الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّامِ بِمِائَةِ إرْدَبِّ شَعِيرٍ لِثَالِثٍ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْعَدَالَةِ سَوَاءٌ سَقَطَتْ الشَّهَادَاتُ كُلُّهَا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سَوَاءً، وَالْآخَرُ دُونَهُمَا سَقَطَتْ الشَّهَادَاتُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَيْنِ يُسْقِطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، وَهُمَا جَمِيعًا يُسْقِطَانِ الَّذِي دُونَهُمَا، وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا عَدَلَ الثَّلَاثَةَ حَلَفَ مَعَهُ الْمُدَّعِي، وَأَخَذَ ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ.
[الْبَابُ الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ]
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ لَهَا ثَلَاثُ مَرَاتِبَ.
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: تُفِيدُ الْعِلْمَ وَهِيَ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالتَّوَاتُرِ، كَالسَّمَاعِ بِأَنَّ مَكَّةَ مَوْجُودَةٌ وَمِصْرَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذِهِ إذَا حَصَلَتْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ بِالرُّؤْيَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُفِيدُ الْعِلْمَ.
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: شَهَادَةُ الِاسْتِفَاضَةِ: وَهِيَ تُفِيدُ ظَنَّا قَوِيًّا، يَقْرُبُ مِنْ الْقَطْعِ وَيَرْتَفِعُ عَنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ، مِثْلَ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ مِنْ أَوْثَقِ مَنْ أَخَذَ عَنْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه فَيَجُوزُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهَا.
وَمِنْهَا إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ رُؤْيَةً مُسْتَفِيضَةً، وَرَآهُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَشَاعَ أَمْرُهُ فِيهِمْ، لَزِمَ الصَّوْمُ أَوْ الْفِطْرُ مَنْ رَآهُ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَبَرِ الْمُسْتَفِيضِ، لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى شَهَادَةٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَلَا تَعْدِيلٍ، قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ الْخِلَافَ.
وَمِنْهَا اسْتِفَاضَةُ التَّعْدِيلِ وَالتَّجْرِيحِ وَمَا يَسْتَفِيضُ عِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنْ النَّاسِ مَنْ لَا يَحْتَاجُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ الْحَاكِمُ لِاشْتِهَارِ عَدَالَتِهِ. وَمِنْهُمْ: مَنْ لَا يَسْأَلُ عَنْهُ لِاشْتِهَارِ جُرْحَتِهِ، وَإِنَّمَا يَكْشِفُ عَمَّنْ أَشْكَلَ، وَقَدْ شَهِدَ ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ قَاضِي الْمَدِينَةِ أَوْ عَامِلِهَا، فَقَالَ: أَمَّا الِاسْمُ فَاسْمُ عَدْلٍ، وَلَكِنْ مَنْ يَعْرِفُ أَنَّك ابْنَ أَبِي حَازِمٍ؟ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ عَدَالَةَ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ
لَا تَجْتَرِحُ أَنْ يُسْأَلَ عَنْهَا، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ شَخْصَهُ لِشُهْرَتِهِ بِالْعَدَالَةِ، بَلْ سَأَلَ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَلَى عَيْنِ ابْنِ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ هُوَ.
وَمِنْ الْقَسَامَةِ بِالسَّمَاعِ بِالِاسْتِفَاضَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: مِثْلَ أَنْ يَعْدُو رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فِي سُوقٍ مِثْلِ سُوقِ الْأَحَدِ وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ كَثْرَةِ النَّاسِ، فَيَقْطَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ حَضَرَ عَلَيْهِ بِالشَّهَادَةِ، فَرَأَى مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ ذَلِكَ إذَا كَثُرَ هَكَذَا وَتَظَاهَرَ بِمَنْزِلَةِ اللَّوْثِ، تَكُونُ فِيهِ الْقَسَامَةُ. مِنْ مَعِينِ الْحُكَّامِ.
وَمِنْهَا: قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ: وَإِذَا بَلَغَ مِنْ شُهْرَةِ الْمُحَارِبِ بِاسْمِهِ مَا أَكَّدَ تَوَاتُرَهُ بِاسْمِهِ، فَأَتَى مَنْ يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا هَذَا، وَقَالُوا: لَمْ نُشَاهِدُ قَطْعَهُ الطَّرِيقَ إلَّا أَنَّا نَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ، وَقَدْ اسْتَفَاضَ عِنْدَنَا وَاشْتَهَرَ قَطْعُهُ لِلطَّرِيقِ، وَمَا شُهِرَ بِهِ مِنْ الْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ وَالْفَسَادِ، فَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَلَى الْعِيَانِ.
فَرْعٌ وَإِذَا كَانَ الَّذِينَ قَطَعَ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ غَيْرَ عُدُولٍ، أَوْ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ نَصَارَى، لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى اللُّصُوصِ، وَلَكِنْ إذَا اسْتَفَاضَ ذَلِكَ مِنْ الذِّكْرِ وَكَثْرَةِ الْقَوْلِ، أَدَّبَهُمْ الْإِمَامُ وَنَفَاهُمْ. مِنْ الْمُنْتَقَى.
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ: وَهِيَ الَّتِي يَقْصِدُ الْفُقَهَاءُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا، وَيَتَعَلَّقُ النَّظَرُ بِصِفَتِهَا وَشُرُوطِهَا وَمَحَلِّهَا.
فَأَمَّا صِفَتُهَا فَأَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا سَمَاعًا فَاشِيًّا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقُولُونَ: إنَّا لَمْ نَزَلْ نَسْمَعُ مِنْ الثِّقَاتِ.
وَقَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَقُولُونَ سَمَاعًا فَاشِيًّا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ تُفِيدُ ظَنًّا دُونَ شَهَادَةِ الِاسْتِفَاضَةِ، وَأُجِيزَتْ لِلضَّرُورَةِ.
وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ: وَتَفْسِيرُ شَهَادَةِ السَّمَاعِ: أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَوْ أَرْبَعَةٌ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ، أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ صَدَقَةٌ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، أَوْ أَنَّ فُلَانًا مَوْلَى فُلَانٍ، قَدْ تَوَاطَئُوا عَلَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَكَثُرَ سَمَاعُهُمْ لَهُ وَفَشَا حَتَّى لَا يَدْرُونَ وَلَا يَحْفَظُونَ مِمَّنْ سَمِعُوهُ، مِنْ كَثْرَةِ مَا سَمِعُوا بِهِ مِنْ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، وَلَا يَكُونُ السَّمَاعُ بِأَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا مِنْ أَقْوَامٍ بِأَعْيَانِهِمْ
يُسَمُّونَهُمْ أَوْ يَعْرِفُونَهُمْ، إذْ لَيْسَتْ حِينَئِذٍ شَهَادَةُ سَمَاعٍ، بَلْ هِيَ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ، فَتَخْرُجُ عَنْ حَدِّ شَهَادَةِ السَّمَاعِ.
وَأَمَّا شُرُوطُهَا فَسَبْعَةٌ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَا يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ حَائِزٍ، وَإِنَّمَا يُشْهَدُ بِهَا لِمَنْ كَانَ الشَّيْءُ بِيَدِهِ فَتُصَحَّحُ حِيَازَتُهُ. قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ حَائِزٌ دَارًا، فَيُثْبِتُ رَجُلٌ أَنَّهَا لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ، وَهَذَا الرَّجُلُ الْمُدَّعِي كَانَ غَائِبًا، فَيُقِيمُ الْحَائِزُ بَيِّنَةً بِالسَّمَاعِ فِي تَطَاوُلِ الزَّمَانِ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ أَبِي هَذَا الْقَائِمِ أَوْ مِنْ جَدِّهِ أَوْ مِمَّنْ صَارَتْ إلَيْهِ مِنْهُ، فَيُحْكَمُ لَهُ بِبَقَائِهَا فِي يَدِهِ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَصْبَغَ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهَا مِنْ يَدِ الْحَائِزِ.
فَرْعٌ وَاشْتَرَطَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ السَّمَاعِ لِتَقْرِيرِ الدَّارِ فِي يَدِ الْحَائِزِ أَنْ تَقُولَ الشُّهُودُ سَمِعْنَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا هُوَ أَوْ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ مِنْ هَذَا الْقَائِمِ فِيهَا، أَوْ مِنْ أَبِيهِ أَوْ مِنْ جَدِّهِ، وَلَوْ قَالُوا: سَمِعْنَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا وَلَا نَدْرِي مِمَّنْ لَمْ تَنْفَعْ الشَّهَادَةُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا مِنْ غَاصِبٍ.
فَرْعٌ وَكَذَلِكَ السَّمَاعُ فِي الْأَحْبَاسِ، إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ أَنَّهُ حَبَسَ عَلَى الْحَائِزِينَ لَهُ وَهُوَ تَحْتَ أَيْدِيهمْ، أَوْ يَكُونُ لَا يَدَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ، فَتَشْهَدُ بَيِّنَةٌ بِالسَّمَاعِ أَنَّهُ حَبَسَ عَلَى بَنِي فُلَانٍ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، فَهَذَا الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ.
الثَّانِي الزَّمَانُ: قَالَ مَالِكٌ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي مِلْكِ الدَّارِ خَمْسَ سِنِينَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِيمَا أَتَتْ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ أَوْ خَمْسُونَ سَنَةً، حَكَاهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ، وَلَمْ يَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ طُولًا، وَعَدَّهَا طُولًا فِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ. قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَرُوِيَ أَنَّهَا تَجُوزُ فِي الْعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ تَبِيدُ فِي ذَلِكَ لِقَصْرِ الْأَعْمَارِ. وَقِيلَ إنْ كَانَ وَبَاءٌ فَهِيَ طُولٌ وَإِلَّا فَلَا، يُغْنِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِي الْوَبَاءِ تَمُوتُ الشُّهُودُ فَتُفِيدُ حِينَئِذٍ شَهَادَةُ السَّمَاعِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: السَّلَامَةُ مِنْ الرَّيْبِ، فَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ بِالسَّمَاعِ، وَفِي الْقَبِيلَةِ مِائَةٌ مِنْ أَسْنَانِهِمَا لَا يَعْرِفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ عِلْمُ ذَلِكَ فَاشِيًا فِيهِمْ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ شَهِدَ بِذَلِكَ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ قَدْ بَادَ جِيلُهُمَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ غَيْرُهُمَا، قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ.
وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ: وَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ كَانَا طَارِئَيْنِ فَشَهِدَا بِاسْتِفَاضَةِ مَوْتٍ أَوْ نَحْوِهِ بِبَلَدِهِمَا، وَلَيْسَ مَعَهُمَا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ غَيْرُهُمَا فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَحْلِفَ الْمَشْهُودُ لَهُ، قَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: وَلَا يُقْضَى لِأَحَدٍ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ السَّمَاعِ مِنْ شَاهِدٍ وَاحِدٍ، وَالشَّاهِدُ الْوَاحِدُ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ الْيَمِينِ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَسْمَعُوا الْمَسْمُوعَ مِنْهُمْ، وَإِلَّا كَانَ نَقْلُ شَهَادَةٍ فَلَا تُقْبَلُ إذَا كَانَ الْمَنْقُولُ عَنْهُمْ غَيْرَ عُدُولٍ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ شَهَادَةُ السَّمَاعِ إذَا كَانَ يُنْتَزَعُ بِهَا فَلَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى السَّمَاعِ مِنْ الْعُدُولِ، وَإِنْ كَانَتْ لِيُقِرَّ بِهَا فِي يَدِ الْحَائِزِ فَهَذِهِ مُخْتَلَفٌ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِيهَا.
تَنْبِيهٌ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: إنْ سَقَطَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَلَيْسَتْ شَهَادَتُهُ تَامَّةً، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ إذَا قَالُوا فِي شَهَادَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَهَادَةً عَلَى السَّمَاعِ، وَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَسْمِيَةِ الْعُدُولِ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَتِهِمْ، وَيَرَى الْقَائِلُ بِذَلِكَ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِمْ: لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ سَمَاعًا فَاشِيًا، وَسَقَطَ مِنْ الشَّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَمَا قَالَ: أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي إذَا سَقَطَ مِنْهَا أَهْلُ الْعَدْلِ، فَلَا تَعْمَلُ الشَّهَادَةُ وَلَا تُفِيدُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ اللَّفِيفِ وَغَيْرِ الْعُدُولِ، وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ وَلَا تَعْمَلُ شَيْئًا، فَالشَّهَادَةُ فِي السَّمَاعِ لَا تَكْمُلُ إلَّا بِأَنْ يَضْمَنَ فِيهَا أَهْلُ الْعَدْلِ وَغَيْرُهُمْ، وَلَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِذَلِكَ شَهَادَةً عَلَى قَوْمٍ مُسَمِّينَ بِأَعْيَانِهِمْ، كَمَا ظَهَرَ لِلْقَائِلِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْسَى السَّامِعُونَ الْعُدُولُ الَّذِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَهُمْ قَدْ أَيْقَنُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ سَمَاعًا فَاشِيًا مُتَّصِلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ وَعَقْدِهِ فِي الْمَكَاتِبِ مَضَى النَّاسُ وَأَثْبَتَتْ السِّجِلَّاتُ وَالْأَحْكَامُ وَلَمْ يَأْتِ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ أَوَّلُهَا.
الشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ يَشْهَدَ بِذَلِكَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَيُكْتَفَى بِهِمَا عَلَى الْمَشْهُورِ، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَرْبَعَةٌ.
الشَّرْطُ السَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ السَّمَاعُ فَاشِيًا مِنْ الثِّقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: أَمَّا كَوْنُهُ فَاشِيًا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ الثِّقَاتِ فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ يَحْصُلَ لِلشَّاهِدِ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ يُقَارِبُهُ، وَرُبَّمَا كَانَ خَبَرُ الْعَدْلِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مُفِيدًا، لِمَا يُفِيدُهُ خَبَرُ الْعَدْلِ لِقَرَائِنَ تَحْتَفُّ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ السَّمَاعِ مِنْ غَيْرِ الْعَدْلِ وَمِنْ الْعَدْلِ، وَأَنَّ كَوْنَ السَّمَاعِ مَقْصُورًا عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ يُخْرِجُهُ إلَى نَقْلِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْمُعَيَّنِينَ، وَذَلِكَ بَابٌ آخَرُ.
وَأَمَّا مَحَلُّ شَهَادَةِ السَّمَاعِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ مِنْ الْمَوَاطِنِ الَّتِي يُشْهَدُ فِيهَا بِالسَّمَاعِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ مَوْطِنًا، وَقَدْ نَظَمْتهَا فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
أَيَا سَائِلِي عَمَّا يَنْفُذُ حُكْمُهُ
…
وَيُثْبِتُ سَمْعًا دُونَ عِلْمٍ بِأَصْلِهِ
فَفِي الْعَزْلِ وَالتَّجْرِيحِ وَالْكُفْرِ بَعْدَهُ
…
وَفِي سَفَهٍ أَوْ ضِدَّ ذَلِكَ كُلِّهِ
وَفِي الْبَيْعِ وَالْأَحْبَاسِ وَالصَّدَقَاتِ مَعَ
…
رَضَاعٍ وَخُلْعٍ وَنِكَاحٍ وَحَلِّهِ
وَفِي قِسْمَةٍ أَوْ نِسْبَةٍ وَوِلَادَةٍ
…
وَمَوْتٍ وَحَمْلٍ وَالْمُضِرِّ بِأَهْلِهِ
فَقَدْ كَمُلَتْ عِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ وَاحِدٍ
…
تَدُلُّ عَلَى حِفْظِ الْفَقِيهِ وَنُبْلِهِ
وَزَادَ عَلَيْهِ وَلَدُهُ سِتَّةً نَظَمَهَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ:
وَمِنْهَا هِبَاتٌ وَالْوَصِيَّةُ فَاعْلَمْنَ
…
وَمِلْكٌ قَدِيمٌ قَدْ يُظَنُّ بِمِثْلِهِ
وَمِنْهَا وِلَادَاتٌ وَمِنْهَا حِرَابَةٌ
…
وَمِنْهَا إبَاقٌ فَلْيُضَمَّ لِشَكْلِهِ
أَبِي نَظَمَ الْعِشْرِينَ مِنْ بَعْدِ وَاحِدٍ
…
وَأَتْبَعْتهَا سِتًّا تَمَامًا لِفِعْلِهِ
قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ قَوْلُهُ فِي النَّظْمِ أَوْ ضِدَّ ذَلِكَ كُلِّهِ، يَعْنِي الْوِلَايَةَ وَالتَّعْدِيلَ وَالْإِسْلَامَ وَالرُّشْدَ، وَقَوْلُهُ: وَالْوَصِيَّةُ يُرِيدُ مَا حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ فِي الْكَافِي إذَا شَهِدُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ أَنَّ فُلَانًا كَانَ فِي وِلَايَةِ فُلَانٍ، وَأَنَّهُ كَانَ يَتَوَلَّى النَّظَرَ لَهُ وَالْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ بِإِيصَاءِ أَبِيهِ بِهِ إلَيْهِ، أَوْ بِتَقْدِيمِ قَاضٍ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْهُمْ أَبُوهُ بِالْإِيصَاءِ وَلَا الْقَاضِي بِالتَّقْدِيمِ، وَلَكِنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ بِالِاسْتِفَاضَةِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إذَا شَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدَانِ، وَفِيهَا بَيْنَ أَصْحَابِ مَالِكٍ اخْتِلَافٌ.
قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: وَسُئِلَ ابْنُ زَرْبٍ عَنْ وَصِيٍّ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بَعْدَ ثَلَاثِينَ سَنَةً، بِالسَّمَاعِ عَلَى تَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ أُسْنِدَتْ إلَيْهِ، فَقَالَ شَهَادَتُهُمْ جَائِزَةٌ.
وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ: عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ: شَهَادَةُ السَّمَاعِ جَائِزَةٌ فِي خُطُوطِ الشُّهُودِ الْأَمْوَاتِ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ: أَنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ شَهَادَةُ فُلَانٍ بِخَطِّ يَدِهِ. قَالَ الْمُتَيْطِيُّ عَنْ ابْنِ عَتَّابٍ وَتَجُوزُ فِي جَائِحَةِ الْأَحْبَاسِ.
قَالَ ابْنُ الطَّلَّاعِ: وَكَذَلِكَ الثِّقَةُ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ ابْنُ سَهْلٍ. قَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمِائَتَيْنِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ الْبُنُوَّةَ وَالْأُخُوَّةَ، وَزَادَ الْعَبْدِيُّ الْحُرِّيَّةَ وَالْقَسَامَةَ، وَصُورَتُهَا مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ، فِيمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فِي مِثْلِ سُوقِ الْأَحَدِ.
وَفِي الطُّرَرِ عَنْ الْمَقَالَاتِ لِابْنِ مُغِيثٍ، أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ تَعْمَلُ فِي دَفْعِ النَّقْدِ مِنْ الصَّدَاقِ، وَنَصُّهُ: إذَا شَهِدَ لِلزَّوْجِ بِالسَّمَاعِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِنَقْدٍ، وَكَالِئٍ مَبْلَغُهُ كَذَا إلَى أَجَلِ كَذَا بِرِضَا
وَلِيِّهَا فُلَانٍ، وَأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهَا النَّقْدَ، فَإِنَّ زَوْجِيَّتَهُمَا ثَابِتَةٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي دَفْعِ النَّقْدِ مَعَ يَمِينِهِ، فَقَدْ أَعْمَلَ شَهَادَةَ السَّمَاعِ فِي دَفْعِ النَّقْدِ.
وَذُكِرَ عَنْ ابْنِ مُغِيثٍ: أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ فِي النَّقْدِ غَيْرُ عَامِلَةٍ وَهُوَ أَصَحُّ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْوَاضِحَةِ، أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ جَائِزَةٌ فِي الْحِيَازَاتِ، فَهَذِهِ سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَوْطِنًا، رَأَى الْأَصْحَابُ أَنَّهَا مَوَاطِنَ ضَرُورَةٍ تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ السَّمَاعِ، وَيَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةُ فِيهَا بِالظَّنِّ الْغَالِبِ.
فُرُوعٌ الْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي الْعَدَالَةِ وَالْجُرْحَةِ. قَالَ الْقَرَافِيُّ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا إنَّمَا ذَلِكَ إذْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ الْمَجْرُوحِ وَالْمُعَدَّلِ فَإِنْ أَدْرَكَ زَمَانَهُمْ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعِلْمِ، وَمَنَعَ سَحْنُونٌ الشَّهَادَةَ عَلَى السَّمَاعِ فِيهَا. قَالَ ابْنُ سَحْنُونٍ لَا تَجُوزُ الْجُرْحَةُ عَلَى السَّمَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ إنَّهُ سَمِعَ فُلَانًا وَفُلَانًا يَقُولَانِ هُوَ عِنْدَنَا غَيْرُ عَدْلٍ. مِنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ.
الثَّانِي لَا بُدَّ فِي شَهَادَةِ السَّمَاعِ عَلَى الْمَوْتِ، أَنْ يَقُولَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ سَمِعُوا سَمَاعًا فَاشِيًا مُسْتَفِيضًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّ فُلَانًا ابْنَ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ، تُوُفِّيَ يَوْمَ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ شُهُورِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا، وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْ تَارِيخِ الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ مَنْ يُوَارِثُهُ، لِيَعْرِفَ بِذَلِكَ مَنْ مَاتَ قَبْلَهُ وَمَنْ مَاتَ بَعْدَهُ، مِنْ وَثَائِقِ الْجَزِيرِيِّ.
الثَّالِثُ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ وَأَمَّا شَهَادَةُ السَّمَاعِ عَلَى النَّسَبِ، فَصُورَةُ الشَّهَادَةِ فِيهَا: أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ عَلَى قَدِيمِ الْأَيَّامِ وَمُرُورِ الشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ، سَمَاعًا فَاشِيًا مُنْتَشِرًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ، أَنَّ فُلَانًا بْنَ فُلَانٍ قُرَشِيٌّ، مِنْ فَخْذِ كَذَا، وَيَعْرِفُونَهُ وَأَبَاهُ مِنْ قَبْلِهِ قَدْ جَازَ هَذَا النَّسَبُ، وَبَيَّنَاهُ فِي شَهَادَتِهِمَا لَا يَعْلَمُونَ أَحَدًا يَطْعَنُ عَلَيْهِمَا فِيهِ، إلَى حِينِ تَارِيخِ إيقَاعِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَإِذَا شَهِدُوا بِذَلِكَ فَمَنْ نَفَاهُ عَنْ ذَلِكَ النَّسَبِ حُدَّ لَهُ.
وَفِي مُفِيدِ الْحُكَّامِ أَنَّ شَهَادَةَ السَّمَاعِ لَا تُفِيدُ فِي النَّسَبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ سَمَاعًا فَاشِيًا مُسْتَفِيضًا يَقَعُ بِهِ الْعِلْمُ، فَيَرْتَفِعُ عَنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ وَيَصِيرُ مِنْ بَابِ الِاسْتِفَاضَةِ وَالضَّرُورَةِ، وَهَذَا مِثْلُ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ نَافِعًا مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَأَنَّ مَالِكًا ابْنُ أَنَسٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ الشَّاهِدُ بِذَلِكَ
أَصْلَهُ، وَأَمَّا إنْ قَصَّرَ عَنْ هَذَا الْحَدِّ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّهَادَةِ الْمَالَ دُونَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِ وَارِثٌ مُسْتَحِقٌّ.
الرَّابِعُ وَأَمَّا شَهَادَةُ السَّمَاعِ عَلَى الْوَلَاءِ، فَصِفَتُهَا أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَسْمَعُونَ سَمَاعًا فَاشِيًا مُسْتَفِيضًا عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ مَوْلًى لِفُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ بِوَلَاءِ الْعَتَاقَةِ، أَوْ أَنَّ جَدَّهُ فُلَانٌ لِأَبِيهِ، قَدْ أَعْتَقَ جَدَّ الْمَوْلَى فُلَانٍ لِأَبِيهِ، وَيَحْتَاجُ الشُّهُودُ لَهُ إذَا تُوُفِّيَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالْوَلَاءِ، أَنْ يُثْبِتَ الْمَوْتَ وَالْوِرَاثَاتِ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى مَوْتِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَوْتُ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ قَدْ بَعُدَ فَيَسْقُطُ الْإِثْبَاتُ لِذَلِكَ، وَيَسْتَحِقُّ بِهَذِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَالَ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ وَيَسْتَحِقُّ فِي قَوْلِ أَشْهَبَ الْوَلَاءَ وَالْمَالَ فِي وَثَائِقِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجَزِيرِيِّ، وَبِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْقَضَاءَ.
فَرْعٌ وَفِي تَنْبِيهِ الْحُكَّامِ، الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ فِي الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ لَا يُحْكَمُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ بِهِ إلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُ لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ قَاطِعَةٍ، ثُمَّ لَا يَسْتَحِقُّ بَعْدَ الْيَمِينِ حُكْمَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ الْمِيرَاثَ الْحَاضِرَ، وَإِنْ تَوَجَّهَ لَهُ مِيرَاثٌ آخَرُ يَسْتَحِقُّهُ، بِذَلِكَ الْوَلَاءِ وَالنَّسَبِ، كَمَا لَوْ مَاتَ مَوْلَى الْمُتَوَفَّى الْأَوَّلِ أَوْ بِنْتُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ بِالشَّهَادَةِ الْأُولَى، حَتَّى تَكُونَ الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ فِي اسْتِحْقَاقِ وَلَاءِ هَذَا الْمَيِّتِ، وَيَحْلِفُ أَيْضًا كَمَا فَعَلَ فِي الْأَوَّلِ، وَقَالَ أَشْهَبُ يَسْتَحِقُّ الْوَلَاءَ وَالنَّسَبَ بِشَهَادَةِ السَّمَاعِ دُونَ يَمِينٍ.
الْخَامِسُ وَأَمَّا شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي النِّكَاحِ، فَإِذَا ادَّعَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ النِّكَاحَ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ، فَأَتَى الْمُدَّعِي بِبَيِّنَةِ سَمَاعٍ فَاشٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى النِّكَاحِ، وَاشْتِهَارِهِ بِالدُّفِّ وَالدُّخَانِ، ثَبَتَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ إنَّمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ السَّمَاعِ فِي النِّكَاحِ، إذَا اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُتَيْطِيَّةِ.
السَّادِسُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ عَلَى السَّمَاعِ فِي الْحَبْسِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَحْبَاسُ، وَيُحْتَرَمُ بِحُرْمَتِهَا، وَأَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِمَنْ بَتَلَ فِيهَا الْحَبْسَ الْمَذْكُورَ، وَيُجَاوِزُونَهَا بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهَا تُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَحْبَاسُ، وَتُحْتَرَمُ بِحُرْمَتِهَا سَقَطَتْ الشَّهَادَةُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَنْدَلُسِيِّينَ: لَوْ شَهِدُوا عَلَى أَصْلِ الْمُحْبَسِ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ حَبْسًا، حَتَّى يَشْهَدُوا بِالْمِلْكِ لِلْمُحْبِسِ يَوْمَ حُبِسَ.
فَرْعٌ قَالَ ابْنُ الْهِنْدِيِّ: إذَا ذَكَرُوا فِي وَثِيقَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى السَّمَاعِ فِي الْحَبْسِ اسْمَ الْمُحْبِسِ، وَكَانَ قَدْ تُوُفِّيَ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ مَوْتِهِ، وَعِدَّةُ وَرَثَتِهِ عَلَى تَنَاسُخِ الْوِرَاثَاتِ، ثُمَّ يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِدْفَعٌ نَفَذَ ذَلِكَ، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ إذَا بَعُدَ عَهْدُ مَوْتِ الْمُحْبَسِ وَتَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ وَإِثْبَاتُ وَرَثَتِهِ أَنَّ ذَلِكَ سَاقِطٌ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ إثْبَاتُ ذَلِكَ، وَالْقَائِلُ بِذَلِكَ يُحَدِّدُ بِنَحْوِ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ سَنَةً، وَكَذَلِكَ يَسْقُطُ مَعَ الْقِدَمِ إثْبَاتُ الْمِلْكِ، وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ سَمِعْنَا أَنَّهَا حَبْسٌ، وَلَمْ نَسْمَعْ عَنْ الْمُحْبَسِ مَنْ هُوَ، لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الشَّهَادَةَ وَهِيَ تَامَّةٌ.
فَرْعٌ وَهَلْ يَلْزَمُ ذِكْرُ الْمُدَّةِ الَّتِي سَمِعُوا فِيهَا؟ وَيَذْكُرُونَ ذَلِكَ فِي الْوَثِيقَةِ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ: أَمَّا إسْقَاطُ مُدَّةِ السَّمَاعِ، فَهُوَ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُكْرِي وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَنْدَلُسِ: لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ فِي الْوَثِيقَةِ مُدَّةَ السَّمَاعِ لِذَلِكَ لِمَا وَقَعَ مِنْ الْخِلَافِ فِي قَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا شَهَادَةُ السَّمَاعِ.
السَّابِعُ وَأَمَّا الشَّهَادَةُ بِالسَّمَاعِ عَلَى الضَّرَرِ فَإِذَا شَهِدَ بِهِ بِالسَّمَاعِ الْفَاشِي مِنْ قَوْلِ النِّسَاءِ وَغَيْرِهِنَّ مِنْ الرِّجَالِ جَازَ، وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ لَهَا شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِمَعْرِفَةِ الضَّرَرِ، وَشَهِدَ لَهَا السَّمَاعَ مَعَ الشَّهَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزَّوْجِ فِيهِ مِدْفَعٌ وَلَا يَمِينَ عَلَيْهَا، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ شَهَادَةِ السَّمَاعِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى جِيرَانِهِمَا، فَإِذَا كَانَ إضْرَارُهُ بِهَا مَشْهُورًا مَعْرُوفًا حَتَّى تَوَاطَأَ سَمَاعُهُمْ عَلَى ظُلْمِهِ لَهَا فِي إسَاءَةِ عِشْرَتِهَا فِي غَيْرِ ذَنْبٍ مِنْهَا تَسْتَوْجِبُ بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَشَهِدَ عَلَى ذَلِكَ النِّسَاءُ الْعُدُولُ، أَوْ غَيْرُهُنَّ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى سَمَاعِهِمْ مِنْ النِّسَاءِ، طَلَّقَهَا عَلَيْهِ السُّلْطَانُ، وَقَدْ تَسْتَحِقُّ الْمَرْأَةُ الضَّرْبَ الْوَجِيعَ بِالذَّنْبِ تَرْتَكِبُهُ، وَقَدْ شَجَّ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما زَوْجَتَهُ، انْتَهَى مِنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ.