الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوُجُوهِ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّ النَّائِبَ لَا يُسَجِّلُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ وَيَشْهَدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ فِيمَا فِيهِ التَّنَازُعُ، وَلَهُ قَبُولُ مَنْ عُرِفَ مِنْهُمْ بِعَدَالَةٍ، وَتُعْقَدُ عِنْدَهُ الْمَقَالَاتُ ثُمَّ يُرْفَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ إلَى الْقَاضِي الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ وَيُخْبِرُهُ بِهِ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ لِيَثْبُتَ بِهِمَا عِنْدَ الْقَاضِي إخْبَارُهُ لَهُ، وَيَلْزَمُ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ أَنْ يُجِيزَ فِعْلَ نَائِبِهِ وَيُنَفِّذَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَيُسَجِّلَ بِهِ لِلْمَحْكُومِ لَهُ.
فَصْلٌ: نَائِبُ الْقَاضِي يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي، قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ إنْ كَانَ اسْتِنَابَةً بِمُقْتَضَى الْوِلَايَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ اسْتَنَابَ رَجُلًا مُعَيَّنًا بِإِذْنِ الْأَمِيرِ أَوْ الْخَلِيفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَزِلَ النَّائِبُ بِمَوْتِ الْقَاضِي، وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فِي النِّيَابَةِ إذْنًا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ رَجُلٍ، فَاخْتَارَ الْقَاضِي رَجُلًا فَفِي انْعِزَالِ هَذَا النَّائِبِ بِمَوْتِ الْقَاضِي نَظَرٌ. وَأَمَّا إذَا مَاتَ الْخَلِيفَةُ أَوْ الْأَمِيرُ فَلَا يَنْعَزِلُ مَنْ قَدَّمَاهُ لِلْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمَا نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ لَيْسَ لَهُمَا فِيهِ حَظٌّ، وَلَا يَعْزِلُهُ إلَّا الْخَلِيفَةُ الثَّانِي أَوْ الْأَمِيرُ الثَّانِي.
[الْفَصْلُ الثَّامِنُ فِي التَّحْكِيمِ]
فِي التَّحْكِيمِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ إذَا حَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا وَارْتَضَيَاهُ؛ لَأَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ فِي الْأَمْوَالِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَلَا يُقِيمُ الْمُحَكَّمُ حَدًّا، وَلَا يُلَاعِنُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَلَا يُحَكَّمُ فِي قِصَاصٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ، وَإِنَّمَا اُسْتُثْنِيَتْ هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ؛ لِاسْتِلْزَامِهَا إثْبَاتَ حُكْمٍ أَوْ نَفْيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَحَاكِمَيْنِ، وَمَنْ عَدَا هَذَيْنِ الْمُتَحَاكِمَيْنِ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ هَذَا الْمُحَكَّمِ، فَاللِّعَانُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فِي نَفْيِ نَسَبِهِ مِنْ أَبِيهِ، فَقَدْ يَنْفِيهِ هَذَا الْمُحَكَّمُ، وَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْحُكْمِ فِي هَذَا الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ النَّسَبُ وَالْوَلَاءُ يَسْرِي إلَى غَيْرِ الْمُحَكِّمَيْنِ، وَمَنْ يَسْرِي ذَلِكَ إلَيْهِ لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ الْمُحَكَّمِ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ فِيهِمَا حَقٌّ لِلَّهِ - تَعَالَى - إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَبْقَى الْمُطَلَّقَةُ الْبَائِنُ فِي الْعِصْمَةِ، وَلَا أَنْ يُرَدَّ الْعَتِيقُ إلَى الرِّقِّ، وَإِنْ رَضِيَ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - لَمْ يَجْعَلْ النَّظَرَ فِي هَذِهِ الْحُقُوقِ إلَى هَذَا الرَّجُلِ الْمُحَكَّمِ، وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَحْكُمُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فَلَوْ حَكَمَ فِيهَا بِغَيْرِ الْجَوْرِ نَفَذَ حُكْمُهُ وَيُنْهَى عَنْ الْعَوْدِ لِمِثْلِهِ، وَلَوْ أَقَامَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ أَوْ اقْتَصَّ أَوْ ضَرَبَ الْحَدَّ أُدِّبَ
وَزُجِرَ وَمَضَى مَا كَانَ صَوَابًا مِنْ حُكْمِهِ وَصَارَ الْمَحْدُودُ بِالْقَذْفِ مَحْدُودًا وَالتَّلَاعُنُ مَاضِيًا.
مَسْأَلَةٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُ الرِّضَا إلَى حِينِ نُفُوذِ الْحُكْمِ بَلْ لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَهُ ثُمَّ بَدَا لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ فَلْيَقْضِ بَيْنَهُمَا وَيَجُوزُ حُكْمُهُ.
وَقَالَ أَصْبَغُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ مَا لَمْ يَنْشَبَا فِي الْخُصُومَةِ عِنْدَهُ فَيَلْزَمُهُمَا التَّمَادِي فِيهَا، كَمَا لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا إذَا تَرَافَعَا الْخُصُومَةُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا أَوْ يَعْزِلَهُ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ مَا لَمْ يُفْصَلْ الْحُكْمُ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الرُّجُوعُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُقَاعِدَ صَاحِبَهُ لَوْ بَعْدَ مَا نَاشَبَهُ الْخُصُومَةَ وَحُكْمُهُ لَازِمٌ لَهُمَا.
مَسْأَلَةٌ: إذَا حَكَمَ الْمُحَكَّمُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ، وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَوْرًا بَيِّنًا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ اللَّخْمِيُّ: إنَّمَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ عَدْلًا مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ أَوْ عَامِّيًّا وَاسْتَرْشَدَ الْعُلَمَاءَ، فَإِنْ حَكَمَ، وَلَمْ يَسْتَرْشِدْ رُدَّ، وَإِنْ وَافَقَ قَوْلَ قَائِلٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَخَاطُرٌ مِنْهُمَا وَغَرَرٌ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَا يُحَكَّمُ إلَّا مَنْ يَصِحُّ أَنْ يُوَلَّى الْقَضَاءَ. قَالَ: وَإِذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ مَالِكِيًّا، وَلَمْ يَخْرُجْ بِاجْتِهَادِهِ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ لَزِمَ حُكْمُهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ إذَا كَانَ الْخِصَامُ بَيْنَ مَالِكِيَّيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يُحَكِّمَاهُ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَا شَافِعِيَّيْنِ أَوْ حَنَفِيَّيْنِ وَحَكَّمَاهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ حُكْمُهُ إنْ حَكَّمَ بَيْنَهُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا حَكَّمَ الْخَصْمَانِ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ مَسْخُوطًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ مُوَسْوِسًا أَوْ كَافِرًا أَوْ مَجْنُونًا فَإِنَّ أَحْكَامَ الْمَجْنُونِ وَالْمُوَسْوِسِ وَالْكَافِرِ لَا تَلْزَمُ بِلَا خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ عَدَاهُمْ، قَالَ أَصْبَغُ: وَرُبَّ غُلَامٍ لَمْ يَبْلُغْ لَهُ عِلْمٌ بِالْقَضَاءِ. قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَفِي الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْجَوَازُ فِي الْجَمِيعِ، وَالْمَنْعُ فِي الْجَمِيعِ، وَالْجَوَازُ إلَّا فِي الْمَسْخُوطِ وَالصَّبِيِّ.
مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا حَكَّمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ فَحَكَمَ لِنَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا جَازَ وَمَضَى مَا لَمْ يَكُنْ جَوْرًا بَيِّنًا، وَلَيْسَ تَحْكِيمُ الْخَصْمِ خَصِيمَهُ كَتَحْكِيمِ