الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ: فِي مَعْرِفَةِ الْخَطِّ، أَنَّهَا كَمَعْرِفَةِ الشُّهُودِ الثِّيَابَ وَالدَّوَابَّ وَسَائِرَ الْأَشْيَاءِ لَا فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْقَطْعِ، وَفِي كِتَابِ الْقَرَوِيِّ أَنَّ الشَّهَادَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْعِلْمِ.
[فَصْلٌ الْخُطُوطُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]
فَصْلٌ: وَالْخُطُوطُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: خَطُّ الشَّاهِدِ الَّذِي يَتَعَذَّرُ حُضُورُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لِمَوْتِهِ أَوْ غَيْبَتِهِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفُ عَنْ مَالِكٍ، وَهَذَا مَا لَمْ يَسْتَنْكِرْ الشَّاهِدُ شَيْئًا، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا: أَنَّهَا لَا تَجُوزُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: قَالَ الْبَاجِيُّ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ لَا تَجُوزُ، وَبِالْجَوَازِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَسَحْنُونٌ.
وَقَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ: لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْأُمَّهَاتِ الْمَشْهُورَةِ فِي إجَازَتِهَا وَإِعْمَالِهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحَمَّدٌ وَجَعَلَ عِلَّةَ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ، كَالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ إذَا سَمِعَهَا مِنْهُ وَلَمْ يُشْهِدْهُ عَلَيْهَا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَهَا عَنْهُ، قَالَ وَقَدْ يَكْتُبُ بِخَطِّهِ فِيمَا يَسْتَرِيبُ فِيهِ وَقْتَ الْأَدَاءِ، وَقَدْ يَكْتُبُ عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ وَلَا بِاسْمِهِ انْتَهَى.
وَقَدْ يَكْتُبُ شَهَادَتَهُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الْإِكْرَاهِ، وَشَاهَدْت هَذَا فِي حُكُومَةٍ رُفِعَتْ إلَى حَاكِمٍ تَتَضَمَّنُ هِبَةً لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ وَهَبَ ذَلِكَ فِي حَالِ صِحَّته وَجَوَازِ تَصَرُّفِهِ طَائِعًا مُخْتَارًا وَأَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ، وَفِي الْهِبَةِ خَطُّ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُدُولِ، وَكَانَتْ الْهِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْإِكْرَاهِ، وَكِتَابَةُ الشُّهُودِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْحَاكِمُ يَعْرِفُ بَاطِنَ الْقَضِيَّةِ فَصَرَفَهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَذَهَبَ ابْنُ لُبَابَةَ إلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ، مِنْ مَنْعِ الْعَمَلِ بِهَا فِي الْأَحْبَاسِ وَغَيْرِهَا، وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِمَا كَثُرَ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّلْبِيسِ، وَرُبَّمَا كَانَ أَصْلُ الْمَكْتُوبِ عَلَى وَجْهِ التَّقِيَّةِ، وَشُهُودُهُ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً أَخْبَرُوا بِذَلِكَ، فَيُعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خُطُوطِهِمْ فِيمَا لَا يَشْهَدُونَ بِهِ لَوْ حَضَرُوا.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَا عَلِمْت مَنْ حُكْمٍ بِهَا.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ زَرْبٍ: لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ، حَتَّى يَشْهَدَ هَذَا الشَّاهِدُ أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْخَطِّ كَانَ يَعْرِفُ مَنْ أَشْهَدَهُ مَعْرِفَةَ عَيْنٍ،
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَذَلِكَ صَحِيحٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ، لَمَّا قَدْ تَسَاهَلَ النَّاسُ فِي وَضْعِ شَهَادَاتِهِمْ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُونَ.
قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَهَذَا فِيهِ تَضْيِيقٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ، وَيَحْمِلُ الْعَدْلَ أَنَّهُ لَا يَضَعُ شَهَادَتَهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى خَطِّهِ وَأَنَّهُ لَا يَضَعُهَا إلَّا عَنْ مَعْرِفَةٍ، وَإِلَّا كَانَ شَاهِدًا بِزُورٍ، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَدْلٌ، وَبِهَذَا جَرَى الْعَمَلُ عِنْدَنَا بِنَقْضِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَفِي الطُّرَرِ: وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنُ زَرْبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَثِيقَةِ الَّتِي فِيهَا شَهَادَةُ الْمَشْهُودِ عَلَى خَطِّهِ، أَنَّهُ يَعْرِفُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ مَعْرِفَةَ الْعَيْنِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا وَيَعْرِفُهُمَا بِأَعْيَانِهِمَا فَهِيَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ كَتَبَ شَهَادَتَهُ وَنَسَبَهُ إلَى مُخْتَصَرِ الثَّمَانِيَةِ.
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: وَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ خُطُوطِ الشُّهُودِ فِي وَثِيقَةٍ قَدْ سَقَطَ مِنْ عَقْدِهَا مَعْرِفَةُ عَيْنِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَكَانَ الْأَمْرُ مُشْكِلًا لَا يُدْرَى إنْ كَانَ الشُّهُودُ الْمَشْهُودُ عَلَى خُطُوطِهِمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَمَنْ أَجَازَ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ قَالَ لَا يَحْتَاجُ الشُّهُودُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى مَعْرِفَةِ خُطُوطِ الشُّهُودِ أَنْ يَكْتُبُوا شَهَادَتَهُمْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَى خُطُوطِهِمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمُشْهِدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْعَقْدِ، وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ غَيْرُ مَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ، وَإِلَّا فَالشَّهَادَةُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْخَطِّ نَاقِصَةٌ.
فَرْعٌ: وَفِي الطُّرَرِ: وَإِذَا كَتَبَ الرَّجُلُ ذِكْرَ حَقٍّ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ الشُّهُودُ، فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكْتُبَ نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ، وَيَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى الصِّفَةِ حَيًّا أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ، وَقَدْ قَالَ: بَعْضُهُمْ يَكْتُبُ اسْمَهُ وَقَرْيَتَهُ وَمَسْكَنَهُ، وَيُجْتَزَى بِذَلِكَ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَسَمَّى الرَّجُلُ بِغَيْرِ اسْمِهِ وَغَيْرِ مَسْكَنِهِ وَغَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَإِذَا لَمْ يُعَرِّفْهُ الشُّهُودُ بِعَيْنِهِ وَلَا وَصَفُوهُ بِصِفَتِهِ دَخَلَهُ مَا ذَكَرْنَا.
فَرْعٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ فِي إيقَاعِ الشَّهَادَةِ فِي الصَّحِيفَةِ بِأَمْرِ الَّذِي كُتِبَتْ عَلَيْهِ، وَهُمْ لَمْ يَقْرَءُوهَا وَلَمْ تُقْرَأْ عَلَيْهِ، إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِمَّنْ لَا يَشُكُّ الشَّاهِدُ أَنَّهُ قَدْ أَحَاطَ بِمَا فِيهَا عِلْمًا، فَأَوْقِعْ شَهَادَتَك إذَا قَالَ لَك مَا فِيهَا حَقٌّ، وَإِنْ كَانَ أُمِّيًّا وَإِنْ لَمْ تَقْرَأْ عَلَيْهِ، إنْ كَانَ مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمًا، وَمِمَّنْ يُخْشَى أَنْ يَكُونَ مَخْدُوعًا فَلَا تُوقِعْ شَهَادَتَكَ فِيهَا حَتَّى تَقْرَأَهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَك مَا فِيهَا حَقٌّ أُمِّيًّا كَانَ أَوْ قَارِئًا.
فَرْعٌ: وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكٍ: لَا يُوقِعُ الرَّجُلُ شَهَادَتَهُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ، حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ مَنْ يُعَرِّفُهُ بِهِ.
وَقَالَ لِي ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِثْلَهُ، وَأَخْبَرَ بِهِ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلٌ فَيَتَسَمَّى بِاسْمِ رَجُلٍ غَيْرِهِ، وَيَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ دَارِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا، أَوْ عَبْدَهُ فُلَانًا مِنْ فُلَانٍ، وَتِلْكَ الدَّارَ لِغَيْرِهِ، فَيُوقِعُ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ، ثُمَّ يَمُوتُ الشَّاهِدُ فَيَشْهَدُ عَلَى خَطِّهِ فَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ فَيُخْرَجُ صَاحِبُ الدَّارِ مِنْ دَارِهِ، وَيُخْرَجُ الْعَبْدُ مِنْ مِلْكِهِ، قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَقَدْ فُعِلَ شِبْهُ هَذَا عِنْدَنَا، وَهَذَا مِنْ عُيُوبِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَلَى الْخَطِّ مِنْ أَهْلِ الْيَقَظَةِ وَالْفِطْنَةِ وَالْمَعْرِفَةِ التَّامَّةِ وَحُسْنِ التَّمْيِيزِ.
فَرْعٌ: قَالَ أَصْبَغُ: الشَّهَادَةُ عَلَى خَطِّ الشَّاهِدِ فِي غَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ، لَا يُعَجِّلُ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ بِهَا وَلْيَتَثَبَّتْ.
مَسْأَلَةٌ: اخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ، فَفِي الْوَاضِحَةِ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ: أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَجُوزُ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا نِكَاحٍ، وَلَا حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ، وَلَا فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِالْحُكْمِ، وَلَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْأَمْوَالِ خَاصَّةً، وَحَيْثُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَلَا الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ، لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ، وَحَيْثُ يَجُوزُ هَذَا يَجُوزُ هَذَا، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ لَا مَعْنَى لَهَا، إلَّا أَنْ يَرَوْا أَنَّ الْأَمْوَالَ أَخَفُّ لِكَوْنِهَا يُقْضَى فِيهَا بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَيُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ، وَلَيْسَ بِذَلِكَ يَعْنِي فِي الْقُوَّةِ، قَالَ وَالصَّوَابُ الْجَوَازُ فِي الْجَمِيعِ.
وَقَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: وَيَلْزَمُ مَنْ أَجَازَهُ فِي الْأَحْبَاسِ الْقَدِيمَةِ أَنْ يُجِيزَهُ فِي غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ أَجَازَهُ لَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْحُقُوقَ كُلَّهَا عِنْدَ اللَّهِ سَوَاءٌ، وَمَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ مَنْ لَمْ يُجِزْهُ أَسْقَطَهُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، قَالَ وَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا تَجُوزَ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ بِحَوَالَةِ الزَّمَانِ وَفَسَادِ أَهْلِهِ.
وَمِنْ الْحُجَّةِ لِجَوَازِ شَهَادَةِ الْخَطِّ وَقُوَّتِهِ، أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَعَلِيًّا بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَغَيْرَهُمْ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -،
قَدْ شَهِدُوا فِي كِتَابِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى لِسَانِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، أَنَّهُ بِخَطِّ مَرْوَانَ، وَمِنْ ذَلِكَ تَوَلَّدَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا تَوَلَّدَ، وَهُوَ أَوَّلُ حَادِثٍ حَدَثَ مِنْ جِهَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، فَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ لَا تَجُوزُ عَلَيْهِ، لَمْ يَشْهَدْ بِهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا سِيَّمَا فِي التَّبَطُّنِ فِي الدِّمَاءِ.
وَمِنْ الْحُجَّةِ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، كَتَبَ بِبَيْعَتِهِ إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْخَطُّ كَافِيًا، لَمْ يَكْتَفِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ ابْنِ عُمَرَ بِالْخَطِّ فِي هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ، وَقَدْ أَدْخَلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَيْعَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِعَبْدِ الْمَلِكِ فِي الْمُوَطَّأِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، وَفِي أَحْكَامِ ابْن سَهْلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْن فَرَجٍ مَوْلَى ابْنِ الطَّلَّاعِ، قَالَ: الْأَصْلُ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الْخُطُوطِ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْحُقُوقِ وَالطَّلَاقِ وَالْأَحْبَاسِ وَغَيْرِهَا، إلَّا أَنَّ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الشُّيُوخِ، أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْأَحْبَاسِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي وَقْتِنَا، أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْخَطِّ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْأَحْبَاسِ خَاصَّةً لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ الضَّرْبِ عَلَى الْخُطُوطِ، وَلَا يَشْهَدُ فِي الْأَحْبَاسِ حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ حَبْسٌ، وَأَنَّهُ قَدْ كَانَ مُحَازًا بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَحْبَاسُ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ، الصَّحِيحُ عِنْدِي الَّذِي لَا أَقُولُ بِغَيْرِهِ وَلَا أَعْتَقِدُ سِوَاهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ، وَلَكِنِّي أَذْهَبُ إلَى جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْأَحْبَاسِ خَاصَّةً، عَلَى مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ شُيُوخُنَا رحمهم الله إتْبَاعًا لَهُمْ وَاقْتِدَاءً بِهِمْ وَاسْتِحْسَانًا لِمَا دَرَجَتْ عَلَيْهِ جَمَاعَتُهُمْ، وَقَضَى بِهِ قُضَاتُهُمْ وَانْعَقَدَتْ عَلَيْهِ سِجِلَّاتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ لُبَابَةَ قَدْ سَاقَ أَصْلَهُ أَنْ لَا تَجُوزَ فِي حَبْسٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَالْجُمْهُورُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ، وَمَا أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَحْبَاسِ إلَّا حَيْطَةً عَلَيْهَا وَتَحْصِينًا لَهَا، مِنْ أَنْ تُحَالَ عَنْ أَحْوَالِهَا وَتُغَيَّرَ عَنْ سَبِيلِهَا، وَاتِّبَاعًا لِمَالِكٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهَا وَالْمُنَاقَلَةِ بِهَا وَإِنْ خَرِبَتْ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ مَنْ تَأَخَّرَ مِنْ الشُّيُوخِ، أَنَّ اخْتِيَارَهُمْ فِي تَجْوِيزِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخُطُوطِ فِي الْأَحْبَاسِ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا سَمَاعٌ بِالتَّحْبِيسِ، وَفُشُوٌّ عِنْدَ النَّاسِ فَقَوِيَتْ بِذَلِكَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْخَطِّ