الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفِطْنَةِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْفِرَاسَةِ وَتَعْطِيلِ الطُّرُقِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْأَيْمَانِ، وَقَدْ فَسَدَ الزَّمَانُ وَأَهْلُهُ وَاسْتَحَالَ الْحَالُ، وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا أَرَى خِصَالَ الْقَضَاءِ الْيَوْمَ تَجْتَمِعُ فِي وَاحِدٍ فَإِنْ اجْتَمَعَ مِنْهَا خَصْلَتَانِ وَلِيَ الْقَضَاءَ وَهُمَا الْعِلْمُ وَالْوَرَعُ.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَالْعَمَلُ وَالْوَرَعُ، فَإِنَّهُ بِالْعَقْلِ يُسْأَلُ وَبِالْوَرَعِ يَعِفُّ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَهْلِ زَمَانِهِ، فَمَا ظَنُّك بِزَمَانِنَا، قَالَ الْمَازِرِيُّ: هَذَا تَسْهِيلٌ مِنْ ابْنِ حَبِيبٍ فِي وِلَايَةِ الْقَاضِي الْمُقَلِّدِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِجَوَازِ هَذَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى قَاضٍ نَظَّارٍ، بَلْ أَشَارَ إلَى كَوْنِ الضَّرُورَةِ تَدْعُو إلَى وِلَايَةِ الْمُقَلِّدِ، وَهَكَذَا قَالَ أَصْبَغُ إذَا لَمْ يُوجَدْ إلَّا عَدْلٌ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ وَعَالِمٌ لَا بَأْسَ بِحَالِهِ وَلَكِنَّ الَّذِي لَا عِلْمَ عِنْدَهُ أَعْدَلُ مِنْهُ، فَإِنَّ الْعَالِمَ هُوَ الَّذِي يُوَلَّى، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ بَعْدَ فَيُوَلَّى الْعَدْلُ الَّذِي لَيْسَ بِعَالِمٍ وَيُؤْمَرُ أَنْ يَسْأَلَ وَيَسْتَشِيرَ، وَهَذَا الَّذِي وَقَعَ فِي الْمَذْهَبِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَوَاقِعِ الضَّرُورَةِ وَمَسِيسِ الْحَاجَةِ.
[الْفَصْلُ الثَّانِي الْفَهْمُ فِي الْأَحْكَامِ اللَّازِمَةِ لِلْقَاضِي فِي سِيرَتِهِ]
الْفَهْمُ فِي الْأَحْكَامِ اللَّازِمَةِ لِلْقَاضِي فِي سِيرَتِهِ، وَالْآدَابُ الَّتِي لَا يَسَعُهُ تَرْكُهَا وَمَا جَرَى عَمَلُ الْحُكَّامِ بِالْأَخْذِ بِهِ وَنَبْدَأُ بِذِكْرِ رِسَالَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَعْرُوفَةِ بِرِسَالَةِ الْقَضَاءِ.
قَالَ ابْنُ سَهْلٍ وَهَذِهِ الرِّسَالَةُ أَصْلٌ فِيمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ فُصُولِ الْقَضَاءِ وَمَعَانِي الْأَحْكَامِ وَعَلَيْهَا احْتَذَى قُضَاةُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ ذَكَرَهَا كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَصَدَّرُوا بِهَا كُتُبَهُمْ، مِنْهُمْ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ وَهِيَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، سَلَامٌ عَلَيْك، فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْك وَأَنْفِذْ إذَا تَبَيَّنَ لَك، فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ وَسَوِّ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَجْلِسِك وَوَجْهِك وَعَدْلِك، حَتَّى لَا يَيْأَسَ الضَّعِيفُ مِنْ عَدْلِك وَلَا يَطْمَعَ الشَّرِيفُ مِنْ حَيْفِك، الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى