الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ وَجَدَ الدَّرَاهِمَ زُيُوفًا فَإِنْ تَقَيَّدَ عَلَيْهِ أَنَّهَا طَيِّبَةٌ فَالْبَائِعُ مُدَّعٍ، وَالْمُشْتَرِي مُدَّعًى عَلَيْهِ فَلَيْسَ لِلْبَائِعِ تَحْلِيفُ الْمُبْتَاعِ لِإِقْرَارِهِ بِقَبْضِهَا مِنْ الْمُبْتَاعِ طَيِّبَةً جِيَادًا، وَإِنْ سَقَطَ هَذَا مِنْ الْعَقْدِ حَلَفَ لَهُ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ إنْ قَالَ الْمُبْتَاعُ مَا عَلِمْتهَا مِنْ دَرَاهِمِي حَلَفَ لَقَدْ دَفَعْت لَهُ جِيَادًا فِي عِلْمِي، وَمَا عَلِمْت هَذِهِ مِنْ دَرَاهِمِي فَإِنْ حَقَّقَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ دَرَاهِمِهِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ.
فَإِنْ رَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ أَنَّهَا دَرَاهِمُهُ وَمَا خَلَطَهَا بِسِوَاهَا وَلَزِمَهُ بَدَلُهَا، فَإِنْ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَمْ يَدْفَعْهَا مَالِكُهَا وَإِنَّمَا دَفَعَهَا وَكِيلُهُ رُدَّتْ عَلَى الْوَكِيلِ فَإِنْ عَرَفَهَا الْوَكِيلُ لَزِمَتْ الْمُوَكِّلَ أَنْكَرَهَا أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ أَمِينُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا الْوَكِيلُ وَقَبِلَهَا حَلَفَ الْمُوَكِّلُ أَنَّهُ مَا يَعْرِفُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَيَبْرَأُ، وَلِلَّذِي يَرُدُّهَا أَنْ يُحَلِّفَ الْآمِرَ مَا يَعْرِفُهَا مِنْ دَرَاهِمِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إلَّا جِيَادًا فِي عِلْمِهِ وَتَسْقُطُ دَعْوَى الرَّدِّ، وَهَلْ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْمُوَكِّلِ أَوْ بِيَمِينِ الْوَكِيلِ فِيهِ خِلَافٌ، وَاخْتَارَ بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.
فَرْعٌ: وَدَعْوَى النَّقْصِ أَيْضًا كَذَلِكَ، إنْ تَقَيَّدَ عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ قَبَضَهَا تَامَّةً، لَمْ يَحْلِفْ لَهُ الْمُشْتَرِي، وَلَوْ دَفَعَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى التَّصْدِيقِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ.
فَرْعٌ: لَوْ قَامَ لِلْمَيِّتِ شَاهِدٌ بِحَقٍّ وَوَارِثُهُ أَخْرَسُ لَا يَفْهَمُ وَلَا يُفْهَمُ عَنْهُ، فَقَالَ سَحْنُونٌ: يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ وَيَبْرَأُ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ. وَمَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ يَخْرُجُ ذِكْرُهَا عَنْ الْمَقْصُودِ، وَقَدْ اسْتَقْصَيْت مِنْهَا جُمْلَةً نَافِعَةً وَأَفْرَدَتْهَا فِي تَأْلِيفٍ تَرْجَمَتُهُ بِبُرُوقِ الْأَنْوَارِ الْمُوَضِّحَةِ لِأَنْوَاعِ طَرِيقِ الدَّعْوَى.
[الْبَابُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ اللَّوْثِ وَأَيْمَانِ الْقَسَامَةِ]
اللَّوْثُ بِثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي يَقَعُ بِهَا التَّلْوِيثُ وَالتَّلْطِيخُ فِي الدِّمَاءِ، وَهِيَ كَثِيرَةٌ، وَمَعَ كَثْرَتِهَا لَا يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى التَّمَكُّنِ مِنْ الدُّعَاءِ لِعِظَمِ خَطَرِهَا وَرَفِيعِ قَدْرِهَا، فَوَجَبَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا إلَّا أَنَّ فِيهَا مَا لَهُ قُوَّةٌ لِأَجْلِ مَا احْتَفَّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَامِلَةِ عَلَى صِدْقِ مُدَّعِيه، وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ مَا يُقْبَلُ مِنْ ذَلِكَ، فَعِنْدَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ اللَّوْثَ هُوَ
الشَّاهِدُ الْعَدْلُ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَوِّي جِهَةَ الْمُدَّعِينَ، وَلَا تَأْثِيرَ فِي نَقْلِ الْيَمِينِ إلَى جِهَةِ الْمُدَّعِينَ، وَأَخَذَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَوَافَقَهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَذَكَرَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ لَوْثٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَا يُوجِبُ ذَلِكَ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقْسِمُ مَعَ الشَّاهِدِ غَيْرِ الْعَدْلِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ: وَلَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ وَالذِّمِّيَّ لَيْسَ بِلَوْثٍ وَوَجْهُ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَنَّهُ لَوْثٌ فَلَمْ تُعْتَبَرْ فِيهِ الْعَدَالَةُ، كَاَلَّذِي يَقُولُ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ، بَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَلَوْ كَانَ فَاسِقًا.
وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ: وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَجِبُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ عَدْلٍ، وَقِيلَ يُقْسِمُ مَعَ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْقَوْمِ لَيْسُوا بِعُدُولٍ. فَإِذَا وَقَعَتْ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ بِالْجَوَازِ اسْتَحَقَّ أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ الدَّمَ، قَالَ: وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقَوَدَ إنَّمَا وَجَبَ بِمُجَرَّدِ الْقَسَامَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا حُكْمَ لِلشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي ثُبُوتِ الْقَوَدِ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ الْأَبَدَانِ الَّتِي لَا تُسْتَحَقُّ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَإِنَّمَا الْوَاحِدُ لَوْثٌ وَلَطْخٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى فِي إبَاحَةِ الْقَسَامَةِ لَا عَلَى جِهَةِ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الَّذِي فِي حُقُوقِ الْأَمْوَالِ، وَلِذَلِكَ لَا يُقْبَلُ فِي قَسَامَةِ الْعَمْدِ إلَّا رَجُلَانِ فَصَاعِدًا، وَلَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلنِّسَاءِ، وَلَا حُكْمَ لِلْوَاحِدِ؛ لِأَنَّهُمَا أُقِيمَا فِي ثُبُوتِ الْحَقِّ بِإِثْبَاتِهِمَا مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ بِخِلَافِ الْقَسَامَةِ فِي الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ.
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ فِي ذَلِكَ لَوْثٌ لَا نِصْفَ شَهَادَةٍ تَكْمُلُ بِالْيَمِينِ، فَكَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ اللَّوْثُ بِغَيْرِ الْعَدْلِ وَبِاللَّفِيفِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَطْخٌ لَا شَهَادَةٌ.
وَالْقَسَامَةُ فِي هَذَا الْبَابِ أَصْلٌ مُخَصَّصٌ لِنَفْسِهِ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ، بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْقَسَامَةُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يُرَاقُ دَمُ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ الْعَدْلِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمَعُونَةِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَجْعَلُ شَهَادَةَ الْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ لَوْثًا، وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ.
مَسْأَلَةٌ وَإِذَا قَالَ الْمَيِّتُ: دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ، فَعِنْدَ مَالِكٍ أَنَّهَا شُبْهَةٌ يُقْسِمُ الْأَوْلِيَاءُ مَعَهَا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلَا يُقْسِمُ مَعَ قَوْلِ الصَّبِيِّ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ رَاهَقَ فَيُقْسِمُ مَعَ قَوْلِهِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ سَأَلْت ابْنَ الْمَاجِشُونِ عَنْ الْعَبْدِ أَوْ الصَّبِيِّ يَقُولُ أَحَدُهُمَا عِنْدَ مَوْتِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ قَتَلَنِي وَيُسَمِّي رَجُلًا حُرًّا، قَالَ أَرَى أَنْ يُسْجَنَ بِقَوْلِهِ حَتَّى يُسْتَبْرَأ أَمْرُهُ وَيُكْشَفَ عَنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قِبَلَهُ شَيْءٌ حَلَفَ عَلَى دَعْوَى الْعَبْدِ يَمِينًا وَاحِدَةً، وَعَلَى دَعْوَى الصَّبِيِّ خَمْسِينَ يَمِينًا.
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَسَأَلْت أَصْبَغَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: رَوَى أَشْهَبُ وَابْنُ كِنَانَةَ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَلَسْت آخُذُ بِهَا، وَقَوْلُ الْعَبْدِ هَدَرٌ وَلَا ضَرْبَ فِيهِ وَلَا سِجْنَ وَلَا يَمِينَ لِلسَّيِّدِ وَلَا قِيمَةَ، إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا لِحُرْمَةِ الدَّمِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ سُجِنَ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهُ وَلَا يُضْرَبُ لِنُكُولِهِ عَنْ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ وُجُوبًا تَامًّا، وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالسُّوءِ، وَأَمَّا الْمُتَّهَمُ فَحُكْمُهُ مَذْكُورٌ فِي الْأَحْكَامِ الثَّانِيَةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ النَّوَادِرِ. تَنْبِيهٌ وَهَذَا الَّذِي تَقَدَّمَ حُكْمُ الْقَتْلِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الْغِيلَةِ، فَأَمَّا قَتْلُ الْغِيلَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ إنْ شَهِدَ عَدْلٌ أَنَّهُ قَتَلَهُ غِيلَةً لَمْ يُقْسِمْ مَعَ شَهَادَتِهِ وَلَا يُقْبَلُ فِي هَذَا إلَّا شَاهِدَانِ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَأَيْت لِيَحْيَى بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يُقْسِمُ مَعَهُ. مِنْ الْمُنْتَقَى لِلْبَاجِيِّ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُدْمَى أَثَرُ جَرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الضَّرْبَ الْمُدْمِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ بِأَثَرٍ بَيِّنٍ.
وَقَالَ أَصَبْغُ: يُقْسِمُ مَعَ قَوْلِهِ كَانَ بِهِ أَثَرٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَبِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْعَمَلُ وَبِهِ الْحُكْمُ.
تَنْبِيهٌ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُدْمِي بِهَذِهِ التَّدْمِيَةِ سِجْنٌ وَلَا شَيْءٌ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْمُدْمَى أَثَرُ جَرْحٍ وَلَا ضَرْبٍ، إلَّا أَنْ
يَمُوتَ الْمُدْمَى قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ بُرْؤُهُ فَيُسْجَنُ حِينَئِذٍ الْمُدْمَى عَلَيْهِ، قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَاجِيُّ فِي وَثَائِقِهِ: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْعَدْلَ يُسْجَنُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيْسَ بِهِ عَمَلٌ وَلَا قَضَاءٌ.
فَرْعٌ وَتَجِبُ الْقَسَامَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ بِقَوْلِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ لَمْ يَرَ الشُّهُودُ جِرَاحًا وَلَا أَثَرَ ضَرْبٍ، وَإِنَّمَا سَمِعُوا مِنْهُ قَوْلَهُ وَقَوْلُهُ مَقْبُولٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِهَا الْحُكْمُ وَعَلَيْهَا الْعَمَلُ. فَرْعٌ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ: أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ مُرَاهِقًا وُجِّهَتْ الْقَسَامَةُ مَعَ قَوْلِهِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْسِمُ مَعَ قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ.
مَسْأَلَةٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَارِيخِهِ وَقَدْ كَانَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى يَرَى السَّجْنَ عَلَى مَنْ أَدْمَى عَلَيْهِ وَيُفْتِي بِهِ حَتَّى نَزَلَ ذَلِكَ بِهِ فَرَجَعَ عَنْ فَتْوَاهُ بِذَلِكَ.
وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ أَخْبَارَ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ شَيْخَ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ زَرْبٍ وَشَيْخَ الْفَقِيهِ أَبِي زَمَنِينَ وَغَيْرِهِمَا كَانَ لَهُ حَقْلٌ يُجَاوِرُهُ حَقْلُ جَارِهِ، وَكَانَ حَرِيصًا أَنْ يُضِيفَ حَقْلَ جَارِهِ إلَى حَقْلِهِ فَاحْتَالَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِكُلِّ حِيلَةٍ وَاسْتَعْمَلَ كُلَّ وَسِيلَةٍ فَأَبَى صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يُجِبْهُ إلَيْهِ، إلَى أَنْ اعْتَلَّ وَمَرِضَ فَجَاءَهُ اللُّؤْلُؤِيُّ زَائِرًا مُسْتَعْطِفًا مُحْتَفِيًا بِهِ فَأَظْهَرَ لَهُ الرَّجُلُ السُّرُورَ بِعِيَادَتِهِ وَالشُّكْرَ عَلَى مُشَارَكَتِهِ، وَأَظْهَرَ مِنْ ذَلِكَ مَا أَطْمَعَ اللُّؤْلُؤِيَّ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي ذَلِكَ الْحَقْلِ، فَكَلَّمَهُ فِيهِ وَرَغَّبَ إلَيْهِ فِي تَصْيِيرِهِ لَهُ بِمَا رَسَمَ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ مُعَاوَضَةٍ فَأَظْهَرَ لَهُ الْإِسْعَافَ لَمَّا رَأَى مِنْهُ الْإِلْحَافَ.
وَقَالَ لَهُ أَشْهِدْ عَلَيَّ بِذَلِكَ مَنْ شِئْت مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنْ أَسْتَقِلَّ فَتَبْلُغَ مَا تُحِبُّهُ فَسُرَّ اللُّؤْلُؤِيُّ بِذَلِكَ، وَجَاءَ بِعِدَّةٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَصْحَابِهِ وَأَدْخَلَهُمْ عَلَيْهِ وَإِذَا بِهِ قَدْ أَظْهَرَ انْهِدَامَ الْقُوَّةِ وَضَعْفَ النُّطْقِ فَدَنَا الْفَقِيهُ وَقَالَ لَهُ يَا فُلَانُ أَشْهِدْ الْفُقَهَاءَ حَفِظَهُمْ اللَّهُ عَلَى بَيْعِك مِنِّي الْحَقْلَ فَقَالَ لَهُمْ أُشْهِدُكُمْ أَنَّ الْفَقِيهَ اللُّؤْلُؤِيَّ هَذَا قَتَلَنِي مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِي وَأَنَّهُ الْمَأْخُوذُ بِدَمِي، فَإِنْ حَدَثَ بِي مَوْتٌ اسْتَقِيدُوا مِنْهُ لِي فَفِي عُنُقِهِ دَمِي، وَأَنْتُمْ رُهَنَاءُ بِالصِّدْقِ عَنِّي فَدَهِشَ الْفَقِيهُ وَمَنْ مَعَهُ وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ يَسْتَثْبِتُ ذِهْنَهُ وَيُذَكِّرُهُ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَيُخَوِّفَهُ اللَّهَ
تَعَالَى وَيَعِظُهُ وَسَلَكَ أَصْحَابُهُ سَبِيلَهُ فَلَمْ يَرْجِعْ عَنْ ذَلِكَ، فَخَرَجُوا عَنْهُ وَسَأَلَهُمْ اللُّؤْلُؤِيُّ أَنْ يَتَوَقَّفُوا عَلَيْهِ سَاعَةً بِالْبَابِ فَيَخْلُو بِهِ، فَفَعَلُوا وَتَفَرَّدَ وَعَذَلَهُ وَقَالَ لَهُ تَعْصِي اللَّهَ فِي أَمْرِي وَتَدَّعِي عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَقَالَ لَهُ وَهَلْ قُلْتُ إلَّا مَا فَعَلْتُ دَخَلْتَ عَلَيَّ وَأَنَا أَحْسِبُكَ عَائِدًا مُشْفِقًا فَسُرِرْتُ بِذَلِكَ وَإِذَا بِكَ بَاغِي فُرْصَةٍ فَلَمَّا مَسَّتْنِي فِي سُوَيْدَاءِ قَلْبِي فِي أَمْرِ هَذَا الْحَقْلِ الْمَشْئُومِ بِمَا تَعْلَمُ كَرَاهِيَتَهُ إلَيَّ فَهَلْ أَرَدْتَ إلَّا قَتْلِي إذْ طَلَبْتَ أَخْذَ كَرِيمَةَ مَالِي، فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ اللُّؤْلُؤِيُّ وَقَالَ أَنَا تَائِبٌ مُعْتَرِفٌ بِخَطَئِي. فَاتَّقِ اللَّهَ وَرَاجِعْ عَقْلَكَ، وَارْجِعْ عَمَّا عَقَدْتَهُ، فَمَا تَدْرِي مَا يَئُولُ حَالُكَ إلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ وَقَالَ أَمَا وَقَدْ صِرْتَ إلَى هَذِهِ الْإِنَابَةِ فَاحْلِفْ بِالْأَيْمَانِ اللَّازِمَةِ أَنَّك لَا تَلْتَمِسُ هَذَا الْحَقْلَ فِي حَيَاتِي وَلَا بَعْدَ مَمَاتِي، وَلَا تَسْعَى لِمِلْكِهِ وَلَا تُصَيِّرُهُ إلَيْك بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَأَنْ تُحَرِّمَهُ عَلَى نَفْسِك وَلَوْ صَارَ إلَيْك بِالْمِيرَاثِ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَنَّك لَا تَهُمُّ مَعَ ذَلِكَ بِمَسَاءَةٍ وَلَا تَحْقِدُ عَلَيَّ ذَلِكَ وَلَا عَلَى ذُرِّيَّتِي، فَحَلَفَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ وَتَوَثَّقَ مِنْهُ فِيهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَذِنَ لَهُ بِإِدْخَالِ الشُّهُودِ الْفُقَهَاءِ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ عَفَا عَنْهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَهْدَرَ عَنْهُ تَبِعَةَ دَمِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ لَهُ اللُّؤْلُؤِيُّ إنَّمَا أُرِيدُ أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَك وَتَعُودَ إلَى الْحَقِّ فَقَالَ لَهُ هَذَا هُوَ الْحَقُّ فَإِنْ أَقْنَعَك هَذَا وَإِلَّا فَأَنَا عَلَى مَا عُقْدَتُهُ عَلَيْك، فَرَضِيَ مِنْهُ اللُّؤْلُؤِيُّ بِذَلِكَ، وَتَوَثَّقَ مِنْهُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ وَاِتَّخَذَ حَدِيثَهُ مَوْعِظَةً اعْتَقَدَ بِهَا أَنْ لَا يُفْتِيَ بِتَدْمِيَةٍ بَعْدَهَا.
فَرْعٌ وَفِي (الْمُتَيْطِيَّةِ) وَالتَّدْمِيَةُ عَلَى عَيْنِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَتَمُّ، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْرُوفَ الْعَيْنِ مَشْهُورًا أَوْ عَرَفَهُ شُهُودُ التَّدْمِيَةِ فَذَلِكَ أَيْضًا تَامٌّ.
فَرْعٌ: وَإِذَا ثَبَتَتْ التَّدْمِيَةُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِمَّا بِهِ فِي عِلْمِ الشُّهُودِ وَأَثْبَتَ الْقَائِمُ بِالتَّدْمِيَةِ وَكَالَةَ الْمُدْمِي، وَشَهِدَ عَلَى عَيْنِ الْمُدْمَى عَلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ أَوْ بِتَعْرِيفِ الْمُدْمَى لَهُمْ بِهِ فِي التَّدْمِيَةِ عَلَيْهِ عَلَى عَيْنِهِ، وَجَبَ سَجْنُ الْمُدْمَى عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ الْمَعْمُولِ بِهِ حَتَّى يَبْرَأَ الْمُدْمَى فَيُطْلَقُ، أَوْ يَمُوتُ الْمُدْمَى عَلَى تِلْكَ الْحَالِ قَبْلَ أَنْ يَصِحَّ صِحَّةً بَيِّنَةً فَيُقْسِمُ الْوَرَثَةُ وَيَسْتَقِيدُوا بَعْدَ ثُبُوتِ التَّدْمِيَةِ وَمَوْتِهِ وَعِدَّةِ وَرَثَتِهِ.
فَرْعٌ وَإِذَا اضْطَرَبَ قَوْلُ الْجَرِيحِ فَرَمَى رَجُلًا ثُمًّ بَرَّأَهُ وَرَمَى آخَرَ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغُ وَأَشْهَبُ: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي الْآخِرِ،