الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا يَتَقَاضَاهُ صِحَّةُ ذَلِكَ الْحَقِّ مِنْ حُكْمِ غَيْرِ الْمَالِ، كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي نُجُومَهُ، وَالرَّجُلُ يَشْتَرِي أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقِيلَ بَلْ هُوَ شَاهِدٌ عَلَى وَقْتٍ، وَالْوَقْتُ لَيْسَ هُوَ بِمَالٍ، ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ يَئُولُ إلَى غَيْرِ الْمَالِ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ.
وَمِمَّا يُخْتَلَفُ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ فِيهِ جِرَاحُ الْعَمْدِ، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ. أَحَدُهُمَا: جَوَازُ شَهَادَتِهِنَّ فِيهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْجُرْحِ الَّذِي لَا قِصَاصَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ وَقِيلَ تَجُوزُ فِيمَا صَغُرَ مِنْ الْجِرَاحِ دُونَ مَا كَبُرَ، فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مِنْ جِرَاحِ الْعَمْدِ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ، إنَّمَا فِيهِ دِيَةُ ذَلِكَ الْجُرْحِ كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ، فَحُمِلَ مَا بَقِيَ مِنْ جِرَاحِ الْعَمْدِ عَلَى ذَلِكَ، وَحُمِلَ جَمِيعُ ذَلِكَ عَلَى بَابِ الْمَالِيَّاتِ. وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ الْأَبْدَانِ، فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا إلَّا شَاهِدَانِ وَهُوَ أَجْرَى عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، وَمِنْ ذَلِكَ النَّقْلُ عَمَّنْ شَهِدَ بِمَالٍ وَالْوَكَالَةُ بِطَلَبِ الْمَالِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى أَسْبَابِ التَّوَارُثِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا، وَكَذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْقَاسِمِ، وَالْمَنْعُ لِأَشْهَبَ، فَحَمَلَ ابْنُ الْقَاسِمِ شَهَادَةَ الْمَرْأَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عَلَى شَهَادَتِهِنَّ فِي الْأَمْوَالِ، وَمَنَعَ أَشْهَبُ اعْتِبَارًا بِأَعْيَانِهِنَّ لَا بِمَا تَئُولُ إلَيْهِ.
مَسْأَلَةٌ: لَوْ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ، وَكَذَلِكَ فَسْخُ الْعُقُودِ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَكُلُّ جُرْحٍ لَا يُوجِبُ إلَّا الْمَالَ كَمَا تَقَدَّمَ مِثَالُهُ، وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْمَالِ أَوْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ فَيَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَاَلَّذِي الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْ ذَلِكَ الْوَدِيعَةُ وَالْعَارِيَّةُ وَالرَّهْنُ وَالْقِرَاضُ وَالْغَصْبُ وَالْمُسَاقَاةُ وَالْمُغَارَسَةُ وَالصُّلْحُ وَالْكَفَالَةُ بِالْمَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
[فَصْلٌ الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ]
فَصْلٌ: وَأَمَّا الْقَضَاءُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَهُوَ أَمْرٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَقَضَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَنْكَرَهُ، وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قَالَ مَالِكٌ: يُقْضَى بِهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ، وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ
النَّاسُ حَيْثُ كَانُوا، وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى الْأَنْدَلُسِيُّ اللَّيْثِيُّ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْعَمَلَ بِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ اللَّيْثَ يَقُولُ بِهِ، وَيُحْكَى عَنْ قَاضِي الْجَمَاعَةِ ابْنِ بَشِيرٍ الْأَنْدَلُسِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى الَّذِي كُنْت أَعْرِفُهُ مِنْ وَالِدِي، أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ إلَى الْقَاضِي، إنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُوصَلُ إلَى الْإِكْثَارِ فِيهَا مِنْ الشُّهُودِ، وَكَانَ الْأَمْرُ مَشْهُورًا عِنْدَ النَّاسِ، أَوْ كَانَ كِتَابًا قَدِيمًا قَدْ مَاتَ شُهُودُهُ إلَّا وَاحِدًا مُبَرِّزًا، فَكَانَ يَرَى أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ.
وَقَالَ ابْنُ لُبَابَةَ: اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ، وَقُضَاتُنَا لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ، وَإِنِّي مُتَوَقِّفٌ عَنْ الِاخْتِيَارِ فِي ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ سَهْلٍ: وَمَنْ صَحَّ نَظَرُهُ فِي أَحْوَالِ النَّاسِ لَمْ تَطِبْ نَفْسُهُ أَنْ يَقْضِيَ إلَّا بِالشَّاهِدِ الْمُبَرِّزِ فِي الْعَدَالَةِ.
قَالَ الرُّعَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ وَيَحْكُمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فِي كُلِّ حَقٍّ يَدَّعِيهِ الرَّجُلُ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ مِنْ أَيِّ السِّلَعِ، كَانَ مِنْ دُورٍ أَوْ أَرْضِينَ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ ثِيَابٍ، أَوْ طَعَامٍ أَوْ كِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ، أَوْ مُعَاوَضَةٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ أَوْ مُقَارَضَةٍ، أَوْ جُعْلٍ أَوْ صِنَاعَةٍ أَوْ سَلَفٍ أَوْ وَدِيعَةٍ، أَوْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ، أَوْ تَعَدٍّ أَوْ هِبَةٍ لِلَّهِ - تَعَالَى - أَوْ لِلثَّوَابِ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ نِحْلَةٍ أَوْ عَطِيَّةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ، أَوْ حَبْسٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ إخْدَامٍ أَوْ صَدَاقٍ أَوْ صُلْحٍ مِنْ إقْرَارٍ، أَوْ إنْكَارٍ فِي عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ أَوْ جِرَاحَةٍ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ خِيَارٍ، أَوْ تَبَرٍ مِنْ عَيْبٍ وَرِضًى بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ تَبَرٍ، أَوْ وَكَالَةٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، مِمَّا يَكُونُ مَالًا أَوْ يَئُولُ إلَى مَالٍ، فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلًا، وَحَلَفَ مَعَهُ أَخَذَ مَا ادَّعَى، وَيَثْبُتُ فِي الْقَتْلِ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ إلَّا أَنَّهُ مَعَ الْقَسَامَةِ.
تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الرُّعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ فِي حَبْسٍ يُرِيدُ عَلَى مُعَيَّنِينَ، فَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِصَدَقَةٍ أَوْ حَبْسٍ عَلَى مُعَيَّنِينَ حَلَفُوا مَعَ شَاهِدِهِمْ، وَاسْتَحَقُّوهَا، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنِينَ، حَلَفَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ، قَالَ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ أَوْ الْحَبْسُ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، فَرَوَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يَحْلِفُ الْكُلُّ مَعَهُ وَيَنْفُذُ لِجَمِيعِهِمْ.
وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إنْ حَلَفَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ نُفِّذَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَصْحَابِهِ: أَنَّهُ لَا تَجُوزُ فِيهِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ إنَّمَا تَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَكُونُ فِي الْمُشَاتَمَةِ، مَا عَدَا الْحُدُودَ فِي الْفِرْيَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ
وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَكَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْوَكَالَةِ بِالْمَالِ، وَذَكَرَ ابْنُ رَاشِدٍ فِي قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ، وَكَذَلِكَ الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ وَالْوَصِيَّةُ بِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَ: وَمَنْشَأُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْوَكَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ، أَنَّ الشَّهَادَةَ بَاشَرَتْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَكِنَّهَا تَئُولُ إلَى الْمَالِ.
فَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالَ فَأَجَازَ فِيهَا الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ وَالرَّجُلَ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ وَهْبٍ، لَمَّا كَانَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ وَهْبٍ الْجَوَازَ شَهَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَشْهَبُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ؛ لِأَنَّهَا بَاشَرَتْ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ، وَإِنْ شَهِدَ عَلَى غَائِبٍ فِي وَكَالَةٍ شَاهِدٌ، فَرُوِيَ أَنَّهُ يَحْلِفُ الْوَكِيلُ وَتَثْبُتُ وَكَالَتُهُ، وَالْأَكْثَرُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ.
قَالَ ابْنُ دَحُونٍ يَلْزَمُ مَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ عَلَى الْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ، أَنْ يُجِيزَ شَاهِدًا وَيَمِينًا عَلَى الْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ؛ لِأَنَّهَا تَئُولُ إلَى الْمَالِ، وَزَادَ الْقَرَافِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْعُبَيْدِيِّ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ وَالْإِيصَاءِ وَالتَّرْشِيدِ، قَالَ: وَالْمَوَاضِعُ الْمُخْتَلِفَةُ فِيهَا خَمْسَةٌ: الْوَكَالَةُ بِالْمَالِ، وَالْوَصِيَّةُ بِهِ، وَالتَّجْرِيحُ وَالتَّعْدِيلُ، وَنِكَاحُ امْرَأَةٍ قَدْ مَاتَتْ، اُنْظُرْ الْقَوَاعِدَ فِي الْفَرْقِ الثَّامِنِ وَالثَّلَاثِينَ وَالْمِائَتَيْنِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ نِكَاحُ امْرَأَةٍ قَدْ مَاتَتْ، أَنَّهُ إذَا شَهِدَ عَلَى النِّكَاحِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَرْأَةِ شَاهِدٌ، أَوْ أَنَّ أَحَدَ الْوَارِثِينَ مَاتَ قَبْلَ الْآخَرِ، فَهَلْ يَحْلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ؟ وَيَثْبُتُ الْمِيرَاثُ أَوْ لَا. وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُوَرَّثُ مَعَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَأَشْهَبُ يَمْنَعُ؛ لِتَرَتُّبِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ عَلَى ذَلِكَ.
مَسْأَلَةٌ: وَتَجُوزُ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْوِرَاثَةِ، مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ عَلَى تَسْمِيَةِ وَرَثَةِ مَيِّتٍ، فَيَقُولُ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ: لَا أَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُمْ، وَيَقُولُ الْآخَرُ لَا أَدْرِي هَلْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُمْ، أَوْ لَا فَإِنَّ الْوَرَثَةَ يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَمَا لَهُ وَارِثٌ غَيْرُنَا، ثُمَّ يَسْتَحِقُّونَ الْمِيرَاثَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الرَّجُلِ يَهْلِكُ عَنْ مَالٍ وَوَلَدٍ فَيُثْبِتُ نَسَبُهُ مِنْ أَبِيهِ بِشَاهِدَيْنِ، فَيَسْأَلُهُ الْحَاكِمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى عِدَّةِ وَرَثَةِ أَبِيهِ، فَيَقُولُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَى، وَيَأْتِي عَلَى ذَلِكَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ يَشْهَدُ لَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ، وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ إلَّا بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ لَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ.
مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ الْوَلَاءُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَلَوْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى مَيِّتٍ أَنَّهُ مَوْلَاهُ، وَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ، فَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ: إنَّهُ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ. قَالَ أَشْهَبُ: لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ وَلَا الْوَلَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْوَلَاءُ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ الْمَالَ، فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ الْوَلَاءَ.
مَسْأَلَةٌ: لَوْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ فِي الْعَيْبِ الْخَفِيِّ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَرُدُّ الْعَبْدَ، قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ وَالْمَخْزُومِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ: لَا يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ مَعَهُ، فَكَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِهِ ذَلِكَ الْعَيْبُ يَوْمَ ابْتَاعَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ، قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ وَالصَّوَابُ مَا فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لِلْمُبْتَاعِ أَنْ يَصِلَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهَذَا الْعَيْبِ، إلَّا حِينَ قِيَامِهِ؛ لِيَنْدَفِعَ بِذَلِكَ مَا اعْتَلَّ بِهِ ابْنُ كِنَانَةَ، وَإِذَا قُلْنَا يَحْلِفُ الْمُبْتَاعُ مَعَ شَاهِدِهِ، فَلَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَهَلْ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتِّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَلَيْسَ بِالْبَيِّنِ أَوْ يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ قَالَهُ أَصَبْغُ اُنْظُرْ الْمُتَيْطِيَّةِ.
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مَالِكٌ رحمه الله: قَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ فِي الْمَالِ تُؤَدِّي إلَى الطَّلَاقِ، مِثْلَ أَنْ يُقِيمَ شَاهِدًا وَاحِدًا أَنَّهُ اشْتَرَى امْرَأَتَهُ مِنْ سَيِّدِهَا، فَيَحْلِفُ مَعَهُ وَيَسْتَحِقُّهَا وَيَكُونُ فِرَاقًا.
فَرْعٌ: وَقَدْ يَدْخُلُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي مَالٍ يُؤَدِّي إلَى الْعِتْقِ، مِثْلَ أَنْ يُقِيمَ الْمُكَاتَبُ شَاهِدًا عَلَى أَدَاءِ كِتَابَتِهِ، فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُ وَيَتِمُّ الْعِتْقُ، وَكَذَا لَوْ ثَبَتَ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ يَرُدُّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ الْعِتْقَ الَّذِي وَقَعَ بَعْدَ الدَّيْنِ.
فَرْعٌ: وَقَدْ يَدْخُلُ الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ فِي الْقَذْفِ، مِثْلَ أَنْ يَقْذِفَ رَجُلٌ رَجُلًا ظَاهِرَ الْحُرِّيَّةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَيَأْتِي مَنْ يَسْتَحِقُّ رَقَبَةَ الْمَقْذُوفِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَيُسْقِطُ الْحَدَّ عَنْ الْقَاذِفِ، أَوْ يَقْذِفُهُ مُكَاتَبًا، فَيَأْتِي الْمُكَاتَبُ بِشَاهِدٍ أَنَّهُ أَدَّى كِتَابَتَهُ فَيَحْلِفُ مَعَهُ فَيَجِبُ الْحَدُّ لِتَمَامِ الْعِتْقِ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ.
مَسْأَلَةٌ: حَيْثُ قُلْنَا: يَحْكُمُ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَهَلْ ذَلِكَ مَنْسُوبٌ إلَى الشَّاهِدِ فَقَطْ، وَالْيَمِينُ كَالِاسْتِظْهَارِ أَوْ الْيَمِينُ كَشَاهِدٍ ثَانٍ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ الْخِلَافِ إذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ هَلْ يَغْرَمُ الْحَقَّ كُلَّهُ أَوْ نِصْفَهُ.