الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمِنْهَا: إيقَاعُ الشَّهَادَةِ عَلَى مَا عَلِمَ الشَّاهِدُ غَيْرَهُ مِنْ بَاطِنِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ كَمَا يَتَحَقَّقُ الْمُشْتَرِي أَنَّ بَعْضَهَا أَوْ جُلَّهَا مِنْ زِيَادَةِ النَّخَّاسِينَ وَكَذِبِهِمْ، فَيَنْبَغِي أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَا يَصِحُّ وَيُمْكِنُ وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرٌ. وَإِنَّمَا نَبَّهْنَا مِنْهُ عَلَى الْآكَدِ إذْ لَا يُمْكِنُ حَصْرُ مَا يَقَعُ مِنْ الْغَلَطِ وَالسَّهْوِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجْرِي عَلَى أَصْلٍ قَالَ وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَوْ لَمْ نَذْكُرْهُ لَا يُسْتَطَاعُ الِانْفِصَالُ عَنْهَا فِي الْبَلَدِ الَّتِي اُعْتِيدَتْ فِيهِ إلَّا بِاعْتِنَاءِ الْقَاضِي بِهَا، وَالتَّقَدُّمِ فِيهَا وَمُوَالَاةِ الْبَحْثِ عَنْهَا، وَالتَّعْنِيفِ لِمَنْ يُوَاقِعُهَا؛ لِأَنَّ مَا يَعْتَادُهُ الْجُمْهُورُ لَا يَصْرِفُهُمْ عَنْهُ تَوَقِّي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ لَهُ، وَلَا تَعْلِيمُ الْمُعَلِّمِينَ وَوَعْظُ الْمُجْتَهِدِينَ، مَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا إرْهَابٌ مِنْ السُّلْطَانِ فَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي وَيَحِقُّ عَلَيْهِ الِاعْتِنَاءُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّنْقِيبُ عَنْ أَمْثَالِهَا وَرَدُّ مَسَائِلِ الشَّرْعِ إلَى أُصُولِهَا.
[فَصْلٌ لَا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ فِي كِتَابٍ مَخْتُومٍ]
ٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا فِيهِ، وَلَعَلَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلًا، أَوْ لَعَلَّ فِيهِ مَا لَا يَحِلُّ سَمَاعُهُ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ، فَإِنْ وَثِقَ بِصَاحِبِهِ وَأَمِنَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَدَعَتْهُ الثِّقَةُ بِهِ إلَى الشَّهَادَةِ فَفِي جَوَازِ الْإِقْدَامِ عَلَى ذَلِكَ خِلَافٌ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْقِينِ وَإِنْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى الشُّهُودِ صَحِيفَةً مَطْوِيَّةً، وَقَالَ لَهُمْ دَافِعُهَا: اشْهَدُوا عَلَيَّ بِمَا فِيهَا وَلَمْ يَعْرِفْ الشُّهُودُ مَا تَضَمَّنَتْهُ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ عَبْدَ الْوَهَّابِ ذَكَرَ فِي الْمَعُونَةِ أَنَّ فِي هَذَا رِوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ، بِجَوَازِ الشَّهَادَةِ وَقَبُولِهَا، وَبِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، وَرَجَّحَ الْقَاضِي إسْمَاعِيلُ الْجَوَازَ، وَاحْتَجَّ لَهُ وَوَافَقَهُ الْمَازِرِيُّ وَفِي مُخْتَصَرِ أَبِي بَكْرٍ الْوَقَارِ: لَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمْ خَتَمَ عَلَيْهَا خَتْمًا يَعْرِفُهُ، فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ وَلَمْ
يَخْتِمْ عَلَيْهَا إلَّا هُوَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا فِيهَا، لَا يَشْهَدُ فِيهَا إلَّا هُوَ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ فِيهَا وَالنَّقْصِ مِنْهَا.
فَصْلٌ: وَمِنْ كِتَابِ آدَابِ الشَّهَادَةِ لِأَبِي الْفَضْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ حَبِيبٍ الْجَوْهَرِيِّ قَالَ: يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ إذَا جِيءَ إلَيْهِ بِكِتَابٍ لِيَشْهَدَ فِيهِ أَنْ يَقْرَأَ جَمِيعَ مَا فِيهِ لِيَعْرِفَ الْخَطَأَ إنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الصَّوَابِ، وَالصَّحِيحَ مِنْ السَّقِيمِ، فَيَعْرِفَ مَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ، وَلْتَكُنْ قِرَاءَتُهُ إيَّاهُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي لَهُ تَجَنُّبُ الشَّهَادَةِ عَلَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَيْسَ لَهُ بِهِنَّ خُلْطَةٌ، فَلَنْ تَنْضَبِطَ مَعْرِفَةُ الْمَعْرُوفَةِ مِنْهُنَّ، فَكَيْفَ بِالْمَجْهُولَةِ، وَاَلَّتِي لَا يَرَاهَا الشَّاهِدُ فِي عُمْرِهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهِيَ مُتَخَفِّيَةٌ مُسْتَتِرَةٌ، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مُتَكَلِّمَةٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَتَكْشِفُ مَنْ لَا تُعْرَفُ لِيَشْهَدَ عَلَى رُؤْيَتِهَا، وَيَتَثَبَّتَ فِي شَخْصِهَا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَوْ عَرَفَهَا رَجُلَانِ يُرِيدُ عَدْلَيْنِ، فَفِي جَوَازِ أَدَائِهِ عَلَيْهَا قَوْلَانِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ نَقَلَ شَهَادَتَهُ عَنْهُمَا فَيُقْبَلُ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَدَائِهِمَا وَيُسَمِّيهُمَا لِيُعْذِرَ إلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فِيهِمَا. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: أَمَّا إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ بِامْرَأَةٍ فَلَا إشْكَالَ لِحُصُولِ الْعِلْمِ بِهَا؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ قَدْ تَقْتَرِنُ بِهِ قَرِينَةٌ فَيُفِيدُ الْعِلْمَ.
وَقَالَ أَصْبَغُ فِي السَّامِعَيْنِ مِنْ الْمُنْكَحَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَاهَا، هَذَا أَمْرٌ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُ بُدًّا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَرَى مُولِيَتَهُ حَتَّى تَبْلُغَ النِّكَاحَ فَلَا حَرَجَ عَلَى السَّامِعَيْنِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ، وَأَمَّا فِي الْحُقُوقِ مِنْ الْبُيُوعِ وَالْوَكَالَةِ وَالْهِبَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ لَا يَعْرِفُونَهَا فَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَلَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا فِي مِثْلِ هَذَا إلَّا مَنْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا اُنْظُرْ (مُفِيدَ الْحُكَّامِ) .
وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ الشَّهَادَةَ لِمَنْ يُتَّهَمُ بِسَبَبِهِ مِنْ قَرِيبٍ أَوْ صَدِيقٍ وَشِبْهِ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَنَّبَ الشَّهَادَةَ عَلَى شَهَادَةِ ذِي جُرْحَةٍ أَوْ مُتَّهَمٍ فِي الشَّهَادَةِ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ، وَمَنْ لَا يُقْبَلُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ الْحَقِّ خَوْفًا مِنْ غَلَطِ الْحَاكِمِ فِيهِ إذَا نَقَلَ إلَيْهِ الشَّهَادَةَ؛ لِأَنَّ نَقْلَكَ عَنْهُ يُوهِمُ عَدَالَتَهُ،