الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزِّيِّ وَغَيْرِ الْحَسَنِ الِاسْمِ أَوْ الْكُنْيَةِ. وَمِنْهُ: شَهَادَةُ الصَّيْرَفِيِّ وَفِيهَا خِلَافٌ. وَمِنْهُ: شَهَادَةُ مُكَارِي الْحَمِيرِ وَفِيهَا أَيْضًا خِلَافٌ، ذَكَرَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ابْنُ الْفَرَسِ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مِنْ قَوْلِنَا. وَمِنْهُ: شَهَادَةُ الْبَخِيلِ إلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي شَهَادَةِ الْأَغْلَفِ، فَانْظُرْ هَلْ مُرَادُهُ بِالْخِلَافِ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ خَارِجَهُ، لَكِنْ جَرَتْ عَادَتُهُ إذَا كَانَ الْخِلَافُ خَارِجَ الْمَذْهَبِ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ. وَمِنْهُ: حَلْقُ الشَّارِبِ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ مِنْ ابْنِ رَاشِدٍ.
وَمِنْهُ: مَنْ سَأَلَ الْأَمِيرَ أَنْ يَقْصُرَ عَقْدَ الْوَثَائِقِ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يَكْتُبَهَا إلَّا هُوَ، فَأَجَابَهُ الْأَمِيرُ إلَى ذَلِكَ فَهُوَ جُرْحَةٌ، وَتَسْقُطُ شَهَادَتُهُ وَلَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ إنْ كَانَ إمَامًا مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ.
وَمِنْهُ: كَوْنُ الْإِنْسَانِ إذَا جَلَسَ فِي مَحْفِلٍ مَدَّ رِجْلَيْهِ بَيْنَهُمْ، قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَهَذَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي صُوَرٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى فَاعِلِ ذَلِكَ فِي الْجَمَاعَةِ الْحَاضِرِينَ وَمَقَادِيرِهِمْ وَمِقْدَارِهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي اجْتَمَعُوا لِأَجْلِهِ وَعَدَمِ الْعُذْرِ فِي ذَلِكَ.
[الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ مَوَانِعِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ مَا يَمْنَعُ عَلَى جِهَةٍ]
ٍ، وَهُوَ رَدُّ الشَّهَادَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَدَالَةِ وَلَهُ سَبْعَةُ أَسْبَابٍ: السَّبَبُ الْأَوَّلُ: التَّغَفُّلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا التَّغْفِيلَ فِي صِفَاتِ الشَّاهِدِ، وَأَنَّهُ اُشْتُرِطَ فِي الْمُشَاهَدِ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرِزًا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ التَّحَيُّلُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَدْ يَكُونُ الْخَيِّرُ الْفَاضِلُ ضَعِيفًا لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْغَفْلَةُ وَأَنْ يُلَبَّسَ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ قَبُولُ شَهَادَتِهِ. السَّبَبُ الثَّانِي: أَنْ يَجُرَّ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعَ عَنْهَا مَضَرَّةً، مِثَالُ الْجَرِّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى مُورَثِهِ الْمُحْصَنِ بِالزِّنَا أَوْ قَتْلِ الْعَمْدِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَقِيرًا، أَوْ كَمَنْ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ أَعْتَقَ عَبْدًا يُتَّهَمُ بِوَلَائِهِ، وَكَوَصِيٍّ شَهِدَ بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ، وَكَمُنْفَقٍ عَلَيْهِ شَهِدَ لِلْمُنْفِقِ وَفِي عَكْسِهِ قَوْلَانِ، وَمِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ رَجُلًا جَرَحَ مُورِثَهُ أَوْ يَشْهَدَ بِدَيْنٍ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَمَنْ يُتَّهَمُ عَلَيْهِ وَلَوْ شَهِدَ بِوَصِيَّةٍ فِيهَا شَيْءٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فَسَيَأْتِي حُكْمُ ذَلِكَ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ، وَمِثَالُ الدَّفْعِ أَنْ يَشْهَدَ بَعْضُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ الْقَتْلِ خَطَأً، وَكَشَهَادَةِ الْمِدْيَانِ الْمُعْسِرِ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَعَكْسُهُ؛ لِأَنَّهُ جَرَى لِنَفْسِهِ.
السَّبَبُ الثَّالِثُ: كَيَدِ الشَّفَقَةِ بِالنَّسَبِ أَوْ السَّبَبِ كَالْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَةِ وَإِنْ عَلَتْ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ الْجَدِّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَكَالْبُنُوَّةِ وَإِنْ سَفْلَتَ وَكَالزَّوْجِيَّةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ شَهِدَ الْأَبُ مَعَ ابْنِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ جَازَتْ عَلَى الْقَوْلِ الْمَعْمُولِ بِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ شَهَادَتُهُمَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَفِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَاهِدَيْنِ أَعْدَلُ.
مَسْأَلَةٌ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ وَلَدِ الْقَاضِي عَلَى حُكْمِ أَبِيهِ، وَمَنَعَ ابْنُ سَحْنُونٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ إجَازَةِ الْقَاضِي شَهَادَةَ ابْنِهِ وَابْنِ ابْنِهِ عَلَى رَجُلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الِابْنُ أَوْ ابْنُ الِابْنِ مُبَرِّزَيْنِ فِي الْعَدَالَةِ بَيِّنَيْ الْفَضْلِ لَا يُشَكُّ فِيهِمَا فَحِينَئِذٍ رَأَى أَنْ تَجُوزَ شَهَادَتُهُ عِنْدَهُ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: شَهَادَةُ الْأَبِ عِنْدَ ابْنِهِ أَوْ الِابْنِ عِنْدَ أَبِيهِ، وَشَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى شَهَادَةِ صَاحِبِهِ، وَشَهَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حُكْمِ صَاحِبِهِ، هَذِهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ الِاخْتِلَافُ فِيهَا كُلِّهَا سَوَاءٌ، قِيلَ إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْبَغَ.
مَسْأَلَةٌ: فَأَمَّا شَهَادَةُ الْأَخَوَيْنِ فِي حَقٍّ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِرَةٌ وَلَيْسَا كَالْأَبِ وَابْنِهِ.
تَنْبِيهٌ: وَقَدْ تَلْحَقُهُمَا التُّهْمَةُ فَلَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا، كَمَا لَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ أَنَّ هَذَا ابْنُ أَخِيهِمَا الْمَيِّتِ، وَالْمَشْهُودُ لَهُ ذُو شَرَفٍ، فَإِنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَيَثْبُتُ الْمَشْهُودُ لَهُ بِالْمَالِ إنْ ادَّعَاهُ، وَهَذَا مِنْ مَسَائِلِ الْإِقْرَارِ بِالْوَارِثِ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ إذَا كَانَ فِي عِيَالِهِ لِجَرِّهِ إلَيْهِ، وَجَرِّهِ إلَيْهِ جَرٌّ لِنَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِهِ وَكَانَ مُبَرِّزًا فِي حَالِهِ، جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ، فِي الْأَمْوَالِ وَالتَّعْدِيلِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يُعَدِّلُهُ؛ لِأَنَّ شَرَفَ أَخِيهِ شَرَفٌ لَهُ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ فِي عِيَالِ الشَّاهِدِ فَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ هَا هُنَا، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجُوزَ شَهَادَتُهُ لَهُ بِمَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِذَلِكَ نَفَقَتَهُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ النَّفَقَةِ عَلَى أَخِيهِ وَالصِّلَةَ لَهُ مَعَرَّةٌ فَيُتَّهَمُ بِهَذَا، وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَجْنَبِيًّا وَهُوَ فِي عِيَالِ الشَّاهِدِ فَشَهَادَتُهُ لَهُ جَائِزَةٌ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِمَا فِيهِ مَنْزِلَةٌ أَوْ بِمَا يَدْفَعُ عَنْهُ بِهِ عَارًا.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ فِي الْفِرْيَةِ وَالنِّكَاحِ إلَى مَنْ يَتَشَرَّفُ بِالنِّكَاحِ إلَيْهِ، وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ فِي الدَّيْنِ إذَا
كَانَ الشَّاهِدُ مُبَرِّزًا فِي الْعَدَالَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي عِيَالِ الْمَشْهُودِ لَهُ، وَفِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِابْنِ الْفَرَسِ.
وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا تَجُوزُ عَلَى شَرْطٍ. وَاخْتُلِفَ فِي الشَّرْطِ مَا هُوَ، فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا، وَقِيلَ تَجُوزُ إذَا لَمْ تَنَلْهُ صِلَتُهُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ تَجُوزُ فِي الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَرِّزًا فَتَجُوزُ فِي الْكَثِيرِ.
وَفِي الْمَذْهَبِ وَفِي شَهَادَتِهِ لَهُ بِمَالٍ أَرْبَعَةٌ، ثَالِثُهَا إنْ كَانَ مُبَرِّزًا جَازَتْ، وَرَابِعُهَا تَجُوزُ فِي الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ.
مَسْأَلَةٌ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الْمَذْهَبِ فِي شَهَادَةِ الرَّجُلِ لِابْنِ امْرَأَتِهِ وَلِأَبِيهَا، وَلِامْرَأَةِ أَبِيهِ، وَالْمَرْأَةِ لِابْنِ زَوْجِهَا، وَفِي شَهَادَةِ الرَّجُلِ لِزَوْجَةِ ابْنِهِ، وَلِزَوْجِ ابْنَتِهِ فَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَجَازَهُ سَحْنُونٌ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ لِابْنِ أَخِيهِ وَلِعَمِّهِ وَلِابْنِ عَمِّهِ جَائِزَةٌ بِالْمَالِ، وَلَمْ يُجِزْهَا ابْنُ كِنَانَةَ إلَّا فِي الْيَسِيرِ.
تَنْبِيهٌ: كُلُّ مَوْضِعٍ تُمْنَعُ فِيهِ شَهَادَةُ الْأَخِ لِأَخِيهِ فَلَا يَجُوزُ تَعْدِيلُهُ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ، وَلَا تَجْرِيحُهُ لِمَنْ جَرَّحَ مِنْ شَهِدَ لَهُ، وَلَا يُجَرِّحُ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِمَا يُؤَدِّي إلَى عُقُوبَتِهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْأَبِ لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، وَفِي شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ عَلَى الْآخَرِ، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ وَالصَّوَابُ: الْإِجَازَةُ مَا لَمْ يَكُنْ مَيْلٌ لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ تُهْمَةٌ.
مَسْأَلَةٌ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الِابْنِ وَالْأَبِ وَالزَّوْجَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ، عَلَى أَنَّهُ وَكَّلَ فُلَانًا لَا أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَهُ.
السَّبَبُ الرَّابِعُ الْعَدَاوَةُ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ وَتُقْبَلُ لَهُ، وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ الْعَدَاوَةُ فِي أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ مَنْصِبٍ أَوْ خِصَامٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، بِخِلَافِ الدِّينِيَّةِ إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى إفْرَاطِ الْأَذَى مِنْ الْفَاسِقِ الْمُعَادِي لِفِسْقِهِ لِمَنْ غَصَبَ عَلَيْهِ وَهَجْرِهِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا أَوْرَثَ الشَّحْنَاءَ.
مَسْأَلَةٌ: وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ وَكَانَ يَذْكُرُهَا ثُمَّ عَادَاهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَاحْتِيجَ إلَى الْقِيَامِ بِهَا، قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَقَبُولُهَا هُنَا أَخَفُّ إذَا كَانَتْ قَدْ قُيِّدَتْ، قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى ابْنِ عَدُوِّهِ بِمَالٍ أَوْ بِمَا لَا يَلْحَقُ الْأَبَ فِيهِ مَعَرَّةٌ، فَأَجَازَهَا مُحَمَّدٌ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا وَالِابْنُ فِي وِلَايَتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي وِلَايَتِهِ.
وَقَالَ أَيْضًا: لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا، يُرِيدُ وَإِنْ كَانَ الِابْنُ رَشِيدًا؛ لِأَنَّ فِيهِ إدْخَالُ الْغَمِّ عَلَى أَبِيهِ، وَحُكْمُ الْأُمِّ وَالْجَدِّ حُكْمُ الْأَبِ اُنْظُرْ ابْنَ يُونُسَ. فَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِمَالٍ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ جَازَتْ وَإِنْ شَهِدَ عَلَى الْأَبِ لَمْ تَجُزْ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَدْ صَارَ لِلْوَلَدِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ عَدُوًّا لِأَبِيهِ وَشَهِدَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَاخْتُلِفَ أَيْضًا إذَا شَهِدَ عَلَى صَبِيٍّ فِي وِلَايَةِ عَدُوِّهِ، فَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ، وَمَنَعَهَا مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا كَانَ رَجُلَانِ مُتَهَاجِرَيْنِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ اصْطَلَحَا فَقَالَ مُحَمَّدٌ تَجُوزُ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ كَانَا يُحْدِثَانِ الصُّلْحَ لَمْ تَجُزْ وَإِنْ طَالَ وَصَحَّ صُلْحُهُمَا جَازَتْ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: إذَا كَانَتْ الْهِجْرَةُ خَفِيفَةً عَنْ أَمْرٍ خَفِيفٍ جَازَتْ وَهَذَا يَحْسُنُ فِي الْمُبَرِّزِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: إنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُكَلِّمْهُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ.
وَفِي ابْنِ يُونُسَ قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى صَبِيٍّ بِجُرْحٍ وَهُمَا عَدُوَّانِ لِوَصِيِّهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ فِي مَالِهِ فَكَأَنَّهُمَا عَلَى الْوَصِيِّ شَهِدَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا عَلَى مَيِّتٍ بِمَالٍ وَهُمَا عَدُوَّانِ لِوَصِيِّهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يُخْرِجَانِ مَا بِيَدِهِ.
السَّبَبُ الْخَامِسُ: الْحِرْصُ عَلَى زَوَالِ التَّغْيِيرِ وَذَلِكَ يَكُونُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: إظْهَارُ الْبَرَاءَةِ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِفِسْقِهِ، ثُمَّ يَشْهَدُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ أَنْ صَارَ عَدْلًا فَتُرَدُّ لِاتِّهَامِهِ عَلَى دَفْعِ عَارِ التَّكْذِيبِ، وَكَذَلِكَ إذْ رُدَّتْ لِكُفْرِهِ أَوْ صِبَاهُ أَوْ رِقِّهِ.
الثَّانِي: قَصْدُ التَّسَلِّي وَالتَّأَسِّي، كَشَهَادَةِ الْمَقْذُوفِ فِي الْقَذْفِ، وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا اتِّفَاقًا، وَكَشَهَادَةِ مَنْ حُدَّ فِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقِيلَ تُقْبَلُ.
السَّبَبُ السَّادِسُ: الْحِرْصُ عَلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَدَائِهَا أَوْ قَبُولِهَا أَمَّا التَّحَمُّلُ فَهِيَ شَهَادَةُ الْمُخْتَفِي، وَقَدْ ذَكَرْتهَا فِي بَابِ شَهَادَةِ الِاسْتِغْفَالِ، وَأَمَّا الْحِرْصُ عَلَى الْأَدَاءِ فَمِثْلُ أَنْ يَبْدَأَ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ طَلَبِ صَاحِبِهَا وَهُوَ حَاضِرٌ وَالْحَقُّ مَالِيٌّ، فَإِذَا أَدَّاهَا سَقَطَتْ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ صَاحِبُهَا بِهَا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ عَالَمٍ بِهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ هَذَا وَلَوْ كَانَ غَائِبًا، فَفِي وُجُوبِ الْقِيَامِ بِهَا قَوْلَانِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَتْ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُسْتَدَامُ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَبَيْنَ مَا لَا يُسْتَدَامُ.
وَأَمَّا الْحِرْصُ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِ إذَا أَدَّاهَا وَذَلِكَ قَادِحٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ دَلِيلٌ عَلَى التَّعَصُّبِ وَشِدَّةِ الْحِرْصِ عَلَى نُفُوذِهَا، قَالَ بَعْضُهُمْ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ مِنْ جُمْلَةِ الْعَوَامّ فَإِنَّهُمْ يَتَسَامَحُونَ فِي ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْذَرُوا مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّعَصُّبِ وَكَذَلِكَ لَوْ خَاصَمَ الشَّاهِدُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى التَّعَصُّبِ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِافْتِقَارِهِ إلَى مَنْ يَشْهَدُ لَهُ بِصِحَّةِ مَا خَاصَمَ فِيهِ، هَذَا إذَا كَانَ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ هُوَ الْقَائِمَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ.
السَّبَبُ السَّابِعُ: الِاسْتِبْعَادُ لِصِحَّةِ وُقُوعِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ تَأَوَّلَهُ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّهَادَةُ فِي الْحُقُوقِ وَالْأَمْوَالِ، وَلَمْ يُرِدْ الشَّهَادَةَ فِي الدِّمَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِمَّا تُطْلَبُ بِهِ الْخَلَوَاتُ. فَلِذَلِكَ قُلْنَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْبَدْوِيِّ عَلَى الْحَضَرِيِّ وَلَا شَهَادَتُهُ لَهُ فِي الْحُقُوقِ الَّتِي يُمْكِنُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا فِي الْحَضَرِ دُونَ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ.
وَقَالَ اللَّخْمِيُّ: تَجُوزُ فِي الْقَذْفِ وَالْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ وَفِي الْمَالِ وَالنِّكَاحِ، إذَا قَالَ: مَرَرْت بِهِمَا، أَوْ كُنْت جَالِسًا فَسَمِعْتُهُ يُقِرُّ لَهُ بِكَذَا، أَوْ بَاعَ مِنْهُ كَذَا، أَوْ تَنَازَعَا فِي النِّكَاحِ فَأَقَرَّ بِالْعَقْدِ، وَلَا تَجُوزُ فِي الْوَثَائِقِ وَالصَّدَقَاتِ وَلَا فِيمَا يُقْصَدُ فِيهِ الِاهْتِمَامُ بِالشَّهَادَةِ، إلَّا أَنْ يَعْلَمَ مُخَالَطَتَهُ لَهُمَا أَوْ يَجْمَعَهُمْ سَفَرٌ.