الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الْخَامِسَ عَشَرَ فِي الْقَضَاءِ بِقَوْلِ امْرَأَتَيْنِ بِانْفِرَادِهِمَا]
وَذَلِكَ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ كَالْوِلَادَةِ وَالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ وَالْحَيْضِ، وَالْحَمْلِ وَالسَّقْطِ وَالِاسْتِهْلَالِ وَالرَّضَاعِ، وَإِرْخَاءِ السُّتُورِ وَعُيُوبِ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ وَفِي كُلِّ مَا تَحْتَ ثِيَابِهِنَّ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا لَا يَحْضُرُهَا الرِّجَالُ وَلَا يَطَّلِعُونَ عَلَيْهَا، أُقِيمَ فِيهَا النِّسَاءُ مَقَامَ الرِّجَالِ لِلضَّرُورَةِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي التَّنْبِيهِ لِابْنِ الْمُنَاصِفِ وَالشَّهَادَةُ فِي الْوَلَدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: عَلَى نَفْسِ الْوِلَادَةِ، وَعَلَى الِاسْتِهْلَالِ، وَعَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ فَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى الْوِلَادَةِ فَجَائِزَةٌ مَعَ حُضُورِ الْوَلَدِ يَشْهَدَانِ أَنَّ هَذِهِ وَلَدَتْهُ فَيُحْكَمُ بِذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَلَدُ مَوْجُودًا، فَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَجُوزُ لَهُنَّ الشَّهَادَةُ فِيهِ، وَمَنَعَهُ سَحْنُونٌ؛ لِأَنَّ جَوَازَ شَهَادَتِهِنَّ لِلضَّرُورَةِ، وَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْوِلَادَةِ. وَأَمَّا وُجُودُ الْمَوْلُودِ فَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِنَّ فَلَمْ يُقْبَلْ فِي ذَلِكَ، وَفَرَّقَ اللَّخْمِيُّ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُنَّ بِقُرْبِ الْوِلَادَةِ فَلَا تَجُوزُ إذَا عَدِمَ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى إظْهَارِهِ حِينَئِذٍ، وَلَوْ كَانَ مَقْبُورًا، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ بَعْدَ طُولِ الْأَمَدِ، وَقَدْ اُحْتِيجَ إلَى إقَامَتِهَا الْآنَ؛ لِأَجْلِ قُدُومِ مَنْ أَنْكَرَ الْوِلَادَةَ، أَوْ جُحُودِ شَهَادَتِهِنَّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ، فَشَهَادَتُهُنَّ حِينَئِذٍ جَائِزَةٌ لِلضَّرُورَةِ.
فَرْعٌ: وَلَوْ وَلَدَتْهُ ثُمَّ مَاتَتْ هِيَ وَالْوَلَدُ، فَشَهِدَتْ امْرَأَتَانِ أَنَّ الْأُمَّ مَاتَتْ قَبْلَهُ، فَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ: أَنَّ الْأَبَ يَحْلِفُ أَوْ وَرَثَتُهُ عَلَى ذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّونَ مَا يَرِثُ عَنْ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ. وَأُمًّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ فَجَائِزَةٌ أَيْضًا، إذَا كَانَ الْبَدَنُ مَوْجُودًا كَمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَسْتَهِلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ. وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَتِهِنَّ عَلَى الِاسْتِهْلَالِ مَعَ غَيْبَةِ الْجَسَدِ، فَأَجَازَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنَعَهَا سَحْنُونٌ كَمَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الِاتِّفَاقُ مِنْ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الْوِلَادَةِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الِاسْتِهْلَالِ فَشَهَادَتُهُنَّ أَيْضًا جَائِزَةٌ، وَإِنْ عُدِمَ الْبَدَنُ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى وُجُودِهِ مُغْنٍ عَنْ حُضُورِهِ.
فَرْعٌ: وَإِذَا شَهِدَتَا بِأَنَّ فُلَانَةَ زَوْجَةُ فُلَانٍ وَلَدَتْ وَلَدًا وَاسْتَهَلَّ صَارِخًا، فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ إخْرَاجُهُ لِلرِّجَالِ حَتَّى يَسْمَعُوا اسْتِهْلَالَهُ فَلَمْ يُخْرِجُوهُ حَتَّى مَاتَ، فَيُخْتَلَفُ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ مَاتَ إثْرَ سَمَاعِهِمَا لِاسْتِهْلَالِهِ، فَلَا يُخْتَلَفُ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا. وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ فَلَا يُحْكَمُ فِي ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ شَهَادَتِهِنَّ مَعَ غَيْبَةِ الْجَسَدِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، فَإِنَّهُ قَالَ يَحْلِفُ الطَّالِبُ مَعَ شَهَادَتِهِنَّ وَيَسْتَحِقُّ فَأَقَامَهُمَا مَقَامَ رَجُلٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ ذَكَرًا مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ وَهِيَ شَهَادَةٌ فِي غَيْرِ مَالٍ، وَيَسْتَحِقُّ بِهَا الْمَالَ، فَأَجْرَاهَا مَجْرَى الشَّهَادَةِ فِي الْأَمْوَالِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تَجُوزُ بِوَجْهٍ جَرْيًا عَلَى أَصْلِهِ فِي مَنْعِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِنْ كَانَ يَئُولُ إلَى الْمَالِ، وَقِيلَ إنْ فَاتَ بِالدَّفْنِ وَطَالَ مُكْثُهُ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ فَيَنْظُرُ، فَإِنْ كَانَ فَضْلُ ذَلِكَ الْمَالِ يَرْجِعُ إلَى بَيْتِ الْمَالِ أَوْ الْعَشِيرَةِ الْبَعِيدَةِ فَتَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ لَمْ يَجُزْ، قَالَهُ أَصَبْغُ وَضَعَّفَهُ مُحَمَّدٌ.
وَقَالَ ذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ حَقَّ بَيْتِ الْمَالِ كَحَقِّ أَقْرَبِ الْوَرَثَةِ.
وَأَمَّا شَهَادَتُهُنَّ عَلَى عُيُوبِ الْفَرْجِ، فَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ نَوْعَانِ حَرَائِرُ وَإِمَاءٌ. فَأَمَّا الْحُرَّةُ يَدَّعِي الزَّوْجُ بِهَا عَيْبًا يُوجِبُ الرَّدَّ فَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا، وَهِيَ مُصَدَّقَةٌ، قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَقِيلَ: يَنْظُرُ إلَيْهَا النِّسَاءُ، حَكَاهُ سَحْنُونٌ، وَالْقَوْلُ: بِالنَّظَرِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تُتَّهَمُ فِي أَنْ تَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهَا، فَالشَّهَادَةُ عَلَى ذَلِكَ ضَرُورَةٌ؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنْ كَانَ عَيْبًا لَا يَتَحَقَّقُ الرِّجَالُ قَدْرَهُ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ النِّسَاءِ، يَنْظُرْنَ إلَيْهَا ثُمَّ لَا يَخْلُو ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَ بِبَعْثِ مَنْ يَكْشِفُ ذَلِكَ فَفِيهِ خِلَافٌ، قِيلَ: تُجْزِئُ فِيهِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْخَبَرِ وَإِيصَالِ الْعِلْمِ، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَهَذَا مَعَ حُضُورِ الْمَرْأَةِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ مَاتَتْ أَوْ غَابَتْ، فَلَا بُدَّ مِنْ امْرَأَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ رُفِعَ إلَيْهِ عَلَى مَعْنَى الشَّهَادَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَتَيْنِ، وَأَمَّا أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ فِي الْأَمْرِ الَّذِي يَعْلَمُهُ الرِّجَالُ: كَالْبَكَارَةِ، فَاخْتُلِفَ فِي إيجَابِ الْيَمِينِ مَعَ شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ فِي ذَلِكَ.