الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَيِّنَتِهِ؟ قَالَ نَعَمْ وَأَرَاهُ حَسَنًا، وَيُشْهِدُ فِي كِتَابِهِ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ، قِيلَ لَهُ فَيُشْهِدُ لَهُ أَنَّهُ أَنْفَذَهُ إنْفَاذًا كَالْقَاضِي الْأَوَّلِ، قَالَ لَا يُشْهِدُ أَنَّهُ أَنْفَذَهُ، إنَّمَا يُشْهِدُ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ الْقَاضِيَ فُلَانًا حَكَمَ بِمَا فِيهِ وَذَلِكَ بَعْدَ مَا يَتَدَبَّرُهُ، وَيَرَى أَنَّ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ قَدْ أَصَابَ وَجْهَ الْقَضَاءِ فِيمَا تَبَيَّنَ لَهُ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ بَيِّنَتِهِ عِنْدَهُ، إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ عِنْدَهُ خُصُومَةً مُبْتَدَأَةً، قِيلَ لَهُ: فَإِنْ كَانَ قَدْ وَجَدَ فِي قَضَاءِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِرَأْيِهِ وَهُوَ مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ فَسْخُ الْقَضَاءِ بِهِ، قَالَ لَا يَنْظُرُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَ نَقْلُهُمَا عَنْ الْمَازِرِيِّ فِي مَعْنَى تَنْفِيذِ الْحُكْمِ، قِيلَ لِأَصْبَغَ: وَكَيْفَ يَنْظُرُ لَهُ فِي كِتَابِهِ وَيُحْيِيهِ لَهُ وَهُوَ لَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ فِيهِ، قَالَ ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ حُجَّةَ الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ، فَمَتَى قَامَ فَهُوَ عَلَى حُجَّتِهِ. أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ عَبْدًا أَتَى إلَى السُّلْطَانِ فَزَعَمَ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَقَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ، وَسَيِّدُهُ مُقِرٌّ لَهُ بِالْعِتْقِ، غَيْرَ أَنَّ الْعَبْدَ سَأَلَ الْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ مِنْ بَيِّنَتِهِ وَيُحْيِيَ لَهُ عِتْقَهُ وَيُكْثِرَ لَهُ مِنْ الشُّهُودِ عَلَيْهِ؛ لِيَكُونَ إحْيَاءً لِلْعِتْقِ وَتَوْثِيقًا لِلْحُرِّيَّةِ، أَمَا كَانَ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، فَهُوَ مِثْلُهُ، وَهَذَا خِلَافُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ (الْمُقْنِعِ) مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْيِيهِ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
فَصْلٌ وَمِنْ ذَلِكَ إذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ أَرْضًا بِالصَّحْرَاءِ وَتَنَازَعَا فِيهَا، ثُمَّ أَتَيَا الْحَاكِمَ فَتَدَاعَيَا فِيهَا، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ فَلَا يَشْهَدُ الْحَاكِمُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ لِفُلَانٍ، وَلَكِنْ يَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ لِفُلَانٍ بِكَذَا، وَلَا يَحْكُمُ لَهُ بِهَا، وَلَا يُشْهِدُ عَلَى نَفْسِهِ فِيهَا بِقَضَاءٍ، حَتَّى تَقُومَ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا لَهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
[فَصْلٌ فِيمَا إذَا ابْتَاعَ رَجُلٌ دَارًا مِنْ رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ]
وَمِنْ ذَلِكَ إذَا ابْتَاعَ رَجُلٌ دَارًا مِنْ رَجُلٍ وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ ذَلِكَ وَثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي الْبَيِّنَةُ بِالِاشْتِرَاءِ، فَلَا يَكْتُبُ لَهُمْ الْقَاضِي كِتَابَ حُكْمٍ حَتَّى يُقِيمَ الْمُشْتَرِي عِنْدَهُ بَيِّنَتَهُ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا يَعْرِفُونَهُ فِي مِلْكِهِ (مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ) فِي بَابِ (الْقِسْمَةِ) .
نَوْعٌ مِنْهُ: قَالَ أَصْبَغُ: لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا عَزَلَ الْوَصِيَّ لِأَمْرٍ كَرِهَهُ أَوْ لِعُذْرٍ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ بَرَاءَةً مِمَّا جَرَى عَلَى يَدَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، مِمَّا زَعَمَ أَنَّهُ أَنْفَقَهُ عَلَى الْيَتِيمِ، وَإِنْ أَتَاهُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ حَتَّى يَبْلُغَ الْيَتِيمُ مَبْلَغَ الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَكِنْ إنْ أَخَذَ مِنْهُ مَالًا عِنْدَ الْعَزْلِ كَتَبَ لَهُ مِنْهُ بَرَاءَةً.
نَوْعٌ مِنْهُ: إذَا دَخَلَ تَحْتَ يَدَيْ الْقَاضِي مَالٌ لِغَائِبٍ فَقَامَ رَجُلٌ وَادَّعَى أَنَّهُ وَكِيلُهُ وَأَحْضَرَ عَقْدًا بِوَكَالَتِهِ، وَذَكَرَ الشُّهُودُ فِي الْعَقْدِ أَنَّ تَارِيخَ الشَّهَادَةِ بِالْوَكَالَةِ قَبْلَ كِتَابَةِ هَذَا الْعَقْدِ بِعَامٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَفِي الْعَقْدِ أَنَّهُ وَكِيلُهُ عَلَى طَلَبِ حُقُوقِهِ كُلِّهَا وَقَبْضِهَا وَالْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَقَبْضِ مُسْتَغَلَّاتِهِ تَوْكِيلًا تَامًّا مُفَوَّضًا أَقَامَهُ فِيهِ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُثْبِتَهُ لَهُ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ الْغَائِبَ لَمْ يُشْهِدْ عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذَا الْعَقْدِ الَّذِي أَظْهَرَ الْوَكِيلُ وَلَا رَأَى الْكِتَابَ، وَإِنَّمَا لَفَّقَ الْوَكِيلُ مَا فِي الْكِتَابِ مِنْ حِفْظِ الشُّهُودِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْعَاءِ، وَهَذَا الْمَوْضِعُ وَشِبْهُهُ لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الشَّهَادَةَ فِيهِ عَلَى الْوَكَالَةِ أَوْ غَيْرِهَا، إلَّا بِأَنْ يَنُصَّ الشَّاهِدُ مَعَانِيَهَا مِنْ حِفْظِهِ كَمَا يَزْعُمُ الْقَائِمُ بِالْوَكَالَةِ أَنَّ مِنْ حِفْظِهِمْ كَتَبَ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي هَذِهِ شَهَادَتِي أَشْهَدُ بِهَا عِنْدَك لِيُعَلَّمَ لَهُ عَلَيْهَا يَعْنِي عَلَامَةَ الْأَدَاءِ وَالْقَبُولِ وَتَثْبُتُ الْوَكَالَةُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَا يَسَعُ الْقَاضِيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى التَّسَاهُلُ فِي مِثْلِ هَذَا، فَاَللَّهَ اللَّهَ فِي الِاهْتِبَالِ بِأُمُورِ النَّاسِ وَالنَّظَرِ لِنَفْسِك، قَالَهُ ابْنُ مَالِكٍ الْقُرْطُبِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ: لَا يَدْفَعُ الْقَاضِي ذَلِكَ الْمَالَ لِلْوَكِيلِ إلَّا بِتَوْكِيلِ الْغَائِبِ عَلَى قَبْضِهِ تَوْكِيلًا يَنُصُّ فِيهِ عَلَى قَبْضِهِ، وَأَمَّا بِالتَّوْكِيلِ الْمُكْتَتَبِ فَلَا، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ عَتَّابٍ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ الْوَكِيلَ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ، فَرَأَى مِنْ النَّظَرِ إبْقَاءَهُ تَحْتَ يَدِ أَمِينِ الْقَاضِي مَعَ مَا فِي الْوَكَالَةِ مِنْ الضَّعْفِ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى عَقْدِ الْوَكَالَةِ.
نَوْعٌ مِنْهُ: وَمِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ أَيْضًا قَالَ: وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ سَحْنُونٍ مَنْ أَتَى بِيَتِيمَةٍ بَلَغَتْ إلَى الْقَاضِي أَوْ يَتِيمٍ بَالِغٍ، وَقَالَ: إنَّ أَبَاهُ أَوْ أَبَا هَذَا أَوْصَى بِهِ إلَيَّ وَبِمَالِهِ وَقَدْ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّضَا وَأَنَا أَبْرَأُ إلَيْهِ بِمَالِهِ فَاكْتُبْ لِي بَرَاءَةً مِنْهُ قَالَ يَكْتُبُ لَهُ فِي الْبَرَاءَةِ، إنَّ فُلَانًا أَتَى بِفُلَانٍ صِفَتُهُ كَذَا وَزَعَمَ أَنَّهُ يُسَمَّى فُلَانًا أَوْ بِامْرَأَةٍ صِفَتُهَا كَذَا وَزَعَمَ أَنَّهَا تُسَمَّى فُلَانَةَ وَأَنَّ أَبَاهَا أَوْصَى إلَيْهِ بِهَا وَبِمَالِهَا، وَأَنَّهَا قَدْ بَلَغَتْ مَبْلَغَ الْأَخْذِ لِنَفْسِهَا وَالْإِعْطَاءِ مِنْهَا وَسَأَلَنَا أَنْ نَأْمُرَهُ بِدَفْعِ مَالِهَا وَأَنْ نَكْتُبَ لَهُ الْبَرَاءَةَ فَأَمَرْنَاهُ بِذَلِكَ، فَدَفَعَ لَهَا عِنْدَنَا كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ أَشْهَدَنَا عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَيَكْتُبُ لَهُ هَذِهِ الْبَرَاءَةَ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ وَصِيُّهُ، إلَّا بِقَوْلِهِ. قِيلَ لَهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ هَكَذَا قَالَ نَعَمْ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ الْبَرَاءَةَ إلَّا هَكَذَا، ذَكَرَهَا ابْنُ سَهْلٍ فِي مَسَائِلِ الْمَحْجُورِ.