الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّاسِعَةُ: شَهَادَةُ الصُّنَّاعِ لِمَنْ يُكْثِرُ اسْتِعْمَالَهُمْ لِلتُّهْمَةِ فِي جَرِّ أَعْمَالِهِمْ إلَيْهِمْ وَتَوْقِيفِهَا عَلَيْهِمْ.
الْعَاشِرَةُ: الشَّهَادَةُ لِلصَّانِعِ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَرْغَبُ فِي عَمَلِهِ، وَلَا عِوَضَ مِنْهُ، مِنْ (الْمُتَيْطِيَّةِ) وَمِنْ (مُعِينِ الْحُكَّامِ) وَمِنْ ابْنِ رَاشِدٍ.
[الْفَصْلُ السَّابِعُ فِيمَا يَنْبَغِي لِلشُّهُودِ أَنْ يَتَنَبَّهُوا لَهُ فِي تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَأَدَائِهَا]
مِمَّا يَقَعُ فِيهِ الْغَلَطُ وَالتَّسَاهُلُ الْمَذْمُومُ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُنَاصِفِ فِي (تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ عَلَى مَأْخَذِ الْأَحْكَامِ) : وَيَنْبَغِي التَّنَبُّهُ وَالتَّحَفُّظُ مِنْ الْغَفْلَةِ فِي الشَّهَادَةِ، وَالْمُسَامَحَةِ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ، وَقَدْ شَهِدْنَا فِي أَحْوَالِ بَعْضِ الشُّهُودِ مِنْ قِلَّةِ الضَّبْطِ وَغَمْصِ الْحَقِّ مَا أَوْرَدَهُمْ ذَلِكَ مَوَارِدَ مُنْكَرَةً، وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ عَلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ اقْتِدَاءً مِنْ بَعْضِهِمْ بِمُسَامَحَةِ بَعْضٍ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ بِاهْتِدَاءٍ وَلَا أَصْلِ اقْتِدَاءٍ، وَاعْتِيدَ ذَلِكَ حَتَّى وَقَعَ الْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ، وَسَنُشِيرُ مِنْ ذَلِكَ إلَى مَوَاضِعَ. فَمِنْ ذَلِكَ الِاسْتِرْسَالُ فِي تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ بَعْدَ حُصُولِ مَعْرِفَةِ الْعَيْنِ وَالِاسْمِ مَعًا، وَلَا يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمَعْرِفَةِ الْعَيْنِ، يَعْنِي أَنْ يَعْرِفَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلَا يَعْرِفَ اسْمَهُ وَلَا نَسَبَهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلُّ مِنْ وُجُوهٍ إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَخْدَعَهُ فَيَتَسَمَّى لَهُ بِاسْمِ غَيْرِهِ لِيُوجِبَ عَلَيْهِ حَقًّا وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ، وَقَدْ تَطُولُ الْمُدَّةُ فَيَنْسَى عَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، أَوْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ فِي غَيْبَتِهِ، وَيَكُونُ قَدْ تَسَمَّى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِاسْمِ ذَلِكَ الْغَائِبِ، فَتَقُومُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ وَيَحْكُمُ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، وَلَيْسَ هُوَ الْمَشْهُودَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ بِالْعَيْنِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ مِمَّا فَسَادُهُ ظَاهِرٌ وَضَرَرُهُ مُتَفَاقِمٌ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ هِيَ الْمَعْرِفَةَ الْمَقْصُودَةَ فِي هَذَا الْبَابِ. بَلْ يَحِقُّ عَلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الِاسْمِ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ مِثْلُ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَزُولُ مَعَهُ الِاشْتِرَاكُ أَوْ يَخِفُّ وَلَا يَكْفِي مَعْرِفَةُ
اسْمِهِ خَاصَّةً دُونَ مَعْرِفَةِ اسْمِ أَبِيهِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّعْرِيفِ وَالِاخْتِصَاصِ، وَقَدْ اسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَزِيدَ اسْمَ الْجَدِّ؛ لِأَنَّهُ أَضْبَطُ وَأَبْعَدُ لِمَا يُتَوَقَّى مِنْ اشْتِرَاكِ الْأَسْمَاءِ فِي الْمُسَمَّى وَأَبِيهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَوْ عَرَفَ الِاسْمَ دُونَ الْعَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ يَسْمَعُ بِرَجُلٍ مَشْهُورٍ لَمْ يَقِفْ عَلَى عَيْنِهِ فَقِيلَ لَهُ هَذَا فُلَانٌ، وَلَمْ يَتَقَرَّرْ عِنْدَهُ تَقَرُّرًا يُوجِبُ الْعِلْمَ بِصِحَّتِهِ فَلَا يُقْدِمُ عَلَى تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ فِي الْمَعْرِفَةِ بِمُجَرَّدِ شُهْرَةِ الِاسْمِ عِنْدَهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ غَلَطٌ وَتَدْلِيسٌ، وَالْوَهْمُ فِيهِ مُمْكِنٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْأَمْرِ جَمِيعًا فِي الِاسْمِ وَالْعَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَمَنْ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فَلَا يُشْهَدُ إلَّا عَلَى عَيْنِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ اسْمَ غَيْرِهِ عَلَى اسْمِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: يَكْتُبُ اسْمَهُ وَقَرْيَتَهُ وَمَسْكَنَهُ وَيَجْتَزِئُ بِذَلِكَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ الْأَحْسَنُ أَنْ يَكْتُبَ نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ وَيُشْهِدَ الشُّهُودَ عَلَى الصِّفَةِ حَيًّا أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ، قَالَ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ التَّحْقِيقُ.
وَنَحْوُ ذَلِكَ: أَنْ يَتَرَدَّدَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يَتَسَمَّى بِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ أَوْ يُخَالِطَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَلَا يَعْجَلُ بِالشَّهَادَةِ بِالْمَعْرِفَةِ، حَتَّى يَحْصُلَ مِنْ التَّرَدُّدِ وَاشْتِهَارِ عَيْنِهِ وَاسْمِهِ بِمَحْضَرِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ وَتَوَاطُئِهِمْ عَلَيْهِ مَا يَقَعُ لَدَيْهِ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي لَا يَشُكُّ فِيهَا، وَهَذَا بَابٌ كَبِيرٌ غَلَطَ فِيهِ الْجُمْهُورُ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَهُ الرَّجُلَانِ لَا يَعْرِفُ إلَّا أَحَدَهُمَا فَيُشْهِدُهُ أَنِّي قَبَضْت مِنْ هَذَا وَيُشِيرُ إلَيْهِ وَلَا يَذْكُرُ اسْمَهُ حَقًّا لِي عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا أَوْ أَبْرَأْتُهُ أَوْ لَهُ عَلَيَّ كَذَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ فِيهِ الْحَقُّ لِلْمَجْهُولِ عِنْدَهُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْمُقِرُّ وَيُرِيدُ الْمَشْهُودُ لَهُ تَقْيِيدَ الشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ التَّوَقُّفُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ الْمَشْهُودَ لَهُ أَيْضًا، وَقَدْ كَانَ سَأَلَ عَنْ اسْمِهِ وَمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ بِمَحْضَرِ الْمُقِرِّ لَهُ فَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِ الْمَشْهُودِ لَهُ فِي غَيْبَةِ الْمُقِرِّ أَنَّ اسْمَهُ فُلَانٌ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا سَمَّى لَهُ غَيْرَ نَفْسِهِ مِمَّنْ عَلَيْهِ لِلْمُشْهِدِ الْغَائِبِ حَقٌّ كَثِيرٌ لِيُضَيِّعَهُ، أَوْ خِصَامٌ شَدِيدٌ لِيَقْطَعَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ الْغَائِبُ.
وَلَا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا، فَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ وَإِقْدَامُ الشَّاهِدِ عَلَى ذَلِكَ أَمْرٌ قَادِحٌ وَغَلَطٌ وَاضِحٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ قَوْمًا بِوَثِيقَةٍ كَتَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ لِرَجُلٍ غَائِبٍ، فَيُشْهِدُهُمْ فِيهَا لَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ فِيهَا لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى نَفْسِهِ لِلْغَائِبِ فَيَسْتَوْجِبَ مُخَالَطَتَهُ، فَيُحَلِّفَهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يُشْهِدَهُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ فَيُرِيدُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِتَعْرِيفِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ أَوْ لَا يَجُوزُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي شَيْءٍ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجُرْأَةِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي لِمَنْ صَحَّ دِينُهُ وَرَاقَبَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَصْرِفَ كُلَّ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فِي الشَّهَادَةِ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ مَهْمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ، فَإِنْ اضْطَرَّهُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ أَمِيرٌ أَوْ كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ، فَلْيَكُنْ الْمُعَرِّفُ رَجُلَيْنِ فَصَاعِدًا مِمَّنْ يَرْضَى دِينَهُمَا وَيَسْتَجِيزُ شَهَادَتَهُمَا وَيُسَمِّيهِمَا، فَيَكُونُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، أَوْ يَتَقَرَّرُ عِنْدَهُ مِنْ تَرَادُفِ التَّعْرِيفِ وَقَرِينَةِ الْحَالِ مَا يَأْمَنُ التَّدْلِيسَ مَعَهُ، كَمَا لَوْ اسْتَظْهَرَ بِسُؤَالِ مَنْ لَا يَفْهَمُ غَرَضَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا حَضَرَ أَوَّلَ الْأَمْرِ، بِحَيْثُ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ التَّعْرِيفِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ لَهُ أَنَّ الْكَشْفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَشِبْهِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ فِي حُكْمِ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عُدُولٌ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ بِهِ عَلَى وَجْهِ كَذَا وَكَذَا، فَيَذْكُرُ الْمُعَرِّفِينَ إنْ كَانُوا عُدُولًا، وَالْوَجْهُ الَّذِي تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِهِ عِنْدَهُ. وَإِذَا كَانَ التَّعْرِيفُ عَلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُقْبَلُ، وَذَلِكَ ضَلَالٌ مُبِينٌ وَتَدْلِيسٌ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ.
وَمِنْ ذَلِكَ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ بِدَعْوَى فَلَمْ يُنْكِرْ الْخَصْمُ دَعْوَاهُ وَلَا أَقَرَّ بِهَا، بَلْ قَالَ عَقِيبَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ: وَأَنَا لِي أَيْضًا عَلَيْكَ مَالٌ أَوْ شَيْءٌ سَمَّاهُ، فَقَالَ الْمُدَّعِي لِمَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ اشْهَدُوا لِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَقَدْ سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْتِزَامِ
مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَقْصِدُهُ مُقَابَلَةَ الْفَاسِدِ بِالْفَاسِدِ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْجِدَالِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَشْكَانَ الْقَيْرَوَانِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْمَازِرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.
وَمِنْ ذَلِكَ: مَا أَهْمَلُوهُ مِنْ سُؤَالِ الْمُعْتَدَّةِ إذَا أَرَادَتْ النِّكَاحَ وَمُبَاحَثَتِهَا عَنْ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِمَا تَفْهَمُ بِهِ أَحْكَامَهَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَتَعْيِينِ الْأَقْرَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ شَرْطِ الْحَيْضَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فَيَنْبَغِي الِاجْتِهَادُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهَا قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي عَلَى الْإِجْمَالِ، فَإِنَّ النِّسَاءَ الْيَوْمَ جَهِلْنَ ذَلِكَ جَهْلًا كَثِيرًا، بَلْ جَهِلَهُ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمٌ، وَيَرَى لِنَفْسِهِ حَظًّا وَتَقَدُّمًا، قَالَ وَلَقَدْ عَايَنْت بَعْضَ الْجَهَلَةِ مِنْ الْمُوَثَّقِينَ يَسْتَغْنِي عَنْ سُؤَالِ الْمَرْأَةِ جُمْلَةً، إذَا هُوَ وَجَدَ لِتَارِيخِ الطَّلَاقِ شَهْرَيْنِ فَصَاعِدًا، وَاِتَّخَذَ الْيَوْمَ هَذَا الْمِقْدَارَ مِنْ الْمُدَّةِ كَثِيرٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ أَصْلًا فِي إكْمَالِ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، وَمَا أَدْرِي كَيْفَ كَانَ أَصْلُ هَذَا الْغَلَطِ الْقَبِيحِ.
وَمِنْ ذَلِكَ مَا اسْتَخَفُّوهُ مِنْ تَقْيِيدِ الْعُيُوبِ الَّتِي يَشْتَرِطُهَا الدَّلَّالُونَ فِي الْمَبِيعِ مِنْ الدَّوَابِّ وَالرَّقِيقِ وَالرِّبَاعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتَرْسِلُونَ فِي تَصْدِيقِهِ، وَرُبَّمَا عَدُّوا أَشْيَاءَ مَحْفُوظَةً عِنْدَهُمْ، وَقَدْ يَكُونُ بَعْضُهَا فِي الْمَبِيعِ وَأَكْثَرُهَا بَاطِلٌ مُتَحَقِّقُ الْكَذِبِ، وَيَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ مِنْ مُخَادَعَةِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَقَدْ يَغْتَرُّ الْبَائِعُ فِي إمْضَاءِ الْبَيْعِ إذَا سَمِعَ كَثْرَةَ ذَلِكَ فِي سِلْعَتِهِ إيهَامًا مِنْهُمْ لَهُ وَإِظْهَارًا لِلتَّصْحِيحِ، وَيَغْتَرُّ الْمُشْتَرِي أَيْضًا فِي الْتِزَامِ تِلْكَ الْعُيُوبِ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّهَا أَوْ جُلَّهَا بَاطِلٌ وَتَشْدِيدٌ فِي الْبَيْعِ لِمَا عَهِدَ النَّاسُ مِنْ زِيَادَاتِهِمْ الْكَاذِبَةِ وَجَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ الْفَاسِدَةُ، فَيَرْضَى بِمَا يَشْتَرِطُونَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ يَدُسُّونَ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْعُيُوبِ الْكَاذِبَةِ لَهُ عَيْبًا أَوْ عَيْبَيْنِ هِيَ ثَابِتَةٌ فِي الْمَبِيعِ عَظِيمَةُ الضَّرَرِ يَجْهَلُهَا الْمُشْتَرِي بِجَهْلِ غَيْرِهَا، إذْ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ بِحَقِيقَةِ ذَلِكَ، فَهُوَ لَوْ عَلِمَ بِثُبُوتِهَا قَطْعًا مَا رَضِيَ وَلَا أَقْدَمَ عَلَى الشِّرَاءِ بِوَجْهٍ، فَهَذَا مِمَّا غَفَلَ الْمُوَثَّقُونَ الْيَوْمَ عَنْهُ وَالْحُكَّامُ أَيْضًا، مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهِ جِدًّا، لَا سِيَّمَا مِنْ الدَّلَّالِينَ عَلَى الدَّوَابِّ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ الْفَسَادِ وُجُوهٌ. مِنْهَا: إقْرَارُهُمْ عَلَى التَّكَاذُبِ وَإِمْضَاؤُهُمْ لَهُ وَمِنْهَا: التَّدْلِيسُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ الثَّابِتِ مِنْ جُمْلَةِ الْعُيُوبِ الَّتِي يَحْمِلُهَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالْكَذِبِ.