الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي الْقَضَاءِ فِي الشَّهَادَاتِ الْمَجْهُولَةِ وَالنَّاقِصَةِ]
وَفِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ: إنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ لَا يَعْرِفُونَ عَدَدَهُ، فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ حَلَفَ عَلَيْهِ وَبَرِئَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحْكُمُ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا الْحَقُّ حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يُعَيِّنُوا شَيْئًا وَلَا حَدُّوهُ فَشَهَادَتُهُمْ مَجْهُولَةٌ لَا يُحْكَمُ بِهَا، وَلَوْ قَالُوا نَشْهَدُ بِدَنَانِيرَ لَا نَعْرِفُ عَدَدَهَا جُعِلَتْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ حَلَفَ عَلَى شَهَادَتِهِمْ وَإِنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ، فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ قَدْ بَيَّنُوا بِشَهَادَتِهِمْ شَيْئًا مَعْلُومًا وَهِيَ الدَّنَانِيرُ، فَيُؤْخَذُ بِأَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ جَمْعِ دِينَارٍ، يَعْنِي الْجَمْعَ الْأَظْهَرَ لَا الْجَمْعَ الْمَعْلُومَ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ اثْنَانِ وَيَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِمْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ احْتِيَاطًا.
فَرْعٌ: قَالَ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ قَبْلَهُ حَقًّا لَا يُدْرِكُونَ كَمْ هُوَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبَيِّنُوا حَقًّا مَعْلُومًا فَيَسْقُطُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ وَيَبْقَى حُكْمُ الدَّعْوَى الَّتِي لَا شَهَادَةَ مَعَهَا وَهُوَ الْيَمِينُ، نَقَلَهُ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ.
فَرْعٌ: وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ: وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ فِي النِّكَاحِ، وَلَا يَعْرِفُونَ مَبْلَغَ الصَّدَاقِ أَوْ شَهِدُوا فِي الْبَيْعِ وَلَا يَعْرِفُونَ الثَّمَنَ، فَقَالَ أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْإِشْبِيلِيُّ: لَا بُدَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُسَمِّيَ عَدَدًا، فَإِنْ أَبَى حَلَفَ الطَّالِبُ إذَا أَتَى بِمَا يُشْبِهُ وَلَزِمَهُ النِّكَاحُ وَالْبَيْعُ مِثْلُهُ، وَأَجَابَ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَطَّانِ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّجِيبِيِّ: أَرَى أَنَّ الشَّهَادَةَ سَاقِطَةٌ، وَلَسْت أَقُولُ بِقَوْلِ غَيْرِي، وَذَكَرَ أَنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الطُّرَرِ: وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ آخَرَ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ ثَوْبًا فَأَنْكَرَهُ فَقَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ أَعْكَامًا لَا يَعْرِفُونَ مَا فِيهَا وَيَظُنُّونَ ثِيَابًا، فَيَجِبُ أَنْ يُسْجَنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُهَدَّدَ، فَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى إنْكَارِهِ حَلَفَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ عَلَى مَا يُشْبِهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ مِثْلَهُ وَيَأْخُذُهُ بِذَلِكَ، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ، وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ يَحْلِفُ إذَا
لَمْ تُعَيِّنْ الْبَيِّنَةُ شَيْئًا، بَعْدَ أَنْ يُسْتَبْرَأَ أَمْرُهُ بِالسَّجْنِ وَالتَّضْيِيقِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَيْهِ إذَا تَمَادَى عَلَى إنْكَارِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ، نَقَلَهُ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: قَالَ مُطَرِّفٌ سَمِعْنَا مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَشْهَدُ لَهُ الشُّهُودُ: إنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ حَقًّا، وَلَا يَعْرِفُ كَمْ هُوَ؟ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ مِيرَاثٍ قَدْ تَقَدَّمَ وَتَنَاسَخَ أَهْلُهُ، وَيُنْكِرُ ذَلِكَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ ثَبَتَ لِهَذَا فِي دَارِك حَقٌّ فَأَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَشْهُودِ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَادَّعَى أَنَّ الَّذِي شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ بَاطِلٌ، قِيلَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ: أَتَعْرِفُ حَقَّك الَّذِي شَهِدَ لَك بِهِ؟ فَإِنْ سَمَّاهُ حَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَأَخَذَهُ، وَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ إنَّمَا كُنْت أَسْمَعُ أَبِي يَقُولُ: إنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا وَلَمْ يَكُنْ يُسَمِّيهِ فَجِئْت أَطْلُبُهُ، أَوْ قَالَ لَا أَعْرِفُ وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَحْلِفَ عَلَيْهِ صَادِقًا أَوْ كَاذِبًا، فَأَقِرَّ أَيُّهَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّي بِمَا شِئْت وَاحْلِفْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُحَالُ بَيْنَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الدَّارِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا بَلَغَ هَذَا الْحَقُّ مِنْهَا، لَعَلَّهُ يَأْتِي عَلَى أَكْثَرِهَا أَوْ عَلَى جَمِيعِهَا إلَّا جُزْءًا مِنْهَا فَيُوقَفُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ ثَبَتَ فِيهَا، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُهُ فَيُنْكِرُهُ، كَيْمَا يُعْمِيهِ وَيُبْطِلُهُ عَلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَلَا يَصِلُ إلَى الدَّارِ أَبَدًا حَتَّى يُقِرَّ مِنْهَا بِحَقِّ هَذَا، أَوْ يُسَمِّيَ مِنْ ذَلِكَ مَا سَمَّى وَيَحْلِفَ عَلَى ذَلِكَ وَيَأْخُذَ بَقِيَّةَ الدَّارِ، قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ قَالَ حَقُّهُ مِنْهَا الرُّبْعُ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْهُ الرُّبْعُ، فَأَسْلَمَ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ وَحُكِمَ لَهُ بِهِ بِإِقْرَارِهِ، ثُمَّ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ مَوْقُوفًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ أَوْ يُقِرَّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَوْ أَقَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهِ كَانَ الْأَمْرُ فِيهِ كَمَا وَصَفْنَا هَكَذَا أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا غَيْرَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ مِنْهَا وَسَمَّاهُ.
وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ: وَقَدْ كُنَّا نَقُولُ نَحْنُ وَغَيْرُنَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ الشُّهُودُ الْحَقَّ الَّذِي شَهِدُوا بِهِ وَنَسُوهُ، فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ وَلَا حَقَّ لِهَذَا حَتَّى سَأَلْنَا مَالِكًا رحمه الله عَنْهَا، وَتَكَلَّمَ فِيهَا فَأَخَذْنَا بِقَوْلِهِ وَحُكِمَ بِهِ عِنْدَنَا غَيْرُ مَرَّةٍ، وَصَارَ مِنْهَاجًا لِلْحُكَّامِ وَدَلِيلًا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فِيهَا.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يُسْجَنُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيُضَيَّقُ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ حَقُّهُ وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ، قَالَ أَصْبَغُ فَإِنْ أَنْكَرَ الْجَمِيعُ بَعْدَ الْحَبْسِ
أُحْلِفَ كَمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، قَالَ وَيَتَحَصَّلُ فِيهَا سِتَّةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ حُكْمًا وَهِيَ بَاطِلَةٌ.
الثَّانِي: أَنَّهَا تُوجِبُ التَّشْدِيدَ كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْتَنْزَلُ إلَّا مَا لَا يُشَكُّ فِيهِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْغَاصِبِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا لَا يُشْبِهُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَهُوَ السَّادِسُ، وَلَكِنَّهُ يُعْرَفُ بِأَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى الْأَرْضِ بِعَيْنِهَا وَلَا يَعْرِفُوا حُدُودَهَا، وَبَيْنَ أَنْ لَا يُعَيِّنُوا الْأَرْضَ وَإِنَّمَا يَشْهَدُونَ أَنَّهُ غَصَبَهُ فِي الْقَرْيَةِ أَرْضًا لَا يَعْرِفُونَهَا.
فَرْعٌ: قَالَ مُطَرِّفٌ وَمِثْلُهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: فِي الرَّجُلِ يَدَّعِي قِبَلَ الرَّجُلِ حَقًّا مِنْ مُحَاسَبَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَيُنْكِرُ ذَلِكَ، فَيَأْتِي بِبَيِّنَةٍ فَتَشْهَدُ أَنَّهُمَا تَحَاسَبَا فَبَقِيَ لِهَذَا عَلَى هَذَا حَقٌّ لَا نَعْرِفُ عَدَدَهُ، قِيلَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ، فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَشْهُودِ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ جَحَدَ قِيلَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَتَعْرِفُ كَمْ هَذَا؟ فَإِنْ قَالَ نَعَمْ هُوَ كَذَا وَكَذَا حَلَفَ وَأَخَذَهُ، وَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ كَانَتْ بَيْنَنَا مُحَاسَبَةٌ وَمُكَاتَبَةٌ، فَضَاعَتْ مِنِّي وَسَقَطَتْ فَلَا أَحْفَظُ، أَوْ قَالَ هِيَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أَحْلِفَ عَلَيْهَا وَإِنْ كُنْت صَادِقًا؛ لِأَنَّ بَيِّنَتِي قَدْ أَحَقَّتْ لِي حَقًّا وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى، فَإِنْ شَاءَ فَلْيُقِرَّ بِمَا شَاءَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَيَحْلِفْ عَلَيْهِ وَيَبْرَأْ فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، يُقَالُ ذَلِكَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فَيُدْفَعُ إلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، ثُمَّ حُبِسَ لِلْيَمِينِ فِيمَا بَقِيَ كَمَا وَصَفْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى.
فَرْعٌ: قَالَ لِي مُطَرِّفٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَقَرَّ فِي وَصِيَّتِهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ حَقًّا ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يُسَمِّ ذَلِكَ الْحَقَّ كَمْ هُوَ؟ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ كَمْ هُوَ حَقُّ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ، قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ كَمْ حَقُّك؟ فَإِنْ سَمَّاهُ أَحَلَفَ عَلَيْهِ وَأُعْطِيهِ، وَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ وَهُوَ كَانَ أَحْفَظُ مِنِّي، قِيلَ لِلْوَرَثَةِ لَا تَصِلُوا إلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْمِيرَاثِ حَتَّى تَدْفَعُوا إلَى هَذَا حَقَّهُ مِنْهُ، أَوْ تُقِرُّوا لَهُ بِمَا شِئْتُمْ وَتَحْلِفُونَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ ثَبَتَ لَهُ أَنَّ لَهُ فِيهَا حَقًّا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَصِلَ إلَى حَقِّهِ.
فَرْعٌ: وَفِي الْمَذْهَبِ لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِمَالِهِ هَذَا، وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَى مَاذَا وَكَّلَهُ، حَلَفَ الْمُوَكِّلُ لَقَدْ وَكَّلَهُ عَلَى صِنْفِ كَذَا وَأَخْذِ مَالِهِ، فَإِنْ نَكَلَ مَضَى الْمُشْتَرِي بِلَا يَمِينٍ.
فَرْعٌ: وَقَالَ لِي مُطَرِّفٌ: إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا، وَلَا يَعْرِفُونَ حَوْزَ الْأَرْضِ وَلَا حُدُودَهَا، فَإِنْ أَتَى الْمَشْهُودُ لَهُ بِبَيِّنَةٍ سِوَى أُولَئِكَ يَشْهَدُونَ لَهُ عَلَى حُدُودِ أَرْضِهِ تِلْكَ حُكِمَ لَهُ وَإِلَّا قِيلَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ انْبِذْ إلَى هَذَا الَّذِي ثَبَتَ لَهُ أَنَّك غَصَبْته حَقَّهُ، فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْهَا أَحْلَفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمَشْهُودِ لَهُ غَيْرُهُ، وَإِنْ تَمَادَى عَلَى جَحْدِ أَنَّهُ لَهُ، قِيلَ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَتَعْرِفُ حُدُودَ أَرْضِك؟ فَإِنْ عَرَفَهَا حَلَفَ عَلَى مَا حَدَّدَ مِنْهَا وَكَانَ لَهُ، وَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُهَا قَدْ غَيَّرَ حُدُودَهَا وَعَمَى مَعَالِمَهَا، حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَمِيعِهَا حَتَّى يُقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ مِنْهَا، وَرَجَعَتْ إلَى مَسْأَلَةِ مَالِكٍ الَّتِي قَبْلَ هَذَا، بَلْ هَذَا أَحَقُّ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ مَعَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَدَبِ الْمُوجِعِ وَالْعُقُوبَةِ الْمُؤْلِمَةِ وَالسَّجْنِ الطَّوِيلِ فِيمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ مِنْ الْغَصْبِ وَاهْتِضَامِ النَّاسِ حُقُوقَهُمْ.
قَالَ: وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَوْ حَوْلَ تِلْكَ الْأَرْضِ حَقٌّ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ غَصَبَ هَذِهِ الْأَرْضَ وَضَمَّهَا إلَى حَقِّهِ، وَأَمَّا لَوْ ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ دُخُولِهَا فِيهَا بِسَبَبِ هَذَا الْغَصْبِ الَّذِي ثَبَتَ، اكْتَفَى الْمَشْهُودُ لَهُ مِنْ شُهُودِهِ، بِأَنْ يَشْهَدُوا لَهُ عَلَى أَنَّهُ غَصَبَهُ الْأَرْضَ وَإِنْ لَمْ يُحَدِّدُوهَا، وَلَمْ يَسْأَلْ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ كَمْ لِهَذَا مِنْهَا؟ وَأَخْرَجَ مِنْهَا جَمِيعِهَا حَتَّى يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فِيهَا بَعْدَ دُخُولِهِ مِنْ شِرَاءٍ صَحِيحٍ أَوْ حَقٍّ ثَبَتَ لَهُ.
فَرْعٌ: قَالَ لِي مُطَرِّفٌ: فِي الرَّجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى الرَّجُلِ بِالْمَالِ وَيَقُولُ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ وَقَدْ أَشْهَدَنِي الَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ اقْتَضَى مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَاَلَّذِي لَهُ الْحَقُّ مُنْكِرٌ أَنْ يَكُونَ اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا أَوْ يَكُونَ مَيِّتًا، فَشَهَادَتُهُمَا لَازِمَةٌ جَائِزَةٌ بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَلَا يُوضَعُ مِنْهُ شَيْءٌ لِلَّذِي قَالَ الشَّاهِدُ، وَيَحْلِفُ الْمَشْهُودُ لَهُ إنْ كَانَ حَيًّا أَنَّهُ مَا اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ لِوَرَثَةٍ حَلَفُوا مَعَ شَهَادَتِهِمْ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ لِحَقٍّ مَا عَلِمْنَاهُ اقْتَضَى مِنْهُ، شَيْئًا، وَيَأْخُذُونَ حَقَّهُمْ كَامِلًا، لَا يُفْسِدُ
الشَّهَادَةَ قَوْلُهُ إنَّ الْمَيِّتَ تَقَاضَى بَعْضَهُ. مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ لِفَضْلِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ مَسَائِلِ الْقَضَاءِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ: اُنْظُرْ قَوْلَهُ وَاَلَّذِي لَهُ الْحَقُّ مُنْكِرٌ أَنْ يَكُونَ اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يُجْعَلْ مُكَذَّبًا بِالشَّهَادَةِ فَتَدَبَّرْهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ، وَلَكِنْ ذَكَرْتهَا لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَيْهَا.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: قَالَ لِي مُطَرِّفٌ: وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَشْهَدَنِي أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا سَمَّاهُ وَقَدْ نَسِيتَهُ، تُرِكَ حَتَّى يَقِفَ عَلَى مَا لَا يَشُكُّ فِيهِ، ثُمَّ يَحْلِفُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْجَمِيعِ عَلَى هَذَا الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ، بِحِينِ تَرَكَ أَيْ حِينَ تَرَكَ حَتَّى تَذَكَّرَ الشَّهَادَةَ وَيَبْرَأَ مِنْهُ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الْمَذْهَبِ لِابْنِ رَاشِدٍ قَالَ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي شُهُودٍ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي وَصِيَّةٍ وَقَدْ مَاتَتْ، فَقَالُوا لَا نَعْرِفُهَا بِعَيْنٍ وَلَا بِاسْمٍ، وَإِنَّمَا كُنَّا عُرِّفْنَا بِهَا وَلَا نَذْكُرُ الْمُعَرِّفِينَ، فَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ وَأَيُّوبُ وَمُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ: لَا تَنْفُذُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ عَنْ سَحْنُونٍ: إذَا شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ بِنِكَاحِ إقْرَارٍ أَوْ إبْرَاءٍ، وَقَالُوا أَشْهِدْنَا عَلَى مَعْرِفَةٍ مِنَّا لِعَيْنِهَا وَنَسَبِهَا، فَسَأَلَ الْخَصْمُ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي نِسَاءٍ لِتُخْرِجُوهَا فَقَالُوا: لَا نَدْرِي، هَلْ نَعْرِفُهَا الْيَوْمَ أَمْ لَا؟ وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهَا، أَوْ قَالُوا لَا نَتَكَلَّفُ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا بُدَّ أَنْ تُخْرِجُوا عَيْنَهَا، فَإِنْ أَثْبَتُوا أَنَّهَا بِنْتُ فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنْ لِفُلَانٍ إلَّا ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ حِينِ شَهِدُوا عَلَيْهَا إلَى الْيَوْمِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ، فَإِنْ قَالُوا أَشْهَدْتَنَا مُتَنَقِّبَةً وَكَذَلِكَ نَعْرِفُهَا وَلَا نَعْرِفُهَا بِغَيْرِ نِقَابٍ فَهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ تَقَلَّدُوا، فَإِنْ كَانُوا عُدُولًا وَعَيَّنُوهَا قُطِعَ بِشَهَادَتِهِمْ.
فَرْعٌ: قَالَ وَلَوْ أَقَرَّ الْمَطْلُوبُ بِالْحَقِّ كُلِّهِ وَادَّعَى أَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ مِنْهُ شَيْئًا، وَأَتَى بِشَاهِدَيْنِ فَشَهِدُوا أَنَّهُ أَشْهَدَنَا أَنَّهُ اقْتَضَى مِنْهُ شَيْئًا لَمْ يُسَمِّهِ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، وَقِيلَ لِلطَّالِبِ سَمِّ هَذَا الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْك أَنَّك تَقَاضَيْت، فَمَا سَمَّى مِنْ ذَلِكَ حَلَفَ عَلَيْهِ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ أَبَى
أَنْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ، قِيلَ لِلْمَطْلُوبِ أَتَعْرِفُ هَذَا الَّذِي شَهِدَ لَك بِهِ؟ فَإِنْ عَرَفَهُ سَمَّاهُ وَحَلَفَ عَلَيْهِ وَبَرِئَ، وَإِنْ تَجَاهَلَ بِهِ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ عَلَيْهِ، لَزِمَهُ غُرْمُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أُمْكِنَ مِنْ حَقِّهِ فَجَهِلَهُ أَوْ نَكَلَ عَنْهُ، وَأَمَّا ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغُ فَرَأَيَا الشَّهَادَةَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَاقِطَةً غَيْرَ تَامَّةٍ لِلْأُولَى وَلِلْأُخْرَى حَتَّى يُسَمِّيَا ذَلِكَ الشَّيْءَ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَبِهِ أَقُولُ، وَانْظُرْ مَا نَسَبَهُ إلَى ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَأَصْبَغَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَلَيْسَ مُرَادُهُ جَمِيعَ الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ لِلْأُولَى وَلِلْأُخْرَى، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ وَقَوْلُ مُطَرِّفٍ فِي ذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ وَالْمَسَائِلُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا أَوَّلَ الْبَابِ لَيْسَتْ مِنْ قَوْلِ مُطَرِّفٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ اُنْظُرْ هَا هُنَا حَيْثُ يَقُولُ: وَإِنْ تَجَاهَلَ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَزِمَهُ غُرْمُ جَمِيعِ الْحَقِّ لِمَا أَرَاهُ، إلَّا وَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَصْلِ الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا رحمه الله قَدْ قَالَ فِي الدَّارِ إنَّهَا تُوقَفُ فِي الدَّيْنِ، قَالَ مُطَرِّفٌ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ فِي الْمِيرَاثِ، وَيُوقَفُ الْمِيرَاثُ فَتَدَبَّرْهُ، يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى قَاعِدَةِ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقَالَ لِلطَّالِبِ: قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إلَيْك بَعْضُ حَقِّك، فَلَا سَبِيلَ لَك إلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى تُقِرَّ بِمَا وَصَلَ إلَيْك، وَتَحْلِفَ عَلَيْهِ وَتَسْتَحِقَّ الْبَاقِيَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحُوزُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْيَسِيرُ.
فَرْعٌ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ قِيلَ لِأَصْبَغَ: وَإِذَا قَالَ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ أَحَدُ عَبِيدِي حُرٌّ لَا نَدْرِي مَنْ أَرَادَ، وَقَالُوا سَمِعْنَاهُ يَقُولُ يَزِيدُ حُرٌّ وَلَهُ غُلَامَانِ يُسَمَّيَانِ بِيَزِيدَ وَلَا نَعْلَمُ أَيَّ يَزِيدَ أَرَادَ، فَشَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ جَحَدَ أَوْ أَقَرَّ، وَقِيلَ لَهُ اخْتَرْ أَيَّهُمَا شِئْت فَأَعْتِقْهُ، وَأَنَا لَا أَقُولُ بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْجُحُودِ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِعِتْقِهِمَا جَمِيعًا.
فَرْعٌ: وَلَوْ قَالَ الشُّهُودُ سَمَّاهُ بِاسْمِهِ فَأُنْسِينَاهُ وَهُوَ جَاحِدٌ أَوْ عَرَفْنَا أَيَّ يَزِيدَ أَرَادَ، ثُمَّ أُنْسِينَاهُ فَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ، وَيَحْلِفُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَ وَاحِدًا مِنْهُمَا.
فَرْعٌ: وَمِنْ ذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الضَّرَرِ إذَا لَمْ تَقْطَعْ الْبَيِّنَةُ بِحُدُوثِ الضَّرَرِ، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا رَأَيْنَا شَيْئًا يَدُلُّ عَلَى الْحُدُوثِ وَهُوَ ضَرَرٌ، حَلَفَ
الْقَائِلُ أَنَّهُ مُحْدَثٌ وَزَائِلٌ عَنْهُ الضَّرَرُ، إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ قَدِيمٌ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ فِيمَنْ شَهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيْعٍ وَلَمْ يَعْرِفْهَا الشُّهُودُ بِعَيْنِهَا، أَوْ عَرَفُوا الِاسْمَ وَالنَّسَبَ وَقَالُوا: إنْ كَانَتْ فُلَانَةُ بِنْتَ فُلَانٍ فَقَدْ أَشْهَدَتْنَا، فَإِنْ شَهِدَ غَيْرُهُمْ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ حَلَفَ رَبُّ الْحَقِّ عَلَى ذَلِكَ وَثَبَتَ حَقُّهُ، مِنْ الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ وَذَكَرَهَا ابْنُ رَاشِدٍ فِي الْمَذْهَبِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ لَوْ شَهِدَ الشُّهُودُ فِي الْحُرِّيَّةِ عَلَى الْعِلْمِ لَمْ تَجُزْ الشَّهَادَةُ وَلَوْ أَوْجَبَتْ حُكْمًا، وَلَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ إلَّا عَلَى الْبَتِّ، ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَتَّابٍ فِي آخِرِ مَسَائِلِ الْعِتْقِ، وَانْظُرْ لَوْ شَهِدَ أَنَّهَا تَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْحَرَائِرِ وَلَمْ يَشْهَدْ أَنَّهَا حُرَّةٌ، فَفِي الْأَوَّلِ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ، قَالَ بَيْنَ الشُّيُوخِ فِيهَا اخْتِلَافٌ، فَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ: الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ عَامِلَةٌ وَحُرِّيَّةُ الْمَرْأَةِ مَاضِيَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: الشَّهَادَةُ نَاقِصَةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ الْقَطَّانِ، قَالَ وَالْآبِقُ يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفَ الْأَحْرَارِ.
فَرْعٌ: وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْهُ سِلْعَةً، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَشَهِدَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعْرَفْ الثَّمَنُ، فَالشَّهَادَةُ تَامَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ: قَدْ ثَبَتَ الْبَيْعُ فَبِكَمْ بِعْتهَا؟ فَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا وَاعْتَرَفَ بِهِ الْمُبْتَاعُ أَدَّاهُ، وَإِنْ ادَّعَى دُونَهُ تَحَالَفَا وَرُدَّتْ، وَإِنْ تَمَادَى الْبَائِعُ عَلَى إنْكَارِ الْبَيْعِ سُئِلَ الْمُبْتَاعُ عَنْ الثَّمَنِ، فَإِنْ سَمَّى مَا يُشْبِهُ حَلَفَ وَدَفَعَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.