الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ فُرْقَتُهُ فِي الظَّاهِرِ فُرْقَةً عَامَّةً، فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ دَخَلَ فِيهِ الشَّاهِدُ وَغَيْرُهُ انْتَهَى مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ قَامَ لَهُ شَاهِدَا زُورٍ أَنَّهُ نَكَحَ امْرَأَةً فَحَكَمَ الْقَاضِي بِهَا حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهَا زَوْجَةٌ لِفُلَانٍ، وَهِيَ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ زَوْجَةٌ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ لِهَذَا الَّذِي شُهِدَ لَهُ بِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ لَا تَحِلُّ لِلْمَالِكِيِّ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّمَسُّكُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ مَا حُكِمَ لَهُ بِهِ، فَهُوَ يُشْبِهُ مَا تَقَدَّمَ، وَلَيْسَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ فِي الصُّوَرِ الْأُوَلِ لَوْ عَلِمَ بَاطِنَ أَمْرِ الشُّهُودِ لَمْ يَحْكُمْ بِذَلِكَ بِخِلَافِ الشُّفْعَةِ، وَعَلَى مَا قَالُوهُ فِي الشُّفْعَةِ لَوْ غَصَبَ غَاصِبٌ شَيْئًا وَنَقَلَهُ عَنْ مَكَانِ الْغَصْبِ، وَكَانَ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ يَفُوتُ بِالنَّقْلِ أَمْ لَا فَقَضَى الْقَاضِي لِرَبِّهِ بِأَخْذِهِ، وَكَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَفُوتُ بِنَقْلِهِ، وَتَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ، فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ لَا يَكُونَ لِرَبِّهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِاسْتِسْعَاءِ مَنْ أُعْتِقَ بَعْضُهُ، وَكَانَ الْمُعْتَقُ مُعْسِرًا، فَإِنَّهُ يُنْقَضُ، وَيُرَدُّ الْعَبْدُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ لِلنَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ بِشَهَادَةِ النَّصْرَانِيِّ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ وقَوْله تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] . وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أَهْلِ الْعِرَاقِ فِي تَوْرِيثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَمِيرَاثِ الْمَوْلَى الْأَسْفَلِ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ مِنْ مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ.
[فَصْلٌ مَنْزِل حُبِسَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ فَبَاعَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ]
فَصْلٌ: وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ لِي مُطَرِّفٌ: فِي مَنْزِلٍ حُبِسَ عَلَى الْمَسَاكِينِ فَرُفِعَ إلَى قَاضٍ فَجَهِلَ وَبَاعَهُ وَفَرَّقَ ثَمَنَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَهُ، أَرَى أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ وَيُرَدَّ الْمَنْزِلُ حَبْسًا كَمَا كَانَ، وَيُدْفَعَ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي مِنْ غَلَّةِ الْحَبْسِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاضِي؛ لِأَنَّ خَطَأَ السُّلْطَانِ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى الِاجْتِهَادِ هَدَرٌ.
[فَصْلٌ فِي ذِكْرِ مَا لَا يُعْتَبَرُ فِي أَفْعَالِ الْقَاضِي إذَا عُزِلَ أَوْ مَاتَ]
َ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ سَحْنُونٌ قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ إذَا عُزِلَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ وَقَدْ شَهِدَ الشُّهُودُ عِنْدَ الْمَعْزُولِ أَوْ الْمَيِّتِ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ فِي دِيوَانِهِ ثُمَّ وُلِّيَ غَيْرُهُ فَهَلْ يَنْظُرُ هَذَا الَّذِي وُلِّيَ الْقَضَاءَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَيُجِيزُهُ، قَالَ: لَا يُجِيزُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَإِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يَجُزْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ الْقَاضِي الْمُسْتَجِدُّ أَنْ يُعِيدُوا شَهَادَتَهُمْ، فَإِنْ قَالَ الْقَاضِي
الْمَعْزُولُ: كُلُّ شَيْءٍ فِي دِيوَانِي قَدْ شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ عِنْدِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَلَا يَكُونُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ الْيَمِينُ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِاَللَّهِ مَا هَذِهِ الشَّهَادَةُ الَّتِي فِي دِيوَانِ الْقَاضِي مِمَّا شَهِدَ بِهِ عَلَى الشُّهُودِ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أُمْضِيَتْ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ وَحَلَفَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ مِمَّا شَهِدَ بِهِ عَلَيْك الشُّهُودُ، وَثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ، وَيَنْظُرُ فِيهَا الْقَاضِي عَلَى مَا كَانَ يَنْظُرُ فِيهَا الْقَاضِي الْمَعْزُولُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْمُقْنِعِ لِابْنِ بِطَالٍ.
مَسْأَلَةٌ: وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ عَلَى مَا حَكَمَ، وَلَا يَحْلِفُ الْمَحْكُومُ لَهُ مَعَ شَهَادَةِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْحَاكِمُ فِيهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْقَاضِي يَأْمُرُ بِبَيْعِ التَّرِكَةِ فَتُبَاعُ أَوْ يَقْضِي بِالْقَضِيَّةِ ثُمَّ يُعْزَلُ لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيمَا قَضَى بِهِ أَوْ أَمَرَ بِهِ لَا وَحْدَهُ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ حَتَّى يَشْهَدَ مَعَهُ رَجُلَانِ سِوَاهُ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ سَحْنُونٌ، وَلَوْ أَنَّ قَاضِيًا أَشْهَدَ عَلَى كُتُبٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ قَدْ قَامَتْ عِنْدَهُ بَيِّنَةٌ زُكِّيَتْ ثُمَّ مَاتَ الْقَاضِي وَالْكُتُبُ فِي يَدِهِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُنْفِذُهُ مَنْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَشْهَدْ أَنَّ الْأَوَّلَ نَفَّذَ الْقَضَاءَ بِهَا، وَهُوَ مَا لَمْ يُنَفِّذْ الْقَضَاءَ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ أَمْرٌ مِنْ الْأُمُورِ مِنْ " الْمُقْنِعِ ".
مَسْأَلَةٌ: إذَا قَالَ الْقَاضِي بَعْدَ الْعَزْلِ كُنْت قَضَيْت بِكَذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ مَعَ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَضَى بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِي حَالِ الْوِلَايَةِ قَوْلَانِ. وَلَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ قَضَى فَالْحُكْمُ ثَابِتٌ قَامَتْ فِي حَالِ الْوِلَايَةِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ.
تَنْبِيهٌ: إذَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَى حُكْمِهِ، وَإِنَّمَا عَلِمُوا أَنَّهُ حَكَمَ، وَلَمْ يُشْهِدْهُمْ فَشَهِدُوا بِذَلِكَ بَعْدَ عَزْلِهِ؛ لِكَوْنِ الشُّهُودِ الَّذِينَ أَشْهَدَهُمْ عَلَى حُكْمِهِ جُرِّحُوا فَالظَّاهِرُ أَنَّ شَهَادَتَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ، وَأَمَّا مَا اسْتَرْعَى عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ نَقَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ.
فَصْلٌ فِي الْكَشْفِ عَنْ الْقُضَاةِ.