الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ غَيْرُ ذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ النَّاسَ تَوَسَّعُوا فِي هَذَا الْعَصْرِ فَصَارُوا يُفْتُونَ مِنْ كُتُبٍ يُطَالِعُونَهَا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةٍ، وَهُوَ خَطَرٌ عَظِيمٌ فِي الدِّينِ، وَخُرُوجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ، غَيْرَ أَنَّ الْكُتُبَ الْمَشْهُورَةَ؛ لِأَجْلِ شُهْرَتِهَا بَعُدَتْ بُعْدًا شَدِيدًا عَنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّزْوِيرِ فَاعْتَمَدَ النَّاسُ عَلَيْهَا اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ، وَلِذَلِكَ أَيْضًا أُهْمِلَتْ رِوَايَةُ كُتُبِ النَّحْوِ وَاللُّغَةِ بِالْعَنْعَنَةِ عَنْ الْعُدُولِ بِنَاءً عَلَى بُعْدِهَا عَنْ التَّحْرِيفِ، وَإِنْ كَانَتْ اللُّغَةُ هِيَ أَسَاسُ الشَّرْعِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِهْمَالُ ذَلِكَ فِي النَّحْوِ وَاللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَعْضُدُ أَهْلَ الْعَصْرِ فِي إهْمَالِ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ بِجَامِعِ بُعْدِ الْجَمِيعِ عَنْ التَّحْرِيفِ، وَعَلَى هَذَا تَحْرِيمُ الْفُتْيَا مِنْ الْكُتُبِ الْغَرِيبَةِ الَّتِي لَمْ تَشْتَهِرْ حَتَّى تَتَظَافَرَ عَلَيْهَا الْخَوَاطِرُ وَيُعْلَمُ صِحَّةُ مَا فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْكُتُبُ الْحَدِيثَةُ التَّصْنِيفِ إذَا لَمْ يَشْتَهِرْ عَزْوُ مَا فِيهَا مِنْ الْمَنْقُولِ إلَى الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ، أَوْ يُعْلَمُ أَنَّ مُصَنِّفَهَا كَانَ يَعْتَمِدُ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الصِّحَّةِ وَهُوَ مَوْثُوقٌ بِعَدَالَتِهِ، وَكَذَلِكَ حَوَاشِي الْكُتُبِ تَحْرُمُ الْفَتْوَى بِهَا؛ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا وَالْوُثُوقِ بِهَا انْتَهَى.
وَمُرَادُهُ إنْ كَانَتْ الْحَوَاشِي غَرِيبَةَ النَّقْلِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَا فِيهَا مَوْجُودًا فِي الْأُمَّهَاتِ أَوْ مَنْسُوبًا إلَى مَحَلِّهِ، وَهِيَ بِخَطٍّ يَوْثُقُ بِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ التَّصَانِيفِ، وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ وَأَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ يَنْقُلُونَ مَا عَلَى حَوَاشِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ الْمَوْثُوقِ بِعِلْمِهِمْ بِخُطُوطِهِمْ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَالْقَاضِي أَبِي الْأَصْبَغِ بْنِ سَهْلٍ وَغَيْرِهِمَا، إذَا وَجَدُوا حَاشِيَةً يَعْرِفُونَ كَاتِبَهَا نَقَلُوا ذَلِكَ عَنْهُ وَنَسَبُوهَا إلَيْهِ، وَأَدْخَلُوا ذَلِكَ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ، وَأَمَّا حَيْثُ يُجْهَلُ الْكَاتِبُ وَيَكُونُ النَّقْلُ غَرِيبًا فَلَا شَكَّ فِيمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَمِنْ ذَلِكَ الطُّرَرُ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجِ عَلَى التَّهْذِيبِ وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ عَلَيْهَا الْمَوْثُوقِ بِصِحَّةِ مَا فِيهَا، وَكَذَلِكَ الطُّرَرُ لِابْنِ عَاتٍ عَلَى الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ، وَكَذَلِكَ فِي الطُّرَرِ لِأَبِي الْحَسَنِ السِّنْجِيِّ عَلَى التَّهْذِيبِ مِنْ الْحَوَاشِي الْمَوْثُوقِ بِهَا، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْوَرَعِ، وَغَالِبُ مَا فِيهَا مَنْسُوبٌ إلَى مَحَلِّهِ.
[فَصْلٌ بَيَانُ مَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي]
فَصْلٌ: وَيَلْحَقُ بِهَذَا الرُّكْنِ بَيَانُ مَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَسْتَقِرُّ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ وَيُنْقَضُ ذَلِكَ إذَا وَقَعَ عَلَى خِلَافِ الْإِجْمَاعِ أَوْ الْقَوَاعِدِ أَوْ بِالنَّصِّ الْجَلِيِّ أَوْ الْقِيَاسِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِأَنَّ الْمِيرَاثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ دُونَ الْجَدِّ فَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْمَالُ كُلُّهُ لِلْجَدِّ أَوْ يُقَاسِمُ الْأَخَ، أَمَّا حِرْمَانُ
الْجَدِّ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ، فَمَتَى حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَخَ يُدْلِي بِالْبُنُوَّةِ، وَالْجَدُّ يُدْلِي بِالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُبُوَّةِ نَقَضْنَا هَذَا الْحُكْمَ، وَإِنْ كَانَ مُفْتِيًا لَمْ نُقَلِّدْهُ. وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ الْقَوَاعِدِ الْمَسْأَلَةُ السُّرَيْجِيَّةُ مَتَى حَكَمَ حَاكِمٌ بِتَقْرِيرِ النِّكَاحِ فِي حَقِّ مَنْ قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ أَقَلَّ، فَالصَّحِيحُ لُزُومُ الثَّلَاثِ لَهُ، فَإِذَا مَاتَتْ أَوْ مَاتَ وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِالتَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا نَقَضْنَا حُكْمَهُ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ صِحَّةُ اجْتِمَاعِ الشَّرْطِ مَعَ الْمَشْرُوطِ؛ لِأَنَّ حِكْمَتَهُ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ الشَّرْطُ لَا يَصِحُّ اجْتِمَاعُهُ مَعَ مَشْرُوطِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّرْعِ شَرْطًا، فَلِذَلِكَ يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ، وَهِيَ الَّتِي وَقَعَ التَّمْثِيلُ بِهَا.
وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ النَّصِّ إذَا حَكَمَ بِشُفْعَةِ الْجَارِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَارِدٌ فِي اخْتِصَاصِهَا بِالشَّرِيكِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ، فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ. وَمِثَالُ مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ قَبُولُ شَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِ يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالْكَافِرُ أَشَدُّ مِنْهُ فُسُوقًا وَأَبْعَدُ عَنْ الْمَنَاصِبِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مُقْتَضَى الْقِيَاسِ، فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ لِذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ: إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ الْقَوَاعِدَ أَوْ الْقِيَاسَ وَالنَّصَّ، فَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُعَارِضٌ رَاجِحٌ عَلَيْهَا أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا مُعَارِضٌ فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ إذَا كَانَ وَفْقَ مُعَارِضِهَا الرَّاجِحِ إجْمَاعًا كَالْقَضَاءِ بِصِحَّةِ عَقْدِ الْقِرَاضِ، وَالْمُسَاقَاةِ وَالسَّلَمِ وَالْحَوَالَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهَا عَلَى خِلَافِ الْقَوَاعِدِ وَالنُّصُوصِ وَالْأَقْيِسَةِ، وَلَكِنْ لَا دَلَالَةَ خَاصَّةً مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقَوَاعِدِ وَالنُّصُوصِ وَالْأَقْيِسَةِ.
فَصْلٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمَنْ حَكَمَ بِالْعُمْرَى الْمُعَقَّبَةِ وَجَعَلَهَا لِلْمُعْمَرِ، وَلِعَقِبِهِ فَلَا يَرُدُّهَا هَذَا الْحُكْمُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَا قَالَ مُطَرِّفٌ.
وَقَالَ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ حُكَّامُنَا بِالْمَدِينَةِ، وَكَذَا قَالَ لِي أَصْبَغُ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَإِنْ كُنْت قَدْ سَمِعْت ابْنَ الْقَاسِمِ يَقُولُ: فَاَلَّذِي يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ فَيَرْفَعُ أَمَرَهُ إلَى مَنْ لَا يَرَى أَلْبَتَّةَ فَجَعَلَهَا وَاحِدَةً فَتَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يُقَرُّ إذَا حُكِمَ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: وَلَسْت أَرَاهُ وَأَرَى أَنْ يُقَرَّ كُلُّ قَضَاءٍ قُضِيَ بِهِ مِمَّا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ كَائِنًا مَا كَانَ، مَا لَمْ يَكُنْ خَطَأً بَيِّنًا لَمْ يَأْتِ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ أَحَدٍ.