعِ عَلَى عَدَدِ الْفَسَاقِيرِ الَّتِي كَانَتْ فِي أَنْدَرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَقْطَعْ عَلَى مَعْرِفَةِ عَدَدٍ مَعْلُومٍ، وَيَتَعَرَّفُ قَدْرَ مَا يَحْصُلُ مِنْ الْفِسْقَارِ عَلَى التَّوَسُّطِ مِنْ الْحَبِّ وَالتِّبْنِ، وَتَضْمِينُ ذَلِكَ قَالَ الْبَاجِيُّ فِي سِجِلَّاتِهِ: وَتَضْمِينُهُمْ الْمُتَعَدِّيَ مَكِيلَةَ الْحَبِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: أَنَّ مَنْ اسْتَهْلَكَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ كَيْلَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ دَرَاهِمَ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا فَقَدَ رَجُلٌ وَأَرَادَ الْحَاكِمُ تَعْمِيرَهُ، وَلَمْ يَقِفْ الشُّهُودُ عَلَى سَنَدٍ شَهِدُوا عَلَى التَّقْدِيرِ، وَيَنْفُذُ ذَلِكَ، فَإِنْ اخْتَلَفُوا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ، قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِتَعْمِيرِ هَذَا وَتَمْوِيتِهِ وَدَعَا وَرَثَتَهُ إلَى قَسْمِ مَالِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَيْمَانِهِمْ عَلَى مَبْلَغِ سِنِّهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا شَهِدَتْ بِالتَّقْدِيرِ وَالْحَزْرِ وَلَوْ شَهِدَتْ بِتَارِيخِ الْوِلَادَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا يَمِينٌ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي رَجُلٍ هَدَمَ بَيْتًا لِرَجُلٍ، وَأَخَذَ خَشَبَهُ وَأَعْتَابَهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَجَزَ عَنْ الدَّفْعِ فِي ذَلِكَ، فَأُمِرَ بِأَنْ يُعِيدَهُ إلَى مِثْلِ حَالَتِهِ، وَأَنْ يَصِفَ مَا نَقَضَ لِقِيَامٍ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ أَوْ يَأْخُذَ بِقِيمَةِ ذَلِكَ فَنَكَلَ عَنْ الصِّفَةِ، وَادَّعَى الْجَهْلَ بِهَا لَدَدًا وَتَوَرُّكًا عَنْ الْحَقِّ، وَزَعَمَ
أَنَّهُ بَاعَهُ وَلَمْ يَحْضُرْ نَقْضَهُ، فَإِنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ وَبَاطِلِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَبِيعُ إلَّا مَا ثَبَتَتْ مَعْرِفَتُهُ، وَلَا يَجْهَلُ مِثْلَ هَذَا فَيُؤَدَّبُ بِالسَّوْطِ فِي تَجَاهُلِهِ بِمَا يَشْهَدُ الْعَقْلُ بِكَذِبِهِ فَإِنْ رَجَعَ عَنْ التَّجَاهُلِ غَرِمَ قِيمَةَ مَا اسْتَهْلَكَ، وَإِنْ مَضَى فِي تَجَاهُلِهِ وَلَمْ يَنْفَعْ فِيهِ الْأَدَبُ، وَكَانَ صَاحِبُ الْبَيْتِ يُحِيطُ بِمَعْرِفَةِ مَا اسْتَهْلَكَ لَهُ، وَصَفَ ذَلِكَ وَأُغْرِمَ هَذَا قِيمَةَ الصِّفَةِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى الصِّفَةِ، وَإِنْ ادَّعَى جَهْلًا فَهُوَ فِي ذَلِكَ أَعْذَرُ مِنْ الْمُتَعَدِّي لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ أَقْرَبُ عَهْدًا بِمَا فِيهِ، وَإِذَا جُهِلَتْ الصِّفَةُ بِلَدَدِهِ، فَإِنَّهُ يُقَدِّرُ عَلَيْهِ أَوْسَطَ قِيمَةٍ، بِمَا يَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهِ الْمُعَايَنَةِ الْوَضْعِ وَمَعْرِفَةِ قَدْرِ مَا كَانَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ غَائِبَةً؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ فِي ذَلِكَ بِأَوْسَطِ الْقِيمَةِ فَكَأَنَّ الْعَيْنَ قُوِّمَتْ. مِنْ ابْنِ سَهْلٍ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ الشَّهَادَةُ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إذَا لَمْ تَكُنْ عَيْنُهَا حَاضِرَةً، وَوَصَفَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقُوِّمَتْ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، فَالشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْحَزْرِ وَالتَّقْرِيبِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْخَارِصِ فِي الثِّمَارِ الْوَاجِبَةِ فِيهَا الزَّكَاةُ، مِنْ قَوْلِ الْحَكَمَيْنِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ الْقَائِفِ عَلَى مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي بَابِهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُؤَقِّتِينَ فِي تَحْرِيرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ، فَقَطْعُهُمْ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ جِهَةِ التَّقْرِيبِ وَالتَّخْمِينِ، وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْخَمْسَ الْمَسَائِلَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَافَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ فِي الشَّهَادَةِ فِي جَائِحَةِ الثِّمَارِ.
وَقَالَ: وَيُكْتَبُ فِي عَقْدِ ذَلِكَ أَنَّ الشُّهُودَ وَقَفُوا عَلَى الثَّمَرِ، فَرَأَوْا أَنَّ هَذِهِ الْجَائِحَةَ أَدْرَكَتْ الثَّمَرَةَ الْمَذْكُورَةَ، بَعْدَ أَنْ اجْتَنَى نِصْفَهَا عَلَى التَّخْمِينِ الَّذِي لَمْ يَتَمَكَّنُوا فِيهِ، وَأَنَّ النِّصْفَ الْمُجَاحَ فَسَدَ جَمِيعُهُ وَأَنَّهُ لَا يَعُودُ مِنْهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ، فَلِأَنَّ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِنْ كَانَتْ مَقْثَأَةً فَنَقُولُ: وَإِنَّ الْمَقْثَأَةَ الْمَذْكُورَةَ اجْتَنَى مِنْهَا قَبْلَ ظُهُورِ الْقَحْطِ بِهَا مِنْ الْعَطَشِ، نَحْوَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهَا عَلَى الْمَعْهُودِ فِي مِثْلِهَا، وَإِنَّ الَّذِي فَسَدَ مِنْهَا بِالْعَطَشِ هُوَ رُبْعُهَا تَقْدِيرًا لَمْ يَشُكُّوا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُجْنَى بُطُونًا قُلْت فِي ذَلِكَ: إنَّ الشُّهُودَ قَدْ رَأَوْا أَنَّ مَكِيلَةَ الْمُجَاحِ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَلَّدَ فِي الْمَقْثَأَةِ إلَى آخِرِهِ، بُطُونًا ثُلُثُ جَمِيعِهَا وَقُدِّرَ، أَوْ إنَّ مَكِيلَةَ هَذَا الْمُجَاحِ مِمَّا بَقِيَ سَالِمًا فِيهَا، وَمِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَنْعَقِدَ فِيهَا إلَى آخِرِ أَبَانِهَا هُوَ ثُلُثُ جَمِيعِهَا،
وَإِنَّ الْمُجَاحَ مِنْهَا يُسَاوِي فِي وَقْتِهِ عَلَى قَدْرِ نَفَاقِهِ وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيهِ كَذَا، وَإِنَّ سَائِرَ بُطُونِهَا إلَى آخِرِهَا عَلَى مَا ظَهَرَ إلَيْهِمْ، مِمَّا يُسَاوِي فِي أَوْقَاتِهَا عَلَى قَدْرِ نَفَاقِهَا كَذَا، فَيَضَعُ الْمُجَاحُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْقِيمَةِ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا، قَدَّرُوا ذَلِكَ تَقْدِيرًا قَطَعُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَشُكُّوا فِيهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي رَسْمِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فِي الْحَبْسِ فِي رَجُلٍ بَاعَ حَبْسًا ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ التَّحْبِيسُ وَنَقْضُ الْبَيْعِ، وَأَوْجَبَ لِلْمُبْتَاعِ الرُّجُوعَ بِمَا ابْتَاعَهُ بِهِ عَلَى بَائِعِهِ مِنْهُ إنْ كَانُوا أَحْيَاءً، فَإِنْ مَاتَ الْبَائِعُ عَنْ مَالٍ رَجَعَ الْمُبْتَاعُ فِي مَالِهِ إنْ وَجَدَهُ بِعَيْنِهِ، وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ صَارَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْمَالُ مِنْ وَرَثَتِهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَقَلَ الْحَبْسُ الْمَبِيعُ مِنْ الْمُبْتَاعِ إلَى مُبْتَاعٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الْمَرْجُوعُ عَلَيْهِمْ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُمْ، حَتَّى يَنْتَهِيَ التَّرَاجُعُ إلَى الْبَائِعِ الْمُحْتَبِسِ، فَإِذَا انْتَهَى إلَيْهِ وَثَبَتَ مَبْلَغُ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ وَقَبَضَهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ، رَجَعَ فِيمَا يَجْعَلُهُ مِنْ مَالٍ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَدَدُهُ وَلَا وَقَفَ الشُّهُودُ عَلَى مَبْلَغِهِ، اسْتَنْزَلُوا قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَقِفُوا مِنْهُ عَلَى عَدَدٍ لَا يَرْتَابُونَ فِيهِ، فَيَأْخُذُ مِنْ مَالِ الْمُحْبِسِ مِثْلَهُ، هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمُطَرِّفٍ وَابْنِ كِنَانَةَ وَابْنِ حَبِيبٍ، وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ خِلَافَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الشُّهُودُ حَقِيقَةَ شَيْءٍ بَطَلَ، وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ إنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ مُطْلَقٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ، فَانْظُرْ كَيْفَ اسْتَنْزَلَهُمْ فِيمَا لَمْ يَعْلَمُوا لَهُ حَقِيقَةً.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمَذْهَبِ وَسُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَنْ رَجُلٍ اسْتَغَلَّ ضَيْعَةَ رَجُلٍ ظُلْمًا، فَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ قِيمَةَ غَلَّةِ الضَّيْعَةِ عَلَى التَّقْرِيبِ كَذَا، هَلْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى التَّقْرِيبِ دُونَ مُعَايَنَةٍ؟ فَأَجَابَ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَى التَّقْرِيبِ وَالتَّخْمِينِ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ عَلَى الْقَطْعِ وَمَعْرِفَةِ الِاسْتِغْلَالِ، تُسْتَنْزَلُ الْبَيِّنَةُ حَتَّى تَشْهَدَ عَلَى مَا تَقْطَعُ عَلَيْهِ وَلَا تَشُكُّ فِيهِ.
تَنْبِيهٌ: فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي هَذَا الْبَابِ، لَا يَدْفَعُهَا مِنْ الْقَطْعِ وَالْجَزْمِ بِمَا شَهِدُوا بِهِ، وَحِينَئِذٍ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُعَايَنَةِ، وَنُصُوصُهُمْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ مُسْتَنَدَهُمْ فِيهَا الْحَزْرُ وَالتَّخْمِينُ.