الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الْبَابُ الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْقَضَاءِ بِالتَّحَالُفِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ]
وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَحَالَفَا وَيَقْسِمَ الْمُدَّعَى فِيهِ بَيْنَهُمَا، فَيَقْضِيَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِيَمِينِهِ، أَوْ يَحْكُمَ بِالْفَسْخِ بَيْنَهُمَا فَيَفْسَخَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَزِمَهُ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ بِيَمِينِهِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدْخُلُ فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ. مِنْهَا: اخْتِلَافُ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَاخْتِلَافُهُمَا يَرْجِعُ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَوْعًا يَقَعُ التَّحَالُفُ مِنْهُمَا فِي أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ «إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا» .
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي جِنْسِ الثَّمَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا دَنَانِيرُ وَيَقُولُ الْآخَرُ ثَوْبٌ، فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ إذْ لَيْسَ تَصْدِيقُ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَيَرُدُّ الْمُبْتَاعُ قِيمَةَ السِّلْعَةِ عِنْدَ الْفَوَاتِ.
وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالنَّقْدِ مَعَ يَمِينِهِ وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ هِيَ الْأَثْمَانُ وَبِهَا يَقَعُ الْبَيْعُ.
الثَّانِي: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي نَوْعِ الْمُثَمَّنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: هُوَ قَمْحٌ وَيَقُولُ الْآخَرُ هُوَ شَعِيرٌ، فَأَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا بِعِشْرِينَ وَيَقُولُ الْآخَرُ بِعَشَرَةٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ مَا لَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ، إذْ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِذَا تَرَجَّحَتْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي بِقَبْضِ السِّلْعَةِ فَفِيهَا أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ. أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُصَدَّقُ فِي الثَّمَنِ مَعَ يَمِينِهِ لِقُوَّةِ الْيَدِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ وَإِنْ قَبَضَهَا مَا لَمْ يَبْنِ بِهَا فَيُصَدَّقُ حِينَئِذٍ لِلْبَيْنُونَةِ، وَالرِّوَايَتَانِ لِابْنِ وَهْبٍ.
الثَّالِثَةُ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَإِنْ قَبَضَهَا وَبَانَ بِهَا مَا لَمْ تَفُتْ بِتَغَيُّرِ سُوقٍ أَوْ بَدَنٍ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَبِهَا آخُذُ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ، وَإِنْ فَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ بَدَلَ الْعَيْنِ وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ، وَبِهَا آخُذُ.
وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُنَا، وَأَنَا أُفْتِي بِهِ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْقِيمَةَ مَا لَمْ تَكُنْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ.
فَرْعٌ: وَحَيْثُ قُلْنَا يَتَحَالَفَانِ فَالْبُدَاءَةُ بِالْبَائِعِ، وَقِيلَ بِالْمُشْتَرِي، وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ تَنَاكَلَا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُفْسَخُ، كَمَا إذَا تَحَالَفَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يَمْضِي الْعَقْدُ بِمَا قَالَ الْبَائِعُ، وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَهَلْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يُلْزِمَ صَاحِبَهُ الْبَيْعَ بِمَا ذَكَرَ قَوْلًا، وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهَلْ يُفْتَقَرُ إلَى يَمِينٍ أَمْ لَا قَوْلَانِ.
فَرْعٌ: وَهَلْ يُفْسَخُ الْبَيْعُ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ أَوْ يُفْتَقَرُ إلَى الْحُكْمِ قَوْلَانِ.
الْأَوَّلُ: قَوْلُ سَحْنُونٍ.
الثَّانِي: لِابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ أَنْ يَرْضَى أَحَدُهُمَا بِقَوْلِ الْآخَرِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْقَرَوِيِّينَ إنْ تَحَالَفَا بِأَمْرِ الْقَاضِي فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ وَإِلَّا انْفَسَخَ بِتَمَامِ التَّحَالُفِ.
الرَّابِعُ: إذَا اخْتَلَفَا فِي تَعْجِيلِ الثَّمَنِ وَتَأْجِيلِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت بِنَقْدٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بِنَسِيئَةٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ ادَّعَى الْعُرْفَ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ السِّلْعَةِ عُرْفٌ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ.
وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْبَائِعِ فَهُوَ مُصَدَّقٌ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِنْ قَبَضَهَا الْمُبْتَاعُ صَدَقَ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ ادَّعَى مَا يُشْبِهُ، وَقِيلَ إنْ ادَّعَى الْمُبْتَاعُ أَجَلًا قَرِيبًا يَتَحَالَفَا وَيَتَفَاسَخَا إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي مَعَ الْفَوَاتِ، وَإِنْ ادَّعَى أَجَلًا بَعِيدًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ.
فَرْعٌ: وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُبْتَاعِ مَعَ الْفَوَاتِ، وَيَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً، وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَجَلِ وَاخْتَلَفَا فِي انْقِضَائِهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِانْقِضَاءِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مُدَّعِيهِ مَعَ يَمِينِهِ.
الْخَامِسُ: إذَا اخْتَلَفَا فِي الْخِيَارِ وَالْبَتِّ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الْبَتِّ مَعَ يَمِينِهِ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: قَوْلُ مُدَّعِي الْخِيَارِ، وَقِيلَ يَجْرِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ، فَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ دُونَ الْآخَرِ فَاخْتُلِفَ هَلْ يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ أَوْ يَتَحَالَفَانِ وَيَثْبُتُ الْبَيْعُ قَوْلَانِ لِابْنِ الْقَاسِمِ.
السَّادِسُ: اخْتِلَافُهُمَا فِي الرَّهْنِ وَالْحَمِيلِ وَذَلِكَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ يَزِيدُ مَعَ فَقْدِهِمَا وَيَنْقُصُ مَعَ وُجُودِهِمَا.
السَّابِعُ: إذَا اخْتَلَفَا فِي عَيْنِ الْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَخْتَلِفَا فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت مِنْك هَذَا الثَّوْبَ، وَقَالَ الْمُبْتَاعُ بَلْ هَذَا، تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِالرَّدِّ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَدَدْته عَلَيْك بَعْدَ التَّحَالُفِ وَالتَّفَاسُخِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُبْتَاعِ، فَلَا يَزَالُ فِي ضَمَانِهِ حَتَّى يُقِرَّ لَهُ الْبَائِعُ بِالْقَبْضِ لَوْ تَقُومُ لَهُ الْبَيِّنَةُ.
الثَّامِنُ: إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَثْمُون فِي بَيْعِ النَّقْدِ فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ.
التَّاسِعُ: إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمُسَلَّمِ فِيهِ فَحَكَى ابْنُ يُونُسَ عَنْ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ بِالْقُرْبِ مِنْ عَقْدِ السَّلَمِ تَحَالَفَا وَتَفَاسَخَا، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلِّمِ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ إنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ، وَإِنْ أَتَى بِمَا لَا يُشْبِهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلِّمِ فِيمَا يُشْبِهُ. قَالَ مُحَمَّدٌ: فَإِنْ أَتَيَا بِمَا لَا يُشْبِهُ حَمْلًا عَلَى الْوَسَطِ مِمَّا يُشْبِهُ مَنْ سَلَمِ النَّاسِ.
الْعَاشِرُ: إذَا اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ فَقَالَ رَبُّ السَّلَمِ سَمْرَاءُ، وَقَالَ الْمُسَلَّمُ إلَيْهِ مَحْمُولَةٌ، فَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ، وَقَالَ فَضْلُ بْنُ سَلَمَةَ: يَتَحَالَفَانِ وَيَتَفَاسَخَانِ.
الْحَادِيَ عَشَرَ: إذَا اخْتَلَفَا فِي مَوْضِعِ الْقَضَاءِ صُدِّقَ مُدَّعِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ، فَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ، فَإِنْ تَبَاعَدَ قَوْلُهُمَا وَأَتَيَا