الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالتَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ فِي تَرْكِهِ أَهْلَ الْحَضَرِ وَيَشْهَدُ الْعَرَبُ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ السُّؤَالِ فِي الْمَالِ الْكَثِيرِ، وَاَلَّذِي يُكْثِرُ مَسْأَلَةَ النَّاسِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِذَلِكَ، لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا لِلتُّهْمَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ أَهْلُ الْإِقْلَالِ وَالْحَاجَةِ فِي الْمَالِ، فَلْيَكْشِفْ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ، وَعَمَّا شَهِدُوا بِهِ عِنْدَ مَنْ يُظَنُّ عِنْدَهُ عِلْمًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَعْجَلُ بِالْحُكْمِ وَلْيَتَثَبَّتْ وَيَحْتَاطُ، وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَشَهَادَةُ الرَّجُلِ لِجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَشَهَادَةُ الْكَذَّابِ وَالنَّمَّامِ وَاَلَّذِي يَطْعَنُ عَلَى النَّاسِ، وَتَسْقُطُ بِالْخِيَانَةِ وَالرِّشْوَةِ وَبِالْعَصَبِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يَبْغَضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي فُلَانٍ أَوْ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا، وَبِتَلْقِينِ الْخَصْمِ الْخُصُومَةَ، فَقِيهًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَبِمُدَاوَمَةِ الْأَكْلِ عِنْدَ الْعُمَّالِ، وَبِإِتْيَانِهِ مَجْلِسَ الْقَاضِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ أَنْ يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ الْقَاضِي، وَبِسُكْنَى دَارٍ يُعْلَمُ أَنَّ أَصْلَهَا مَغْصُوبٌ، وَبِأَنْ يُسَاكِنَ وَلَدَهُ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مِمَّنْ يَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَسْمَعُ الْغِنَاءَ، وَاسْتِيعَابُ هَذَا فِي بَابِ الشَّهَادَاتِ.
[فَصْلٌ فِي أَيْمَانِ التُّهَمِ]
قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ فِي وَثَائِقِهِ الْكُبْرَى: الْأَيْمَانُ الَّتِي فِيهَا التُّهَمُ وَالظُّنُونُ لَا تَجِبُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، حَتَّى يُثْبِتَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ تَلْحَقُهُ مِثْلُ هَذِهِ التُّهْمَةِ، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّ الْيَمِينِ.
مَسْأَلَةٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي تَعَدٍّ يَنْسُبُهُ أَحَدُهُمَا إلَى صَاحِبِهِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ لَا تَجِبُ فِي هَذَا بِالْخُلْطَةِ، وَإِنَّمَا تَجِبُ فِي مِثْلِ هَذَا، إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالتَّعَدِّي مِمَّنْ يُتَّهَمُ بِذَلِكَ، وَيُنْسَبُ إلَيْهِ وَيَكُونُ مَعْرُوفًا بِهِ، زَادَ ابْنُ لُبَابَةَ سَوَاءٌ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ وَالتَّعَدِّي، أَوْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا أَنَّهُ ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ.
فَرْعٌ فَلَوْ احْتَجَّ الْمُدَّعِي وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّنْ تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ، بِأَنْ قَالَ: قَدْ أَنْكَرَ صَدَاقَ ابْنَتِي وَأَثْبَتَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ زَلَّتُهُ غَيْرَ هَذَا فَلَيْسَتْ بِزَلَّةٍ يَبْلُغُ بِهَا الرِّيَبَ الَّتِي تُلْزِمُهُ الْيَمِينَ بِالتُّهْمَةِ قَالَهُ ابْنُ لُبَابَةَ: فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي لَا يَعْرِفُهُ، فَإِنَّهُ يَكْشِفُ عَنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَمْرُهُ عِنْدَهُ.
مَسْأَلَةٌ اُخْتُلِفَ هَلْ تَجِبُ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى، أَوْ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ تَحْقِيقِ الدَّعْوَى وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْيَمِينَ تَجِبُ بِمُجَرَّدِ التُّهْمَةِ، وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ الدَّعْوَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُرِيدُ بَعْدَ إثْبَاتِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ تَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ فِيمَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ.
وَفِي الطُّرَرِ لِأَبِي إبْرَاهِيمَ الْأَعْرَجِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنْ لَا يَمِينَ فِي الشَّكِّ، يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّعْوَى مُحَقَّقَةً، اُنْظُرْهَا فِي مَسْأَلَةِ رَدِّ الدِّرْهَمِ الزَّائِفِ.
مَسْأَلَةٌ الْأَيْمَانُ فِي التُّهْمَةِ لَا تُرَدُّ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَحْقِيقَ فِيهَا وَلَا قَطْعَ، بَلْ هِيَ ظَنٌّ، فَإِذَا تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ مِنْ الْيَمِينِ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ؛ لِأَنَّهُ حَابِسٌ نَفْسَهُ.
وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكِتَابِ، وَذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عِمْرَانَ أَنَّ أَيْمَانَ التُّهَمِ فِي رَدِّهَا اخْتِلَافٌ وَاَلَّذِي فِي الرِّوَايَةِ يُحْتَمَلُ، وَالصَّوَابُ أَنْ لَا تُرَدَّ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ، كَمَا إذَا قَامَ الصَّغِيرُ شَاهِدًا بِذِكْرِ حَقٍّ لِأَبِيهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ إذَا كَبِرَ.
تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ دَعْوَى مَنْصُوصَةٍ قَطَعَ الْمُدَّعِي بِأَخْذِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِذَلِكَ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي، مَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا مِنْ يَمِينِ تُهْمَةٍ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ شَدَّدَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِمَا يَرَاهُ مِنْ الْحَبْسِ أَوْ غَيْرِهِ.
تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: إذَا لَمْ يُحَقِّقْ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا اتَّهَمَهُ بِخِيَانَةٍ وَشَبَهِهَا وَلَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهِ، فَلَا تَجِبُ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُتَّهَمَ فِي دِينِهِ بِاسْتِحْلَالِ مَا لَا يَحِلُّ.
تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ وَغَيْرُهُ وَالْمُسْلِمُونَ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالْعَدَاءِ مَحْمُولُونَ عَلَى الْعَافِيَةِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهَا.
مَسْأَلَةٌ الْمُتَبَايِعَانِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَعَلَى الْمَلَاءِ حَتَّى يَثْبُتَ الْفَقْرُ، وَعَلَى الْحُرِّيَّةِ حَتَّى يَثْبُتَ الرِّقُّ، وَعَلَى الْإِسْلَامِ حَتَّى يَثْبُتَ الْكُفْرُ، وَعَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى تَثْبُتَ الْجُرْحَةُ وَقِيلَ عَكْسُهُ، وَالْغَالِبُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَيَاةِ حَتَّى يَثْبُتَ الْمَوْتُ، قَالَهُ ابْنُ سَهْلٍ. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الِاخْتِلَافِ
الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ، هَلْ الْمُسْلِمُونَ مَحْمُولُونَ عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهَا؟ أَوْ عَلَى الْجُرْحَةِ حَتَّى تَثْبُتَ الْعَدَالَةُ؟ تَنْبِيهٌ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ وَالْمُتَنَاكِحِينَ، فَالنَّاسُ مَحْمُولُونَ عَلَى الصِّحَّةِ وَجَوَازِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ عَلَى الشُّهُودِ الْبَحْثُ هَلْ هُمَا فِي وِلَايَةٍ أَمْ لَا؟ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ.
تَنْبِيهٌ وَالنَّاسُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَحْرَارٌ، فَلَا تَحْتَاجُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ إرَادَةِ النِّكَاحِ أَنْ تُثْبِتَ أَنَّهَا حُرَّةٌ، وَعِنْدَ أَشْهَبَ وَغَيْرِهِ النَّاسُ حُرٌّ وَعَبْدٌ، فَيُحْتَاجُ لِإِثْبَاتِ ذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ النَّاسُ فِيمَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِمْ مَحْمُولُونَ عَلَى الْجَهْلِ، حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِمْ عِلْمُهُمْ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78] . فَجَهْلُ الْإِنْسَانِ سَابِقٌ لِعِلْمِهِ.
تَنْبِيهٌ النَّاسُ مَحْمُولُونَ عَلَى السَّفَهِ حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُمْ الرُّشْدُ قَالَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ.
تَنْبِيهٌ النَّاسُ مَحْمُولُونَ عَلَى الْعَدَمِ حَتَّى يَثْبُتَ الْمَلَاءُ وَالْغِنَى، ذَكَرَهُ ابْنُ الْهِنْدِيِّ قَالَ: وَالْعَمَلُ عِنْدَ الْحُكَّامِ عَلَى أَنَّ مُدَّعِي الْعَدَمِ عَلَيْهِ الْإِثْبَاتُ لِعَدَمِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
مَسْأَلَةٌ إنْ شَرَطَ لِزَوْجَتِهِ أَنْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، ثُمَّ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَسَرَّى سِرًّا فَأَنْكَرَ فَطَلَبَتْ يَمِينَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ حَلَفَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا تَلْحَقُهُ تُهْمَةٌ وَلَا ظِنَّةٌ، وَيَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ مِمَّنْ لَا يَسْتَسْهِلُ ذَلِكَ فِي دِينِهِ وَلَا يَسْتَحِلُّهُ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ الْيَمِينُ بَعْدَ أَنْ يُعْذَرَ إلَى الْمَرْأَةِ فِيمَنْ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ، فَإِنْ ادَّعَتْ مِدْفَعًا أُجِّلَا فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ اجْتِهَادِهِ، فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِشَيْءٍ عَجَّزَهَا وَأَنْفَذَ ذَلِكَ عَلَيْهَا.
مَسْأَلَةٌ وَفِي وَثَائِقِ ابْنِ الْعَطَّارِ، وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ سُئِلَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: عَنْ رَجُلَيْنِ ابْتَاعَا طَعَامًا فَحَمَلَ الْحَمَّالُونَ إلَيْهِمَا الطَّعَامَ، فَوَجَدَ أَحَدُهُمَا طَعَامَهُ يَنْقُصُ غَرَائِرَ، فَذَهَبَ إلَى الَّذِي كَانَ يَحْمِلُ إلَيْهِ الطَّعَامَ فَقَالَ لَهُ: اُنْظُرْ لَعَلَّهُ حُمِلَ إلَيْك مِنْ طَعَامِي شَيْءٌ، فَكَالَ طَعَامَهُ فَوَجَدَ فِيهِ زِيَادَةً فَرَدَّهَا، فَأَرَادَ الَّذِي ذَهَبَ طَعَامُهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ عَلَى بَاقِي مَا نَقَصَهُ مِنْ غَرَائِرَ، فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ نَكَلَ حَقَّ عَلَيْهِ الْحَقُّ.
مَسْأَلَةٌ فَإِذَا أَبْرَأَ الرَّجُلُ بَعْضَ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ وَقَامَ سَائِرُ الْوَرَثَةِ يُرِيدُونَ تَحْلِيفَ الْمُبْرَأِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْ عِنْدَهُ شَيْئًا، فَلَا يَمِينَ لَهُمْ عَلَيْهِ، وَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّ الْمُتَوَفَّى أَفَادَ مَالًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَخَلَفَهُ عِنْدَهُ، فَلَهُمْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي ذَلِكَ، وَلِلْمُبْرَأِ رَدُّهَا عَلَيْهِمْ.
مَسْأَلَةٌ وَفِي الْمُقْنِعِ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ وَمَرْوِيُّ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي شَرِيكَيْنِ فِي زَرْعٍ اشْتَغَلَ أَحَدُهُمَا أَوْ مَرِضَ فَحَصَدَ الْآخَرُ وَأَنْفَقَ، فَلَمَّا صَحَّ شَرِيكُهُ قَالَ لَهُ الْمُتَوَلِّي: هَذَا الَّذِي خَرَجَ مِنْ الزَّرْعِ وَقَدْ أَنْفَقْت كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ لَهُ احْلِفْ لِي أَنَّهُ مَا خَرَجَ مِنْ الزَّرْعِ إلَّا هَذَا، وَأَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَا قُلْت، فَقَالَ إنَّمَا أَحْلِفُ أَنَّهُ الَّذِي دَفَعَ إلَيَّ وُكَلَائِي، فَقَالَ يَحْلِفُ مَا دَفَعَ إلَيْهِ الْقَوْمُ إلَّا ذَلِكَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَيَحْلِفُ عَلَى عِلْمِهِ إذَا كَانَ عَنْهُ غَائِبًا، وَلَوْ كَانَ حَاضِرًا مَا حَلَفَ إلَّا عَلَى عِلْمِهِ، لَعَلَّهُ ذَهَبَ مِنْهُ مَا لَا يَعْلَمُهُ.
مَسْأَلَةٌ وَفِي الْمُقْنِعِ أَيْضًا فِي الْمُودَعِ يَدَّعِي ضَيَاعَ الْوَدِيعَةِ، فَإِنْ كَذَّبَهُ رَبُّهَا وَقَالَ أَكَلْتهَا، فَالْمُودِعُ مُصَدَّقٌ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ فَيَحْلِفُ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ هَا هُنَا عَلَى رَبِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَحْقِيقَ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا هُوَ ظَنٌّ.
تَنْبِيهٌ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَيْمَانَ التُّهَمِ لَا تُرَدُّ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِتُهْمَةٍ وَغَيْرِهَا، مِثْلَ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ فَتْحَ تَابُوتَه وَأَخَذَ مِنْهُ وَثَائِقَ وَأَنَّهُ اسْتَعَارَ مِنْهُ ثَوْبًا وَأَسْلَفَهُ دَنَانِيرَ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَأَلْزَمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ، فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فِي الثَّوْبِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، وَلَا يَرُدُّهَا عَلَيْهِ فِي فَتْحِ التَّابُوتِ، اُنْظُرْ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي رَسْمِ دَعْوَى وَتُهْمَةٍ.
مَسْأَلَةٌ وَفِي مَسَائِلِ ابْنِ زَرْبٍ كَانَ ابْنُ زَرْبٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إذَا قَامَ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ بِدَعْوَى بِتُهْمَةٍ فِيهَا فَوَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهَا، وَلَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ مِمَّنْ تَأْخُذُهُ الْيَمِينُ عَلَى التُّهْمَةِ، حَتَّى يَحْلِفَ الْمُدَّعِي لَقَدْ ضَاعَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ عَلَى الْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إذَا قَالَ لِلْمُدَّعِي لَمْ يَضِعْ الشَّيْءُ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ تُحْرِجَنِي بِالْيَمِينِ، وَبِهَذَا كَانَ يَحْكُمُ وَكَانَ يُغْرِبُ بِهَا، وَيَقُولُ إنَّهَا مِنْ دَقِيقِ الْمَسَائِلِ.
مَسْأَلَةٌ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ يَمِينُ التُّهْمَةِ لَا تُرَدُّ، فَإِنْ أَبَى الْمُتَّهَمُ وَنَكَلَ عَنْهَا حُبِسَ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ مِنْ مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى.
وَفِي رِسَالَةِ الْقَضَاءِ مِمَّا نَقَلَهُ مِنْ كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ رَأَى لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ إنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ غَرِمَ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ.
فَرْعٌ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْغَرِيمِ يُرِيدُ سَفَرًا فَيَتَعَلَّقُ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ، وَيَقُولُ إنَّك تُرِيدُ سَفَرًا وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَحِلَّ أَجَلُ دَيْنِي وَأَنْت غَائِبٌ، وَلَكِنْ اعْطِنِي حَمِيلًا إنْ غِبْت عَنِّي يَقُومُ لِي بِحَقِّي، فَقَالَ يَنْظُرُ فِي ذَلِكَ السُّلْطَانُ، فَإِنْ رَأَى أَنَّ الْأَجَلَ يَحِلُّ قَبْلَ أَنْ يَنْقَضِيَ سَفَرُهُ، لِبُعْدِ الْمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ حَمِيلًا، وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ حَمِيلٌ، وَأَحْلَفَ بِاَللَّهِ مَا يُرِيدُ إلَّا سَفَرَ مَا يَخْرُجُ النَّاسُ إلَيْهِ مِنْ التِّجَارَةِ، وَطَلَبِ التِّجَارَةِ، وَطَلَبِ الْحَوَائِجِ الْقَرِيبَةِ مِمَّا يَأْتِي فِي مِثْلِهِ وَيَجْلِبُهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَمِينَهُ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِيهَا فِي اخْتِصَارِ الْمُدَوَّنَةِ يُرِيدُ وَيَحْلِفُ.
فَرْعٌ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ يُرِيدُ سَفَرًا، فَتَقُومُ عَلَيْهِ زَوْجَتُهُ تَطْلُبُهُ أَنْ يُقِيمَ لَهَا حَمِيلًا بِنَفَقَتِهَا، فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَنْظُرُ إلَى سَفَرِهِ الَّذِي يُرِيدُ، فَيَفْرِضُ لِزَوْجَتِهِ قَدْرَ ذَلِكَ فَيَدْفَعُهُ إلَيْهَا، أَوْ يَأْتِيهَا بِحَمِيلٍ يُجْرِيه عَلَيْهَا، وَمَعْنَاهُ بَعْدَ يَمِينِهِ إنْ زَعَمَتْ أَنَّهُ يُرِيدُ سَفَرًا إلَى مَا هُوَ أَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَالْيَمِينُ فِي هَذَا يَمِينُ تُهْمَةٍ، فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ هَلْ تَلْحَقُهُ أَمْ لَا؟ فَرْعٌ وَكَذَلِكَ حَمِيلُ الْوَجْهِ، إذَا اشْتَرَطَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ضَمَانِ الْمَالِ، فَإِنَّمَا عَلَيْهِ إحْضَارُهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَرِيمِهِ، فَإِنْ غَابَ الْغَرِيمُ أُجِّلَ الْحَمِيلُ فِي طَلَبِهِ آجَالًا كَثِيرَةً، قَالَ مَالِكٌ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرَ طَلَبِهِ، فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ وَعَجَزَ عَنْ إحْضَارِهِ بَرِئَ، وَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا قَصَّرَ فِي طَلَبِهِ وَلَا دَلَّسَ وَلَا يَعْرِفُ لَهُ مُسْتَقَرًّا، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ.
فَرْعٌ وَكَذَلِكَ إذَا خِيفَ غَرَقُ الْمَرْكَبِ وَطَرْحُ مَالِ التِّجَارَةِ وُزِّعَ الْمَطْرُوحُ عَلَى مَالِ التِّجَارَةِ الْمَطْرُوحِ وَالسَّالِمِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْمَطْرُوحِ مَتَاعُهُ فِي قِيمَتِهِ، فَإِنْ اُتُّهِمَ حَلَفَ.
فَرْعٌ وَإِذَا قَامَ عَلَى الرَّجُلِ غُرَمَاؤُهُ فَأَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ السِّلْعَةَ وَدِيعَةٌ عِنْدِي لِفُلَانٍ، وَالْمُقَرُّ لَهُ حَاضِرٌ يَدَّعِيهَا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ وَيَأْخُذُهَا؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُتَّهَمُ أَنَّهُ يُحَابِيه بِإِقْرَارِهِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَلَيْسَتْ يَمِينُهُ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ هَذَا مُقِرٌّ وَلَيْسَ بِشَاهِدٍ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ وَالْيَمِينُ لِلتُّهْمَةِ.
تَنْبِيهٌ وَفِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: أَنَّ يَمِينَ التُّهْمَةِ يَحْلِفُ فِيهَا فِي الْقَطْعِ الْحَقِّ، ذَكَرَهُ فِي تَرْجَمَةِ دَعْوَى وَيَمِينِ تُهْمَةٍ فِي الْمُدَّعِي، وَذَكَرَهَا أَيْضًا فِي الْجُزْءِ الْأَوَّلِ، فِي بَابِ الْمَقَالَاتِ وَالشَّهَادَاتِ، أَنَّ الْمُتَّهَمَ إذَا طَالَ حَبْسُهُ وَدَامَ عَلَى إنْكَارِهِ، أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي مَقْطَعِ الْحَقِّ أَنَّهُ مَا أَخَذَ شَيْئًا.
فَرْعٌ وَمَنْ اُدْعِي عَلَيْهِ بِغَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ، لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا فَيَحْلِفَ، فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالسِّيَاسَةِ.
فَرْعٌ وَفِي التَّنْبِيهَاتِ لِلْقَاضِي عِيَاضٌ: أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى السِّمْسَارِ فِي دَعْوَى ضَيَاعِ الْمَتَاعِ وَلَا فِيمَا حَدَثَ فِيهِ فِي يَدَيْهِ مِنْ عَيْبٍ، وَيَحْلِفُ أَنْ اُتُّهِمَ.
فَرْعٌ وَإِذَا ادَّعَى الْأَبُ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي صَدَاقِ ابْنَتِهِ، أَنَّهُ قَبَضَ نَقْدَ ابْنَتِهِ مِنْ الزَّوْجِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ شَيْئًا، وَأَنَّهُ أَشْهَدَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، فَعَلَى الزَّوْجِ الْيَمِينُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا، وَالْأَبُ لَا يُظَنُّ بِهِ دَعْوَى الْبَاطِلِ، وَبَسَطَهَا فِي بَابِ الْقَضَاءِ بِالْأَيْمَانِ فِي الدَّعْوَى.
فَرْعٌ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَسْأَلَ الْوَلِيَّ فِيمَا صَرَفَ النَّقْدَ فِيهِ مِنْ الْجِهَازِ وَعَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يُفَسِّرَ ذَلِكَ، وَيَحْلِفَ عَلَيْهِ إنْ اتَّهَمَهُ.
فَرْعٌ وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ رَدَّ جَارِيَةً بِعَيْبٍ عَلَى بَائِعِهَا مِنْهُ، فَأَرَادَ الْبَائِعُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا مُنْذُ رَأَى الْعَيْبَ بِهَا، فَقَالَ
لَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ نَحْوَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ عِيسَى: إنْ كَانَ مُتَّهَمًا حَلَفَ وَإِلَّا فَلَا.
فَرْعٌ وَمِنْهَا قَالَ بَعْضُ الْمُوَثَّقِينَ: إذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ سُقُوطَ الْيَمِينِ فِي بَيْعِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ فَلَهُ شَرْطُهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُتَّهَمُ لَمْ يَنْفَعْهُ الشَّرْطُ وَحَلَفَ.
فَرْعٌ إذَا كَانَ الْإِيدَاعُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ فَادَّعَى الْمُودَعُ الرَّدَّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَيَحْلِفُ مَأْمُونًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَأْمُونٍ، وَهُوَ خِلَافُ دَعْوَى التَّلَفِ وَلَهُ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى رَبِّهَا، فَإِنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ حَلَفَ وَغَرِمَ الْمُودِعُ عِنْدَهُ، وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ عَبْدِ الْحَقِّ وَاللَّخْمِيِّ وَهُوَ خِلَافُ مَا وَقَعَ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ مِنْ مُخْتَصَرِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ، أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَذْهَبُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَقَوْلُ مَالِكٍ: أَنَّ مَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي التَّلَفِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إذَا أُخِذَ فِيهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَلَا يَحْلِفُ إلَّا أَنْ يُتَّهَمَ، وَإِذَا ادَّعَى الْمُودَعُ عِنْدَهُ تَلَفَ الْوَدِيعَةِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَسَوَاءٌ أَخَذَهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَاخْتُلِفَ فِي يَمِينِهِ فَقِيلَ: إنْ كَانَ مُتَّهَمًا حَلَفَ. لَقَدْ تَلْفِت مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَلَا تَضْيِيعٍ وَلَا تَدْلِيسٍ وَيَبْرَأُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ قَالَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ.
وَقَالَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْوَكَالَاتِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ، فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا يَشْتَرِي لَهُ سِلْعَةً وَيَنْقُدُ عَنْهُ، وَقِيلَ لَا يَمِينَ عَلَيْهِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ وَهُوَ أَمِينُهُ.
وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ يَحْلِفُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُتَّهَمُ، وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: أَنَّهُ يَحْلِفُ مُتَّهَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، وَرَأَى النَّاسَ قَدْ اسْتَحَقُّوا التُّهَمَ وَتَغَيَّرَ حَالُهُمْ، فَجَعَلَ الْيَمِينَ حِمَايَةً إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ رَجُلٌ بِالصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةَ.