الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عَنْ حُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ]
وَبَيَانِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا إجَابَةُ دَعْوَةِ الْحَاكِمِ، وَمَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْإِجَابَةُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [النور: 48] الْآيَةَ: دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مَنْ دُعِيَ إلَى حَاكِمٍ فَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ، وَيُجْرَحُ إنْ تَأَخَّرَ، وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ دُعِيَ إلَى حَاكِمٍ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُجِبْ فَهُوَ ظَالِمٌ لَا حَقَّ لَهُ» ) . انْتَهَى مِنْ مَعِينِ الْحُكَّامِ.
وَفِي الطُّرَرِ لِابْنِ عَاتٍ قَالَ الشَّعْبَانِيُّ: مَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ دَعْوَى فَدَعَاهُ إلَى الْقَاضِي فَامْتَنَعَ، خَتَمَ لَهُ خَاتَمًا مِنْ طِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَأْتِ بَعَثَ مَعَهُ بَعْضَ أَعْوَانِهِ لِيَدْعُوَهُ إلَيْهِ، فَإِنْ امْتَنَعَ وَتَوَارَى عَنْهُ سُئِلَ الْخَصْمُ عَنْ دَعْوَاهُ، فَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا مَعْلُومًا وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً مَرْضِيَّةً حُكِمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، إنْ كَانَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَالٌ ظَاهِرٌ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ، فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ يَبْعَثُ إلَيْهِ رَسُولًا ثِقَةً مَعَ شَاهِدَيْنِ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ ثَلَاثًا يَا فُلَانُ، الْقَاضِي فُلَانٌ يَدْعُوك لِتَحْضُرَ مَجْلِسَ الْحُكْمِ مَعَ خَصْمِك فُلَانٍ، وَإِلَّا نَصِّبْ لَك وَكِيلًا وَيَسْمَعُ مِنْ شُهُودِ الْمُدَّعِي وَيُمْضِي الْحُكُومَةَ عَلَيْك، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ وَثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا دَارُ سُكْنَاهُ، وَأَنَّهُ تَغَيَّبَ فِيهَا، وَأَنَّ الرَّسُولَ دَعَاهُ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِطَبْعِ الدَّارِ وَتَسْمِيرِهَا بَعْدَ أَنْ تُفَتَّشَ، فَإِنْ خَرَجَ أَخَذَ مِنْهُ الْحَقَّ وَعَاقَبَهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ وَتَغَيُّبِهِ. وَفِي الْمُقْنِعِ لِابْنِ بَطَّالٍ: إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي تَغَيُّبُ الْمَطْلُوبِ فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ مِنْ الْخُرُوجِ، فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْتَعِينَ بِالسُّلْطَانِ، وَيَبْعَثُ إلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ الْمَطْلُوبُ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً، مَنْ يُخْرِجُهُمَا مِنْهُ إلَى حَيْثُ يَنْتَصِفُ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يَدْفَعَا الْحَقَّ، وَهُمَا بِمَوْضِعِهِمَا فَيُؤْخَذُ مِنْهُمَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ امْتَنَعَ الْمَطْلُوبُ فِي مَوْضِعٍ، أَمَرَ السُّلْطَانُ بِتَثْقِيفِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إذَا لَمْ يُوصَلْ إلَيْهِ، وَضَيَّقَ عَلَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ، فَإِذَا خَرَجَ
أَخَذَ مِنْهُ الْحَقَّ وَعَاقَبَهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ، وَإِنْ طَالَ أَمْرُهُ وَأَضَرَّ ذَلِكَ بِصَاحِبِ الْحَقِّ، أَمَرَ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِ بِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُعَانِدُ السُّلْطَانِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَالِهِ إلَّا بِحَقٍّ، وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ الدُّخُولُ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ مُخْتَفٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، أَمَرَ السُّلْطَانُ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ بِعَزْلِ النِّسَاءِ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَيُفَتِّشُ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَطْمَعُ بِهِ فِيهِ، حَتَّى يُفَتِّشَ جَمِيعَ الْمَوَاضِعِ، فَإِنْ أَعْيَا السُّلْطَانَ أَمْرُهُ وَلَمْ يَجِدْهُ سَمِعَ مِنْ الطَّالِبِ وَمِنْ بَيِّنَتِهِ، وَقَضَى لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَلَمْ تُرْجَ لَهُ حَجَّةٌ عُقُوبَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ امْرَأَةً، أَمَرَ السُّلْطَانُ امْرَأَةً تَعْرِفُهَا بِالتَّفْتِيشِ عَلَيْهَا، فَإِنْ أَخْرَجَتْهَا عُرِضَتْ عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا، وَيَعْرِفُ عَيْنَهَا، وَيُثْبِتُ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا هِيَ الْمُقِرَّةُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ عَنْهَا وَقَضَى عَلَيْهَا.
وَفِي الطُّرَرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يَهْجُمَ عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنْ يُرْسِلَ الْقَاضِي عَدْلَيْنِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْخَدَمِ وَالنِّسْوَانِ وَمَعَهُمْ الْأَعْوَانُ، فَيَكُونُ الْأَعْوَانُ بِالْبَابِ وَحَوْلَ الدَّارِ، ثُمَّ يَدْخُلُ النِّسَاءُ ثُمَّ الْخَدَمُ، وَتُعْزَلُ حُرَمُ الْمَطْلُوبِ فَيُجْعَلُونَ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ تُفَتَّشُ الدَّارُ ثُمَّ يَدْخُلُ النِّسَاءُ إلَى مَنْزِلِ الْحُرَمِ فَيُفَتِّشْنَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ كُلُّهُ بَغْتَةً بِغَيْرِ إذْنِهِ، لِئَلَّا يَصِرْنَ النِّسَاءُ فِي الدَّارِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْخَدَمُ فِي إثْرِهِنَّ.
وَفِي مَعِينِ الْحُكَّامِ: قَالَ ابْنُ الْعَطَّارِ: فَإِنْ ثَبَتَ تَغَيُّبُ الْمَطْلُوبِ فِي دَارِهِ، شُدِّدَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُطْبَعَ بَابُ مَسْكَنِهِ وَيُخْرَجُ مَا فِيهِ مِنْ الْحَيَوَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَغَيْرِهِمْ، قَالَ: وَالطَّبْعُ خَيْرٌ مِنْ التَّسْمِيرِ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيرَ يُفْسِدُ الْبَابَ وَيَنْقُصُ ثَقْبُ الْمَسَامِيرِ وَلَا مَكَانَ أَنْ يُزَالَ التَّسْمِيرُ وَيُعَادَ وَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ: وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ: وَإِذَا رَأَى التَّسْمِيرَ وَلَمْ يَرَ أَنْ يُطْبَعَ عَلَى الْبَابِ فَلْيُثْبِتْ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهَا دَارُهُ، وَحِينَئِذٍ يَأْمُرُ بِتَسْمِيرِهَا، قَالُوا: وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَ قَوْلَ الرَّسُولِ فِي تَغَيُّبِ الْمَطْلُوبِ حَتَّى يَكْشِفَ وَيَسْأَلَ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ: إنْ تَغَيَّبَ عَنْ الْحُضُورِ مَعَ الطَّالِبِ عِنْدَ الْقَاضِي، فَمِنْ حَقِّ الطَّالِبِ السَّمَاعُ مِنْ بَيِّنَتِهِ وَالنَّظَرُ لَهُ، إذَا تَبَيَّنَ تَوَرُّكُ الْمَطْلُوبِ وَتَنَحِّيهِ، قَالَهُ ابْنُ لُبَابَةَ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ وَسَعِيدُ بْنُ مُعَاذٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ وَأَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى وَمُحَمَّدُ بْنُ وَلِيَدٍ.
فَرْعٌ: وَمِنْ أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ: قَالَ سَحْنُونٌ: مَنْ ادَّعَى دَارًا بِالْقَيْرَوَانِ وَاَلَّذِي هِيَ بِيَدِهِ غَائِبٌ بِتُونِسَ، كَتَبَ قَاضِي الْقَيْرَوَانِ إلَى قَاضِي تُونِسَ، أَنْ يُقَدِّمَ فُلَانًا يُخَاصِمُ، أَوْ يُوَكِّلَ مَنْ يُخَاصِمُ لَهُ، فَإِنْ أَبَى سَمِعَ مِنْ حُجَّةِ الْمُدَّعِي وَبَيِّنَتِهِ، فَإِنْ أَثْبَتَ الدَّعْوَى وَأَوْقَعَ الْبَيِّنَةَ كَشَفَ عَنْ الْبَيِّنَةِ، فَإِنْ زُكِّيَتْ حَكَمَ عَلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي مَعِينِ الْحُكَّامِ وَغَيْرِهِ: وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَطْلُوبَ أَلَدُّ بِالْمُدَّعِي، وَدَعَاهُ الطَّالِبُ إلَى الِارْتِفَاعِ إلَى الْقَاضِي فَأَبَى، فَيَكُونُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أُجْرَةُ الرَّسُولِ إلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَيُؤَدِّبُ الْقَاضِي كُلَّ مَنْ أَبَى أَنْ يَرْتَفِعَ إلَيْهِ، وَقَالَ مِثْلَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَطَّارِ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ ابْنُ الْفَخَّارِ: فِي الِانْتِقَادِ عَلَى ابْنِ الْعَطَّارِ، وَلَا نَعْلَمُ ذَنْبًا يُوجِبُ اسْتِبَاحَةَ الْمَالِ إلَّا الْكُفْرَ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ مَطْلُهُ يُوجِبُ اسْتِبَاحَةَ مَالِهِ، وَأَنْ تَكُونَ أُجْرَةُ الرَّسُولِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ ظَالِمٌ بِمَطْلِهِ وَتَبْطُلُ بِذَلِكَ شَهَادَتُهُ، وَيَسْتَحِقُّ اسْمَ الظُّلْمِ وَمَالُهُ مُحَرَّمٌ وَلَا يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعَطَّارِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ اسْتِبَاحَةِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا هُوَ أَدْخَلَ غَرِيمَهُ فِي غُرْمٍ وَعَرَّضَ بِإِتْلَافِ مَالِهِ، بِعَدَمِ انْقِيَادٍ إلَى الْحُكْمِ فَتَوَجَّهَ عَلَيْهِ غُرْمُ ذَلِكَ.
فَرْعٌ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ: إذَا لَمْ يَكُنْ لِلشُّرَطِ الْمُتَصَرِّفِينَ بَيْنَ أَيْدِي الْقُضَاةِ، رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، كَأَنْ جَعَلَ الْغُلَامَ الْمُتَصَرِّفَ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى الطَّالِبِ، إلَّا أَنْ يَلِدَّ الْمَطْلُوبُ وَيَخْتَفِيَ تَعْنِيتًا بِالْمُطَالَبِ، فَيَكُونُ الْجُعَلُ فِي إحْضَارِهِ عَلَيْهِ، وَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا تُخَالِفُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْفَخَّارِ.
مَسْأَلَةٌ: وَفِي أَحْكَامِ ابْنِ سَهْلٍ فِي الشَّرِيكَيْنِ: يَطْلُبُ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ وَيَتَغَيَّبُ الْآخَرُ، قَالَ ابْنُ لُبَابَةَ وَابْنُ وَلِيَدٍ وَابْنُ غَالِبٍ: إذَا تَوَرَّكَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ عَلَى الْحُضُورِ لِلْقِسْمَةِ، وَظَهَرَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي بِاتِّصَالِ تَوَرُّكِهِ، أَوْ بِطُولِ التَّرَدُّدِ فِي طَلَبِهِ لِلْحُضُورِ فَلَمْ يَحْضُرْ، أَمَرَ الْقَاضِي بِالْقَسْمِ عَلَيْهِ وَوَكَّلَ لَهُ مَنْ يَقْبِضَ نَصِيبَهُ، فَيَبْعَثُ الْقَاضِي قَاسِمًا يَرْضَاهُ، وَرَجُلَيْنِ يُقْبِلَانِ عَلَيْهِمَا، يُحْضِرَانِ الْقَسْمَ، وَوَكِيلًا يُوَكِّلُهُ لِلْغَائِبِ وَكَالَةً يَشْهَدُ لَهُ بِهَا، فَمَا حَصَلَ لِلْغَائِبِ قَبَضَهُ وَكِيلُهُ، وَكَانَ قَبْضُهُ لَهُ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَقَبْضِهِ لِنَفْسِهِ